الباحث القرآني
لَمَّا رَجَعَتِ الْمَرْأَتَانِ سِرَاعًا [[في أ: "سريعا".]] بِالْغَنَمِ إِلَى أَبِيهِمَا، أَنْكَرَ حَالَهُمَا ومجيئهما سريعا، فسألهما عن خَبَرِهِمَا، فَقَصَّتَا عَلَيْهِ مَا فَعَلَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ. فَبَعَثَ إِحْدَاهُمَا إِلَيْهِ لِتَدْعُوَهُ إِلَى أَبِيهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾ أَيْ: مَشْيَ الْحَرَائِرِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَتْ مستتَرة بِكُمِّ درْعها.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا [أَبِي، حَدَّثَنَا] [[زيادة من ف، أ.]] أبو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: جَاءَتْ تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ، قَائِلَةً بِثَوْبِهَا عَلَى وَجْهِهَا، لَيْسَتْ بِسَلْفَعٍ [[في ف: "تستلفع".]] خَرَّاجة وَلَاجَّةً. هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: السَّلْفَعُ مِنَ الرِّجَالِ: الْجَسُورُ، وَمِنَ النِّسَاءِ: الْجَرِيئَةُ السَّلِيطَةُ، وَمِنَ النُّوقِ: الشَّدِيدَةُ.
﴿قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ ، وَهَذَا تَأَدُّبٌ فِي الْعِبَارَةِ، لَمْ تَطْلُبْهُ طَلَبًا مُطْلَقًا لِئَلَّا يُوهِمَ رِيبَةً، بَلْ قَالَتْ: ﴿إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ يَعْنِي: لِيُثِيبَكَ وَيُكَافِئَكَ عَلَى سَقْيِكَ لِغَنَمِنَا، ﴿فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ﴾ أَيْ: ذَكَرَ لَهُ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ، وَمَا جَرَى لَهُ مِنَ السَّبَبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْ أَجْلِهِ مِنْ بَلَدِهِ، ﴿قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ . يَقُولُ: طِبْ نَفْسًا وَقرّ عَيْنًا، فَقَدْ خرجتَ مِنْ مَمْلَكَتِهِمْ فَلَا حُكْم لَهُمْ فِي بِلَادِنَا. وَلِهَذَا قَالَ: ﴿نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ .
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذَا الرَّجُلِ: مَنْ هُوَ؟ عَلَى أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ شُعَيْبٌ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ [[في ف: "صلى الله عليه وسلم" وفي أ: "صلى الله عليه".]] الَّذِي أُرْسِلَ إِلَى أَهْلِ مَدْيَنَ. وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ كَثِيرِينَ، وَقَدْ قَالَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْأُوَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ؛ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ شُعَيْبًا هُوَ الَّذِي قَصَّ عَلَيْهِ مُوسَى الْقَصَصَ قَالَ: ﴿لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ .
وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ سَعْدٍ الْعَنَزِيِّ أَنَّهُ وَفَدَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: "مَرْحَبًا بِقَوْمِ شُعَيْبٍ وأَخْتان مُوسَى، هُديت" [[المعجم الكبير (٧/٥٥) من طريق حفص بن سلمة عن شيبان بن قيس عن سلمة بن سعد به، وقال الهيثمي: "فيه من لم أعرفهم".]] .
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ ابْنَ أَخِي شُعَيْبٍ. وَقِيلَ: رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ قَوْمِ شُعَيْبٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ شُعَيْبٌ قَبْلَ زَمَانِ مُوسَى، عَلَيْهِ [[في ت: "عليهما".]] السَّلَامُ، بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ: ﴿وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ﴾ [هُودٍ: ٩٥] . وَقَدْ كَانَ هَلَاكُ قَوْمِ لُوطٍ فِي زَمَنِ الْخَلِيلِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ [[في ت: "صلى الله عليه وسلم".]] بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ مُوسَى وَالْخَلِيلِ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، مُدَّةٌ طويلة تزيد على أربعمائة سنة، كما ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَمَا قِيلَ: إِنَّ شُعَيْبًا عَاشَ مُدَّةً طَوِيلَةً، إِنَّمَا هُوَ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ -احْتِرَازٌ مِنْ هَذَا الْإِشْكَالِ، ثُمَّ مِنَ الْمُقَوِّي لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِشُعَيْبٍ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إِيَّاهُ لَأَوْشَكَ أَنْ يَنُصَّ عَلَى اسْمِهِ فِي الْقُرْآنِ هَاهُنَا. وَمَا جَاءَ فِي [[في ت: "من".]] بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مِنَ التَّصْرِيحِ بِذِكْرِهِ فِي قِصَّةِ مُوسَى [[في أ: "لموسى".]] لَمْ يَصِحَّ إِسْنَادُهُ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. ثُمَّ مِنَ الْمَوْجُودِ فِي كُتُبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ اسْمُهُ: "ثَبْرُونُ"، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: وَأَثْرُونُ [[في أ: "يثرون".]] وَهُوَ ابْنُ أَخِي شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَعَنْ أَبِي حَمْزَةَ [[في ف، أ: "أبي هريرة".]] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الَّذِي اسْتَأْجَرَ مُوسَى يَثْرَى صَاحِبُ مَدْيَنَ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، ثُمَّ قَالَ: الصَّوَابُ أَنَّ هَذَا لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِخَبَرٍ، وَلَا خَبَرَ تَجِبُ بِهِ الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ﴾ أَيْ: قَالَتْ إِحْدَى ابْنَتَيْ هَذَا الرَّجُلِ. قِيلَ: هِيَ الَّتِي ذَهَبَتْ وَرَاءَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَتْ لِأَبِيهَا: ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ﴾ أَيْ: لرعْية هَذِهِ [[في أ: "رعية هذا".]] الْغَنَمِ.
قَالَ عُمَرُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وشُريح الْقَاضِي، وَأَبُو مَالِكٍ، وقَتَادَةُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: لَمَّا قَالَتْ: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ﴾ قَالَ لَهَا أَبُوهَا: وَمَا عِلْمُكِ بِذَلِكَ؟ قَالَتْ: إِنَّهُ رَفَعَ الصَّخْرَةَ الَّتِي لَا يَطِيقُ حَمْلَهَا إِلَّا عَشَرَةُ رِجَالٍ، وَإِنَّهُ لَمَّا جِئْتُ مَعَهُ تقدمتُ أمامهُ، فَقَالَ لِي: كُونِي مِنْ وَرَائِي، فَإِذَا اجْتَنَبْتُ [[في أ: "اختلفت".]] الطَّرِيقَ فَاحْذِفِي [لِي [[زيادة من أ.]] ] بِحَصَاةٍ أَعْلَمُ بِهَا كَيْفَ الطَّرِيقُ لِأَتَهَدَّى [[في أ: "لأهتدي".]] إِلَيْهِ.
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ -قَالَ: أَفَرَسُ النَّاسِ ثَلَاثَةٌ: أَبُو بَكْرٍ حِينَ تَفَرَّسَ فِي عُمَر، وَصَاحِبُ يُوسُفَ حِينَ قَالَ: ﴿أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾ [يُوسُفَ: ٢١] ، وَصَاحِبَةُ مُوسَى حِينَ قَالَتْ: ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ﴾ .
قاال: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ﴾ أَيْ: طَلَبَ إِلَيْهِ هَذَا الرَّجُلُ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ أَنْ يَرْعَى عَنْهُ [[في ت، ف، أ: "غنمه".]] وَيُزَوِّجَهُ إِحْدَى ابْنَتَيْهِ هَاتَيْنِ.
قَالَ شُعَيْبٌ الْجِبَائِيُّ: وَهُمَا صَفُورَا، وَلِيَّا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: صَفُورَا وَشَرْقَا، وَيُقَالُ: لِيَا. وَقَدِ اسْتَدَلَّ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ [رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى] [[زيادة من ت، ف.]] بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ فِيمَا إِذَا قَالَ: "بِعْتُكَ أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِمِائَةٍ. فقال: اشتريت" أنه يصح، والله أعلم.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ﴾ أَيْ: عَلَى أَنْ تَرْعَى عَلَيَّ ثَمَانِي سِنِينَ، فَإِنْ تَبَرَّعْتَ بِزِيَادَةِ سَنَتَيْنِ فَهُوَ إِلَيْكَ [[في ت: "لك".]] ، وَإِلَّا فَفِي ثَمَانٍ كِفَايَةٌ، ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ أَيْ: لَا أُشَاقُّكَ، وَلَا أُؤَاذِيكَ، وَلَا أُمَارِيكَ.
وَقَدِ اسْتَدَلُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ لِمَذْهَبِ الْأَوْزَاعِيِّ، فِيمَا إِذَا قَالَ: "بِعْتُكَ هَذَا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا، أَوْ بِعِشْرِينَ نَسِيئَةً" أَنَّهُ يَصِحُّ، وَيَخْتَارُ الْمُشْتَرِي بِأَيِّهِمَا أَخَذَهُ صَحَّ. وحُمل الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ: "مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، فَلَهُ أَوَكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا " [[سنن أبي داود برقم (٣٤٦١) .]] عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ. وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ نَظَرٌ، لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهِ لِطُولِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَدِ اسْتَدَلَّ أَصْحَابُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ومَنْ تَبِعَهُمْ، فِي صِحَّةِ [[في أ: "حجة".]] اسْتِئْجَارِ الْأَجِيرِ بِالطُّعْمَةِ وَالْكُسْوَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَاسْتَأْنَسُوا فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مَاجَةَ فِي كِتَابِهِ السُّنَنِ، حَيْثُ قَالَ: "بَابُ اسْتِئْجَارِ الْأَجِيرِ عَلَى طَعَامِ بَطْنِهِ": حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى الحِمْصي، حَدَّثَنَا بَقيَّة بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ مَسْلَمَةَ [[في أ: "سلمة".]] بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاح قَالَ: سَمِعْتُ [[في ت: "ثم روى بإسناده عن".]] عُتبةَ بْنَ النُّدَّر [[في هـ، ت: "المنذر" والمثبت من ف، وسنن ابن ماجه.]] يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَرَأَ ﴿طسم﴾ [[في ت: "طس".]] ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ قِصَّةَ مُوسَى قَالَ: "إِنَّ مُوسَى أجَّرَ نَفْسَهُ ثَمَانِيَ سِنِينَ أَوْ: عَشْرَ [[في ت: "أو عشرة".]] سِنِينَ عَلَى عِفَّةِ فَرْجِهِ وَطَعَامِ بَطْنِهِ [[سنن ابن ماجه برقم (٢٤٤٤) وضعفه البوصيري في الزوائد (٢/٢٦٠) لتدليس بقية بن الوليد.]] .
وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ضَعِيفٌ [[في ت: "وهذا الحديث فيه ضعف من هذا الوجه".]] ، لِأَنَّ مَسْلَمَةَ [[في أ: "سلمة".]] بْنَ عَلِيٍّ وَهُوَ الخُشَني الدِّمَشْقِيُّ الْبَلَاطِيُّ ضَعِيفُ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ، وَلَكِنْ قَدْ رُوي مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا.
وَقَالَ [[في أ: "فقال".]] ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهيعة، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاح اللخمي قال: سمعت عتبة بن الندر السُّلَمِيَّ -صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ -يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِنَّ مُوسَى آجَرَ نَفْسَهُ بِعِفَّةِ فَرْجِهِ، وَطُعْمَةِ بَطْنِهِ" [[ورواه البزار في مسنده برقم (١٤٩٥) "كشف الأستار" من طريق يحيى بن بكير عن ابن لهيعة بأطول منه، وفي إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف.]] .
. وَقَوْلُهُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ ، يَقُولُ: إِنَّ مُوسَى قَالَ لِصِهْرِهِ: الْأَمْرُ عَلَى مَا قُلْتَ مِنْ أَنَّكَ اسْتَأْجَرْتَنِي عَلَى ثَمَانِ سِنِينَ، فَإِنْ أَتْمَمْتُ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِي، فَأَنَا مَتَى فَعَلْتُ أَقَلَّهُمَا [فَقَدْ] [[زيادة من أ.]] بَرِئْتُ مِنَ الْعَهْدِ، وَخَرَجْتُ مِنَ الشَّرْطِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ﴾ أي: فلا حَرَجَ عَلَيَّ مَعَ أَنَّ الْكَامِلَ -وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لَكِنَّهُ فَاضِلٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، بِدَلِيلٍ مِنْ خَارِجٍ. كَمَا قَالَ [اللَّهُ] [[زيادة من ف، أ.]] تَعَالَى: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [الْبَقَرَةِ: ٢٠٣] .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِحَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ، وَسَأَلَهُ عَنِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ -فَقَالَ: "إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ" [[رواه أحمد في مسنده (٣/٤٩٣) والنسائي في السنن (٤/١٨٥) .]] مَعَ أَنَّ فِعْلَ الصِّيَامِ رَاجِحٌ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ.
هَذَا وَقَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِنَّمَا فَعَلَ أَكْمَلَ الْأَجَلَيْنِ وَأَتَمَّهُمَا؛ قَالَ الْبُخَارِيُّ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مَرْوان بْنُ شُجاع، عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَأَلَنِي يَهُودِيٌّ مَنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ: أَيَّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي حَتَّى أَقْدَمَ عَلَى حَبْر الْعَرَبِ فأسأَلَه. فَقَدِمْتُ فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: قَضَى أَكْثَرَهُمَا وَأَطْيَبَهُمَا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ إِذَا قَالَ فَعَلَ. هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [[صحيح البخاري برقم (٢٦٨٤) .]] وَهَكَذَا رَوَاهُ حَكِيمُ بْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَوَقَعَ فِي "حَدِيثِ الفُتُون"، مِنْ رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ؛ أَنَّ الَّذِي سَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ. وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ رُوي مِنْ [[في ت: "روى طرق مرسلة من".]] حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "سَأَلْتُ جِبْرِيلَ: أَيَّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى قَالَ: أَكْمَلَهُمَا وَأَتَمَّهُمَا" [[تفسير الطبري (٢٠/٤٤) .]] .
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ -وَهُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ -حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ -وَكَانَ مِنْ أَسْنَانِي أَوْ أَصْغَرَ مِنِّي -فَذَكَرَهُ.
قُلْتُ: وَإِبْرَاهِيمُ هَذَا لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ.
وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبَانٍ الْقُرَشِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَعْيَنَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، فَذَكَرَهُ. ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ [[قال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (١/١٢٤) "إبراهيم بن يحيى العدني عن الحكم بن أبان وعنه سفيان بن عيينة بخبر منكر والرجل نكرة، وحديثه عن الحميدي ومتنه: سَأَلَ النَّبِيُّ ﷺ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أي الأجلين قضى موسى، انتهى. وهذا الرجل ذكره ابن حبان في الثقات. وقال الأزدي: لا يتابع في حديثه، وأخرج الحاكم حديثه المذكور في المستدرك".]] .
وَقَالَ [[في ف: "ثم قال".]] ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قُرئ عَلَى يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنْبَأَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَيْمُونٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ تَيْرَحَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سئل: أيّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قَالَ: "لَا عِلْمَ لِي". فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جِبْرِيلَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: لَا عِلْمَ لِي، فَسَأَلَ جِبْرِيلُ مَلَكًا فَوْقَهُ فَقَالَ: لَا عِلْمَ لِي. فَسَأَلَ [[في ف، أ:"عز وجل".]] ذَلِكَ المَلَك رَبَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ -عَمَّا سَأَلَهُ عَنْهُ جِبْرِيلُ عَمَّا سَأَلَهُ عَنْهُ مُحَمَّدٌ ﷺ فَقَالَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: "قَضَى أَبَرَّهُمَا وَأَبْقَاهُمَا -أَوْ قَالَ: أَزْكَاهُمَا" [[مسند البزار برقم (٢٢٤٥) "كشف الأستار".]] .
وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَقَدْ جَاءَ مُرْسَلًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَقَالَ [[في ف، أ: "فقال".]] سُنَيد: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْج قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَأَلَ جِبْرِيلَ: "أَيَّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ " فَقَالَ: سَوْفَ أَسْأَلُ إِسْرَافِيلَ. فَسَأَلَهُ فَقَالَ: سَوْفَ أَسْأَلُ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ. فَسَأَلَهُ فَقَالَ: "أَبَرَّهُمَا وَأَوْفَاهُمَا" [[تفسير الطبري (٢٠/٤٤) .]] .
طَرِيقٌ أُخْرَى مُرْسَلَةٌ أَيْضًا: قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَر، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرظي قَالَ: سُئِل رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَيَّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قَالَ: "أَوْفَاهُمَا وَأَتَمَّهُمَا" [[تفسير الطبري (٢٠/٤٤) .]] .
فَهَذِهِ طُرُقٌ مُتَعَاضِدَةٌ، ثُمَّ قَدْ [[في ف: "وقد".]] رُوِيَ [هَذَا] [[زيادة من ف، أ.]] مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّكَنِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِدْرِيسَ، حَدَّثَنَا عَوْبَد بْنُ أَبِي عِمْرَانَ الجَوْني، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِل: أَيَّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قَالَ: "أَوْفَاهُمَا وَأَبَرَّهُمَا"، قَالَ: "وَإِنْ سئلتَ أَيَّ الْمَرْأَتَيْنِ تَزَوَّجَ؟ فَقُلِ الصُّغْرَى مِنْهُمَا".
ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ يُرْوَى عَنْ أَبِي ذَرٍّ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ [[مسند البزار برقم (٢٢٤٤) "كشف الأستار".]] .
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَوبَد بْنِ أَبِي عِمْرَانَ -وَهُوَ ضَعِيفٌ -ثُمَّ قَدْ رُوِيَ أَيْضًا نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ عُتْبَةَ بْنِ النُّدَّرِ [[في ف، أ: "المنذر".]] بِزِيَادَةٍ غَرِيبَةٍ جِدًّا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السِّجِسْتَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْر، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ اللَّخْمِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عُتْبَةَ بْنِ النُّدَّرِ [[في ف، أ: "المنذر".]] يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُئل: أَيَّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قَالَ: "أَبَرَّهُمَا وَأَوْفَاهُمَا". ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "إِنَّ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَّا أَرَادَ فِرَاقَ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَمَرَ امْرَأَتَهُ أَنْ تَسْأَلَ أَبَاهَا أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ غَنَمِهِ مَا يَعِيشُونَ بِهِ. فَأَعْطَاهَا مَا وَلَدَتْ غَنَمُهُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ مِنْ قالِب لَون. قَالَ: فَمَا مَرَّتْ شَاةٌ إِلَّا ضَرَبَ مُوسَى جَنْبَهَا بِعَصَاهُ، فَوَلَدَتْ قَوَالب أَلْوَانٍ كُلُّهَا، وَوَلَدَتْ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثًا كُلُّ شَاةٍ لَيْسَ فِيهَا فَشُوش وَلَا ضبُوب، وَلَا كَمِيشة تُفَوّت الْكَفَّ، وَلَا ثَعُول". وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِذَا [[في أ: "إنكم إذا".]] افْتَتَحْتُمُ الشَّامَ فَإِنَّكَمْ ستجدون بقايا منها، وهي السامرية" [[مسند البزار برقم (٢٢٤٦) "كشف الأستار".]] .
هَكَذَا أَوْرَدَهُ الْبَزَّارُ. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا [[في ت: "بزيادة غريبة".]] فَقَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَير، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ (ح) وَحَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ اللَّخْمِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عُتْبَةَ بْنَ النُّدّر [[في ت، ف، أ: "المنذر".]] السُّلَمِيَّ -صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ -يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِنَّ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ [[في ت: "صلى الله عليه وسلم".]] آجَرَ نَفْسَهُ بِعِفَّةِ فَرْجِهِ وطُعمة بَطْنِهِ. فَلَمَّا وَفَى الْأَجَلَ -قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَّ الْأَجَلَيْنِ؟ قَالَ -أَبَرَّهُمَا وَأَوْفَاهُمَا. فَلَمَّا أَرَادَ فِرَاقَ شُعَيْبٍ أَمَرَ امْرَأَتَهُ أَنْ تَسْأَلَ أَبَاهَا أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ غَنَمِهِ مَا يَعِيشُونَ بِهِ، فَأَعْطَاهَا مَا وَلَدَتْ مِنْ غَنَمِهِ مِنْ قَالَبِ [[في ت: "قابله".]] لَوْنِ مَنْ وُلِدَ ذَلِكَ الْعَامَ، وَكَانَتْ غَنَمُهُ سَوْدَاءَ حَسْنَاءَ، فَانْطَلَقَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى عَصَاهُ فَسَمَّاها مِنْ طَرَفِهَا، ثُمَّ وَضَعَهَا فِي أَدْنَى الْحَوْضِ، ثُمَّ أَوْرَدَهَا فَسَقَاهَا، وَوَقَفَ مُوسَى بِإِزَاءِ الْحَوْضِ فَلَمْ تَصْدُرْ مِنْهَا شَاةٌ إِلَّا ضَرَبَ جَنْبَهَا شَاةً شَاةً قَالَ: "فَأَتْأَمَتْ وَأَثْلَثَتْ، وَوَضَعَتْ كُلُّهَا قَوَالِبَ أَلْوَانٍ، إِلَّا شَاةً أَوْ شَاتَيْنِ لَيْسَ فِيهَا فَشُوشٌ. قَالَ يَحْيَى: وَلَا ضَبُونٌ. وَقَالَ صَفْوَانُ: وَلَا ضبُوب. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: الصَّوَابُ ضَبُوب -وَلَا عَزُوز وَلَا ثَعُول، وَلَا كَمِيشَةٌ تُفَوّت الْكَفَّ"، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "فَلَوِ افْتَتَحْتُمُ الشَّامَ وَجَدْتُمْ بَقَايَا تِلْكَ الْغَنَمِ وَهِيَ السَّامِرِيَّةُ".
وَحَدَّثَنَا أَبُو زُرْعة، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الْوَلِيدَ قَالَ: فَسَأَلْتُ ابْنَ لَهِيعة: مَا الْفَشُوشُ؟ قَالَ: الَّتِي تَفُشّ بِلَبَنِهَا وَاسِعَةَ الشَّخب. قُلْتُ: فَمَا الضَّبُوبُ؟ قَالَ: الطَّوِيلَةُ الضَّرْعِ تَجُرُّهُ. قُلْتُ: فَمَا العَزُوز؟ قَالَ: ضَيِّقَةُ الشَّخب. قَالَ فَمَا الثَعُول؟ قَالَ: الَّتِي لَيْسَ لَهَا ضَرْعٌ إِلَّا كَهَيْئَةِ حَلَمَتَيْنِ. قُلْتُ: فَمَا الْكَمِيشَةُ؟ قَالَ: الَّتِي تُفَوّت الْكَفَّ، كَمَيْشَةُ الضَّرْعِ، صَغِيرٌ لَا يُدْرِكُهُ الْكَفُّ.
مَدَارُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعة الْمِصْرِيِّ -وَفِي حِفْظِهِ سُوءٌ -وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ رَفَعَهُ خَطَأً، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُرْوَى لَيْسَ فِيهَا فَشُوشٌ وَلَا عَزُوزٌ، وَلَا ضَبُوبٌ وَلَا ثَعول وَلَا كَمِيشَةٌ، لِتُذْكَرَ كُلُّ صِفَةٍ نَاقِصَةٍ مَعَ مَا يُقَابِلُهَا مِنَ الصِّفَاتِ النَّاقِصَةِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ [[في ت: "عن".]] كَلَامِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -مَوْقُوفًا عَلَيْهِ -مَا يُقَارِبُ بَعْضَهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ [[في ت: "ما يقارب هذا".]] ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا دَعَا نَبِيُّ اللَّهِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، صَاحِبَهُ إِلَى الْأَجَلِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمَا، قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: كُلُّ شَاةٍ وَلَدَتْ عَلَى غَيْرِ لَوْنِهَا فَذَلِكَ وَلَدُهَا لَكَ. فَعَمَدَ فَرَفَعَ حِبَالًا عَلَى الْمَاءِ، فَلَمَّا رَأَتِ الْخَيَالَ فَزِعَتْ فَجَالَتْ جَوْلَةً، فَوَلَدْنَ كُلُّهُنَّ بُلْقًا إِلَّا شَاةً وَاحِدَةً، فذهب بأولادهن ذلك العام [[تفسير الطبري (٢٠/٤٤) .]] .
{"ayahs_start":25,"ayahs":["فَجَاۤءَتۡهُ إِحۡدَىٰهُمَا تَمۡشِی عَلَى ٱسۡتِحۡیَاۤءࣲ قَالَتۡ إِنَّ أَبِی یَدۡعُوكَ لِیَجۡزِیَكَ أَجۡرَ مَا سَقَیۡتَ لَنَاۚ فَلَمَّا جَاۤءَهُۥ وَقَصَّ عَلَیۡهِ ٱلۡقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفۡۖ نَجَوۡتَ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِینَ","قَالَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا یَـٰۤأَبَتِ ٱسۡتَـٔۡجِرۡهُۖ إِنَّ خَیۡرَ مَنِ ٱسۡتَـٔۡجَرۡتَ ٱلۡقَوِیُّ ٱلۡأَمِینُ","قَالَ إِنِّیۤ أُرِیدُ أَنۡ أُنكِحَكَ إِحۡدَى ٱبۡنَتَیَّ هَـٰتَیۡنِ عَلَىٰۤ أَن تَأۡجُرَنِی ثَمَـٰنِیَ حِجَجࣲۖ فَإِنۡ أَتۡمَمۡتَ عَشۡرࣰا فَمِنۡ عِندِكَۖ وَمَاۤ أُرِیدُ أَنۡ أَشُقَّ عَلَیۡكَۚ سَتَجِدُنِیۤ إِن شَاۤءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ","قَالَ ذَ ٰلِكَ بَیۡنِی وَبَیۡنَكَۖ أَیَّمَا ٱلۡأَجَلَیۡنِ قَضَیۡتُ فَلَا عُدۡوَ ٰنَ عَلَیَّۖ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِیلࣱ"],"ayah":"فَجَاۤءَتۡهُ إِحۡدَىٰهُمَا تَمۡشِی عَلَى ٱسۡتِحۡیَاۤءࣲ قَالَتۡ إِنَّ أَبِی یَدۡعُوكَ لِیَجۡزِیَكَ أَجۡرَ مَا سَقَیۡتَ لَنَاۚ فَلَمَّا جَاۤءَهُۥ وَقَصَّ عَلَیۡهِ ٱلۡقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفۡۖ نَجَوۡتَ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق