الباحث القرآني
هَذِهِ وَصَايَا نَافِعَةٌ قَدْ حَكَاهَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْ لُقْمَانَ الْحَكِيمِ؛ لِيَمْتَثِلَهَا النَّاسُ وَيَقْتَدُوا بِهَا، فَقَالَ: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ﴾ أَيْ: إِنَّ الْمَظْلَمَةَ أَوِ الْخَطِيئَةَ لَوْ كَانَتْ مِثْقَالَ حَبَّةٍ [مِنْ] [[زيادة من ت، أ.]] خَرْدَلٍ. وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّهَا﴾ ضَمِيرَ الشَّأْنِ وَالْقِصَّةِ. وَجَوَّزَ عَلَى هَذَا رَفْعَ ﴿مِثْقَالَ﴾ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿يَأْتِ بِهَا اللَّهُ﴾ أَيْ: أَحْضَرَهَا اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ، وَجَازَى عَلَيْهَا إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ٤٧] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزَّلْزَلَةِ:٧، ٨] ، وَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الذَّرَّةُ مُحَصَّنَةً مُحَجَّبَةً فِي دَاخِلِ صَخْرَةٍ صَمَّاء، أَوْ غَائِبَةٍ ذَاهِبَةٍ فِي أرجاء السموات أَوِ الْأَرْضِ [[في ف: "والأرض".]] فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ في السموات وَلَا فِي الْأَرْضِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ أَيْ: لِطَيْفُ الْعَلَمِ، فَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ الْأَشْيَاءُ وَإِنْ دَقت وَلَطُفَتْ وَتَضَاءَلَتْ ﴿خَبِيرٌ﴾ بِدَبِيبِ النَّمْلِ فِي اللَّيْلِ الْبَهِيمِ.
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ﴾ أَنَّهَا صَخْرَةٌ تَحْتَ الْأَرْضِينَ [[في ف، أ: "الأرض".]] السَّبْعِ، ذَكَرَهُ السُّدِّي بِإِسْنَادِهِ ذَلِكَ الْمَطْرُوقِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ إِنْ صَحَّ ذَلِكَ، وَيُرْوَى هَذَا عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، وَأَبِي مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، والمِنهال بْنِ عَمْرٍو، وَغَيْرِهِمْ. وَهَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ، كَأَنَّهُ مُتَلَقًّى مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ الَّتِي لَا تُصَدَّقُ، وَلَا تَكْذَّبُ، وَالظَّاهِرُ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ -أَنَّ الْمُرَادَ: أَنَّ هَذِهِ الْحَبَّةَ فِي حَقَارَتِهَا لَوْ كَانَتْ دَاخِلَ صَخْرَةٍ، فَإِنَّ اللَّهَ سَيُبْدِيهَا وَيُظْهِرُهَا بِلَطِيفِ عِلْمِهِ، كَمَا قَالَ [[في ت: "كما روى".]] الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، حَدَّثَنَا دَراج، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: " لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ يَعْمَلُ فِي صَخْرَةٍ صَمَّاء، لَيْسَ لَهَا بَابٌ وَلَا كوَّة، لَخَرَجَ عَمَلُهُ لِلنَّاسِ كَائِنًا مَا كَانَ" [[المسند (٣/٢٨) وحسنه الهيثمي في المجمع (١٠/٢٢٥) وفيه ابن لهيعة عن دراج وهما ضعيفان.]] .
ثُمَّ قَالَ: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ﴾ أَيْ: بِحُدُودِهَا وَفُرُوضِهَا وَأَوْقَاتِهَا، ﴿وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ أَيْ: بِحَسَبِ طَاقَتِكِ وَجُهْدِكَ، ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ﴾ ،عَلِمَ أَنَّ الْآمِرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِيَ عَنِ الْمُنْكَرِ، لَا بُدَّ أَنْ يَنَالَهُ مِنَ النَّاسِ أَذًى، فَأَمَرَهُ بِالصَّبْرِ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ﴾ أَيْ: إِنَّ الصَّبْرَ عَلَى أَذَى النَّاسِ لَمِنْ عَزَمِ الْأُمُورِ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ يَقُولُ: لَا تُعرِضْ بِوَجْهِكَ عَنِ النَّاسِ إِذَا كَلَّمْتَهُمْ أَوْ كَلَّمُوكَ، احْتِقَارًا مِنْكَ لَهُمْ، وَاسْتِكْبَارًا عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ ألِنْ جَانِبَكَ، وَابْسُطْ وَجْهَكَ إِلَيْهِمْ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ وَوَجْهُكَ إِلَيْهِ مُنْبَسِط، وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الْإِزَارِ فَإِنَّهَا مِنَ المِخيلَة، وَالْمَخِيلَةُ لَا يُحِبُّهَا اللَّهَ".
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ يَقُولُ: لَا تَتَكَبَّرُ فتحقِرَ [[في ت، أ: "فتحتقر".]] عبادَ اللَّهِ، وَتُعْرِضَ عَنْهُمْ بِوَجْهِكَ إِذَا كَلَّمُوكَ. وَكَذَا رَوَى الْعَوْفِيُّ وَعِكْرِمَةُ عَنْهُ.
وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: ﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ : لَا تكَلَّم وَأَنْتَ مُعْرِضٌ. وَكَذَا رُوي عَنْ مُجَاهِدٍ، وعِكْرِمة، وَيَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، وَأَبِي الْجَوْزَاءِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، وَالضَّحَّاكِ، وَابْنِ يَزِيدَ، وَغَيْرِهِمْ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخعِي: يَعْنِي بذلك: التشديق في الكلام.
وَالصَّوَابُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَأَصْلُ الصَّعَر: دَاءٌ يَأْخُذُ الْإِبِلَ فِي أَعْنَاقِهَا أَوْ رُؤُوسِهَا، حَتَّى تُلفَتَ [[في ت: "تلتفت" وفي أ: "بلغت".]] أعناقُها عَنْ رُؤُوسِهَا، فَشُبِّهَ بِهِ الرَّجُلُ الْمُتَكَبِّرُ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ حُني التَّغْلبي:
وَكُنَّا إذَا الجَبَّارُ صَعّر خَدّه ... أقَمْنَا لَه مِنْ مَيْلِه فَتَقَوّمَا [[البيت في مجاز القرآن لأبي عبيدة (٢/١٢٧) .]]
وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ فِي شِعْرِهِ:
وَكُنَّا قَديمًا لَا نقرُّ ظُلامَة ... إِذَا مَا ثَنوا صُعْر الرُّؤُوسِ نُقِيمها [[البيت في السيرة النبوية لابن هشام (١/٢٦٩) .]]
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا﴾ أَيْ: جَذْلًا مُتَكَبِّرًا جَبَّارًا عَنِيدًا، لَا تَفْعَلُ ذَلِكَ يُبْغِضُكَ اللَّهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ أَيْ: مُخْتَالٍ مُعْجَبٍ فِي نَفْسِهِ، فَخُورٌ: أَيْ عَلَى غَيْرِهِ، وَقَالَ تَعَالَى: [[في أ: "وقد قال الله تعالى".]] ﴿وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٣٧] ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي لَيْلَى، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى [[في ت: "وروى الطبراني بإسناده".]] عَنْ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاس قَالَ: ذُكِرَ الْكِبْرُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَشَدَّدَ فِيهِ، فَقَالَ: "إِنِ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لِأَغْسِلُ ثِيَابِي فَيُعْجِبُنِي بَيَاضُهَا، وَيُعْجِبُنِي شِراك نَعْلِي، وعِلاقة سَوْطي، فَقَالَ: "لَيْسَ ذَلِكَ الْكِبْرُ، إِنَّمَا الْكِبْرُ أَنْ تَسْفه الْحَقَّ وتَغْمِط [[في ت، ف: "تغمص".]] النَّاسَ" [[المعجم الكبير (٢/٦٩) وفيه انقطاع بين ابن أبي ليلى وثابت.]] .
وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى بِمِثْلِهِ، وَفِيهِ قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ، وَمَقْتَلُ ثَابِتٍ وَوَصِيَّتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ [[المعجم الكبير (٢/٧٠) من طريق عبد الرحمن بن يزيد، عن عطاء، عن بنت ثابت بقصة أبيها، وقال الهيثمي في المجمع (٩/٣٢٢) : "وبنت ثابت بن قيس لم أعرفها، وبقية رجاله رجال الصحيح".]] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ﴾ أَيِ: امْشِ مَشْيًا مُقْتَصِدًا لَيْسَ بِالْبَطِيءِ الْمُتَثَبِّطِ، وَلَا بِالسَّرِيعِ الْمُفْرِطِ، بَلْ عَدْلًا وَسَطًا بَيْنَ بَيْنَ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ﴾ أَيْ: لَا تُبَالِغْ فِي الْكَلَامِ، وَلَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: إِنَّ أَقْبَحَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ، أَيْ: غَايَةُ مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ أَنَّهُ يُشَبه بِالْحَمِيرِ فِي عُلُوِّهِ وَرَفْعِهِ، وَمَعَ هَذَا هُوَ بَغِيضٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَهَذَا التَّشْبِيهُ فِي هَذَا بِالْحَمِيرِ يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ وَذَمَّهُ غَايَةَ الذَّمِّ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ، الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ".
وَقَالَ النَّسَائِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الْأَعْرَجِ، [[في ت: "وروى النسائي عند تفسير هذه الآية بإسناده".]] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ [أَنَّهُ] [[زيادة من أ.]] قَالَ: "إِذَا سمعتم صياح الديكة فَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحَمِيرِ [[في ت: "الحمار".]] فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهَا رَأَتْ شَيْطَانًا".
وَقَدْ أَخْرَجَهُ بَقِيَّةُ الْجَمَاعَةُ سِوَى ابْنِ مَاجَهْ، مِنْ طُرُقٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ بِهِ، [[النسائي في السنن الكبرى (١١٣٩١) وصحيح البخاري برقم (٣٣٠١) وصحيح مسلم برقم (٢٧٧٩) وسنن أبي داود برقم (٥١٠٢) وسنن الترمذي برقم (٣٤٥٩) .]] وَفِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ: "بِاللَّيْلِ"، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَهَذِهِ وَصَايَا نَافِعَةٌ جِدًّا، وَهِيَ مِنْ قَصص الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ عَنْ لُقْمَانَ الْحَكِيمِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنَ الْحِكَمِ وَالْمَوَاعِظِ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ، فَلْنَذْكُرْ مِنْهَا أُنْمُوذَجًا وَدُسْتُورًا إِلَى ذَلِكَ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، أَخْبَرَنِي نَهْشَل بْنُ مُجَمِّع الضَّبِّيُّ عَنْ قَزْعَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ [[في ت: "فروى الإمام أحمد بإسناده".]] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [[في ت، ف: "عنهما".]] قَالَ: أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِنَّ لُقْمَانَ الْحَكِيمَ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ إِذَا اسْتُودِعَ شَيْئًا حَفِظَهُ" [[المسند (٢/٨٧) .]] .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ [بْنِ مُخَيْمِرة يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ] [[زيادة من أ، والمستدرك.]] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: " قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ: يَا بُنَيَّ، إِيَّاكَ وَالتَّقَنُّعَ فَإِنَّهُ مَخْوَفَةٌ بِاللَّيْلِ، مَذَمَّةٌ بِالنَّهَارِ" [[ورواه الحاكم في المستدرك (٢/٤١١) وقال: "هذا متن شاهده إسناد صحيح" وأقره الذهبي.]] .
وَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ ضَمْرَة، حَدَّثَنَا السَّريّ بْنُ يَحْيَى [[في ت: "وروى أيضا بإسناده عن السري بن يحيى".]] قَالَ: قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ، إِنَّ الْحِكْمَةَ أَجْلَسَتِ الْمَسَاكِينَ مَجَالِسَ الْمُلُوكِ.
وَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمَسْعُودِيِّ [[في ت: "وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن القاسم بن مخيمرة".]] ، عَنْ عَوْن بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ، إِذَا أَتَيْتَ نَادِيَ قَوْمٍ فَارْمِهِمْ بِسَهْمِ الْإِسْلَامِ -يَعْنِي السَّلَامَ -ثُمَّ اجْلِسْ فِي نَاحِيَتِهِمْ، فَلَا تَنْطِقْ حَتَّى تَرَاهُمْ قَدْ نَطَقُوا، فَإِنْ أَفَاضُوا فِي ذِكْرِ اللَّهِ فَأجِلْ سَهْمَكَ مَعَهُمْ، وَإِنْ أَفَاضُوا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَتَحَوَّلْ عَنْهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ.
وَحَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ، حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ [[في ت: "وروى أيضا".]] ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: وَضَعَ لُقْمَانُ جِرَابًا مِنْ خَرْدَلٍ إِلَى جَانِبِهِ، وَجَعَلَ يَعِظُ ابْنَهُ وَعْظَةً وَيَخْرُجُ خَرْدَلَةً، حَتَّى نَفَذَ الْخَرْدَلُ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، لَقَدْ وَعَظْتُكَ مَوْعِظَةً لَوْ وُعِظَها جَبَلٌ لَتَفَطَّرَ. قَالَ: فَتَفَطَّرَ ابْنُهُ.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي المِصِّيصي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّرَائِفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبْيَنُ [[في ت، أ، ف، هـ: "أنس" والتصويب من المعجم الكبير وكتب الرجال.]] بْنُ سُفْيَانَ الْمَقْدِسِيُّ، عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ سَلَامٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ [[في ت: "وروى الطبراني بسنده".]] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: "اتخذوا السُّودَانَ فَإِنَّ ثَلَاثَةً مِنْهُمْ مَنْ سَادَاتِ أَهْلِ الْجَنَّةِ: لُقْمَانُ الْحَكِيمُ، وَالنَّجَاشِيُّ، وَبِلَالٌ الْمُؤَذِّنُ" [[المعجم الكبير (١١/١٩٨) وقال الهيثمي في المجمع (٤/٢٣٥) : "فيه أبين بن سفيان وهو ضعيف".]] .
قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: أَرَادَ الْحَبَشَ.
فَصْلٌ فِي الْخُمُولِ وَالتَّوَاضُعِ: وَذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِوَصِيَّةِ لُقْمَانَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِابْنِهِ، وَقَدْ جَمَعَ فِي ذَلِكَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا كِتَابًا مُفْرَدًا [وَ] [[زيادة من ت، ف.]] نَحْنُ، نَذْكُرُ مِنْهُ مَقَاصِدَهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْمَدَنِيُّ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "رُبَّ أشعثَ ذِي طِمْرَين يُصْفَح عَنْ أَبْوَابِ النَّاسِ، إِذَا [[في ت، ف: "لو".]] أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ" [[ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (٥٠٥٤) "مجمع البحرين" قال: "حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني، حدثنا إبراهيم بن المنذر، فذكر مثله - ثم قال - لم يروه عن حفص إلا أسامة"، وله شاهد في صحيح مسلم برقم (٢٦٢٢) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. تنبيه: سقط هذا الحديث من مخطوطة التواضع والخمول لابن أبي الدنيا، وكذا الرواية بعده.]] .
ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ وَعَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فَذَكَرَهُ، وَزَادَ، مِنْهُمُ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ [[ورواه الترمذي في السنن برقم (٣٨٥٤) من طريق سيار عن جعفر بن سليمان به، وقال: "هذا حديث حسن صحيح من هذا الوجه".]] .
[وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "طُوبَى لِلْأَتْقِيَاءِ الْأَثْرِيَاءِ الَّذِينَ إِذَا حَضَرُوا لَمْ يُعْرَفُوا، وَإِذَا غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا، أُولَئِكَ مَصَابِيحُ مُجَرَّدُونَ مَنْ كُلِّ فِتْنَةٍ غَبْرَاءَ مُشِينَةٍ"] [[زيادة من ت، أ.]] . وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ يَبْكِي عِنْدَ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ يَا مُعَاذُ؟ قَالَ: حَدِيثٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنَّ الْيَسِيرَ مِنَ الرِّيَاءِ شِرْكٌ، وَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْأَتْقِيَاءَ الْأَخْفِيَاءَ الْأَثْرِيَاءَ، الَّذِينَ إِذَا غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا، وَإِذَا حَضَرُوا لَمْ يُعْرَفُوا، قُلُوبُهُمْ مَصَابِيحُ الْهُدَى، يَنْجُونَ مِنْ كُلِّ غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ" [[التواضع والخمول لابن أبي الدنيا برقم (٨) .]] .
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ، حَدَّثَنَا عَثَّام بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَطَاءٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "رُبَّ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤبَه لَهُ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، لَوْ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ لَأَعْطَاهُ الْجَنَّةَ، وَلَمْ يُعْطِهُ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئًا" [[سقط الحديث من مخطوطة التواضع والخمول، ورواه الديلمي في مسند الفردوس برقم (٣٢٤٦) من طريق ابن أبي الدنيا.]] .
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَوْ أَتَى بَابَ أَحَدِكُمْ يَسْأَلُهُ دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا أو فِلْسًا لَمْ يُعْطَهُ، وَلَوْ سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ لَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، وَلَوْ سَأَلَهُ [[في ت: "ولو سأل الله".]] الدُّنْيَا لَمْ يُعْطِهِ إِيَّاهَا، وَلَمْ يَمْنَعْهَا إِيَّاهُ لِهَوَانِهِ عَلَيْهِ، ذُو طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ" [[التواضع والخمول لابن أبي الدنيا برقم (١) ، وهو مرسل.]] .
وَهَذَا مُرْسَلٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَوْف قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ مِنْ مُلُوكِ الْجَنَّةِ مَنْ هُوَ أَشْعَثُ أَغْبَرُ ذُو طِمْرَيْنِ لَا يُؤبَه لَهُ، الَّذِينَ إِذَا اسْتَأْذَنُوا عَلَى الْأُمَرَاءِ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ، وَإِذَا خَطَبُوا النِّسَاءَ لَمْ يُنْكَحُوا، وَإِذَا قَالُوا لَمْ يُنصَت لَهُمْ، حَوَائِجُ أَحَدِهِمْ تَتَجَلْجَلُ فِي صَدْرِهِ، لَوْ قُسِّمَ نُورُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ النَّاسِ لَوَسِعَهُمْ" [[ورواه ابن أبي الدنيا في الأولياء برقم (٩) عن الحسن مرسلا بنحوه، وقد سقط هذا الحديث من مخطوطة التواضع والخمول.]] . قَالَ: وَأَنْشَدَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، عَنِ ابْنِ عَائِشَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ:
أَلَا رُبّ ذِي طمْرَين فِي مَنزل غَدًا ... زَرَابِيه مَبْثُوثةً ونَمَارقُه ...
قَد اطَّرَدَتْ أَنْهَارُهُ حَْوَل قَصْره ... وَأشرَقَ والتفَّتْ عَلَيه حَدَائقُه [[التواضع والخمول لابن أبي الدنيا برقم (٥) .]]
وَرُوِيَ -أَيْضًا -مِنْ حَدِيثِ عُبَيد اللَّهِ بْنِ زَحْر، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا: "قَالَ اللَّهُ: مِنْ أَغْبَطِ أَوْلِيَائِي عِنْدِي: مُؤْمِنٌ خَفِيفُ الْحَاذِ، ذُو حَظٍّ مِنْ صَلَاةٍ، أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ، وَأَطَاعَهُ فِي السِّرِّ، وَكَانَ غَامِضًا فِي النَّاسِ، لَا يُشَارُ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ. إِنْ صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ". قَالَ: ثُمَّ نَقَد رَسُولُ اللَّهِ بِيَدِهِ وَقَالَ: "عُجّلت مَنِيَّتُهُ، وَقَلَّ تُرَاثَهُ، وَقَلَّتْ بَوَاكِيهِ" [[التواضع والخمول برقم (١٣) وقد قال ابن حبان: "إذا روى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يزيد عن القاسم فهو مما عملته أيديهم".]] .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: أَحَبُّ عِبَادِ اللَّهِ [[في أ: "أحب العباد".]] إِلَى اللَّهِ الْغُرَبَاءُ. قِيلَ: ومَنْ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ: الْفَرَّارُونَ بِدِينِهِمْ، يُجْمَعُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ [[التواضع والخمول برقم (١٦) .]] .
وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: بَلَغَنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى [[في ت، أ: "عز وجل".]] يَقُولُ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَلَمْ أُنْعِمْ عَلَيْكَ؟ أَلَمْ أُعْطِكَ؟ أَلَمْ أَسْتُرْكَ؟ أَلَمْ..؟ أَلَمْ..؟ أَلَمْ أَخْمِلْ ذِكْرَكَ؟ ثُمَّ قَالَ الْفُضَيْلُ: إِنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا تُعرَف فَافْعَلْ، وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يُثنى عَلَيْكَ، وَمَا عَلَيْكَ أَنْ تَكُونَ مَذْمُومًا عِنْدَ النَّاسِ مَحْمُودًا عِنْدَ اللَّهِ.
وَكَانَ ابْنُ مُحَيْرِيز يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ ذِكْرًا خَامِلًا.
وَكَانَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي عِنْدَكَ مَنْ أَرْفَعِ خَلْقِكَ، وَاجْعَلْنِي فِي نَفْسِي مَنْ أَوْضَعِ خَلْقِكَ، وَعِنْدَ النَّاسِ مِنْ أَوْسَطِ خَلْقِكَ.
ثُمَّ قَالَ [[أي ابن أبي الدنيا.]] : بَابُ مَا جَاءَ فِي الشُّهْرَةِ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَارِثِ وَابْنِ لَهِيعة، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سِنَان بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "حَسْبُ امرئ من الشَّرِّ -إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ -أَنْ يُشِيرَ النَّاسُ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ" [[التواضع والخمول برقم (٣٠) وفيه سنان بن سعد ضعيف.]] .
وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ الْبُهْلُولِ، عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْك، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الأخْنَسِيّ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا، مِثْلُهُ [[التواضع والخمول برقم (٣١) وقال العراقي: "ليس معروفا من حديث جابر إنما هو معروف من حديث أبي هريرة".]] .
وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا نَحْوُهُ [[التواضع والخمول برقم (٣٢) .]] ، فَقِيلَ لِلْحَسَنِ: فَإِنَّهُ يُشَارُ إِلَيْكَ بِالْأَصَابِعِ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا الْمُرَادُ مَنْ يُشَارُ إِلَيْهِ فِي دِينِهِ بِالْبِدْعَةِ وَفِي دُنْيَاهُ بِالْفِسْقِ [[التواضع والخمول برقم (٣٣) .]] .
وَعَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَا تَبْدَأْ لِأَنْ تَشْتَهِرَ، وَلَا تَرْفَعْ شَخْصَكَ لِتُذْكَرَ، وَتَعَلَّمْ وَاكْتُمْ،
وَاصْمُتْ تَسْلَمْ، تَسُر الْأَبْرَارَ، وَتَغِيظُ الْفُجَّارَ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ، رَحِمَهُ اللَّهُ: مَا صَدَقَ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ الشُّهْرَةَ.
وَقَالَ أَيُّوبُ: مَا صَدَقَ اللَّهَ عَبْدُهُ إِلَّا سَرَّهُ أَلَّا يُشْعَرَ بِمَكَانِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ: مَنْ أَحَبَّ اللَّهَ أَحَبَّ أَلَّا يَعْرِفَهُ النَّاسُ.
وَقَالَ سِمَاك بْنُ سَلَمَةَ: إِيَّاكَ وَكَثْرَةَ الْأَخِلَّاءِ.
وَقَالَ أبَان بْنُ عُثْمَانَ: إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ يَسْلَمَ لَكَ دِينُكَ فَأَقِلَّ مِنَ الْمَعَارِفِ؛ كَانَ أَبُو الْعَالِيَةِ إِذَا جَلَسَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ نَهَضَ وَتَرَكَهُمْ.
وَقَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الجَعْد، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَوْف، عَنْ أَبِي رَجَاء قَالَ: رَأَى طَلْحَةُ قَوْمًا يَمْشُونَ مَعَهُ، فَقَالَ: ذُبَابُ طَمَعٍ، وَفَرَاشُ النَّارِ.
وَقَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ [[في أ: "هارون بن أبي عشيرة".]] ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ حَوْلَ أَبِي إِذْ عَلَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالدِّرَّةِ وَقَالَ: إِنَّهَا مَذَلَّةٌ لِلتَّابِعِ، وَفِتْنَةٌ لِلْمَتْبُوعِ.
وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ: خَرَجَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَاتَّبَعَهُ أُنَاسٌ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أغلِقُ عَلَيْهِ بَابِي، مَا اتَّبَعَنِي مِنْكُمْ رَجُلَانِ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: كُنَّا إِذَا مَرَرْنَا عَلَى الْمَجْلِسِ، وَمَعَنَا أَيُّوبُ، فَسَلَّمَ، رَدُّوا رَدًّا شَدِيدًا، فَكَانَ ذَلِكَ يَغُمه.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر: كَانَ أَيُّوبُ يُطِيلُ قَمِيصَهُ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِ الشُّهْرَةَ فِيمَا مَضَى كَانَتْ فِي طُولِ الْقَمِيصِ، وَالْيَوْمَ فِي تَشْمِيرِهِ. وَاصْطَنَعَ مَرَّةً نَعْلَيْنِ عَلَى حَذْوِ نَعْلَيِّ النَّبِيِّ ﷺ، فَلَبِسَهُمَا أَيَّامًا ثُمَّ خَلَعَهُمَا، وَقَالَ: لَمْ أَرَ النَّاسَ يَلْبَسُونَهُمَا.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعي: لَا تَلْبَسْ مِنَ الثِّيَابِ مَا يُشهر فِي الْفُقَهَاءِ، وَلَا مَا يَزْدَرِيكَ السُّفَهَاءُ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: كَانُوا يَكْرَهُونَ مِنَ الثِّيَابِ الْجِيَادَ، الَّتِي يُشتَهر بِهَا، وَيَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ. وَالثِّيَابَ الرديئة التي يحتقر فيها، ويستذل دينه.
وَحَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاش: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي حَسَنَةَ -صَاحِبِ الزِّيَادِيِّ -قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي قِلابة إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ عَلَيْهِ أَكْسِيَةٌ، فَقَالَ: إِيَّاكُمْ وَهَذَا الْحِمَارَ النَّهَّاقَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ، رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنْ قَوْمًا جَعَلُوا الْكِبْرَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَالتَّوَاضُعَ فِي ثِيَابِهِمْ، فَصَاحِبُ الْكِسَاءِ بِكِسَائِهِ أَعْجَبُ مِنْ صَاحِبِ الْمِطْرَفِ بِمِطْرَفِهِ [[في ت، أ: "المطرق بمطرقه".]] ، مَا لَهُمْ تَفَاقَدُوا.
وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: مَا لَكُمْ تَأْتُونِي عَلَيْكُمْ ثِيَابُ الرُّهْبَانِ، وَقُلُوبُكُمْ قُلُوبُ الذِّئَابِ، الْبَسُوا ثِيَابَ الْمُلُوكِ، وَأَلِينُوا قُلُوبَكُمْ بِالْخَشْيَةِ.
فَصْلٌ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ
قَالَ أَبُو الْتِّيَّاحِ: عَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا [[التواضع والخمول برقم (١٦٣) .]] .
وَعَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا" [[التواضع والخمول برقم (١٦٤) .]] .
وَعَنْ نُوحِ بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَبْلُغُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَاتِ الْآخِرَةِ وَشَرَفَ الْمَنَازِلِ، وَإِنَّهُ لَضَعِيفُ الْعِبَادَةِ. وَإِنَّهُ لَيَبْلُغُ بِسُوءِ خُلُقِهِ دَرَك جَهَنَّمَ وَهُوَ عَابِدٌ" [[التواضع والخمول برقم (١٦٨) .]] . وَعَنْ سِنَان بْنِ هَارُونَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: "ذَهَبَ حُسْنُ الْخُلُقِ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ" [[التواضع والخمول برقم (١٦٩) .]] . وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَبْلُغُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ قَائِمِ اللَّيْلِ وَصَائِمِ النَّهَارِ" [[التواضع والخمول برقم (١٦٦) .]] .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي أَبُو مُسْلِمٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهُ بْنُ إِدْرِيسَ، أَخْبَرَنِي أَبِي وَعَمِّي، عَنْ جَدِّي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سُئل رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدخلُ الناسَ الْجَنَّةَ، فَقَالَ: "تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ". وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسُ النَّارَ، فَقَالَ: "الْأَجْوَفَانِ: الْفَمُ وَالْفَرْجُ" [[التواضع والخمول برقم (١٧٠) .]] .
وَقَالَ أُسَامَةُ بْنُ شَرِيك: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَجَاءَتْهُ الْأَعْرَابُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا خَيْرُ مَا أُعْطِيَ الْإِنْسَانُ؟ قَالَ: "حُسْنُ الْخُلُقِ" [[التواضع والخمول برقم (١٧١) .]] .
وَقَالَ يَعْلَى بْنُ مَمْلَكٍ [[في ت، أ، ف، هـ: "سماك" والصواب ما أثبتناه من كتب الرجال.]] : عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -يُبَلِّغُ بِهِ -قَالَ: "مَا [مِنْ] [[زيادة من أ.]] شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ" [[التواضع والخمول برقم (١٧٢) .]] ، وَكَذَا رَوَاهُ عَطَاءٌ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، بِهِ [[التواضع والخمول برقم (١٧٣) .]] .
وَعَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا: "إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا" [[التواضع والخمول برقم (١٧٤) .]] .
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَدْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ [[في ت، ف: "عنين" وفي أ: "عيسى" والصواب ما أثبتناه من التواضع والخمول لابن أبي الدنيا، وكتب الرجال.]] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَارَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ اللَّهَ لَيُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى حُسْنِ الْخُلُقِ، كَمَا يُعْطِي الْمُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَغْدُو عَلَيْهِ الْأَجْرُ وَيَرُوحُ" [[التواضع والخمول برقم (١٧٦) .]] .
وَعَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ مَرْفُوعًا: "إِنَّ أَحَبَّكُمْ إليَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا، أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إليَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَنْزِلًا فِي الْجَنَّةِ مُسَاوِيكُمْ أَخْلَاقًا، الثَّرْثَارُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ" [[التواضع والخمول برقم (١٧٧) .]] .
وَعَنْ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المنْكَدِر، عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَكْمَلِكُمْ إِيمَانًا، أحاسنكم أخلاقا، الموطؤون أَكْنَافًا، الَّذِينَ يُؤْلفون ويَأْلفون" [[التواضع والخمول برقم (١٧٨) .]] .
وَقَالَ اللَّيْثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَا حَسَّن اللَّهُ خَلْق رَجُلٍ وخُلُقه فَتَطْعَمَه النَّارُ" [[التواضع والخمول برقم (١٨٠) .]] .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَالِبٍ الحُدَّاني، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: "خَصْلَتَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي مُؤْمِنٍ: الْبُخْلُ، وَسُوءُ الْخُلُقِ" [[التواضع والخمول برقم (١٨٢) .]] ، وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَان، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: "مَا مِنْ ذَنْبٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ سُوءِ الْخُلُقِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ ذَنْبٍ إِلَّا وَقَعَ فِي آخَرَ" [[التواضع والخمول برقم (١٨٣) .]] .
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ الأحْمَسِيّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَا مِنْ ذَنْبٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ سُوءِ الْخُلُقِ؛ إِنَّ الْخُلُقَ الْحَسَنَ لَيُذِيبَ الذُّنُوبَ كَمَا تُذِيبُ الشَّمْسُ الْجَلِيدَ، وَإِنَّ الْخُلُقَ السَّيِّئَ لَيُفْسِدُ الْعَمَلَ كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ" [[التواضع والخمول برقم (١٨٤) .]] .
وَقَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " إِنَّكُمْ لَا تَسَعُون النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَسَعُهم مِنْكُمْ بَسْطُ وُجُوهٍ وَحُسْنُ خُلُقٍ" [[التواضع والخمول برقم (١٩٠) .]] .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: حُسْنُ الْخُلُقِ عَوْنٌ عَلَى الدِّينِ.
فَصْلٌ فِي ذَمِّ الْكِبْرِ
قَالَ عَلْقَمَةُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَفَعَهُ -: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ [[في ت، ف، أ: "ذرة".]] مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ كِبْر، وَلَا يُدْخِلُ النَّارَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ [[في ف، أ: "ذرة".]] مِنْ إِيمَانٍ" [[التواضع والخمول برقم (١٩٢) .]] .
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَبْلَة، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا: "مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، أَكَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ" [[التواضع والخمول برقم (١٩٦) .]] .
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: "لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْجَبَّارِينَ، فَيُصِيبُهُ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ" [[التواضع والخمول برقم (١٩٨) .]] .
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: رَكِبَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، عَلَيْهِمَا [[في ت: "عليه".]] السَّلَامُ، ذَاتَ يوم البساط في مائتي أَلْفٍ مِنَ الْإِنْسِ، وَمِائَتَيْ أَلْفٍ مِنَ الْجِنِّ، فَرُفع حَتَّى سَمِعَ تَسْبِيحَ الْمَلَائِكَةِ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ خَفَضُوهُ حَتَّى مَسَّتْ قَدُمُهُ مَاءَ الْبَحْرِ، فَسَمِعُوا صَوْتًا لَوْ كَانَ فِي قَلْبِ صَاحِبِكُمْ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ لَخُسِفَ بِهِ أَبْعَدَ مِمَّا رُفِعَ.
حَدَّثَنَا أَبُو خَيثَمة، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ يَخْطُبُنَا فَيَذْكُرُ بَدْءَ خَلْقِ الْإِنْسَانِ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَنَا ليُقذر نَفْسَهُ، يَقُولُ: خَرَجَ مِنْ مَجْرَى الْبَوْلِ مَرَّتَيْنِ [[التواضع والخمول برقم (٢٠٠) .]] .
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: مَنْ قَتَلَ اثْنَيْنِ فَهُوَ جَبَّارٌ، ثُمَّ تَلَا ﴿أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأرْضِ﴾ [الْقِصَصِ: ١٩] وَقَالَ الْحَسَنُ: عَجَبًا لِابْنِ آدَمَ، يَغْسِلُ الْخَرْءَ بِيَدِهِ فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يَتَكَبَّرُ! يُعَارِضُ جَبَّارَ السموات، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاش، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. ضَرَبَ مَثَلَ الدنيَا بِمَا يَخْرُجُ مِنَ ابْنِ آدَمَ [[التواضع والخمول برقم (٢١٠) .]] .
وَقَالَ الْحَسَنُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي قَالَ: إِنَّ مطعم بن آدَمَ ضَرْبُ مَثَلٍ لِلدُّنْيَا وَإِنْ قَزّحَه ومَلَّحه.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ -مِنْ وَلَدِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا دَخَلَ قلبَ رَجُلٍ شَيْءٌ مِنَ الْكِبْرِ إِلَّا نَقَصَ مِنْ عَقْلِهِ بِقَدْرِ ذَلِكَ.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ: لَيْسَ مَعَ السُّجُودِ كِبْرٌ، وَلَا مَعَ التَّوْحِيدِ نِفَاقٌ.
وَنَظَرَ طَاوُسٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ يَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَخْلَفَ، فَطَعَنَهُ طَاوُسٌ فِي جَنْبِهِ بِأُصْبُعِهِ، وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا شَأْنُ [[في ف، أ: "مشي".]] مَنْ فِي بَطْنِهِ خَرْءٌ؟ فَقَالَ لَهُ كَالْمُعْتَذِرِ إِلَيْهِ: يَا عَمِّ، لَقَدْ ضُرِبَ كُلُّ عُضْوٍ مِنِّي عَلَى هَذِهِ الْمِشْيَةِ حَتَّى تَعَلَّمْتُهَا.
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: كَانَتْ بَنُو أُمَيَّةَ يَضْرِبُونَ أَوْلَادَهُمْ حَتَّى يَتَعَلَّمُوا [[في ف، أ: "يتعلمون".]] هَذِهِ الْمِشْيَةَ.
فَصْلٌ فِي الِاخْتِيَالِ
عَنْ أَبِي لَيْلَى، عَنِ ابْنِ بُرَيْدة، عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ" [[التواضع والخمول برقم (٢٣٨) .]] .
وَرَوَاهُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ [[التواضع والخمول برقم (٢٣٩) .]] . وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّار، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ" [[التواضع والخمول برقم (٢٣٢) .]] . وَ"بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ فِي بُرْدَيْهِ، أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ، خَسَفَ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" [[التواضع والخمول برقم (٢٣٣) .]] .
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أبيه: "بينما رجل ... " إلى آخره [[التواضع والخمول برقم (٢٣٤) .]] .
{"ayahs_start":16,"ayahs":["یَـٰبُنَیَّ إِنَّهَاۤ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّةࣲ مِّنۡ خَرۡدَلࣲ فَتَكُن فِی صَخۡرَةٍ أَوۡ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ أَوۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ یَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِیفٌ خَبِیرࣱ","یَـٰبُنَیَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَاۤ أَصَابَكَۖ إِنَّ ذَ ٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ","وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمۡشِ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالࣲ فَخُورࣲ","وَٱقۡصِدۡ فِی مَشۡیِكَ وَٱغۡضُضۡ مِن صَوۡتِكَۚ إِنَّ أَنكَرَ ٱلۡأَصۡوَ ٰتِ لَصَوۡتُ ٱلۡحَمِیرِ"],"ayah":"یَـٰبُنَیَّ إِنَّهَاۤ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّةࣲ مِّنۡ خَرۡدَلࣲ فَتَكُن فِی صَخۡرَةٍ أَوۡ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ أَوۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ یَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِیفٌ خَبِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق