يَقُولُ تَعَالَى: ﴿وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ﴾ أَيْ: مِلْكُهُ وَعَبِيدُهُ، ﴿كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ أَيْ: خَاضِعُونَ خَاشِعُونَ طَوْعًا وَكَرْهًا.
وَفِي حَدِيثِ دَرَّاج، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، مَرْفُوعًا: " كُلُّ حَرْف فِي [[في ت: "من".]] الْقُرْآنِ يُذكَرُ فِيهِ الْقُنُوتُ فَهُوَ الطَّاعَةُ" [[رواه الإمام أحمد في مسنده (٣/٧٥) ، وتقدم الحديث عند تفسير الآية: ١١٦ من سورة البقرة. قال الحافظ ابن كثير: "وَلَكِنَّ هَذَا الْإِسْنَادَ ضَعِيفٌ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَرَفْعُ هَذَا الْحَدِيثِ مُنْكَرٌ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ كَلَامِ الصَّحَابِيِّ، أَوْ مَنْ دَوَّنَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".]] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ قَالَ [عَلِيُّ] [[زيادة من أ.]] بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عباس: يَعْنِي: أَيْسَرُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْإِعَادَةُ أَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنَ البَدَاءة، وَالْبُدَاءَةُ عَلَيْهِ هَيْنٌ. وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو الزِّنَاد، عَنِ الْأَعْرَجِ، [[في ت: "وقال البخاري بإسناده".]] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "قَالَ اللَّهُ: كَذبَني ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بأهونَ عَلِيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ. وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ" [[صحيح البخاري برقم (٤٩٧٤) .]] .
انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ كَمَا انْفَرَدَ بِرِوَايَتِهِ -أَيْضًا -مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَر، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، بِهِ [[صحيح البخاري برقم (٤٩٧٥) .]] . وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مُنْفَرِدًا بِهِ عَنْ حَسَنِ بْنِ مُوسَى، عَنِ ابْنِ لهِيعة، حَدَّثَنَا أَبُو يُونُسَ سُلَيْمُ بْنُ جُبَيْر، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِنَحْوِهِ، أَوْ مِثْلِهِ [[المسند (٢/٣٥٠) .]] .
وَقَالَ آخَرُونَ: كِلَاهُمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقُدْرَةِ على السواء.
قَالَ العَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كُلٌّ عَلَيْهِ هَيِّنٌ. وَكَذَا قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْم. وَمَالَ إِلَيْهِ ابْنُ جَرِيرٍ، وَذَكَرَ عَلَيْهِ شَوَاهِدَ كَثِيرَةً، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ إِلَى الْخَلْقِ، أَيْ: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَى الْخَلْقِ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الأعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ﴾ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَقَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشُّورَى: ١١] .
وَقَالَ قَتَادَةُ: مَثَله أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَلَا رَبَّ غَيْرُهُ، وَقَالَ مِثْلَ هَذَا ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَدْ أَنْشَدَ بَعْضُ المُفَسرين عِنْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْآيَةِ لِبَعْضِ أَهْلِ الْمَعَارِفِ:
إذَا سَكَن الغَديرُ عَلَى صَفَاء ... وَجُنبَ أنْ يُحَرّكَهُ النَّسيمُ ...
تَرَى فِيهِ السَّمَاء بَلا امْترَاء ... كَذَاكَ الشَّمْسُ تَبْدو وَالنّجُومُ ...
كَذاكَ قُلُوبُ أرْبَاب التَّجَلِّي ... يُرَى فِي صَفْوها اللهُ العَظيمُ ...
﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ الَّذِي [[في ت: "أي".]] لَا يُغَالَبُ وَلَا يُمَانَعُ، بَلْ قَدْ غَلَبَ كُلَّ شَيْءٍ، وَقَهَرَ كُلَّ شَيْءٍ بِقُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ، ﴿الْحَكِيمُ﴾ فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ، شَرْعًا وقَدَرا.
وَعَنْ مَالِكٍ فِي تَفْسِيرِهِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المنْكَدِر، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الأعْلَى﴾ ، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
{"ayahs_start":26,"ayahs":["وَلَهُۥ مَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ كُلࣱّ لَّهُۥ قَـٰنِتُونَ","وَهُوَ ٱلَّذِی یَبۡدَؤُا۟ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ یُعِیدُهُۥ وَهُوَ أَهۡوَنُ عَلَیۡهِۚ وَلَهُ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ"],"ayah":"وَلَهُۥ مَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ كُلࣱّ لَّهُۥ قَـٰنِتُونَ"}