الباحث القرآني

قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُسْتَرِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى الحِمَّاني، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ القُمِّي، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: أَتَتْ قُرَيْشٌ الْيَهُودَ فَقَالُوا: بِمَ جَاءَكُمْ مُوسَى؟ قَالُوا: عَصَاهُ وَيَدُهُ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ. وَأَتَوُا النَّصَارَى فَقَالُوا: كَيْفَ كَانَ عِيسَى؟ قَالُوا: كَانَ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ ويُحيي الْمَوْتَى: فَأَتَوُا النَّبِيَّ ﷺ فَقَالُوا: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَجْعَلُ لَنَا الصَّفا ذَهَبًا. فَدَعَا رَبَّهُ، فَنَزَلَتْ هذه الآية: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ﴾ فَلْيَتَفَكَّرُوا فيها [[في المعجم الكبير للطبراني (١٢٣٢٢) وقال الهيثمي في المجمع (٦/٣٣٢) : "وفيه يحيى الحماني وهو ضعيف".]] وَهَذَا مُشْكل، فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَدَنِيَّةٌ. وَسُؤَالُهُمْ أَنْ يَكُونَ الصَّفَا ذَهَبًا كَانَ بِمَكَّةَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُ يَقُولُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ﴾ أَيْ: هَذِهِ فِي ارْتِفَاعِهَا وَاتِّسَاعِهَا، وَهَذِهِ فِي انْخِفَاضِهَا وَكَثَافَتِهَا وَاتِّضَاعِهَا [[في أ: "وكشافتها وإيضاعها".]] وَمَا فِيهِمَا مِنَ الْآيَاتِ الْمُشَاهَدَةِ الْعَظِيمَةِ مِنْ كَوَاكِبَ سَيَّارَاتٍ، وثوابتَ وَبِحَارٍ، وَجِبَالٍ وَقِفَارٍ وَأَشْجَارٍ وَنَبَاتٍ وَزُرُوعٍ وَثِمَارٍ، وَحَيَوَانٍ وَمَعَادِنَ وَمَنَافِعَ، مُخْتَلِفَةِ الْأَلْوَانِ وَالطَّعُومِ وَالرَّوَائِحِ وَالْخَوَاصِّ ﴿وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ أَيْ: تَعَاقُبُهُمَا وتَقَارضهما الطُّولَ وَالْقِصَرَ، فَتَارَةً يطُول هَذَا وَيَقْصُرُ هَذَا، ثُمَّ يَعْتَدِلَانِ، ثُمَّ يَأْخُذُ هَذَا مِنْ هَذَا فَيَطُولُ الَّذِي كَانَ قَصِيرًا، وَيَقْصُرُ الَّذِي كَانَ طَوِيلًا وَكُلُّ ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [[في جـ، أ، و: "العليم".]] ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿لأولِي الألْبَابِ﴾ أَيِ: الْعُقُولِ التَّامَّةِ الذَّكِيَّةِ الَّتِي تُدْرِكُ الْأَشْيَاءَ بِحَقَائِقِهَا عَلَى جَلِيَّاتِهَا، وَلَيْسُوا كَالصُّمِّ البُكْم الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ [تَعَالَى] [[زيادة من و.]] فِيهِمْ: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ. وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ [يُوسُفَ:١٠٥، ١٠٦] . ثُمَّ وَصَفَ تَعَالَى أُولِي الْأَلْبَابِ فَقَالَ: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عِمْران بْنِ حُصَين، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَم تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبِكَ [[في جـ، أ: "جنب".]] [[صحيح البخاري برقم (١١١٥) .]] أَيْ: لَا يَقْطَعُونَ ذِكْره فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِمْ بِسَرَائِرِهِمْ وَضَمَائِرِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ﴾ أَيْ: يَفْهَمُونَ مَا فِيهِمَا مِنَ الحكَم الدَّالَّةِ عَلَى عَظَمَةِ الْخَالِقِ وَقُدْرَتِهِ، وَعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَاخْتِيَارِهِ وَرَحْمَتِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: إِنِّي لأخرجُ مِنْ مَنْزِلِي، فَمَا يَقَعُ بَصَرِي عَلَى شَيْءٍ إِلَّا رَأَيْتُ لِلَّهِ عَلَي فِيهِ نِعْمَة، أوْ لِي فِيهِ عِبْرَة. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ "التَّفَكُّرِ [[في النسخ: "التوكل"، والصحيح ما أثبتناه كما ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء (١٣/٤٠٢) ومعجم مصنفات ابن أبي الدنيا الموجود بالظاهرية، وسيأتي في نهاية المقطع مضبوطا. انظر ص ١٨٩.]] وَالِاعْتِبَارِ". وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: تَفَكُّر سَاعَة خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ. وَقَالَ الفُضَيل: قَالَ الْحَسَنُ: الْفِكْرَةُ مِرْآة تُرِيكَ حَسنَاتك وَسَيِّئَاتِكَ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: الْفِكْرَةُ نُورٌ يَدْخُلُ قَلْبَكَ. وَرُبَّمَا تَمَثَّلَ بِهَذَا الْبَيْتِ: إِذَا الْمَرْءُ كَانَتْ لَهُ فكْرَةٌ ... فِفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ عبرَة ... وَعَنْ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ قَالَ: طُوبَى لِمَنْ كَانَ قِيلُه تَذَكُّرًا، وصَمْته تَفكُّرًا، ونَظَره عِبَرًا. وَقَالَ لُقْمَانُ الْحَكِيمُ: إِنَّ طُولَ الْوَحْدَةِ ألْهَمُ لِلْفِكْرَةِ، وطولَ الفكْرة دَلِيلٌ عَلَى طَرْق بَابِ الْجَنَّةِ. وَقَالَ وَهَبُ بْنُ مُنَبِّه: مَا طَالَتْ فِكْرَةُ امرِئ قَطُّ إِلَّا فَهِمَ، وَمَا [[في ر: "ولا".]] فَهِمَ امْرُؤٌ قَطُّ إِلَّا عَلِمَ، وَمَا عَلِمَ امْرُؤٌ قَطُّ إلا عمل. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: الْكَلَامُ بِذِكْرِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، حَسَن، وَالْفِكْرَةُ فِي نِعَمِ اللَّهِ أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ. وَقَالَ مُغِيثٌ الْأَسْوَدُ: زُورُوا الْقُبُورَ كُلَّ يَوْمِ تُفَكِّرُكُمْ، وَشَاهِدُوا الْمَوْقِفَ بِقُلُوبِكُمْ، وَانْظُرُوا إِلَى الْمُنْصَرَفِ بِالْفَرِيقَيْنِ إِلَى الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ، وَأَشْعِرُوا قُلُوبَكُمْ وَأَبْدَانَكُمْ ذِكْرَ النَّارِ وَمَقَامِعَهَا وَأَطْبَاقَهَا، وَكَانَ يَبْكِي عِنْدَ ذَلِكَ حَتَّى يُرْفع صَريعا مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِهِ، قَدْ ذَهَبَ عَقْلُهُ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: مَرَّ رَجُلٌ برَاهبٍ عِنْدَ مَقْبَرة ومَزْبَلَة، فَنَادَاهُ فَقَالَ: يَا رَاهِبُ، إِنَّ عِنْدَكَ كَنزين مِنْ كُنُوزِ الدُّنْيَا لَكَ فِيهِمَا مُعْتَبَر، كَنْزُ الرِّجَالِ وَكَنْزُ الْأَمْوَالِ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرِ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَعَاهَدَ قَلْبَهُ، يَأْتِي الخَرِبة فَيَقِفُ عَلَى بَابِهَا، فَيُنَادِي بِصَوْتٍ حَزِينٍ فَيَقُولُ: أَيْنَ أهْلُك؟ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى نَفْسِهِ فَيَقُولُ: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ﴾ [الْقَصَصِ:٨٨] . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: رَكْعَتَانِ مُقْتَصِدَتَانِ فِي تَفكُّر، خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ وَالْقَلْبُ سَاهٍ [[في ر: "ساهي".]] . وَقَالَ الْحَسَنُ: يَا ابْنَ آدَمَ، كُلْ فِي ثُلُثِ بَطْنِكَ، وَاشْرَبْ فِي ثُلْثِهِ، وَدَعْ ثُلُثَهُ الْآخَرَ تتنفَّس لِلْفِكْرَةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ نَظَرَ إِلَى الدُّنْيَا بِغَيْرِ الْعِبْرَةِ انطَمَسَ مِنْ بَصَرِ قَلْبِهِ بِقَدْرِ تِلْكَ الغَفْلَة. وَقَالَ بِشْر بْنُ الْحَارِثِ الْحَافِي: لَوْ تَفَكَّرَ النَّاسُ فِي عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَمَا عَصَوْهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ وَلَا اثْنَيْنِ وَلَا ثَلَاثَةً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ يَقُولُونَ: إِنَّ ضِيَاءَ الْإِيمَانِ، أَوْ نُورَ الْإِيمَانِ، التَّفَكُّرُ. وَعَنْ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ قَالَ: يَا ابْنَ آدَمَ الضَّعِيفَ، اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وكُنْ فِي الدُّنْيَا ضَيْفًا، واتَّخِذِ المساجدَ بَيْتًا، وعَلِّم عَيْنَيْكَ الْبُكَاءَ، وجَسَدك الصَّبْر، وَقَلْبَكَ الفِكْر، وَلَا تَهْتَمَّ بِرِزْقِ غَدٍ. وَعَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ بَكَى يَوْمًا بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فسُئل عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: فَكَّرت فِي الدُّنْيَا وَلِذَّاتِهَا وَشَهَوَاتِهَا، فَاعْتَبَرْتُ مِنْهَا بِهَا، مَا تَكَادُ شَهَوَاتُهَا تَنْقَضي حَتَّى تُكَدِّرَهَا مرارتُها، وَلَئِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عِبْرَةٌ لِمَنِ اعْتَبَرَ إِنَّ فِيهَا مَوَاعِظَ لِمَنِ ادَّكَرَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: أَنْشَدَنِي الحُسَين بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: نزهَة الْمُؤْمِنِ الفكَرْ ... لَذَّةُ الْمُؤْمِنِ العِبرْ ... نحمدُ اللهَ وَحْدَه ... نحْنُ كُلٌّ عَلَى خَطَرْ ... رُبّ لاهٍ وعُمْرُه ... قَدْ تَقَضّى وَمَا شَعَرْ ... رُبّ عَيْشٍ قَدْ كَانَ فَوْ ... قَ المُنَى مُونقَ الزَهَرْ ... فِي خَرير [[في ر: "جرير".]] مِنَ العيُو ... نِ وَظل مِنَ الشَّجَرْ ... وسُرُور مِنَ النَّبا ... تِ وَطيب منَ الثَمَرْ ... غَيَّرَتْه وَأهْلَهُ [[في ر: "وغيرت أهله".]] سرعةُ الدّهْر بالغَيرْ .. نَحْمَد اللَّهَ وَحْدَهُ ... إِنَّ فِي ذَا لَمُعْتَبَرْ ... إِنَّ فِي ذَا لَعبرةً ... لِلَبِيبٍ إِنِ اعْتَبَرْ ... وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ لَا يَعْتَبِرُ بِمَخْلُوقَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَشَرْعِهِ وَقَدْرِهِ وَآيَاتِهِ، فَقَالَ: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ. وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ [يُوسُفَ:١٠٥، ١٠٦] وَمَدَحَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ﴾ قَائِلِينَ ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا﴾ أَيْ: مَا خَلَقْتَ هَذَا الْخَلْقَ عَبَثًا، بَلْ بالحق لتجزي [[في جـ، ر، أ، و: "ليجزي".]] الذين أساؤوا بِمَا عَمِلُوا، وَتَجْزِيَ [[في ر، أ، و: "يجزي".]] الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى. ثُمَّ نَزَّهُوهُ عَنِ الْعَبَثِ وَخَلْقِ الْبَاطِلِ فَقَالُوا: ﴿سُبْحَانَكَ﴾ أَيْ: عَنْ أَنْ تَخْلُقَ شَيْئًا بَاطِلًا ﴿فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ أَيْ: يَا مَنْ خَلَق الْخَلْقَ بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ يَا مَنْ هُوَ مُنزه عَنِ النَّقَائِصِ وَالْعَيْبِ وَالْعَبَثِ، قِنَا مِنْ [[في أ: "فقنا".]] عَذَابِ النَّارِ بِحَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ وَقيضْنَا لِأَعْمَالٍ تَرْضَى بِهَا عَنَّا، وَوَفِّقْنَا لِعَمَلٍ صَالِحٍ تَهْدِينَا بِهِ إِلَى جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَتُجِيرُنَا بِهِ مِنْ عَذَابِكَ الْأَلِيمِ. ثُمَّ قَالُوا: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾ أَيْ: أَهَنْتَهُ وَأَظْهَرْتَ خِزْيَهُ لِأَهْلِ الْجَمْعِ ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا مُجِير لَهُمْ مِنْكَ، وَلَا مُحِيد لَهُمْ عَمَّا أَرَدْتَ بِهِمْ. ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإيمَانِ﴾ أَيْ: دَاعِيًا يَدْعُو إِلَى الْإِيمَانِ، وَهُوَ الرَّسُولُ ﷺ ﴿أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا﴾ أَيْ يَقُولُ: ﴿آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا﴾ أَيْ: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَاتَّبَعْنَاهُ ﴿رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ أَيْ: بِإِيمَانِنَا وَاتِّبَاعِنَا نَبِيَّكَ فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا، أَيِ: اسْتُرْهَا ﴿وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا﴾ أَيْ: فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ ﴿وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ﴾ أَيْ: أَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ ﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ﴾ قِيلَ: مَعْنَاهُ: عَلَى الْإِيمَانِ بِرُسُلِكَ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِكَ. وَهَذَا أَظْهَرُ. وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي عِقَال، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "عَسْقَلان أَحَدُ الْعَرُوسَيْنِ، يَبْعَثُ اللَّهُ مِنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعِينَ [[في ر: "سبعون".]] أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ، وَيَبْعَثُ مِنْهَا خَمْسِينَ [[في جـ، ر، أ: "خمسون".]] أَلْفًا شُهَدَاءَ وُفُودًا إِلَى اللَّهِ، وَبِهَا صُفُوف الشهداء، رؤوسهم مُقَّطعة فِي أَيْدِيهِمْ، تَثِجّ أَوْدَاجُهُمْ دَمًا، يَقُولُونَ: ﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ فَيَقُولُ: صَدَق عَبْدِي، اغْسِلُوهُمْ بِنَهْرِ الْبَيْضَةِ. فَيَخْرُجُونَ مِنْهُ نَقَاءً بِيضًا، فَيَسْرَحُونَ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شاؤوا". وَهَذَا الْحَدِيثُ يُعد مِنْ غَرَائِبِ الْمُسْنَدِ، وَمِنْهُمْ من يجعله موضوعا، والله أعلم [[المسند (٣/٢٢٥) وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات (٢/٥٤) وقال: "هذا حديث لا يصح عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وجميع طرقه تدور على أبي عقال واسمه: هلال بن زيد بن يسار. قال ابن حبان: يروي عن أنس أشياء موضوعة ما حدث أنس بها قط، لا يجوز الاحتجاج به بحال"، وذكره الذهبي في الميزان (٤/٣١٣) وقال: "باطل". وانظر كلام الحافظ ابن حجر في: القول المسدد برقم (٨) فقد ذكر أن الحديث في فضائل الأعمال والتحريض على الرباط في سبيل الله وأن التسامح في رواية مثله طريقة الإمام أحمد -رحمه الله- ثم ساق له شواهد، فراجعها إن شئت.]] . ﴿وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ أي: على رؤوس الْخَلَائِقِ ﴿إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ أَيْ: لَا بُدَّ مِنَ الْمِيعَادِ الَّذِي أخبرتَ عَنْهُ رسُلَك، وَهُوَ الْقِيَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ يَدَيْكَ. وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ سُرَيْج [[في جـ، ر: "شريح".]] حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ؛ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "الْعَارُ وَالتَّخْزِيَةُ تَبْلُغُ [[في جـ، ر: "يبلغ".]] مِنَ ابْنِ آدَمَ فِي الْقِيَامَةِ فِي الْمَقَامِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، مَا يَتَمَنَّى الْعَبْدُ أَنْ يُؤْمَرَ بِهِ إِلَى النَّارِ" حَدِيثٌ غَرِيبٌ [[مسند أبي يعلى (٣/٣١١) وقال الهيثمي في المجمع (١٠/٣٥٠) : "وفيه الفضل بن عيسى الرقاشي، وهو مجمع على ضعفه".]] . وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَاتِ الْعَشْرَ مِنْ آخِرِ آلِ عِمْرَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ لِتَهَجُّدِهِ، فَقَالَ الْبُخَارِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَمْر، عَنْ كُرَيب عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَتَحَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً ثُمَّ رَقَدَ، فَلَمَّا كَانَ ثُلث اللَّيْلِ الْآخِرِ قَعد فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ﴾ ثُمَّ قَامَ فَتَوَضَّأَ وَاسْتَنَّ. فَصَلَّى إِحْدَى عَشْرَة [[في ر: "عشر" والصحيح ما أثبتناه.]] رَكْعَةً. ثُمَّ أَذَّنَ بلالٌ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ. وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ إِسْحَاقَ الصَّنْعَانِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ، بِهِ [[صحيح البخاري برقم (٤٥٦٩) وصحيح مسلم برقم (٧٦٣) .]] ثُمَّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طُرقٍ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مَخْرَمَة بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [[في جـ، رأ، و: "ابن عباس أخبره".]] أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، وَهِيَ خَالَتُهُ، قَالَ: فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْض الْوِسَادَةِ، وَاضْطَجَعَ [[في جـ: "فاضطجع".]] رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَهْلُهُ فِي طُولها، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ -أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ -استيقظَ رسولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ مَنَامِهِ، فَجَعَلَ يمسحُ النومَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الْآيَاتِ الخواتيمَ مِنْ سُورة آلِ عِمْرَانَ، ثُم قَامَ إِلَى شَنّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا فَأَحْسَنَ وُضُوءه [[في أ: "الوضوء".]] ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي -قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ، ثُمَّ ذَهَبتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبه -فَوَضَعَ رسولُ اللَّهِ ﷺ يَدَه الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي، وَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى يَفْتلُها [[في جـ، ر، أ، و: "ففتلها".]] فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ، فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ. وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ بَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ مِنْ طُرُق عَنْ مَالِكٍ، بِهِ [[صحيح البخاري برقم (٤٥٧٠، ٤٥٧١) وصحيح مسلم برقم (٧٦٣) وسنن أبي داود برقم (١٣٦٧) وسنن النسائي (٣/٢١٠) وسنن ابن ماجة برقم (١٣٦٣) وأما الترمذي فرواه في الشمائل برقم (٢٥٢) .]] وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ وُجُوهٍ أخرَ، عن مخرمة بن سليمان، به [[صحيح مسلم برقم (٧٦٣) وسنن أبي داود برقم (١٣٦٤) .]] . " طَرِيقٌ أُخْرَى " لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] [[زيادة من و.]] . قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُويه: حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بْنِ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مسرَّة [[في أ: "ميسرة".]] أَنْبَأَنَا خَلاد بْنُ يَحْيَى، أَنْبَأَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرو، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ [[في أ: "عن أبيه" وفي و: "عن ابن عباس".]] قَالَ: أَمَرَنِي الْعَبَّاسُ أَنْ أَبِيتَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَحْفَظُ صَلَاتَهُ. قَالَ: فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ فِي الْمَسْجِدِ أَحَدٌ غَيْرُهُ قَامَ [[في و: "قال".]] فَمَرَّ بِي، فَقَالَ: "مَنْ هَذَا؟ عَبْدُ اللَّهِ؟ " فَقُلْتُ [[في جـ، ر: "قلت".]] نَعَمْ. قَالَ: "فَمَه؟ " قُلْتُ: أَمَرَنِي العباسُ أَنْ أَبِيتَ بِكُمُ اللَّيْلَةَ. قَالَ: "فَالْحَقِ الْحَقْ" فَلَمَّا [[في ر، أ، و: "قال: فلما".]] أَنْ دَخَلَ قَالَ: "افرشَنْ عَبْدَ اللَّهِ؟ " فَأَتَى بِوِسَادَةٍ مِنْ مُسُوحٍ، قَالَ فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَيْهَا حَتَّى سَمعتُ غَطِيطه، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى فِرَاشِهِ قَاعِدًا، قَالَ: فَرَفَع رأسَه إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: "سُبحان الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ حَتَّى خَتَمَهَا. وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ [[في جـ، ر، أ، و: عباس عن أبيه".]] حَدِيثًا [[في ر: "حدثنا".]] فِي ذَلِكَ أَيْضًا [[صحيح مسلم برقم (٧٦٣) وسنن أبي داود برقم (١٣٥٣) وسنن النسائي (٣/٢٣٦) .]] . طَرِيقٌ أُخْرَى رَوَاهَا ابْنُ مَرْدُويَه، مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَة، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ بَعْدَ مَا مَضى لَيْلٌ، فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ﴾ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورا، وَفِي سَمْعي نُورًا، وَفِي بَصَري نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ شِمَالِي نُورًا، وَمِنْ بَيْنِ يَدَيّ نُورًا، وَمِنْ خَلْفي نُورًا، وَمِنْ فَوْقي نُورًا، وَمِنْ تَحْتِي نُورًا، وأعْظِم لِي نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ " وَهَذَا الدُّعَاءُ [[في إسناده عاصم وقد تكلم فيه وشيخه مجهول. ورواه البخاري في صحيحه برقم (٤٥٦٩) ومسلم في صحيحه برقم (٧٦٣) من طريق كريب عن ابن عباس بنحوه.]] ثَابِتٌ فِي بَعْضِ طُرُقِ الصَّحِيحِ، مِنْ رِوَايَةِ كُريب، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. [[في و: "عنهما".]] . ثُمَّ رَوَى ابْنُ مَرْدُويَه وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَتْ قُرَيْشٌ الْيَهُودَ فَقَالُوا: بِمَا جَاءَكُمْ مُوسَى مِنَ الْآيَاتِ؟ قَالُوا: عَصَاهُ وَيَدُهُ الْبَيْضَاءُ [[في جـ، ر، أ، و: "بيضاء".]] لِلنَّاظِرِينَ. وَأَتَوُا النَّصَارَى فَقَالُوا: كَيْفَ كَانَ عِيسَى فِيكُمْ؟ قَالُوا: كَانَ يُبرئ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُحْيِي الْمَوْتَى. فَأَتَوُا النَّبِيَّ ﷺ فَقَالُوا: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ [[في أ، ر: "ربك أن".]] يَجْعَلُ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا. فَدَعَا رَبَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فَنَزَلَتْ: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ﴾ قَالَ: "فليتفكروا فيها" [[ورواه ابن أبي حاتم، والطبراني، وابن المنذر كما في الدر (٢/٤٠٧) . قال الحافظ ابن حجر في الفتح (٨/٢٣٥) : "رجاله ثقات إلا الحماني فإنه متكلم فيه، وقد خالفه الحسن بن موسى، فرواه عن يعقوب عن جعفر عن سعيد مرسلا وهو أشبه، وعلى تقدير كونه محفوظا وصله، ففيه إشكال من جهة أن هذه السورة مدنية وقريش من أهل مكة، ويحتمل أن يكون سؤالهم لذلك بعد أن هاجر النَّبِيُّ ﷺ إِلَى الْمَدِينَةِ ولا سيما زمن الهدنة".]] لفظ ابن مَرْدُويَه. وَقَدْ تَقَدَّمَ سِيَاقُ الطَّبَرَانِيِّ لِهَذَا الْحَدِيثِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ [[في ر: "يكون".]] هَذِهِ الْآيَاتُ مَكِّيَّةٌ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا مَدَنِيَّةُ، وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ، قَالَ ابْنُ مَرْدويه: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا شُجَاعُ بْنُ أَشْرَسَ، حَدَّثَنَا حَشْرج بْنُ نَبَاتَةَ الْوَاسِطِيُّ أَبُو مُكْرَمٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ -هُوَ أَبُو جَنَاب [[في أ: "حبان".]] [الْكَلْبِيُّ] [[زيادة من ر.]] -عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ وعُبَيد بْنُ عُمَير إِلَى عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَدَخَلْنَا عَلَيْهَا وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا حِجَابٌ، فَقَالَتْ: يَا عُبَيْدُ، مَا يَمْنَعُكَ مِنْ زِيَارَتِنَا؟ قَالَ: قَوْلُ الشَّاعِرِ: زُر غِبًّا تَزْدَدْ حُبّا ... فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: ذَرِينَا [[في جـ، ر: "ذرنا"]] أَخْبِرِينَا بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَبَكَتْ وَقَالَتْ: كُلُّ أَمْرِهِ كَانَ عَجَبًا، أَتَانِي فِي لَيْلَتِي حَتَّى مَسَّ جِلْدُهُ جِلْدِي، ثُمَّ قَالَ: ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ لِرَبِّي [عَزَّ وَجَلَّ] [[زيادة من جـ، ر، أ، و.]] قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ، وَإِنِّي أُحِبُّ [[في جـ، ر، أ: "لأحب".]] أَنْ تَعبد لِرَبِّكَ. فَقَامَ إِلَى الْقِرْبَةِ فَتَوَضَّأَ وَلَمْ يُكْثِرْ صَبَّ الْمَاءِ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَبَكَى حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ، ثُمَّ سَجَدَ فَبَكَى حَتَّى بَل الْأَرْضَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى جَنْبِهِ فَبَكَى، حَتَّى إِذَا أَتَى بِلَالٌ يُؤذنه بِصَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَتْ: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يُبكيك؟ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ذَنْبَكَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ: "وَيْحَكَ يَا بِلَالُ، وَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَبْكِيَ وَقَدْ أُنْزِلَ [[في أ::أنزل الله".]] عَلَيَّ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ﴾ " ثُمَّ قَالَ: "وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا". وَقَدْ رَوَاهُ عَبْد بْنُ حُمَيد، عَنْ [[في و: "طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تفسيره: أنبأنا".]] جَعْفَرِ بْنِ عَوْن، عَنْ أَبِي [[في و: "حدثنا أبو".]] جَنَاب [[في جـ، ر: "حباب".]] الْكَلْبِيِّ عَنْ [[في و: "حدثنا".]] عَطَاءٍ، بِأَطْوَلَ مِنْ هَذَا وَأَتَمَّ سِيَاقًا [[ومن طريق ابن مردويه رواه الأصبهاني في الترغيب والترهيب برقم (٦٦٦) فقال: أخبرنا أحمد الذكواني، أنبأنا أحمد بن موسى ابن مردويه، فذكره. وفي إسناده أبو جناب الكلبي تفرد به وهو ضعيف.]] . وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو حاتم ابن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيد النَّخعي، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا [وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ] [[زيادة من و.]] وعُبَيد بْنُ عُمَير عَلَى عَائِشَةَ [[في و: "على أم المؤمنين".]] فَذَكَرَ [[في جـ: "فذكره".]] نَحْوَهُ. وَهَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ "التَّفَكُّرِ وَالِاعْتِبَارِ" عَنْ شُجَاعِ بْنِ أَشْرَصَ، بِهِ. ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: سَمِعْتُ سُنَيْدًا يَذْكُرُ عَنْ سُفْيَانَ -هُوَ الثَّوْرِيُّ-رَفَعَهُ قَالَ: مَنْ قَرَأَ آخِرَ آلِ عِمْرَانَ فَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهِ ويْلَه. يَعُدُّ بِأَصَابِعِهِ عَشْرًا. قَالَ الْحَسَنُ بن عبد العزيز: فأخبرني عُبَيد بْنُ السَّائِبِ قَالَ: قِيلَ لِلْأَوْزَاعِيِّ: مَا غاية التفكر فيهن؟ قال: يقرأهن وَهُوَ يَعْقِلُهُنَّ. قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: وَحَدَّثَنِي قَاسِمُ بْنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاش، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَأَلْتُ الْأَوْزَاعِيَّ عَنْ أَدْنَى مَا يَتَعلق بِهِ الْمُتَعَلِّقُ مِنَ الْفِكْرِ فِيهِنَّ وَمَا يُنْجِيهِ مِنْ هَذَا الْوَيْلِ؟ فَأَطْرَقَ هُنَيّة [[في جـ: "هنيهة".]] ثُمَّ قَالَ: يَقْرَؤُهُنَّ وَهُوَ يَعْقلُهُن. [حَدِيثٌ آخَرُ فِيهِ غَرَابَةٌ: قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بَشِيرِ بْنِ نُمَيْرٍ، أَنْبَأَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُسْتِيُّ ح وَقَالَ: أَنْبَأَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَا أَنْبَأَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، أَنْبَأَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى الزُّهْرِيُّ، أَنْبَأَنَا مَظَاهِرُ بْنُ أَسْلَمَ الْمَخْزُومِيُّ، أَنْبَأَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقْرَأُ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ كُلَّ لَيْلَةٍ. مُظَاهِرُ بن أسلم ضعيف] [[زيادة من أ، و.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب