الباحث القرآني
يَقُولُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى مَنْ أَرَادَ دِينًا سِوَى دِينِ اللَّهِ، الَّذِي أَنْزَلَ بِهِ كتبَه وَأَرْسَلَ بِهِ رسلَه، وَهُوَ عِبَادَتُهُ وَحْدَهُ لَا شريك له، الذي ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ﴾ أَيِ: اسْتَسْلَمَ لَهُ مِنْ فِيهِمَا طَوْعًا وَكَرْهًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ﴾ [الرَّعْدِ:١٥] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ. وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ. يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [النَّحْلِ: ٤٨ -٥٠] .
فَالْمُؤْمِنُ مُسْتَسْلِمٌ بِقَلْبِهِ وَقَالَبِهِ لِلَّهِ، وَالْكَافِرُ مُسْتَسْلِمٌ لِلَّهِ كَرْهَا، فَإِنَّهُ تَحْتَ التَّسْخِيرِ وَالْقَهْرِ وَالسُّلْطَانِ الْعَظِيمِ، الَّذِي لَا يُخَالِفُ وَلَا يُمَانِعُ. وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ، عَلَى مَعْنًى آخَرَ فِيهِ غَرَابَةٌ، فَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ النَّضْرِ الْعَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ حَفْصٍ النُّفَيْلي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِحْصَن الْعُكَّاشِيُّ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ أمَّا مَنْ فِي السَّمَاواتِ فَالْمَلائِكَةُ، وأمَّا مَنْ فِي الأرضِ فَمَنْ وُلِدَ عَلَى الإسْلامِ، وأمَّا كَرْهًا فَمَنْ أُتِي بِهِ مِنْ سَبَايا الأمَمِ فِي السَّلاسِلِ والأغْلالِ، يُقَادُونَ إلَى الْجَنَّةِ وَهُمْ كَارِهُونَ" [[المعجم الكبير للطبراني (١١/١٩٤) وهنا سقط اسم ابن عباس، فالإسناد عنده: عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ به. قال الهيثمي في المجمع (٦/٣٢٦) : "فيه محمد بن محصن العكاشي وهو متروك".]] .
وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ: "عَجِبَ رَبُّكَ مِنْ قَوْمٍ يُقَادُونَ إلَى الْجَنَّةِ فِي السَّلاسِل" [[صحيح البخاري (٣٠١٠) .]] وَسَيَأْتِي لَهُ شَاهِدٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَلَكِنَّ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ لِلْآيَةِ أَقْوَى.
وَقَدْ قَالَ وَكِيع فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ قَالَ: هُوَ كَقَوْلِهِ: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ﴾ [لُقْمَانَ:٢٥] .
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ قَالَ: حين أخذ الميثاق.
﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ أَيْ: يَوْمَ المَعَاد، فَيُجَازِي كُلًّا بِعَمَلِهِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزلَ عَلَيْنَا﴾ يَعْنِي: الْقُرْآنَ ﴿وَمَا أُنزلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ أَيْ: مِنَ الصُّحُفِ وَالْوَحْيِ: ﴿وَالأسْبَاطِ﴾ وَهُمْ بُطُونُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْمُتَشَعِّبَةُ مِنْ أَوْلَادِ إِسْرَائِيلَ -هُوَ يَعْقُوبُ-الِاثْنَيْ عَشَرَ. ﴿وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى﴾ يَعْنِي: بِذَلِكَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ﴿وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ وَهَذَا يَعُم جميعَ الْأَنْبِيَاءِ جُمْلَةً ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ﴾ يَعْنِي: بَلْ نُؤْمِنُ بِجَمِيعِهِمْ ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ فَالْمُؤْمِنُونَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يُؤْمِنُونَ بِكُلِّ نَبِيٍّ أُرْسِلَ، وَبِكُلِّ كِتَابٍ أُنْزِلَ، لَا يَكْفُرُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَلْ هُمْ مُصَدِّقون [[في أ: "يصدقون".]] بِمَا أُنْزِلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَبِكُلِّ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ أَيْ: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا سِوَى مَا شَرَعَه اللَّهُ فَلَنْ يُقْبل مِنْهُ ﴿وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ [[في جـ، أ، و: "رسول الله".]] ﷺ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، إِذْ ذَاكَ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "تَجِيءُ الأعْمَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَتَجِيءُ الصَّلاةُ فَتَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَا الصَّلاةُ. فَيَقُولُ: إِنَّكِ عَلَى خَيْرٍ. فَتَجِيءُ الصَّدَقَةُ فَتَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَا الصَّدَقَةُ. فَيَقُولُ: إِنَّكِ عَلَى خَيْرٍ. ثُمَّ يَجِيءُ الصِّيَامُ فَيَقُولُ: أَيْ يَا رَبِّ، أَنَا الصِّيَامُ. فَيَقُولُ: إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ. ثُمَّ تَجِيءُ الأعْمَالُ، كُل ذَلِكَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ، ثُمَّ يَجِيءُ الإسْلامُ فَيَقُولُ: يَا رَب، أَنْتَ السَّلامُ وَأَنَا الإسْلامُ. فَيَقُولُ اللَّهُ [تَعَالَى] : [[زيادة من و.]] إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ، بِكَ الْيَوْمَ آخُذُ وَبِكَ [[في و: "وبه".]] أُعْطِي، قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ﴾ .
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ [[في ر: "أبو عبد الرحمن بن عبد الله" وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه.]] بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ ثِقَةٌ، وَلَكِنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [[المسند (٢/٣٦٢) وقال الهيثمي في المجمع (١٠/٣٤٥) : "فيه عباد بن راشد، وثقه أبو حاتم وغيره، وضعفه جماعة، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح".]] .
{"ayahs_start":83,"ayahs":["أَفَغَیۡرَ دِینِ ٱللَّهِ یَبۡغُونَ وَلَهُۥۤ أَسۡلَمَ مَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعࣰا وَكَرۡهࣰا وَإِلَیۡهِ یُرۡجَعُونَ","قُلۡ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡنَا وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَىٰۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ وَإِسۡمَـٰعِیلَ وَإِسۡحَـٰقَ وَیَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَاۤ أُوتِیَ مُوسَىٰ وَعِیسَىٰ وَٱلنَّبِیُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَیۡنَ أَحَدࣲ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ","وَمَن یَبۡتَغِ غَیۡرَ ٱلۡإِسۡلَـٰمِ دِینࣰا فَلَن یُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ"],"ayah":"قُلۡ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡنَا وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَىٰۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ وَإِسۡمَـٰعِیلَ وَإِسۡحَـٰقَ وَیَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَاۤ أُوتِیَ مُوسَىٰ وَعِیسَىٰ وَٱلنَّبِیُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَیۡنَ أَحَدࣲ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق