الباحث القرآني

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَّهُ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ، أَيْ: عَنْ أَحْوَالِهِمْ، وَكَيْفَ كَانُوا فِي الدُّنْيَا، وَمَاذَا كَانُوا يُعَانُونَ فِيهَا؟ وَذَلِكَ مِنْ حَدِيثِهِمْ عَلَى شَرَابِهِمْ، [[في أ: "سراتهم".]] وَاجْتِمَاعِهِمْ فِي تُنَادِمِهِمْ وَعِشْرَتِهِمْ فِي مَجَالِسِهِمْ، وَهُمْ جُلُوسٌ عَلَى السُّرُرِ، وَالْخَدَمِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، يَسْعَوْنَ وَيَجِيئُونَ بِكُلِّ خَيْرٍ عَظِيمٍ، مِنْ مَآكِلَ وَمُشَارِبَ وَمَلَابِسَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي شَيْطَانًا. وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ الرَّجُلُ الْمُشْرِكُ، يَكُونُ لَهُ صَاحِبٌ مِنْ أَهَّلَ الْإِيمَانِ فِي الدُّنْيَا. وَلَا تَنَافِي بَيْنَ كَلَامِ مُجَاهِدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَكُونُ مِنَ الْجِنِّ فَيُوَسْوِسُ فِي النَّفْسِ، وَيَكُونُ مِنَ الْإِنْسِ فَيَقُولُ كَلَامًا تَسْمَعُهُ الْأُذُنَانِ، وَكِلَاهُمَا مُتَعَادِيَانِ، [[في ت، س: "متعاونان".]] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾ [الْأَنْعَامِ:١١٢] وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُوَسْوِسُ، كَمَا قَالَ [[في ت: "قال الله تعالى".]] تَعَالَى: ﴿ [قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ. مَلِكِ النَّاسِ. إِلَهِ النَّاسِ] . مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ. الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ. مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاس﴾ [سُورَةُ النَّاسِ] [[زيادة من ت، س، أ.]] . وَلِهَذَا ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ. يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ﴾ أَيْ: أَأَنْتَ تُصَدِّقُ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَالْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ؟! يَعْنِي: يَقُولُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّعَجُّبِ وَالتَّكْذِيبِ وَالِاسْتِبْعَادِ، وَالْكُفْرِ وَالْعِنَادِ. ﴿أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَالسُّدِّيُّ: لَمُحَاسَبُونَ؟ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، ومحمد بن كعب القرظي: لمجزيون بأعمالنا؟. قَالَ: ﴿قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ﴾ أَيْ:مُشْرِفُونَ. يَقُولُ الْمُؤْمِنُ لِأَصْحَابِهِ وَجُلَسَائِهِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. ﴿فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَخُلَيْدٌ الْعَصْرِيُّ وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ [وَغَيْرُهُمْ] [[زيادة من ت.]] يَعْنِي فِي وَسَطِ الْجَحِيمِ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: فِي وَسَطِ الْجَحِيمِ كَأَنَّهُ شِهَابٌ يَتَّقِدُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ اطَّلَعَ فَرَأَى جَمَاجِمَ الْقَوْمِ تَغْلِي. وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ قَالَ: فِي الْجَنَّةِ كُوًى إِذَا أَرَادَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهَا أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عَدُوِّهِ فِي النَّارِ اطَّلَعَ فِيهَا، فَازْدَادَ شُكْرًا. ﴿قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ﴾ يَقُولُ الْمُؤْمِنَ مُخَاطِبًا لِلْكَافِرِ: وَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُهْلِكُنِي لَوْ أَطَعْتُكَ. ﴿وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ أَيْ: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيَّ لَكُنْتُ مِثْلَكَ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ حَيْثُ أَنْتَ، مُحْضَرٌ مَعَكَ فِي الْعَذَابِ، وَلَكِنَّهُ تَفَضَّلَ [عَلَيَّ] [[زيادة من س، أ.]] وَرَحِمَنِي فَهَدَانِي لِلْإِيمَانِ، وَأَرْشَدَنِي إِلَى تَوْحِيدِهِ ﴿وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ [الْأَعْرَافِ:٤٣] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ. إِلا مَوْتَتَنَا الأولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْمُؤْمِنِ مُغْبِطًا نَفْسَهُ بِمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْخُلْدِ فِي الْجَنَّةِ [[في ت: "في الجنة من الخلد".]] وَالْإِقَامَةِ فِي دَارِ الْكَرَامَةِ، لَا مَوْتَ فِيهَا وَلَا عَذَابَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ قَالَ [[في ت: "روى".]] ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الظَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ العَدَني، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِأَهْلِ الْجَنَّةِ: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الطُّورِ:١٩] ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَوْلُهُ: ﴿هَنِيئًا﴾ أَيْ: لَا يَمُوتُونَ [[في ت، س: "لا تموتون".]] فِيهَا. فَعِنْدَهَا قَالُوا: ﴿أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ. إِلا مَوْتَتَنَا الأولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: عَلِمُوا أَنَّ كُلَّ نَعِيمٍ فَإِنَّ الْمَوْتَ يَقْطَعُهُ، فَقَالُوا: ﴿أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ. إِلا مَوْتَتَنَا الأولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ ، قِيلَ [لَهُمْ] : [[زيادة من ت، أ.]] لَا. قَالُوا: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ * * * وَقَوْلُهُ: ﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾ قَالَ قَتَادَةُ: هَذَا مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هُوَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَعْنَاهُ: لِمِثْلِ هَذَا النَّعِيمِ وَهَذَا الْفَوْزِ فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ فِي الدُّنْيَا، لِيَصِيرُوا إِلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ [[تفسير الطبري (٢٣/٤٠) .]] . وَقَدْ ذَكَرُوا قِصَّةَ رَجُلَيْنِ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، تَدْخُلُ فِي ضِمْنِ عُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنِ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، حَدَّثَنَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ فُرَاتِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْبَهْرَانِيِّ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ﴾ قال: إن رجلين كانا شَرِيكَيْنِ، فَاجْتَمَعَ لَهُمَا ثَمَانِيَةُ آلَافِ دِينَارٍ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا لَهُ حِرْفَةٌ، وَالْآخِرُ لَيْسَ لَهُ حِرْفَةٌ، فَقَالَ الَّذِي لَهُ حِرْفَةٌ لِلْآخَرِ: لَيْسَ عِنْدَكَ حِرْفَةٌ، مَا أَرَانِي إِلَّا مُفَارِقُكَ وَمُقَاسِمُكَ، فَقَاسَمَهُ وَفَارَقَهُ، ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ اشْتَرَى دَارًا بِأَلْفِ دِينَارٍ كَانَتْ لِمَلِكٍ، مَاتَ، فَدَعَا صَاحِبَهُ فَأَرَاهُ فَقَالَ: كَيْفَ [[في ت، س: "فكيف".]] تَرَى هَذِهِ الدَّارَ؟ ابْتَعْتُهَا بِأَلْفِ دِينَارٍ؟ قَالَ: مَا أَحْسَنَهَا! فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ صَاحِبِي ابْتَاعَ [[في ت، س: "إن صاحبي هذا قد ابتاع".]] هَذِهِ الدَّارَ بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَإِنِّي أَسْأَلُكَ دَارًا مِنْ دُورِ الْجَنَّةِ، فَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِينَارٍ، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ إِنَّهُ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ [[في ت، س: "امرأة".]] بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَدَعَاهُ وَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا. فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً بِأَلْفِ دِينَارٍ. قَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا! فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: يَا رَبِّ، إِنَّ صَاحِبِي تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَإِنِّي أَسْأَلُكَ امْرَأَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ. فَتَصَدَّقُ بِأَلْفِ دِينَارٍ، ثُمَّ إِنَّهُ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ. ثُمَّ اشْتَرَى بُسْتَانَيْنِ بِأَلْفَيْ دِينَارٍ، ثُمَّ دَعَاهُ فَأَرَاهُ فَقَالَ: إِنِّي ابْتَعْتُ هَذَيْنِ الْبُسْتَانَيْنِ. [[في ت، أ: "البساتين بألفي دينار".]] فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا! فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ: يَا رَبِّ، إِنَّ صَاحِبِي قَدِ اشْتَرَى بُسْتَانَيْنِ بِأَلْفَيْ دِينَارٍ، وَأَنَا أَسْأَلُكَ بُسْتَانَيْنِ فِي الْجَنَّةِ. فَتَصَدَّقَ بِأَلْفَيْ دِينَارٍ، ثُمَّ إِنِ الْمَلَكَ أَتَاهُمَا فَتَوَفَّاهُمَا، ثُمَّ انْطَلَقَ بِهَذَا الْمُتَصَدِّقِ، فَأَدْخَلَهُ دَارًا تُعْجِبُهُ، وَإِذَا امْرَأَةٌ تَطْلُعُ يُضِيءُ مَا تَحْتَهَا مِنْ حُسْنِهَا، ثُمَّ أَدْخَلَهُ بُسْتَانَيْنِ وَشَيْئًا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ، [[في ت: "وفيهما ما الله به عليم".]] فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: مَا أَشْبَهَ هَذَا بِرَجُلٍ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: فَإِنَّهُ ذَاكَ، وَلَكَ هَذَا الْمَنْزِلُ وَالْبُسْتَانَانِ وَالْمَرْأَةُ. قَالَ: فَإِنَّهُ كَانَ لِي صَاحِبٌ يَقُولُ: أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ؟ قِيلَ لَهُ: فَإِنَّهُ فِي الْجَحِيمِ. قَالَ: هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ؟ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ. فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ. وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ الْآيَاتِ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَهَذَا يُقَوِّي قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ: "أَئِنَّكَ لَمِنَ المُصَّدّقِينَ" بِالتَّشْدِيدِ. وَقَالَ [[في ت: "وروى".]] ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَبَّارُ أَبُو حَفْصٍ قَالَ: سَأَلْتُ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيَّ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ. يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ﴾ ؟ قَالَ: فَقَالَ لِي: مَا ذَكَّرَكَ هَذَا؟ قُلْتُ: قَرَأْتُهُ آنِفًا فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ؟ فَقَالَ: أَمَا فَاحْفَظْ، كَانَ شَرِيكَانِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَحَدُهُمَا مُؤْمِنٌ وَالْآخَرُ كَافِرٌ، فَافْتَرَقَا عَلَى سِتَّةِ آلَافِ دِينَارٍ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ آلَافِ دِينَارٍ، فَمَكَثَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَا، ثُمَّ الْتَقَيَا فَقَالَ الْكَافِرُ لِلْمُؤْمِنِ: مَا صَنَعْتَ فِي مَالِكَ؟ أَضَرَبْتَ بِهِ شَيْئًا؟ أَتَّجَرْتَ بِهِ فِي شَيْءٍ؟ فَقَالَ لَهُ الْمُؤْمِنُ: لَا فَمَا صَنَعْتَ أَنْتَ؟ فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ بِهِ أَرْضًا وَنَخْلًا وَثِمَارًا وَأَنْهَارًا [[في ت، س: "وأنهار بألف دينار".]] قَالَ: فَقَالَ لَهُ الْمُؤْمِنُ: أَوَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَرَجَعَ الْمُؤْمِنُ حَتَّى إِذَا كَانَ اللَّيْلُ صَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُصَلِّيَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَخَذَ أَلْفَ دِينَارٍ فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللهم إن فلانا -يعني شريكه الكافر-اشترى أَرْضًا وَنَخْلًا وَثِمَارًا وَأَنْهَارًا بِأَلْفِ دِينَارٍ، ثُمَّ يَمُوتُ غَدًا وَيَتْرُكُهَا، اللَّهُمَّ إِنِّي اشْتَرَيْتُ مِنْكَ بِهَذِهِ الْأَلْفِ دِينَارٍ [[في س: "الدينار".]] أَرْضًا وَنَخْلًا وَثِمَارًا وَأَنْهَارًا فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: ثُمَّ أَصْبَحَ فَقَسَمَهَا فِي الْمَسَاكِينِ. قَالَ: ثُمَّ مَكَثَا مَا شَاءَ اللَّهُ أن يمكثا، ثم التقيا فقال الكافر لِلْمُؤْمِنِ: مَا صَنَعْتَ فِي مَالِكَ، أَضَرَبْتَ بِهِ فِي شَيْءٍ؟ أَتَّجَرْتَ بِهِ فِي شَيْءٍ؟ قَالَ: لَا فَمَا صَنَعْتَ أَنْتَ. قَالَ: كَانَتْ ضَيْعَتِي قَدِ اشْتَدَّ عَلَيَّ مُؤْنَتُهَا، فَاشْتَرَيْتُ رَقِيقًا بِأَلْفِ دِينَارٍ، يَقُومُونَ بِي [[في ت، س، أ: "لي".]] فِيهَا، وَيَعْمَلُونَ لِي فِيهَا. فَقَالَ لَهُ الْمُؤْمِنُ: أَوَفَعَلْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَرَجَعَ الْمُؤْمِنُ حَتَّى إِذَا كَانَ اللَّيْلُ صَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُصَلِّيَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَخَذَ أَلْفَ دِينَارٍ فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قال: اللهم إن فلانا -يعني شريكه الكافر-اشْتَرَى رَقِيقًا مِنْ رَقِيقِ الدُّنْيَا بِأَلْفِ دِينَارٍ، يَمُوتُ غَدًا وَيَتْرُكُهُمْ، أَوْ يَمُوتُونَ فَيَتْرُكُونَهُ، اللَّهُمَّ، وَإِنِّي أَشْتَرِي مِنْكَ بِهَذِهِ الْأَلِفِ الدِّينَارِ رَقِيقًا فِي الْجَنَّةِ. ثُمَّ أَصْبَحَ فَقَسَمَهَا فِي الْمَسَاكِينِ. قَالَ: ثُمَّ مَكَثَا مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَمْكُثَا، ثُمَّ الْتَقَيَا فَقَالَ الْكَافِرُ لِلْمُؤْمِنِ: مَا صَنَعْتَ فِي مَالِكَ؟ أَضَرَبْتَ بِهِ فِي شَيْءٍ؟ أَتَّجَرْتَ بِهِ فِي شَيْءٍ؟ قَالَ لَا فَمَا صَنَعْتَ أَنْتَ؟ قَالَ: أَمْرِي كُلُّهُ قَدْ تَمَّ إِلَّا شَيْئًا وَاحِدًا، فُلَانَةٌ قَدْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا، فَأَصْدَقْتُهَا أَلْفَ دِينَارٍ، فَجَاءَتْنِي بِهَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا. فَقَالَ لَهُ الْمُؤْمِنُ: أَوَفَعَلْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَرَجَعَ الْمُؤْمِنُ حَتَّى إِذَا كَانَ اللَّيْلُ صَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُصَلِّيَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَخَذَ الْأَلْفَ الدِّينَارِ الْبَاقِيَةَ، فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ فُلَانًا -يَعْنِي شَرِيكَهُ الْكَافِرَ-تَزَوَّجَ زَوْجَةً مِنْ أَزْوَاجِ الدُّنْيَا [[في ت، س: "الدنيا بألف دينار".]] فَيَمُوتُ غَدًا فَيَتْرُكُهَا، أَوْ يَمُوتُ فَتَتْرُكُهُ، اللَّهُمَّ وَإِنِّي أَخْطُبُ إِلَيْكَ بِهَذِهِ الْأَلْفِ الدِّينَارِ [[في ت: "دينار".]] حَوْرَاءَ عَيْنَاءَ فِي الْجَنَّةِ. ثُمَّ [[في ت: "هذه الدابة".]] أَصْبَحَ فَقَسَمَهَا بَيْنَ الْمَسَاكِينِ. قَالَ: فَبَقِيَ الْمُؤْمِنُ لَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ. قَالَ: فَلَبِسَ قَمِيصًا مِنْ قُطْنٍ، وَكِسَاءً مِنْ صُوفٍ، ثُمَّ أَخَذَ مَرًّا فَجَعَلَهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، يَعْمَلُ الشَّيْءَ وَيَحْفِرُ الشَّيْءَ بِقُوَّتِهِ. قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَتُؤَاجِرُنِي نَفْسَكَ مُشَاهَرَةً، شَهْرًا بِشَهْرٍ، تَقُومُ عَلَى دَوَابٍّ لِي تَعْلِفُهَا وَتَكْنُسُ سَرْقينها؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَوَاجَرَهُ نَفْسَهُ مُشَاهَرَةً، شَهْرًا بِشَهْرٍ، يَقُومُ عَلَى دَوَابِّهِ. قَالَ: فَكَانَ صَاحِبُ الدَّوَابِّ يَغْدُو كُلَّ يَوْمٍ يَنْظُرُ إِلَى دَوَابِّهِ، فَإِذَا رَأَى مِنْهَا دَابَّةً ضَامِرَةً، أَخَذَ بِرَأْسِهِ فَوَجَأَ عُنُقَهُ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: سَرَقْتَ شَعِيرَ هَذِهِ [[في ت: "هذه الدابة".]] الْبَارِحَةَ؟ فَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُ هَذِهِ الشِّدَّةَ قَالَ: لَآتِيَنَّ شَرِيكِيَ الْكَافِرَ، فَلَأَعْمَلَنَّ فِي أَرْضِهِ فَيُطْعِمُنِي هَذِهِ الْكِسْرَةَ يَوْمًا [[في ت، س: "يوما بيوم".]] ، وَيَكْسُونِي هَذَيْنَ الثَّوْبَيْنِ إِذَا بَلِيَا. قَالَ: فَانْطَلَقَ يُرِيدُهُ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى بَابِهِ وَهُوَ مُمْسٍ، فَإِذَا قَصْرٌ مُشَيَّدٌ فِي السَّمَاءِ، وَإِذَا حَوْلَهُ الْبَوَّابُونَ فَقَالَ لَهُمُ: اسْتَأْذِنُوا لِي [[في ت، س: "لي على".]] صَاحِبَ هَذَا الْقَصْرِ فَإِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ سَرَّهُ ذَلِكَ، فَقَالُوا لَهُ: انْطَلِقْ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَنَمْ فِي نَاحِيَةٍ، فَإِذَا أَصْبَحْتَ فَتَعَرَّضْ لَهُ. قَالَ: فَانْطَلَقَ الْمُؤْمِنُ، فَأَلْقَى نِصْفَ كِسَائِهِ تَحْتَهُ، وَنِصْفَهُ فَوْقَهُ، ثُمَّ نَامَ. فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى شَرِيكَهُ فَتَعَرَّضَ لَهُ، فَخَرَجَ شَرِيكُهُ الْكَافِرُ وَهُوَ رَاكِبٌ، فَلَمَّا رَآهُ عَرَفَهُ فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَصَافَحَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَلَمْ تَأْخُذْ مِنَ الْمَالِ مِثْلَ مَا أَخَذْتُ؟ قَالَ: بَلَى وَهَذِهِ حَالِي [[في ت: "حالتي".]] وَهَذِهِ حَالُكَ. قَالَ: أَخْبِرْنِي مَا صَنَعْتَ فِي مَالِكَ؟ قَالَ: لَا تَسْأَلْنِي عَنْهُ. قَالَ: فَمَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: جِئْتُ أَعْمَلُ فِي أَرْضِكَ هَذِهِ، فَتُطْعِمُنِي هَذِهِ الْكِسْرَةَ يَوْمًا بِيَوْمٍ، وَتَكْسُونِي هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ إِذَا بَلِيَا. قَالَ: لَا وَلَكِنْ أَصْنَعُ بِكَ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ هَذَا، وَلَكِنْ لَا تَرَى مِنِّي خَيْرًا حَتَّى تُخْبِرَنِي مَا صَنَعْتَ فِي مَالِكَ؟ قَالَ: أَقْرَضْتُهُ: قَالَ: مَنْ؟ قَالَ: الْمَلِيءَ الْوَفِيَّ. قَالَ: مَنْ؟ قَالَ: اللَّهَ رَبِّي. قَالَ: وَهُوَ مُصَافِحُهُ فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: ﴿أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ. أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ﴾ -قَالَ السُّدِّيُّ: مُحَاسَبُونَ-قَالَ: فَانْطَلَقَ [[في ت، س: "وانطلق".]] الْكَافِرُ وَتَرَكَهُ. قَالَ: فَلَمَّا رَآهُ الْمُؤْمِنُ لَيْسَ يَلْوِي عَلَيْهِ، رَجَعَ وَتَرَكَهُ، يَعِيشُ الْمُؤْمِنُ فِي شِدَّةٍ مِنَ الزَّمَانِ، وَيَعِيشُ الْكَافِرُ فِي رَخَاءٍ مِنَ الزَّمَانِ. قَالَ: فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَأَدْخَلَ اللَّهُ الْمُؤْمِنَ الْجَنَّةَ، يَمُرُّ فَإِذَا هُوَ بِأَرْضٍ وَنَخْلٍ وَثِمَارٍ وَأَنْهَارٍ، فَيَقُولُ: لِمَنْ هَذَا [[في أ: "هذه".]] ؟ فَيُقَالُ: هَذَا لَكَ. فيقول: يا سبحان الله! أوَ بلغ مِنْ فَضْلِ عَمَلِي أَنْ أُثَابَ بِمِثْلِ هَذَا؟! قَالَ: ثُمَّ يَمُرُّ فَإِذَا هُوَ بِرَقِيقٍ لَا تُحْصَى عِدَّتُهُمْ، فَيَقُولُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَيُقَالُ: هَؤُلَاءِ لك. فيقول: يا سبحان الله! أوبلغ من فَضْلِ عَمَلِي أَنْ أُثَابَ بِمِثْلِ هَذَا؟! قَالَ: ثُمَّ يَمُرُّ فَإِذَا هُوَ بِقُبَّةٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ مُجَوَّفَةٍ، فِيهَا حَوْرَاءُ عَيْنَاءُ، فَيَقُولُ: لِمَنْ هَذِهِ؟ فَيُقَالُ: هَذِهِ لَكَ. فَيَقُولُ: يَا سُبْحَانَ الله! أوبلغ من فضل عملي أن أثاب بِمِثْلِ هَذَا؟! قَالَ: ثُمَّ يَذْكُرُ الْمُؤْمِنُ شَرِيكَهُ الْكَافِرَ فَيَقُولُ: ﴿إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ. يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ. أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ﴾ قَالَ: فَالْجَنَّةُ عَالِيَةٌ، وَالنَّارُ هَاوِيَةٌ. قَالَ:فَيُرِيهِ اللَّهُ شَرِيكَهُ فِي وَسَطِ الْجَحِيمِ، مِنْ بَيْنِ أَهْلِ النَّارِ، فَإِذَا رَآهُ الْمُؤْمِنُ عَرَفَهُ، فَيَقُولُ ﴿تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ. وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ. أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ. إِلا مَوْتَتَنَا الأولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ. إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾ بِمَثَلِ مَا [[في ت، س: "ما قد".]] مَنَّ عَلَيْهِ. قَالَ: فَيَتَذَكَّرُ الْمُؤْمِنُ مَا مَرَّ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا مِنَ الشِّدَّةِ، فَلَا يَذْكُرُ مِمَّا مَرَّ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا مِنَ الشِّدَّةِ، أَشُدَّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ [[وهذا من أخبار بني إسرائيل التي لا يعتمد عليها.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب