الباحث القرآني

يَذْكُرُ تَعَالَى كَيْفِيَّةَ مَوْتِ سُلَيْمَانَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَيْفَ عَمَّى اللَّهُ مَوْتَهُ عَلَى الْجَانِّ الْمُسَخَّرِينَ لَهُ فِي الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ، فَإِنَّهُ مَكَثَ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصَاهُ -وَهِيَ مِنْسَأته-كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ -مُدَّةً طَوِيلَةً نَحْوًا مِنْ سَنَةٍ، فَلَمَّا أَكَلَتْهَا [[في ت: "فلما أكلت العصا".]] دابةُ الْأَرْضِ، وَهِيَ الْأَرَضَةُ، ضَعُفَتْ [[في ت، س، أ: "فضعفت".]] وَسَقَطَ [[في أ: "وسقطت".]] إِلَى الْأَرْضِ، وَعُلِمَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ-تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ أَيْضًا أَنَّ الْجِنَّ لَا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ، كَمَا كَانُوا يَتَوَهَّمُونَ وَيُوهِمُونَ النَّاسَ ذلك. قَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ غَرِيبٌ، وَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ أَبُو حُذَيْفَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَان، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ [[في ت: "رواه ابن جرير بإسناده".]] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "كَانَ سُلَيْمَانُ نَبِيُّ اللَّهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِذَا صَلَّى رَأَى شَجَرَةً نَابِتَةً بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَقُولُ لَهَا: مَا اسْمُكِ؟ فَتَقُولُ: كَذَا. فَيَقُولُ: لِأَيِّ شَيْءٍ أَنْتِ؟ فَإِنْ كَانَتْ لِغَرْسٍ غُرِسَتْ، وَإِنْ كَانَتْ لِدَوَاءٍ كُتِبَتْ. فَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ رَأَى شَجَرَةً بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: مَا اسْمُكِ؟ قَالَتْ: الْخَرُّوبُ. قَالَ: لِأَيِّ شَيْءٍ أَنْتِ؟ قَالَتْ: لِخَرَابِ هَذَا الْبَيْتِ. فَقَالَ سُلَيْمَانُ: اللَّهُمَّ، عَمّ عَلَى الْجِنِّ مَوْتَتِي [[في ت: "موتى".]] حَتَّى يَعْلَمَ الْإِنْسُ أَنَّ الْجِنَّ لَا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ. فَنَحَتَهَا عَصًا، فَتَوَكَّأَ عَلَيْهَا حَوْلًا مَيِّتًا، وَالْجِنُّ تَعْمَلُ. فَأَكَلَتْهَا الْأَرَضَةُ، فَتَبَيَّنَتِ الْإِنْسُ أَنَّ الْجِنَّ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا [حَوْلًا] [[زيادة من ت، س، أ، والطبري.]] فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ". قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ قَالَ: "فَشَكَرَتِ الْجِنُّ الْأَرَضَةَ [[في ت، س، أ: "للأرضة".]] ، فَكَانَتْ تَأْتِيهَا بِالْمَاءِ" [[تفسير الطبري (٢٢/٥١) .]] . وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمان، بِهِ. وَفِي رَفْعِهِ غَرَابَةٌ وَنَكَارَةٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ لَهُ غَرَابَاتٌ، وَفِي بَعْضِ حَدِيثِهِ نَكَارَةٌ. وَقَالَ السُّدِّي، فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -وَعَنْ مُرة الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: كَانَ سُلَيْمَانُ يَتَحَرَّرُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَالشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ، وَأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ، يُدْخِلُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ، فَأَدْخَلُهُ فِي الْمَرَّةِ الَّتِي تُوَفِّي فِيهَا، وَكَانَ بَدْءُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَوْمٌ يُصْبِحُ فِيهِ إِلَّا نَبَتَتْ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ شَجَرَةٌ، فَيَأْتِيهَا فَيَسْأَلُهَا، فَيَقُولُ: مَا اسْمُكِ؟ فَتَقُولُ: اسْمَيْ كَذَا وَكَذَا. فَإِنْ كَانَتْ لِغَرْسٍ غَرَسَهَا، وَإِنْ كَانَتْ نبْتَ دَوَاءٍ قَالَتْ: نَبَتُّ دَوَاءٍ لِكَذَا وَكَذَا. فَيَجْعَلُهَا [[في ت، س: "فيجعل الشجرة".]] كَذَلِكَ، حَتَّى نَبَتَتْ شَجَرَةٌ يُقَالُ لَهَا: الْخَرُّوبَةُ، فَسَأَلَهَا: مَا اسْمُكِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا الْخَرُّوبَةُ. قَالَ: وَلِأَيِّ شَيْءٍ نَبَتِّ؟ قَالَتْ: نَبَتُّ لِخَرَابِ هَذَا الْمَسْجِدِ. قَالَ سُلَيْمَانُ: مَا كَانَ اللَّهُ ليُخَرِّبه وَأَنَا حَيٌّ؟ أَنْتِ الَّتِي عَلَى وَجْهِكِ هَلَاكِي وَخَرَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. فَنَزَعَهَا وَغَرَسَهَا فِي حَائِطٍ لَهُ، ثُمَّ دَخَلَ الْمِحْرَابَ فَقَامَ يُصَلِّي مُتَّكِئًا عَلَى عَصَاهُ، فَمَاتَ وَلَمْ تَعْلَمْ [[في أ: "ولم يعلم".]] بِهِ الشَّيَاطِينُ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَعْمَلُونَ لَهُ، يَخَافُونَ أَنْ يَخْرُجَ فَيُعَاقِبُهُمْ. وَكَانَتِ الشَّيَاطِينُ تَجْتَمِعُ حَوْلَ الْمِحْرَابِ، وَكَانَ الْمِحْرَابُ لَهُ كُوى بَيْنَ يَدَيْهِ وَخَلْفَهُ، فَكَانَ الشَّيْطَانُ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَخْلَعَ يَقُولُ: أَلَسْتَ جَلْدًا [[في ت: "جليدا".]] إِنْ دَخَلْتُ فَخَرَجْتُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ؟ فَيَدْخُلُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَدَخَلَ شَيْطَانٌ مِنْ أُولَئِكَ فَمَرَّ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْطَانٌ يَنْظُرُ إِلَى سُلَيْمَانَ فِي الْمِحْرَابِ إِلَّا احْتَرَقَ. فَمَرَّ وَلَمْ يَسْمَعْ صَوْتَ سُلَيْمَانَ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَمْ يَسْمَعْ، ثُمَّ رَجَعَ فَوَقَعَ فِي الْبَيْتِ وَلَمْ يَحْتَرِقْ. وَنَظَرَ إِلَى سُلَيْمَانَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَدْ سَقَطَ مَيِّتًا. فَخَرَجَ فَأَخْبَرَ النَّاسَ أَنَّ سُلَيْمَانَ قَدْ مَاتَ. فَفَتَحُوا [[في هـ، س::فتنحوا".]] عَنْهُ فَأَخْرَجُوهُ. وَوَجدوا مِنْسَأَتَهُ -وَهِيَ: الْعَصَا بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ-قَدْ أَكَلَتْهَا الْأَرَضَةُ، وَلَمْ يَعْلَمُوا مُنْذُ كَمْ مَاتَ؟ فَوَضَعُوا الْأَرَضَةَ عَلَى الْعَصَا، فَأَكَلَتْ مِنْهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً، ثُمَّ حَسِبُوا عَلَى ذَلِكَ النَّحْوِ، فَوَجَدُوهُ قَدْ مَاتَ مُنْذُ سَنَةٍ. وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَمَكَثُوا يَدْأَبُونَ لَهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ حَوْلًا [[في ت، س، أ: "حولا كاملا".]] ، فَأَيْقَنَ النَّاسُ عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْجِنَّ كَانُوا يَكْذِبُونَهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ عَلِمُوا الْغَيْبَ، لَعَلِمُوا بِمَوْتِ سُلَيْمَانَ وَلَمْ يَلْبَثُوا فِي الْعَذَابِ يَعْمَلُونَ لَهُ سَنَةً، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ [[في ت: "قوله".]] عَزَّ وَجَلَّ: ﴿مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ . يَقُولُ: تَبَيَّنَ أَمْرُهُمْ لِلنَّاسِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْذِبُونَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ الشَّيَاطِينَ قَالُوا لِلْأَرَضَةِ: لَوْ كُنْتِ تَأْكُلِينَ الطَّعَامَ أَتَيْنَاكِ بِأَطْيَبِ الطَّعَامِ، وَلَوْ كُنْتِ تَشْرَبِينَ الشَّرَابَ سَقَيْنَاكِ أَطْيَبَ الشَّرَابِ، وَلَكُنَّا سَنَنْقُلُ إِلَيْكِ الْمَاءَ وَالطِّينَ -قَالَ: فَهُمْ يَنْقُلُونَ إِلَيْهَا ذَلِكَ حَيْثُ كَانَتْ-قَالَ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الطِّينِ الَّذِي يَكُونُ فِي جَوْفِ الْخَشَبِ؟ فَهُوَ مَا تَأْتِيهَا بِهِ الشَّيَاطِينُ، شُكْرًا [[في ت، س، أ: "تشكرا".]] لَهَا. [[تفسير الطبري (٢٢/٥١) .]] وَهَذَا الْأَثَرُ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-إِنَّمَا هُوَ مِمَّا تُلُقِّي مِنْ عُلَمَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَهِيَ وَقْفٌ، لَا يُصَدَّقُ مِنْهَا [[في س، أ: "لا نصدق منه".]] إِلَّا مَا وَافَقَ الْحَقَّ، وَلَا يُكذب مِنْهَا إِلَّا مَا خَالَفَ الْحَقَّ، وَالْبَاقِي لَا يُصَدَّقُ وَلَا يُكَذَّبُ [[في ت، أ: "لا تصدق ولا تكذب".]] . وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ﴾ قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِمَلِكِ الْمَوْتِ: إِذَا أُمِرْتَ بِي فَأَعْلِمْنِي. فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا سُلَيْمَانُ، قَدْ أُمِرْتُ بِكَ، قَدْ بَقِيَتْ لَكَ سُوَيْعَةٌ. فَدَعَا الشَّيَاطِينَ فَبَنَوْا عَلَيْهِ صَرْحًا مِنْ قَوَارِيرَ، وَلَيْسَ لَهُ بَابٌ، فَقَامَ يُصَلِّي فَاتَّكَأَ عَلَى عَصَاهُ، قَالَ: فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَلَكُ الْمَوْتِ، فَقَبَضَ رُوحَهُ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَصَاهُ، وَلَمْ يَصْنَعْ ذَلِكَ فِرَارًا مِنْ مَلَكِ الْمَوْتِ. قَالَ: وَالْجِنُّ يَعْمَلُونَ [[في ت، س، أ: "تعمل".]] بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، يَحْسَبُونَ أَنَّهُ حَيٌّ. قَالَ: فَبَعَثَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، دَابَّةَ الْأَرْضِ. قَالَ: وَالدَّابَّةُ تَأْكُلُ الْعِيدَانَ -يُقَالُ لَهَا: الْقَادِحُ-فَدَخَلَتْ فِيهَا فأكلتْها، حَتَّى إِذَا أَكَلَتْ جَوْفَ الْعَصَا ضَعُفَتْ، وَثَقُلَ عَلَيْهَا فَخَرَّ مَيِّتًا، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ الْجِنُّ انْفَضُّوا وَذَهَبُوا. قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهِ﴾ . قَالَ أَصْبُغُ: بَلَغَنِي عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهَا قَامَتْ [[في ت: "أقامت".]] سَنَةً تَأْكُلُ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَخِرَّ [[في أ:"تخر".]] . وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ نحوًا من هذا، والله أعلم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب