الباحث القرآني
يُحَذِّرُ [[في أ: "يخبر".]] تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ طَاعَةِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ فَإِنَّ طَاعَتَهُمْ تُورِثُ الرَّدَى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [[في ر: "الأخرى".]] ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ .
ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِطَاعَتِهِ وَمُوَالَاتِهِ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: ﴿بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ﴾ .
ثُمَّ بَشَّرَهُمْ بِأَنَّهُ سَيُلقي فِي قُلُوبِ أَعْدَائِهِمُ الْخَوْفَ مِنْهُمْ وَالذِّلَّةَ لَهُمْ، بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ وَشِرْكِهِمْ، مَعَ مَا ادَّخَرَهُ لَهُمْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ مِنَ الْعَذَابِ والنَّكال، فَقَالَ: ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ﴾ .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الأنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الأرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَة وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً [[صحيح البخاري برقم (٣٣٥) وصحيح مسلم برقم (٥٢١) .]] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيّ عَنْ سُلَيْمَانَ -يَعْنِي التَّيْمِيَّ-عَنْ سَيّار، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: "فَضَّلَني [رَبِّي] [[زيادة من جـ، ر، أ، و، والمسند.]] عَلَى الأنْبِيَاء -أَوْ قَالَ: عَلَى الأمَمِ-بأَرْبَعٍ" قَالَ "أُرْسِلْتُ إلَى النَّاسِ كَافَّةً وَجُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ كُلُّهَا وَلأمَّتِي مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأيْنَمَا أدْرَكَتْ [[في و: "أدركه".]] رَجُلا مِنْ أُمَّتِي الصَّلاةُ فَعِنْدَهُ مَسْجِدُهُ و [[في جـ ر: "مسجده وعنده طهوره".]] طَهُوُرهُ، ونُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَة شَهْرٍ يَقْذِفُهُ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِي وأحَل لِيَ [[في جـ: "لنا".]] الغنائِم".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ سَيَّار القُرَشي الْأُمَوِيِّ مَوْلَاهُمُ الدِّمَشْقِيِّ -سَكَنَ الْبَصْرَةَ-عَنْ أَبِي أُمَامَةَ صُدَيّ بْنِ عَجْلان، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِهِ. وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ [[المسند (٥/٢٤٨) وسنن الترمذي برقم (١٥٥٣) .]] .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْب، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ: أَنَّ أَبَا يُونُسَ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَالَ: "نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ عَلَى الْعَدُوِّ".
وَرَوَاهُ [[في جـ، ر: "رواه".]] مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ [[صحيح مسلم برقم (٥٢٣) .]] .
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَة، عَنْ أَبِيهِ [[في أ: "عن أبيه عن أبي موسى".]] أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أُعْطِيتُ خَمْسًا: بُعِثْتُ إلَى الأحْمَرِ وَالأسْوَدِ، وَجعلَتْ لِيَ الأرْض طَهُورًا ومَسْجِدًا، وأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِم وَلَمْ تَحِل لِمَنْ كَانَ قَبْلِي، ونُصِرْتُ بِالرُّعْبِ [[في و: "بالرعب مسيرة شهر".]] شَهْرًا، وأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَلَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ سَأَل شَفَاعَتَهُ، وإنِّي اخْتَبَأتُ شَفَاعَتِي، ثُمَّ جَعَلْتُهَا لِمَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا".
تفرد به أحمد [[المسند (٤/٤١٦) وقال الهيثمي في المجمع (٨/٢٥٨) : "رجاله رجال الصحيح".]] .
وَرَوَى العَوْفيّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾ قَالَ: قَذَفَ اللَّهُ فِي قَلْبِ أَبِي سُفْيَانَ الرُّعْبَ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "إنَّ أبَا سُفْيَانَ قَدْ أَصَابَ مِنْكُمْ طَرَفا، وَقَدْ رَجَعَ، وقَذَفَ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ الرُّعْبِ". رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَعَدَهُمُ اللَّهُ النَّصْرَ.
وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنزلِينَ. بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ لِأَنَّ عَدُوَّهُمْ كَانَ ثَلَاثَةَ آلَافِ مُقَاتِلٍ، فَلَمَّا وَاجَهُوهُمْ كَانَ الظَّفَرُ وَالنَّصْرُ أَوَّلَ النَّهَارِ لِلْإِسْلَامِ، فَلَمَّا حَصَلَ مَا حَصَلَ مِنْ عِصْيَانِ الرُّماة وَفَشَلِ بَعْضِ الْمُقَاتِلَةِ، تَأَخَّرَ الْوَعْدُ الَّذِي كَانَ مَشْرُوطًا بِالثَّبَاتِ وَالطَّاعَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ أَيْ: أَوَّلَ النَّهَارِ ﴿إِذْ تَحُسُّونَهُمْ﴾ أَيْ: تَقْتُلُونَهُمْ [[في ر: "يقتلونكم".]] ﴿بِإِذْنِهِ﴾ أَيْ: بِتَسْلِيطِهِ إِيَّاكُمْ عَلَيْهِمْ ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ﴾ وَقَالَ [[في أ، و: "قال".]] ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْفَشَلُ الْجُبْنُ، ﴿وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمْرِ وَعَصَيْتُمْ﴾ كَمَا وَقَعَ لِلرُّمَاةِ ﴿مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾ وَهُوَ الظَّفَرُ مِنْهُمْ [[في و: "بهم".]] ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا﴾ وَهْمُ الَّذِينَ رَغِبُوا فِي الْمَغْنَمِ حِينَ رَأَوُا الْهَزِيمَةَ ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ﴾ ثُمَّ أَدَالَهُمْ عَلَيْكُمْ لِيَخْتَبِرَكُمْ وَيَمْتَحِنَكُمْ ﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ﴾ أَيْ: غَفَرَ لَكُمْ ذَلِكَ الصَّنِيع، وَذَلِكَ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-لِكَثْرَةِ عَدد الْعَدُوِّ وعُدَدهم، وَقِلَّةِ عَدد الْمُسْلِمِينَ وعُدَدهم.
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ﴾ قَالَ: لَمْ يَسْتَأْصِلْكُمْ. وَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، رَوَاهُمَا ابْنُ جَرِيرٍ ﴿وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أخبرنا عبد الرحمن ابن أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيد اللَّهِ [[في هـ ر: "أبي عبيد الله"، والصواب ما أثبتناه من المسند.]] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا نَصَرَ اللَّهُ فِي مَوْطِن كَمَا نَصَرَهُ يَوْمَ أُحُدٍ. قَالَ: فَأَنْكَرْنَا ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَيْنِي وَبَيْنَ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ كتابُ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي يَوْمِ أُحُدٍ: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: والحَسُّ: الْقَتْلُ [[في ر: "والحس الفشل".]] ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ﴾ الْآيَةَ [[في جـ، ر، أ، و: (حتى إذا فشلتم -إلى قوله- وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى المؤمنين) .]] وَإِنَّمَا عَنَى بِهَذَا الرُّمَاةَ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَقَامَهُمْ فِي مَوْضِعٍ، ثُمَّ قَالَ: "احْمُوا ظُهُورَنَا، فَإنْ رَأيْتُمُونَا نُقْتَلُ فَلا تَنْصُرُونَا وَإنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ غَنِمْنَا فَلا تُشْرِكُونَا. فَلَمَّا غَنِمَ النَّبِيُّ ﷺ وأباحُوا عَسْكَرَ الْمُشْرِكِينَ أَكَبَّتِ الرُّماة جَمِيعًا [وَدَخَلُوا] [[زيادة من جـ، ر، أ، والمسند.]] فِي الْعَسْكَرِ يَنْهَبُونَ، وَلَقَدِ الْتَقَتْ صُفُوفُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَهُم هَكَذَا -وَشَبَّكَ بَيْنَ يَدَيْهِ-وَانْتَشَبُوا، فَلَمَّا أَخَلَّ الرُّمَاةُ تِلْكَ الْخَلَّةِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا، دَخَلَتِ الْخَيْلُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَضَرَبَ [[في و: "يضرب".]] بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَالْتَبُسُوا، وقُتل من المسلمين ناس كَثِيرٌ، وَقَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ أَوَّلَ النَّهَارِ، حَتَّى قُتِل مِنْ أَصْحَابِ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ سَبْعَةٌ أَوْ تسعةٌ، وَجَالَ الْمُسْلِمُونَ جَوْلَةً نَحْوَ الْجَبَلِ وَلَمْ يَبْلُغُوا -حَيْثُ يَقُولُ النَّاسُ-الْغَارَ، إِنَّمَا كَانَ [[في أ، و: "كانوا".]] تَحْتَ المِهْراس، وَصَاحَ الشَّيْطَانُ: قُتل مُحَمَّدٌ، فَلَمْ يُشَك فِيهِ أَنَّهُ حَقٌّ، فَمَا زِلْنَا كَذَلِكَ مَا نَشُك أَنَّهُ حَقٌّ، حَتَّى طَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ السَّعْدَيْنِ، نَعْرِفُهُ بِتَلَفُّتِهِ [[في جـ: "بتكفيه"، وفي ر: "بتلسعه"، وفي أ، و: "بتكفئه".]] إِذَا مَشَى -قَالَ: فَفَرِحْنَا حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يُصِبْنَا مَا أَصَابَنَا-قَالَ: فَرَقِيَ نَحْوَنَا وَهُوَ يَقُولُ: "اشْتَدَّ [[في ر: "شد".]] غَضَبَ اللهِ عَلَى قَوْمٍ دَمَّوْا وَجْهَ رَسُولِ اللهِ". وَيَقُولُ مَرَّةً أُخْرَى: "اللَّهم إِنَّهُ لَيْسَ لَهم أنْ يَعْلُونَا". حَتَّى انْتَهَى إِلَيْنَا، فَمَكَثَ سَاعَةً، فَإِذَا أَبُو سُفْيَانَ يَصِيحُ فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ: اعْلُ هُبَلُ، مَرَّتَيْنِ -يَعْنِي آلِهَتَهُ-أَيْنَ ابْنُ أَبِي كَبْشة؟ أَيْنَ ابْنُ أَبِي قحَافة؟ أَيْنَ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا أُجِيبَهُ؟ قَالَ: "بَلَى" قَالَ: فَلَمَّا قَالَ: اعْلُ هُبَلُ. قَالَ عُمَرُ: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: قَدْ أَنْعَمَتْ عَيْنُهَا فعَادِ عَنْهَا [[في جـ: "فعاذ عنها"، وفي ر: "فعال عنها".]] أَوْ: فَعَالِ! فَقَالَ: أَيْنَ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ؟ أَيْنَ ابْنُ أَبِي قُحَافة؟ أَيْنَ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ، وَهَذَا أَبُو بَكْرٍ، وَهَا أَنَا ذَا عُمَرُ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، الْأَيَّامُ دُوَل، وَإِنَّ الْحَرْبَ سِجَال. قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: لَا سَوَاءً، قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ. قَالَ [[في أ: "وقال".]] إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ [[في جـ، ر: "لتزعمون".]] ذَلِكَ، لَقَدْ خِبْنا إِذًا وخَسِرْنا ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي قَتْلَاكُمْ مُثْلَةً [[في جـ، ر، أ، و: "مثلا".]] وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى رَأْيِ سُرَاتِنَا. قَالَ: ثُمَّ أدركَتْه حَمِيَّة الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ إِنْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ نَكْرهْه.
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَسِيَاقٌ عَجِيبٌ، وَهُوَ مِنْ مُرْسَلَاتِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ أحُدًا وَلَا أَبُوهُ.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ أَبِي النَّضْر الْفَقِيهِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، بِهِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْهَاشِمِيِّ، بِهِ [[المسند (١/٢٨٧، ٢٨٨) والمستدرك (٢/٢٩٦) ودلائل النبوة للبيهقي (٣/٢٦٩، ٢٧٠) .]] وَلِبَعْضِهِ شَوَاهِدٌ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا، فَقَالَ [[في أ: "وقال".]] الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَوْمَ أُحُدٍ، خلْف الْمُسْلِمِينَ، يُجْهزْن [[في ر: "يجهزون".]] عَلَى جَرْحى الْمُشْرِكِينَ، فَلَوْ حَلَفت يَوْمَئِذٍ رَجَوْتُ أَنْ أبَر: أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَّا يُرِيدُ الدُّنْيَا، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ﴾ فَلَمَّا خَالَفَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ وعَصَوا مَا أُمِرُوا بِهِ، أُفْرِدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي تِسْعَةٍ: سَبْعَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهُوَ عَاشِرُهُمْ، فَلَمَّا رهقُوه [قَالَ: "رَحِمَ اللهُ رَجُلًا رَدَّهُمْ عَنَّا". قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَاتَلَ سَاعَةً حَتَّى قُتِلَ، فَلَمَّا رَهقُوه] [[زيادة من جـ، ر، والمسند.]] أَيْضًا قَالَ: "رَحِمَ اللهُ رَجُلا رَدَّهُمْ عَنَّا". فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَا حَتَّى قُتِل السَّبْعَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِصَاحِبِهِ: "مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا".
فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: اعْلُ هُبَلُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "قُولُوا: اللهُ أعْلَى وأجَلُّ". فَقَالُوا: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا العُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قُولُوا: "اللهُ مَوْلانَا، وَالْكَافِرُونَ لَا مَوْلَى لَهُم". ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يومٌ بيوْم بَدْر، يومٌ عَلَيْنَا وَيَوْمٌ لَنَا [[في جـ، ر، أ، و: "يوم لنا ويوم علينا".]] وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَر. حَنْظَلَةَ بِحَنْظَلَةَ، وَفُلَانٌ بِفُلَانٍ، وَفُلَانٌ بِفُلَانٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَا سَوَاء. أمَّا قَتْلانَا فَأْحَيْاءٌ يُرْزَقُونَ، وَقْتَلاكُمْ فِي النَّارِ يُعَذَّبُونَ". قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: قَدْ كَانَ [[في جـ، ر: "كانت".]] فِي الْقَوْمِ مَثُلَةٌ، وإنْ كانَتْ لَعَنْ [[في جـ: "على".]] غَيْرِ مَلأ منَّا، مَا أمرتُ وَلَا نَهَيْتُ، وَلَا أحْبَبْتُ وَلَا كَرِهتُ، وَلَا سَاءَنِي وَلَا سرَّني. قَالَ: فَنَظَرُوا فَإِذَا حمزةُ قَدْ بُقِرَ بَطْنُه، وأخذتْ هنْد كَبده فلاكَتْها فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَأْكُلَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أكَلَتْ شَيْئًا؟ " قَالُوا: لَا. قَالَ: "مَا كَانَ اللهُ ليُدْخِلَ شَيْئًا مِنْ حَمْزَةَ فِي النَّارِ".
قَالَ: فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَمْزَةَ فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَجِيء بِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَوُضِع إِلَى جَنْبِهِ فصلَّى عَلَيْهِ، فَرُفِعَ الْأَنْصَارِيُّ وتُرِكَ حَمْزَةُ، ثُمَّ جِيءَ بِآخَرٍ فوضعَه إِلَى جَنْبِ حَمْزَةَ فَصَلَّى [عَلَيْهِ] [[زيادة من جـ، ر، والمسند.]] ثُمَّ رُفِعَ وتُرِكَ حَمْزَةُ، حَتَّى صلَّى عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ صَلَاةً.
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ أَيْضًا [[المسند (١/٤٦٢) .]] .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عُبَيد اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: لَقِينَا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ، وأجْلَس النَّبِيُّ ﷺ جَيْشا مِنَ الرُّماة، وأمَّر عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ -يَعْنِي ابْنَ جُبَيْر-وَقَالَ: "لَا تَبْرَحُوا إنْ [[في جـ، ر، أ، و: "وإن".]] رأيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَلا تَبْرَحُوا، وإنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَلا تُعِينُونَا". فَلَمَّا لَقِينَاهُمْ هربُوا، حَتَّى رَأَيْنَا النِّسَاءَ يَشْتَددْنَ [[في ر: "يشتدن". وهو خطأ، والصحيح ما أثبتناه من البخاري (٤٠٤٣) .]] فِي الْجَبَلِ، رَفَعْنَ عَنْ سُوقهن، وَقَدْ بَدَتْ خَلاخلهن، فَأَخَذُوا يَقُولُونَ: الغنيمةَ الغَنيمة. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: عَهدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ أَلَّا تَبْرَحُوا. فأبَوْا، فَلَمَّا أبَوْا صَرَفَ وُجُوهَهُمْ، فأُصِيب سَبْعُونَ قَتِيلًا فَأَشْرَفَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ: "لَا تُجِيبُوهُ". فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ فَقَالَ: "لَا تُجِيبُوهُ". فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ: إِنْ هَؤُلَاءِ قَدْ قُتِلوا، فَلَوْ كَانُوا أَحْيَاءً لَأَجَابُوا. فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ نَفْسَهُ فَقَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدَوَّ اللهِ، قَدْ أَبْقَى اللَّهُ لَكَ مَا يُحزِنكَ [[في جـ، ر: "ما يخزيك".]] فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: اعْل هُبَل. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "أجِيبُوهُ". قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: "قُولُوا: اللَّهُ أعْلَى وأجَلُّ". فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا العُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "أجِيبُوهُ". قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: "قُولُوا: اللهُ مَوْلانَا، وَلا مَوْلَى لَكُمْ". قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالْحَرْبُ سِجَال، وَتَجِدُونَ مَثُلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي.
تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ عَمْرو بْنِ خَالِدٍ، عَنْ زُهَير بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، بِنَحْوِهِ [[صحيح البخاري برقم (٤٠٤٣) وبرقم (٣٩٨٦) .]] وَسَيَأْتِي بأبْسط مِنْ هَذَا.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عُبَيد اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوة، عن أبيه، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحد هُزِم الْمُشْرِكُونَ، فصَرخَ إِبْلِيسُ: أيْ عِبَادُ اللَّهِ، أخْرَاكم. فَرَجعت أَوْلَادُهُمْ [[في و: "أولاهم".]] فاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُمْ، فَبَصُرَ حُذَيفة فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ الْيَمَانِ، فَقَالَ: أيْ عِبَادَ اللَّهِ، أَبِي أَبِي. قَالَ: قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا احْتَجَزُوا حَتَّى قَتَلُوه، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ. قَالَ عُرْوَةُ: فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ بَقِيَّةُ خَيْرٍ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ [[صحيح البخاري (٤٠٦٥) .]] .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّاد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَده أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَنْظُرُ إِلَى خَدَم [هِنْدَ] [[زيادة من جـ، وسيرة ابن هشام.]] وَصَوَاحِبَاتِهَا مُشَمِّرات هَوَارِبَ مَا دُونُ أخْذهن كَثِيرٌ وَلَا قَلِيلٌ [[في جـ، ر، و: "قليل ولا كثير".]] وَمَالَتِ الرُّماة إِلَى الْعَسْكَرِ حِينَ كَشَفْنا الْقَوْمَ عَنْهُ، يُرِيدُونَ النَّهْبَ وَخَلَّوا ظهورنَا لِلْخَيْلِ فَأَتَتْنَا مِنْ أَدْبَارِنَا، وَصَرَخَ [[في جـ: "فصرخ".]] صَارِخٌ: أَلَا إنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتل. فَانْكَفَأْنَا وَانْكَفَأَ عَلَيْنَا الْقَوْمُ بَعْدَ أَنْ أصَبْنا أَصْحَابَ اللِّوَاءِ، حَتَّى مَا يَدْنُو مِنْهُ أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمْ يَزَلْ لِوَاءُ الْمُشْرِكِينَ صَرِيعًا، حَتَّى أَخَذَتْهُ عَمْرَة بِنْتُ عَلْقَمَةَ الْحَارِثِيَّةُ، فَدَفَعَتْهُ لِقُرَيْشٍ فَلَاثُوا [[في جـ، ر: "فلاذوا".]] بِهِ [[في و: "بها".]] [[سيرة ابن إسحاق (ظاهرية ق ١٧٠) .]] وَقَالَ السُّدِّي عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ قَالَ: قَالَ [[في و: "عن".]] عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ [[في جـ: "عن عبد خير عنه عبد الله بن مسعود"، وفي ر: "عند جواب عبد الله بن مسعود".]] قَالَ: مَا كنتُ أَرَى أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يُرِيدُ الدُّنْيَا حَتَّى نَزَلَتْ [[في و: "نزل".]] فِينَا مَا نَزَلَ يَوْمَ أُحُدٍ ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ﴾ .
وَقَدْ رُوي مِنْ غَيْرِ وَجْه عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَكَذَا رُوي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْف وَأَبِي طَلْحَةَ، رَوَاهُنَّ ابْنُ مَرْدُويَه فِي تَفْسِيرِهِ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ﴾ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ، أحدُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ قَالَ: انْتَهَى أنسُ بنُ النَّضر، عَمّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيد اللَّهِ، فِي رِجَالٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، قَدْ ألْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ فَقَالَ: مَا يُخَلِّيكُمْ [[في جـ، و: "ما يجلسكم"، وفي ر: "ما نحلتكم".]] ؟ فَقَالُوا: قُتِلَ رسولُ اللَّهِ ﷺ. قَالَ: فَمَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَهُ؟ قُومُوا فَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ. ثُمَّ اسْتَقْبَلَ القومَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِل.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا حُمَيد، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ عَمَّهُ -يَعْنِي أَنَسَ بْنَ النَّضْرِ-غَابَ عَنْ بَدْرٍ فَقَالَ: غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، لَئِنْ أشْهدني اللَّهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَيَرَيَنّ اللَّهُ مَا أُجدّ فَلَقِيَ يومَ أُحُدٍ، فهُزم الناسُ، فَقَالَ: اللهُمّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ -يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ-وأبرَأ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ، فَتَقَدَّمَ بِسَيْفِهِ فَلقي سعدَ بْنَ مُعَاذ فَقَالَ: أينَ يَا سَعْدُ؟ إِنِّي أجدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ. فَمَضَى فَقُتِل، فَمَا عُرف حَتَّى عَرَفته أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ [[في ر: "بثيابه".]] بِشَامَةٍ [[في جـ، ر، و: "أو بشامة".]] وَبِهِ بِضْعٌ وثمانون من طَعْنة وضَرْبة ورَمْية بسَهْم.
هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ، بِنَحْوِهِ [[صحيح البخاري برقم (٤٠٤٨) وصحيح مسلم برقم (١٩٠٣) .]] .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ [أَيْضًا] [[زيادة من و.]] حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَب قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ حَجَّ الْبَيْتَ، فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا، فَقَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ القُعُودُ؟ قَالُوا: هَؤُلَاءِ قُرَيْشٌ. قَالَ: مَنِ الشَّيْخُ؟ قَالُوا: ابْنُ عُمَر. فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَيْءٍ فَحَدِّثْنِي. قَالَ: أنْشُدُك بِحُرْمَةِ هَذَا الْبَيْتِ أَتَعْلَمُ أنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَتَعْلَمُه تَغَيَّب عَنْ بَدْرٍ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فتعْلم أَنَّهُ تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَةِ الرّضْوان فَلَمْ يشهَدْها؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَكَبَّرَ، فَقَالَ [[في جـ، ر، و: "قال".]] ابْنُ عُمَرَ: تَعَالَ لأخبرَك ولأبيَّن لَكَ عَمَّا سَأَلْتَنِي عَنْهُ. أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ، وَأَمَّا تَغَيُّبه عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَ تحتَه بنتُ النَّبِيِّ ﷺ، وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ [[في جـ: "النبي".]] ﷺ: "إنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَه". وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ لَبَعَثَهُ مَكَانَهُ، فَبَعَثَ عثمانَ، فَكَانَتْ [[في جـ: "وكانت".]] بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: "هِذِهِ يَدُ عُثْمَان". فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ، فَقَالَ: "هِذِهِ يَدُ عُثْمَان اذْهَبْ بِهَا الآنَ مَعَكَ".
ثُمَّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي عَوانة عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ [[صحيح البخاري برقم (٤٠٦٦) وبرقم (٣٦٩٨) .]] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ﴾ أَيْ: صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ﴾ أَيْ: فِي الْجَبَلِ هَارِبِينَ مِنْ أَعْدَائِكُمْ.
وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ﴾ أَيْ: فِي الْجَبَلِ ﴿وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ﴾ أَيْ: وَأَنْتُمْ لَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الدَّهَش وَالْخَوْفِ وَالرُّعْبِ ﴿وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ﴾ أَيْ: وَهُوَ قَدْ خَلَّفْتُمُوهُ وَرَاءَ ظُهوركم يَدْعُوكُمْ إِلَى تَرْك الْفِرَارِ مِنَ الْأَعْدَاءِ، وَإِلَى الرَّجْعَةِ وَالْعَوْدَةِ وَالْكَرَّةِ.
قَالَ السُّدِّي: لَمَّا شَدّ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِأُحُدٍ فَهَزَمُوهُمْ، دَخَلَ بَعْضُهُمُ الْمَدِينَةَ، وَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ فَوْقَ الْجَبَلِ إِلَى الصَّخْرَةِ فَقَامُوا عَلَيْهَا، وَجَعَلَ الرَّسُولُ ﷺ يَدْعُو النَّاسَ: "إليَّ عِبَادَ اللهِ، إليَّ عِبَادَ اللَّهِ". فَذَكَرَ [[في جـ: "فذكرهم".]] اللَّهُ صُعُودَهُمْ عَلَى [[في و: "إلى".]] الْجَبَلِ، ثُمَّ ذَكَرَ دُعَاء النَّبِيِّ ﷺ إِيَّاهُمْ فَقَالَ: ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ﴾ .
وَكَذَا قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ، وَابْنُ زَيْدٍ.
وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزّبَعْري يَذْكُرُ هَزِيمَةَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي قَصِيدَتِهِ -وَهُوَ مُشْرِكٌ بَعْدُ لَمْ يُسْلِمْ-الَّتِي يَقُولُ فِي أَوَّلِهَا:
يَا غُرابَ البَيْنِ أسْمَعْتَ فَقُل ... إِنَّمَا تَنْطقُ شَيْئًا قَدْ فُعلْ ...
إِنَّ لِلْخَيْرِ وللشر مَدى ... وكلا ذلك وجْه وقَبلْ ...
إِلَى أَنْ قَالَ:
لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا جَزَعَ الْخَزْرَجِ مِنْ وَقْعِ الأسَلْ
حِينَ حَكَّت [[في أ، و: "حلت".]] بقُباء بَرْكها [[في جـ، أ: "تركها".]] وَاسْتَحَرَّ الْقَتْلُ فِي عَبْدِ الْأَشَلْ
ثُمَّ خَفّوا [[في جـ، ر: "حفوا".]] عنْدَ ذَاكُم رُقَّصا رَقَصَ الحَفَّان يَعْلُو [[في أ، و: "تعلو".]] فِي الجَبَل
فَقَتَلْنَا الضِّعْفَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ وعَدَلنا مَيْل [[في جـ: "قتل".]] بَدْرٍ فاعتدَل [[السيرة النبوية لابن هشام (٣/١٣٦) .]]
الْحَفَّانُ: صِغَارُ النَّعَمِ.
وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ قَدْ أُفْرِدَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا زُهَير، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ قَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى الرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ -وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلًا-عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبير قَالَ: وَوَضَعَهُمْ مَوْضِعًا وَقَالَ: "إنْ رَأَيْتُمُونَا تَخَطَّفَنَا الطَّيْرُ فَلا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إلَيْكُمْ وَإنْ رَأيْتُمُونَا ظَهَرنَا عَلَى الْعَدُوّ وأوَطأناهُمْ فَلا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرسِلَ إلَيْكُمْ قَالَ: فَهَزَمُوهُمْ. قَالَ: فَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتددن [[في أ: "يشتدون".]] عَلَى الْجَبَلِ، وَقَدْ بَدَتْ أسْؤُقُهنّ وخَلاخلُهُن رَافِعَاتٌ ثيابهُن، فَقَالَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ: الغَنِيمة، أَيْ قَوْمُ الْغَنِيمَةَ، ظَهَرَ أَصْحَابُكُمْ فَمَا تَنْتَظِرُونَ [[في جـ، ر: "تنظرون".]] ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ: أَنَسِيتُمْ [[في جـ، ر، أ، و: "أفنسيتم".]] مَا قَالَ لَكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ؟ فَقَالُوا: إنا والله لَنَأتيَن الناس فَلنُصِبيَنَّ مِنَ الْغَنِيمَةِ. فَلَمَّا أَتَوْهُمْ صُرِفَتْ وُجُوهُهُمْ فَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ، فَذَلِكَ الَّذِي يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ غَيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وأصحابُه أَصَابُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْر أَرْبَعِينَ وَمِائَةً: سَبْعِينَ أَسِيرًا وَسَبْعِينَ قَتِيلًا. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ -ثَلَاثًا -قَالَ: فَنَهَاهُمْ رسولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُجِيبُوهُ، ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافة؟ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَمَّا هَؤُلَاءِ فَقَدْ قُتِلُوا، قَدْ كُفيتُمُوه. فَمَا مَلَكَ عُمَر نفسَه أَنْ قَالَ: كذبتَ وَاللَّهِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، إِنَّ الَّذِينَ عَدَدْتَ لِأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ، وقد بَقى لك ما يسوؤك. فَقَالَ [[في أ، و: "قال".]] يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالْحَرْبُ سِجَال، إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي الْقَوْمِ مَثُلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي [[في جـ: "لم يسوؤني".]] ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ، يَقُولُ: اعلُ هُبَلْ. اعْلُ هُبَلْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَلَا تُجِيبُوه [[في جـ، ر: "ألا تجيبونه".]] ؟ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَقُولُ؟ قَالَ: "قُولُوا: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ". قَالَ: لَنَا العُزَّى وَلَا عزَّى لَكُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَلَا تُجِيبُوهُ؟ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا نَقُولُ؟ قَالَ: "قُولُوا: اللهُ مَوْلانَا وَلا مَوْلَى لَكُمْ" [[المسند (٤/٢٩٣) .]] .
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ زُهَير بْنِ مُعَاوِيَةَ مُخْتَصَرًا، وَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ إسرائيل، عن أبي إِسْحَاقَ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا، كَمَا تَقَدَّمَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ مِنْ حَدِيثِ عُمَارَةَ [[في جـ: "عمار".]] بْنِ غَزِيَّة، عَنْ أَبِي الزُّبَير، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: انْهَزَمَ النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ وَبَقِيَ مَعَهُ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ يَصْعَدُ [[في أ، و: "يصعد في".]] الْجَبَلَ، فَلَقِيَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ: "أَلَا أحَدٌ لِهَؤُلاءِ؟ " فَقَالَ طَلْحَةُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: "كمَا أنْتَ يَا طَلْحَةُ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: فَأَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَاتَلَ عَنْهُ، وَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَمَنْ بَقِيَ مَعَهُ، ثُمَّ قُتل الْأَنْصَارِيُّ فَلَحِقُوهُ فَقَالَ: "أَلَا رجُلٌ لِهؤُلاءِ؟ " فَقَالَ طَلْحَةُ مِثْلَ قَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِثْلَ قَوْلِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: فَأَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَاتَلَ عَنْهُ وَأَصْحَابُهُ يَصْعَدْنَ، ثُمَّ قُتِلَ فَلَحِقُوهُ، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ فَيَقُولُ [[في جـ، ر، أ، و: "ويقول".]] طَلْحَةُ: فَأَنَا [[في أ، و: "أنا".]] يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَيَحْبِسُهُ، فَيَسْتَأْذِنُهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ لِلْقِتَالِ فيأذَنُ لَهُ، فَيُقَاتِلُ [[في أ، و: "فقاتل".]] مِثْلَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا طَلْحَةُ فَغشَوْهما، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ لِهَؤلاءِ؟ " فَقَالَ طَلْحَةُ: أَنَا. فَقَاتَلَ مثْل قِتَالِ جَمِيعِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ وَأُصِيبَتْ أَنَامِلُهُ، فَقَالَ: حَسِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "لوْ قُلْتَ: بِاسْمِ اللهِ، وذَكرت اسْمَ اللَّهِ، لَرَفَعَتْكَ الملائِكَة والنَّاسُ يَنْظُرونَ إلَيْكَ، حَتَّى تلجَ بِكَ فِي جَوِّ السَّمَاءِ"، ثُمَّ صَعِدَ [[في ر، و: "أصعد".]] رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ [[دلائل النبوة (٣/٢٣٦) .]] .
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيع، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْس بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ شَلَّاءَ وَقَى بِهَا النَّبِيَّ ﷺ -يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ [[صحيح البخاري برقم (٤٠٦٣) .]] .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ مُعْتَمر بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عُثمان النَّهْدِي قَالَ: لَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْأَيَّامِ، الَّتِي قَاتَلَ فِيهِنَّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ غَيْرُ طلحةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَسَعْدٍ، عَنْ حَديثهما [[صحيح البخاري برقم (٤٠٦٠) وصحيح مسلم برقم (٢٤١٤) .]] وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ وَثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أُفْرِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي سَبْعَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا رَهِقُوه قَالَ: "مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ -أَوْ: وَهُوَ رَفِيقِي فِي الجنة؟ " فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قُتِلَ، ثُمَّ رَهِقُوهُ أَيْضًا، فَقَالَ: "مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ؟ " فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ السَّبْعَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِصَاحِبَيْهِ: مَا أنْصَفْنَا أصْحَابنا".
رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ هُدبة بْنِ خَالِدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ مسلمة [[في جـ، ر: "سلمة".]] بِهِ نَحْوَهُ [[صحيح مسلم برقم (١٧٨٩) .]] .
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمٍ الزُّهْرِيِّ، قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ المسيَّب يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَاصٍّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [[زيادة من ر، أ، و.]] يقول: نَثُل لي رَسُولُ [[في ر: "نثل- قال الحسن بن عرفة: نثل: أي نفض لي رسول الله".]] اللَّهِ ﷺ كِنَانَتَهُ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ: "ارْمِ فِدَاكَ أبِي وأُمِّي".
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ [[صحيح البخاري برقم (٤٠٥٥) .]] .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ [[في: "سعيد".]] حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ بَعْضِ آلِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَاصٍّ؛ أَنَّهُ رَمَى يَوْمَ أُحُدٍ دونَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ سَعْدٌ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُنَاوِلُنِي النَّبْلَ وَيَقُولُ: "ارْمِ فِدَاكَ أبِي وأُمِّي" حَتَّى إِنَّهُ لَيُنَاوِلُنِي السَّهْمَ لَيْسَ لَهُ نَصْلٌ، فَأَرْمِي بِهِ.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍّ [[في جـ، ر، أ، و: "إبراهيم بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ".]] قَالَ: رَأَيْتُ يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ يَمِينِ النَّبِيِّ ﷺ وَعَنْ يَسَارِهِ رَجُلَيْنِ، عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، يُقَاتِلَانِ عَنْهُ أَشَدَّ الْقِتَالِ، مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَلَا بَعْدَهُ، يَعْنِي: جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ [[صحيح البخاري برقم (٤٠٥٤) وصحيح مسلم برقم (٢٣٠٦) .]] .
وَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَ أبَيُّ بْنُ خَلَف، أَخُو بَنِي جُمَح، قَدْ حَلَفَ وَهُوَ بِمَكَّةَ لَيَقْتُلَن رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا بلغتْ رسولَ اللَّهِ ﷺ حَلْفَتُه قَالَ: "بَلْ أنَا أقْتُلُهُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ". فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أَقْبَلَ أبَي فِي الْحَدِيدِ مُقَنَّعا، وَهُوَ يَقُولُ: لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا مُحَمَّدٌ. فَحَمَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يُرِيدُ قتْله، فَاسْتَقْبَلَهُ مُصْعَب بْنُ عُمَير، أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، يَقِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِنَفْسِهِ، فَقُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَأَبْصَرَ رسولُ اللَّهِ ﷺ تَرْقُوَة أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ مِنْ فَرْجةَ بَيْنَ سَابِغَةِ الدِّرْعِ وَالْبَيْضَةِ، وَطَعَنَهُ فِيهَا بِحَرْبَتِهِ، فَوَقَعَ إِلَى الْأَرْضِ عَنْ فَرَسِهِ، لَمْ يَخْرُجْ مِنْ طَعْنَتِهِ دَمٌ، فَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ فَاحْتَمَلُوهُ وَهُوَ يَخُورُ خُوار الثَّوْرِ، فَقَالُوا لَهُ: مَا أَجْزَعَكَ إِنَّمَا هُوَ خَدْشٌ؟ فَذَكَرَ لَهُمْ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: "أَنَا أقْتُلُ أُبيا". ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ هَذَا الَّذِي بِي بِأَهْلِ ذِي المَجَاز لَمَاتُوا أَجْمَعُونَ. فَمَاتَ إِلَى النَّارِ، فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ.
وَقَدْ رَوَاهُ مُوسَى بْنُ عُقْبة فِي مَغَازِيهِ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ بِنَحْوِهِ.
وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: لَمَّا أسْنِدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشِّعْبِ، أَدْرَكَهُ أُبَيُّ بْنُ خَلَفَ وَهُوَ يَقُولُ: لَا نجوتُ إِنْ نجوتَ فَقَالَ الْقَوْمُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَعْطف عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَّا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "دَعُوُه" فَلَمَّا دَنَا تَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ [ﷺ] [[زيادة من جـ، ر، أ، و.]] الْحَرْبَةَ مَنَ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّة، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ مَا ذَكَرَ [[في أ، و: "كما ذكر".]] لِي: فَلَمَّا أَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْهُ انْتَفَضَ بِهَا انْتِفَاضَةً، تَطَايَرْنَا عَنْهُ تَطَايُرَ الشّعْر عَنْ ظَهْرِ الْبَعِيرِ إِذَا انْتَفَضَ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَطَعَنَهُ فِي عُنُقِهِ طَعْنَةً تدأدَأ مِنْهَا عَنْ فَرَسِهِ مِرَارًا.
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَير، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ نَحْوَ ذَلِكَ [[سيرة ابن إسحاق (ظاهرية ق ١٧١) برواية محمد بن سلمة.]] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: مَاتَ أبَيّ بْنُ خَلَفٍ بِبَطْنِ رَابِغٍ، فَإِنِّي لأسير ببطن رابغ بعد هوى من الليل إذا أنا بنار تتأجّح [[في أ، و: "تأجج لي".]] فَهِبْتُهَا، فَإِذَا رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْهَا فِي سِلْسِلَةٍ يَجْتَذِبُهَا يَهِيجُ بِهِ الْعَطَشُ، وَإِذَا رَجُلٌ يَقُولُ: لَا تَسْقِهِ، فَإِنَّ هَذَا قَتِيلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، هَذَا أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنْ هَمَّام بْنِ مُنَبِّه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى قَوْمٍ فَعَلُوا بِرَسُولِ اللهِ -وَهُوَ حِينَئِذٍ يُشِيرُ إِلَى رَبَاعِيَتِهِ-اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي سَبِيلِ اللهِ" [[صحيح البخاري برقم (٤٠٧٣) وصحيح مسلم برقم (١٧٩٣) .]] .
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا [[صحيح البخاري برقم (٤٠٧٤، ٤٠٧٦) .]] مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيج، عَنْ عَمْرو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، بِيَدِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ دَمَّوا وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أُصِيبَتْ رَبَاعِية رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَشُجَّ فِي وَجْنَته، وكُلِمَت شَفَتُه [[في و: "شفتاه".]] وَكَانَ الَّذِي أَصَابَهُ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍّ.
فَحَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسان، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍّ قَالَ: مَا حَرَصْتُ عَلَى قَتْلِ أَحَدٍ قَط مَا حَرَصْتُ عَلَى قَتْلِ عُتْبة بْنِ أَبِي وَقَّاصٍّ وَإِنْ كَانَ مَا عَلِمْتُهُ لَسَيِّئَ الخلُق، مُبْغَضًا فِي قَوْمِهِ، وَلَقَدْ كَفَانِي فِيهِ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: "اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى مَنْ دَمَّى وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ" [[سيرة ابن إسحاق (ظاهرية ق ١٧٢) .]] .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنْبَأَنَا معْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عن عُثْمَانَ الجزَري، عَنْ مقْسَم؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَعَا عَلَى عُتْبةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍّ يَوْمَ أحُد حِينَ كَسر رَبَاعيتَه ودَمى وَجْهَهُ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ لَا تَحُلْ [[في جـ، ر: "لا يحل".]] عَلَيْهِ الْحَوْل حَتَّى يموتَ كَافِرًا". فَمَا حَالَ عَلَيْهِ الحولُ حَتَّى مَاتَ كَافِرًا إِلَى النَّارِ [[تفسير عبد الرزاق (١/١٣٦) .]] .
ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوة، عَنْ أَبِي الحُويرث، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سمعتُ رجُلا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ يَقُولُ: شَهِدْتُ أحُدًا فَنَظَرْتُ إِلَى النَّبْل يَأْتِي مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ [[في و: "وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي وسطها".]] وَسَطَهَا، كُلُّ ذَلِكَ يُصْرَف عَنْهُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ يَوْمَئِذٍ: دُلّوني عَلَى مُحَمَّدٍ، لَا نَجَوتُ إِنْ نَجَا، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى جَنْبِهِ لَيْسَ مَعَهُ [[في و: "ما معه".]] أَحَدٌ، ثُمَّ جَاوَرَهُ [[في جـ، ر، أ، و: "جاوزه".]] فَعَاتَبَهُ فِي ذَلِكَ صَفْوان، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُهُ، أَحْلِفُ بِاللَّهِ إِنَّهُ مِنَّا مَمْنُوعٌ. خَرَجْنَا أَرْبَعَةً فَتَعَاهَدْنَا وَتَعَاقَدْنَا عَلَى قَتْلِهِ، فَلَمْ نَخْلُصْ إِلَى ذَلِكَ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: الثَّبْتُ عِنْدَنَا أَنَّ الَّذِي رَمَى فِي وَجْنَتي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ابْنُ قَميئة [[في جـ، ر: "قمأة".]] وَالَّذِي دَمى شَفَتَهُ [[في و: "شفتيه".]] وَأَصَابَ رَبَاعِيَتَهُ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍّ [[المغازي للواقدي (١/٢٤٤) .]] .
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ الله، أَخْبَرَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِذَا ذَكَرَ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ [[في جـ، ر، أ، و: "قال: كان".]] ذَاكَ [[في أ: "ذلك".]] يَوْمٌ كُله لِطَلْحَةَ، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُ قَالَ: كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَاء يَوْمَ أُحُدٍ، فَرَأَيْتُ رَجُلًا يُقَاتِلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ دُونَهُ -وَأُرَاهُ قَالَ: حَميَّة فَقَالَ [[في جـ، ر: "قال".]] فَقُلْتُ: كُنْ طَلْحَةَ، حَيْثُ فَاتَنِي مَا فَاتَنِي، فَقُلْتُ: يَكُونُ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي أَحَبُّ إِلَيَّ، وَبَيْنِي وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ رَجُلٌ لَا أَعْرِفُهُ، وَأَنَا أَقْرَبُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْهُ، وَهُوَ يَخْطِفُ الْمَشْيَ خَطْفًا لَا أَحْفَظُهُ [[في جـ، ر: "لا أخطفه".]] فَإِذَا هُوَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: وَقَدْ كُسِرَتْ رَبَاعِيتُه وشُجّ فِي وَجْهِهِ، وَقَدْ دَخَلَ فِي وَجْنَته حَلْقَتَانِ مِنْ حِلَق المِغْفَر، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "عَليكُما صَاحِبَكُما". يُرِيدُ طَلْحَةَ، وَقَدْ نَزَفَ، فَلَمْ نَلْتَفِتْ إِلَى قَوْلِهِ، قَالَ: وَذَهَبْتُ لِأَنْ أَنْزِعَ [[في جـ، ر: "لأنزع".]] ذَلِكَ [[في جـ، ر، أ، و: "ذاك".]] مِنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ بِحَقِّي لَمَا تَرَكْتَنِي. فَتَرَكْتُهُ، فَكَرِهَ أَنْ يَتَنَاوَلَهَا بِيَدِهِ فَيُؤْذِيَ النَّبِيَّ [[في و: "رسول الله".]] ﷺ، فَأزَمَّ عَلَيْهَا [[في و: "عليه".]] بِفِيهِ فَاسْتَخْرَجَ إِحْدَى الْحَلْقَتَيْنِ، وَوَقَعَتْ ثَنيَّته مَعَ الْحَلْقَةِ، ذَهَبْتُ لِأَصْنَعَ مَا صَنَعَ، فَقَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ بِحَقِّي لَمَا تَرَكْتَنِي، قَالَ: فَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَوَقَعَتْ ثَنِيَّتُهُ الْأُخْرَى مَعَ الْحَلْقَةِ، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَحْسَنَ [[في أ، و: "من أحسن".]] النَّاسِ هَتْما، فَأَصْلَحْنَا مِنْ شَأْنِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ أَتَيْنَا طَلْحَةَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْجِفَارِ، فَإِذَا بِهِ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ طَعْنَةٍ ورَمْيَة وَضَرْبَةٍ، وَإِذَا قَدْ قُطعَتْ إِصْبَعُهُ، فَأَصْلَحْنَا مِنْ شَأْنِهِ.
وَرَوَاهُ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيب، وَالطَّبَرَانِيُّ، مِنْ حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بِهِ. وَعِنْدَ الْهَيْثَمِ: فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنْشُدُكَ [[في جـ، أ، و: "أنشدك بالله".]] يَا أَبَا بَكْرٍ إِلَّا تَرَكْتَنِي؟ فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ السَّهْمَ بِفِيهِ، فَجَعَلَ يُنَضْنِضَه كراهيةَ [[في ر: "كراهة".]] أَنْ يُؤْذِيَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ اسْتل السَّهْمَ بِفِيهِ فَبَدَرَتْ [[في جـ: "فبذرت" وفي ر، أ، و: "فنذرت".]] ثَنِيَّةُ أَبِي عُبَيْدَةَ.
وَذَكَرَ تَمَامَهُ، وَاخْتَارَهُ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِهِ [[مسند الطيالسي (ص٣) والمختارة للضياء المقدسي برقم (٤٩) من طريق الهيثم بن كليب، ورواه البزار في مسنده برقم (٦٣) وابن حبان في صحيحه برقم (٤٩٤١) "الإحسان" من طريق إسحاق بن يحيى به. قال الهيثمي في المجمع (٦/١١٢) : "فيه إسحاق بن يحيى وهو متروك".]] وَقَدْ ضَعّف عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ جِهَةِ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى هَذَا، فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَأَحْمَدُ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَالْبُخَارِيُّ، وَأَبُو زُرعة، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْب: أَخْبَرَنِي عَمْرو بْنُ الْحَارِثِ: أَنَّ عُمَر بْنَ السَّائِبِ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ بَلَّغَهُ أَنَّ مَالِكًا أَبَا [أَبِي] [[زيادة من جـ.]] سَعِيدٍ الخُدْري لمَّا جُرِحَ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ مَصّ الْجُرْحَ حَتَّى أَنْقَاهُ وَلَاحَ أَبْيَضَ، فَقِيلَ لَهُ: مُجَّه. فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَمُجُّهُ أَبَدًا. ثُمَّ أَدْبَرَ يُقَاتِلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فلينظُرْ إِلَى هَذَا " فَاسْتُشْهِدَ [[ورواه البيهقي في دلائل النبوة (٣/٢٦٦) من طريق ابن وهب به.]] .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ [[في ر: "حاتم".]] عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْل بْنِ سَعْد أنه سُئِلَ عَنْ جُرح رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: جُرح وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وكسِرت رَبَاعِيتُه، وهُشِمَت البَيْضة عَلَى رَأْسِهِ، فَكَانَتْ [[في جـ، ر: "وكانت".]] فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَغْسِلُ الدَّمَ، وَكَانَ عَلِي يَسْكُبُ عَلَيْهَا [[في جـ، ر، أ، و: "عليه".]] بالمِجَنّ [[في جـ، ر، أ، و: "عليه الماء بالمجن".]] فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا] [[زيادة من جـ، أ، و.]] أَنَّ الْمَاءَ لَا يزيدُ الدَّمَ إِلَّا كَثْرَةً، أَخَذَتْ قطعةَ حَصِير فَأَحْرَقَتْهُ، حَتَّى إِذَا صَارَ [[في أ: "صارت".]] رَمَادًا أَلْصَقَتْهُ بالجُرْح، فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ [[صحيح البخاري برقم (٢٩١١) وصحيح مسلم برقم (١٧٩٠) .]] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ﴾ أَيْ: فَجَازَاكُمْ غَما عَلَى غَم كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: نَزَلْتُ بِبَنِي فُلَانٍ، وَنَزَلْتُ عَلَى بَنِي فُلَانٍ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَكَذَا قَوْلُهُ: ﴿وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ [طه:٧١] [أَيْ: عَلَى جُذُوعِ النَّخْلِ] [[زيادة من جـ.]] .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْغَمُّ الْأَوَّلُ: بِسَبَبِ الْهَزِيمَةِ، وَحِينَ قِيلَ: قُتِلَ مُحَمَّدٌ ﷺ، وَالثَّانِي: حِينَ عَلَاهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَوْقَ الْجَبَلِ، وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "اللَّهُمَّ لَيْسَ لَهُمْ أنْ يَعْلُونا".
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: الْغَمُّ الْأَوَّلُ: بِسَبَبِ الْهَزِيمَةِ، وَالثَّانِي: حِينَ قِيلَ: قُتِلَ مُحَمَّدٌ ﷺ، كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ أَعْظَمَ مِنَ الْهَزِيمَةِ.
رَوَاهُمَا ابْنُ مَرْدُويَه، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ نَحْوُ ذَلِكَ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ نَحْوَ ذَلِكَ أَيْضًا.
وَقَالَ السُّدِّي: الْغَمُّ الْأَوَّلُ: بِسَبَبِ مَا فَاتَهُمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَالْفَتْحِ، وَالثَّانِي: بِإِشْرَافِ الْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ﴿فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ﴾ أَيْ: كَرْبا بَعْدَ كَرْبٍ، قَتْل مَنْ قُتل مِنْ إِخْوَانِكُمْ، وعُلُو عَدُوِّكُمْ عَلَيْكُمْ، وَمَا وَقَعَ فِي أَنْفُسِكُمْ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: "قُتل نَبِيُّكُمْ" [[في أ، و: "من قبل قتل نبيكم".]] فَكَانَ [[في جـ: "وكان".]] ذَلِكَ مُتَتَابِعًا [[في أ، و: "مما تتابع".]] عَلَيْكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: الْغَمُّ الْأَوَّلُ: سَمَاعُهُمْ قَتْلَ مُحَمَّدٍ، وَالثَّانِي: مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ. وَعَنْ قَتَادَةَ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عكسُه.
وَعَنِ السُّدِّي: الْأَوَّلُ: مَا فَاتَهُمْ مِنَ الظَّفَر وَالْغَنِيمَةِ، وَالثَّانِي: إِشْرَافُ الْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا عَنِ السُّدِّيِّ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ قولُ مَنْ قَالَ: ﴿فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ﴾ فَأَثَابَكُمْ بغَمكُم أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِحِرْمَانِ اللَّهِ إِيَّاكُمْ غنيمةَ الْمُشْرِكِينَ والظَّفر بِهِمْ والنصرَ عَلَيْهِمْ، وَمَا أَصَابَكُمْ مِنَ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ يَوْمَئِذٍ -بَعْدَ الَّذِي أَرَاكُمْ [[في جـ، ر، أ، و: "الذي كان قد أراكم".]] فِي كُلِّ ذَلِكَ مَا تُحِبُّونَ -بِمَعْصِيَتِكُمْ رَبَّكُمْ، وَخِلَافِكُمْ أَمْرَ النَّبِيِّ [[في أ، و: "نبيكم".]] ﷺ، غَم ظَنِّكُمْ أَنَّ نَبِيَّكُمْ قَدْ قُتِلَ، وَمَيْلِ العدو عليكم بعد فُلولكم منهم.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾ أَيْ: عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ بِعَدُوِّكُمْ ﴿وَلا مَا أَصَابَكُمْ﴾ مِنَ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ ﴿وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ .
{"ayahs_start":149,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِن تُطِیعُوا۟ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ یَرُدُّوكُمۡ عَلَىٰۤ أَعۡقَـٰبِكُمۡ فَتَنقَلِبُوا۟ خَـٰسِرِینَ","بَلِ ٱللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَهُوَ خَیۡرُ ٱلنَّـٰصِرِینَ","سَنُلۡقِی فِی قُلُوبِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱلرُّعۡبَ بِمَاۤ أَشۡرَكُوا۟ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ یُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَـٰنࣰاۖ وَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ وَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلظَّـٰلِمِینَ","وَلَقَدۡ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥۤ إِذۡ تَحُسُّونَهُم بِإِذۡنِهِۦۖ حَتَّىٰۤ إِذَا فَشِلۡتُمۡ وَتَنَـٰزَعۡتُمۡ فِی ٱلۡأَمۡرِ وَعَصَیۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ مَاۤ أَرَىٰكُم مَّا تُحِبُّونَۚ مِنكُم مَّن یُرِیدُ ٱلدُّنۡیَا وَمِنكُم مَّن یُرِیدُ ٱلۡـَٔاخِرَةَۚ ثُمَّ صَرَفَكُمۡ عَنۡهُمۡ لِیَبۡتَلِیَكُمۡۖ وَلَقَدۡ عَفَا عَنكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ","۞ إِذۡ تُصۡعِدُونَ وَلَا تَلۡوُۥنَ عَلَىٰۤ أَحَدࣲ وَٱلرَّسُولُ یَدۡعُوكُمۡ فِیۤ أُخۡرَىٰكُمۡ فَأَثَـٰبَكُمۡ غَمَّۢا بِغَمࣲّ لِّكَیۡلَا تَحۡزَنُوا۟ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا مَاۤ أَصَـٰبَكُمۡۗ وَٱللَّهُ خَبِیرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ"],"ayah":"۞ إِذۡ تُصۡعِدُونَ وَلَا تَلۡوُۥنَ عَلَىٰۤ أَحَدࣲ وَٱلرَّسُولُ یَدۡعُوكُمۡ فِیۤ أُخۡرَىٰكُمۡ فَأَثَـٰبَكُمۡ غَمَّۢا بِغَمࣲّ لِّكَیۡلَا تَحۡزَنُوا۟ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا مَاۤ أَصَـٰبَكُمۡۗ وَٱللَّهُ خَبِیرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق