قَالَ مُجَاهِدٌ، وعِكْرِمَة، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، والسُّدِّي. وَقَتَادَةُ: جَاءَ أُبي بْنُ خَلَفٍ [لَعَنَهُ اللَّهُ] [[زيادة من س، أ.]] إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَفِي يَدِهِ عَظْمٌ رَمِيمٌ وَهُوَ يُفَتِّتُه وَيُذْرِيهِ [[في أ: "ويذروه".]] فِي الْهَوَاءِ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، أَتَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ هَذَا؟ فَقَالَ: "نَعَمْ، يُمِيتُكَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ يَبْعَثُكَ، ثُمَّ يَحْشُرُكَ إِلَى النَّارِ". وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ مِنْ آخِرِ "يس": ﴿أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ﴾ ، إِلَى آخِرِهِنَّ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الحسين بْنِ الْجُنَيْدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الزَّيَّاتُ، عَنْ هُشَيْم، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ [[في ت: "وروى ابن أبي حاتم بسنده".]] ، عَنِ ابن عباس، أن العاصى [[في ت، س، أ: "العاص".]] بْنَ وَائِلٍ أَخَذَ عَظْمًا مِنَ الْبَطْحَاءِ ففتَّه بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَيُحْيِي اللَّهُ هَذَا بَعْدَ مَا أَرَى؟ [[في أ: "أرم".]] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "نَعَمْ، يُمِيتُكَ اللَّهُ ثُمَّ يُحْيِيكَ، ثُمَّ يدخلك جهنم". قال: وَنَزَلَتِ الْآيَاتُ مِنْ آخَرِ "يس".
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَذَكَرَهُ وَلَمْ يَذْكُرِ "ابْنَ عَبَّاسٍ" [[تفسير الطبري (٢٣/٢١) .]] .
وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بِعَظْمٍ ففَتَّه وَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ.
وَهَذَا مُنْكَرٌ؛ لِأَنَّ السُّورَةَ مكية، وعبد الله بن أبي بن سَلُولَ إِنَّمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ. وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ سَوَاءً كَانَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ قَدْ نَزَلَتْ فِي أُبي بْنِ خَلَفٍ، أَوْ [فِي] [[زيادة من أ.]] الْعَاصِ [بْنِ وَائِلٍ] ، [[زيادة من س.]] أَوْ فِيهِمَا، فَهِيَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ. وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ﴾ لِلْجِنْسِ، يَعُمُّ كُلَّ [[في س: "لكل".]] مُنْكِرٍ لِلْبَعْثِ.
﴿أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾ أَيْ: أَوْلَمَ يَسْتَدِلَّ مَنْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ بِالْبَدْءِ عَلَى الْإِعَادَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ ابْتَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، فَخَلَقَهُ مِنْ شَيْءٍ حَقِيرٍ ضَعِيفٍ مَهِينٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ [الْمُرْسَلَاتِ: ٢٠-٢٢] . وَقَالَ ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ﴾ [الْإِنْسَانِ: ٢] أَيْ: مَنْ نُطْفَةٍ مِنْ أَخْلَاطٍ مُتَفَرِّقَةٍ، فَالَّذِي خَلَقَهُ مِنْ هَذِهِ النُّطْفَةِ الضَّعِيفَةِ أَلَيْسَ بِقَادِرٍ عَلَى إِعَادَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؟ كَمَا قَالَ [[في ت: "كما روى".]] الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا حَريز، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَيْسَرة، عَنْ جُبَيْر بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ بُسْر ابن جَحَّاش؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَصق يَوْمًا فِي كفِّه، فَوَضَعَ عَلَيْهَا أُصْبُعَهُ، ثُمَّ قَالَ: "قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ابْنَ آدَمَ، أنَّى تُعجزني وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ، حَتَّى إِذَا سَوَّيتك وعَدَلتك، مَشَيْتَ بَيْنَ بردَيك وَلِلْأَرْضِ مِنْكَ وَئِيدٌ، فَجَمَعْتَ وَمَنَعْتَ، حَتَّى إِذَا بَلَغَت التَّرَاقِي قُلْتَ: أتصدقُ وأنَّى أَوَانُ الصَّدَقَةِ؟ ".
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ جَرير بْنِ عُثْمَانَ، بِهِ [[المسند (٤/٣١٠) وسنن ابن ماجه برقم (٢٧٠٧) وقال البوصيري في الزوائد (٢/٣٦٤) : "إسناد حديثه صحيح ورجاله ثقات".]] . وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ ؟ أَيِ: اسْتَبْعَدَ إِعَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى -ذِي الْقُدْرَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي خَلَقَتِ [[في أ: "الذي خلق".]] السموات وَالْأَرْضَ-لِلْأَجْسَادِ وَالْعِظَامِ الرَّمِيمَةِ، وَنَسِيَ نَفْسَهُ، وَأَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ مِنَ الْعَدَمِ، فَعَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِمَّا اسْتَبْعَدَهُ وَأَنْكَرَهُ وَجَحَدَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ أَيْ: يَعْلَمُ الْعِظَامَ فِي سَائِرِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَأَرْجَائِهَا، أَيْنَ ذَهَبَتْ، وَأَيْنَ تَفَرَّقَتْ وَتَمَزَّقَتْ.
قَالَ [[في ت: "روى".]] الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعيّ قَالَ: قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو لِحُذَيْفَةَ: أَلَا تحدثُنا مَا سمعتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنْ رَجُلًا حَضَرَهُ الْمَوْتُ، فَلَمَّا أَيِسَ مِنَ الْحَيَاةِ أَوْصَى أَهْلَهُ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَاجْمَعُوا لِي حَطَبا كثيرًا جزَلا ثُمَّ أَوْقَدُوا فِيهِ نَارًا، حَتَّى إِذَا [أَكَلَتْ] [[زيادة من ت، س، والمسند.]] لَحْمِي وخلَصت إِلَى عَظْمِي فامتُحِشْتُ، فَخُذُوهَا فَدُقُّوهَا فَذَروها فِي الْيَمِّ. فَفَعَلُوا، فَجَمَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ. فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ". فَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو: وَأَنَا سُمْعَتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ، وَكَانَ نبَّاشا. [[المسند (٥/٣٩٥) .]]
وَقَدْ أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، بِأَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ [[صحيح البخاري برقم (٦٤٨٠) وصحيح مسلم برقم (٢٧٥٦) .]] مِنْهَا: أَنَّهُ أَمَرَ بَنِيهِ أَنْ يَحْرُقُوهُ ثُمَّ يَسْحَقُوهُ، ثُمَّ يَذْروا نِصْفَهُ فِي الْبَرِّ وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ، فِي يَوْمٍ رَائِحٍ، [[في س، أ: "راح".]] أَيْ: كَثِيرِ الْهَوَاءِ -فَفَعَلُوا ذَلِكَ. فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: كُنْ. فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ قَائِمٌ. فَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: مَخَافَتُكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ. فَمَا تَلَافَاهُ أَنْ غَفَرَ لَهُ".
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾ أَيِ: الَّذِي بَدَأَ خَلْقَ هَذَا الشَّجَرِ مِنْ مَاءٍ حَتَّى صَارَ خَضرًا نَضرًا ذَا ثَمَرٍ ويَنْع، ثُمَّ أَعَادَهُ إِلَى أَنْ صَارَ حَطَبًا يَابِسًا، تُوقَدُ بِهِ النَّارُ، كَذَلِكَ هُوَ فَعَّالٌ لِمَا يَشَاءُ، قَادِرٌ عَلَى مَا يُرِيدُ لَا يَمْنَعُهُ شَيْءٌ.
قَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾ يَقُولُ: الَّذِي أَخْرَجَ هَذِهِ النَّارَ مِنْ هَذَا الشَّجَرِ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَبْعَثَهُ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ سَرْح الْمَرْخِ والعَفَار، يَنْبُتُ فِي أَرْضِ الْحِجَازِ فَيَأْتِي مَنْ أَرَادَ قَدْح نَارٍ وَلَيْسَ مَعَهُ زِنَادٌ، فَيَأْخُذُ مِنْهُ عُودَيْنِ أَخْضَرَيْنِ، وَيَقْدَحُ [[في أ: "فيحك".]] أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ، فَتَتَوَلَّدُ النَّارُ مِنْ بَيْنِهِمَا، كَالزِّنَادِ سَوَاءً. رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا [[في ت، س: "عنه".]] . وَفِي الْمَثَلِ: [[في أ: "الراجز".]] لِكُلِّ شَجَرٍ نَارٌ، وَاسْتَمْجَدَ المَرْخُ والعَفَار. [[مجمع الأمثال للميداني برقم (٢٧٥٢) .]] وَقَالَ الْحُكَمَاءُ: فِي كُلِّ شَجَرٍ نَارٌ إِلَّا الْغَابَ. [[في أ: "العتاب".]]
{"ayahs_start":77,"ayahs":["أَوَلَمۡ یَرَ ٱلۡإِنسَـٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَـٰهُ مِن نُّطۡفَةࣲ فَإِذَا هُوَ خَصِیمࣱ مُّبِینࣱ","وَضَرَبَ لَنَا مَثَلࣰا وَنَسِیَ خَلۡقَهُۥۖ قَالَ مَن یُحۡیِ ٱلۡعِظَـٰمَ وَهِیَ رَمِیمࣱ","قُلۡ یُحۡیِیهَا ٱلَّذِیۤ أَنشَأَهَاۤ أَوَّلَ مَرَّةࣲۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلۡقٍ عَلِیمٌ","ٱلَّذِی جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلۡأَخۡضَرِ نَارࣰا فَإِذَاۤ أَنتُم مِّنۡهُ تُوقِدُونَ"],"ayah":"أَوَلَمۡ یَرَ ٱلۡإِنسَـٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَـٰهُ مِن نُّطۡفَةࣲ فَإِذَا هُوَ خَصِیمࣱ مُّبِینࣱ"}