يَقُولُ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ﴾ أَيْ: تَقَدَّمَ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَاقِبَةَ لِلرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الْمُجَادَلَةِ:٢١] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ﴾ [غَافِرٍ:٥١] ؛ وَلِهَذَا قَالَ:: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ﴾ أَيْ: فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ نُصْرَتِهِمْ عَلَى قَوْمِهِمْ مِمَّنْ كَذَّبَهُمْ وَخَالَفَهُمْ، وَكَيْفَ أَهْلَكَ اللَّهُ الْكَافِرِينَ، وَنَجَّى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ.
﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ أَيْ: تَكُونُ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ.
* * *
وَقَوْلُهُ جَلَّ وَعَلَا ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ﴾ أَيِ: اصْبِرْ عَلَى أَذَاهُمْ لَكَ، وَانْتَظِرْ إِلَى وَقْتٍ مُؤَجَّلٍ، فَإِنَّا سَنَجْعَلُ لَكَ الْعَاقِبَةَ وَالنُّصْرَةَ وَالظَّفَرَ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: غيَّى [[في أ: "عنا".]] ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ بَدْرٍ. وَمَا بَعْدَهَا أَيْضًا فِي مَعْنَاهَا.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ أَيْ: أَنْظِرْهُمْ وَارْتَقِبْ مَاذَا يَحِلُّ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ عَلَى مُخَالَفَتِكَ [[في ت، أ: "بمخالفتك".]] وَتَكْذِيبِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ عَلَى وَجْهِ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ: ﴿فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ . ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ ﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ﴾ أَيْ: هُمْ إِنَّمَا يَسْتَعْجِلُونَ الْعَذَابَ لِتَكْذِيبِهِمْ وَكُفْرِهِمْ [[في أ: "لتكذيبك وكفرهم بك".]] ، فَإِنَّ اللَّهَ يَغْضَبُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ، وَيُعَجِّلُ لَهُمُ الْعُقُوبَةَ، وَمَعَ هَذَا أَيْضًا كَانُوا مِنْ كُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ يَسْتَعْجِلُونَ الْعَذَابَ وَالْعُقُوبَةَ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا نزلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ﴾ أَيْ: فَإِذَا نَزَلَ الْعَذَابُ بِمَحِلَّتِهِمْ، فَبِئْسَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمُهُمْ، بِإِهْلَاكِهِمْ وَدَمَارِهِمْ [[في أ: "وبإدمارهم".]] .
قَالَ السُّدِّيُّ: ﴿فَإِذَا نزلَ بِسَاحَتِهِمْ﴾ يَعْنِي: بِدَارِهِمْ، ﴿فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ﴾ أَيْ: فَبِئْسَ مَا يُصْبِحُونَ، أَيْ: بِئْسَ الصَّبَاحُ صَبَاحُهُمْ؛ وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْب، عَنْ أَنَسِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: صَبَّح رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَيْبَرَ، فَلَمَّا خَرَجُوا بِفُؤُوسِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ وَرَأَوُا الْجَيْشَ، رَجَعُوا [وَهُمْ] [[زيادة من أ.]] يَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ، مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ" [[صحيح البخاري برقم (٣٧١) وصحيح مسلم برقم (١٣٦٥)]] وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ حُميد، عَنْ أَنَسٍ [[صحيح البخاري برقم (٤١٩٧)]] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوح، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ بْنِ أَبِي عَرُوَبة، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ بن مَالِكٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ: لَمَّا صَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَيْبَرَ، وقد أخذوا مساحيهم وغَدَوا إلى حروثهم وَأَرْضِيهِمْ، فَلَمَّا رَأَوُا النَّبِيَّ ﷺ وَلَّوْا [[في س، أ: "نكصوا".]] مُدْبِرِينَ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: " اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ" [[المسند (٢/٢٨)]] لَمْ يُخْرِجُوهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ. وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾
تَأْكِيدٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَمْرِ بِذَلِكَ.
{"ayahs_start":171,"ayahs":["وَلَقَدۡ سَبَقَتۡ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلۡمُرۡسَلِینَ","إِنَّهُمۡ لَهُمُ ٱلۡمَنصُورُونَ","وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلۡغَـٰلِبُونَ","فَتَوَلَّ عَنۡهُمۡ حَتَّىٰ حِینࣲ","وَأَبۡصِرۡهُمۡ فَسَوۡفَ یُبۡصِرُونَ","أَفَبِعَذَابِنَا یَسۡتَعۡجِلُونَ","فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمۡ فَسَاۤءَ صَبَاحُ ٱلۡمُنذَرِینَ","وَتَوَلَّ عَنۡهُمۡ حَتَّىٰ حِینࣲ","وَأَبۡصِرۡ فَسَوۡفَ یُبۡصِرُونَ"],"ayah":"وَلَقَدۡ سَبَقَتۡ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلۡمُرۡسَلِینَ"}