الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى: ﴿فَمَكَثَ﴾ الْهُدْهُدُ ﴿غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ أَيْ: غَابَ زَمَانًا يَسِيرًا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ لِسُلَيْمَانَ: ﴿أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ أَيْ: اطَّلَعْتُ عَلَى مَا لَمْ تَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَنْتَ وَلَا جُنُودُكَ، ﴿وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾ أَيْ: بِخَبَرٍ صِدْقٍ حَقٍّ يَقِينٍ. وَسَبَأٌ: هُمْ: حِمْير، وَهُمْ مُلُوكُ الْيَمَنِ. ثُمَّ قَالَ: ﴿إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ﴾ ، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: وَهِيَ بِلْقِيسُ بِنْتُ شَرَاحيل مَلِكَةُ سَبَأٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَتْ أُمُّهَا جِنِّيَّةً، وَكَانَ مُؤخَّر قَدَمَيْهَا مِثْلَ حَافِرِ الدَّابَّةِ، مِنْ بَيْتِ مَمْلَكَةٍ. وَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: وَهِيَ بِلْقِيسُ بِنْتُ شَرَاحيل بْنِ مَالِكِ بْنِ الرَّيَّانِ، وَأُمُّهَا فَارِعَةُ الْجِنِّيَّةُ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْج: بِلْقِيسُ بِنْتُ ذِي شَرْخٍ، وَأُمُّهَا يَلْتَقَةُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا مُسَدَّد، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ -يَعْنِي ابْنَ عُيَيْنَةَ -عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ مَعَ صَاحِبَةِ [[في ف: "كان لصاحبه".]] سُلَيْمَانَ أَلْفُ قَيْل، تَحْتَ كُلِّ قَيْلٍ مِائَةُ أَلْفِ [مُقَاتِلٍ] [[زيادة من ف، أ.]] . وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ: كَانَ تَحْتَ يَدَيْ مَلِكَةِ سَبَأٍ اثْنَا عَشَرَ ألف قَيْل، تحت كل قيل: مائة ألف مُقَاتِلٍ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنْبَأَنَا [[في ف: "عن".]] مَعْمَر، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ﴾ : كَانَتْ مِنْ بَيْتِ مَمْلَكَةٍ، وَكَانَ أُولُو مَشُورَتِهَا ثَلَاثَمِائَةٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ رَجُلٍ. وَكَانَتْ بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا مَأْرَبُ، عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ صَنْعَاءَ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ أَقْرَبُ، عَلَى أَنَّهُ كَثِيرٌ عَلَى مَمْلَكَةِ الْيَمَنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ أَيْ: مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا مَا [[في ف: "مما".]] يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمَلِكُ الْمُتَمَكِّنُ، ﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ يَعْنِي: سَرِيرٌ تَجْلِسُ عَلَيْهِ عَظِيمٌ هَائِلٌ مُزَخْرَفٌ بِالذَّهَبِ، وَأَنْوَاعِ الْجَوَاهِرِ وَاللَّآلِئِ. قَالَ زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: كَانَ مِنْ ذَهَبٍ صَفْحَتَاهُ، مَرْمُولٌ بِالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ. [طُولُهُ ثَمَانُونَ ذِرَاعًا، وَعَرْضُهُ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ مِنْ ذَهَبٍ مُفَصَّصٍ بِالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ] [[زيادة من ف، أ.]] وَاللُّؤْلُؤِ، وَكَانَ إِنَّمَا يَخْدِمُهَا النِّسَاءُ، لَهَا سِتُّمِائَةِ امْرَأَةٍ تَلِي الْخِدْمَةَ [[في ف: "امرأة تليها".]] . قَالَ عُلَمَاءُ التَّارِيخِ: وَكَانَ هَذَا السَّرِيرُ فِي قَصْرٍ عَظِيمٍ مَشِيدٍ رَفِيعِ الْبِنَاءِ مُحْكَمٍ، كَانَ فِيهِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ طَاقَةً مِنْ شَرْقِهِ وَمَثَلُهَا مِنْ غَرْبِهِ [[في ف: "من شرقية ومثلها من غربية".]] ، قَدْ وُضِعَ بِنَاؤُهُ عَلَى أَنْ تَدْخُلَ الشَّمْسُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ طَاقَةٍ، وَتَغْرُبَ مِنْ مُقَابَلَتِهَا، فَيَسْجُدُونَ لَهَا صَبَاحًا وَمَسَاءً؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ﴾ أَيْ: عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ، ﴿فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ﴾ . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ﴾ [مَعْنَاهُ: ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ﴾ ] [[زيادة من ف، أ.]] أَيْ: لَا يَعْرِفُونَ سَبِيلَ الْحَقِّ الَّتِي هِيَ إِخْلَاصُ السُّجُودِ لِلَّهِ وَحْدَهُ دُونَ مَا خَلَقَ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الْكَوَاكِبِ وَغَيْرِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [فُصِّلَتْ: ٣٧] . وَقَرَأَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ: "أَلَا يَا اسْجُدُوا لِلَّهِ" جَعَلَهَا "أَلَا" الِاسْتِفْتَاحِيَّةَ، وَ"يَا" لِلنِّدَاءِ، وَحُذِفَ الْمُنَادَى، تَقْدِيرُهُ عِنْدَهُ: "أَلَا يَا قَوْمِ، اسْجُدُوا لِلَّهِ". * * * وَقَوْلُهُ: ﴿الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ﴾ : قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْلَمُ كُلَّ خَبِيئَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وقَتَادَةُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: الخَبْء: الْمَاءُ. وَكَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: خَبْءُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ: مَا جُعِلَ فِيهَا مِنَ الْأَرْزَاقِ: الْمَطَرُ مِنَ السَّمَاءِ، وَالنَّبَاتُ مِنَ الْأَرْضِ. وَهَذَا مُنَاسِبٌ مِنْ كَلَامِ الْهُدْهُدِ، الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ مِنَ الْخَاصِّيَّةِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ، مِنْ أَنَّهُ يَرَى الْمَاءَ يَجْرِي فِي تُخُومِ الْأَرْضِ وَدَوَاخِلِهَا. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ أَيْ: يَعْلَمُ مَا يُخْفِيهِ الْعِبَادُ، وَمَا يُعْلِنُونَهُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ﴾ [الرعد: ١٠] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ أَيْ: هُوَ الْمَدْعُوُّ اللَّهُ، وَهُوَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، الَّذِي لَيْسَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ أَعْظَمُ مِنْهُ. وَلَمَّا كَانَ الْهُدْهُدُ دَاعِيًا إِلَى الْخَيْرِ، وَعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ وَالسُّجُودِ لَهُ، نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ، كَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ: النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَالْهُدْهُدِ والصُّرَد. وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ [[لم أجده من حديث أبي هريرة إلا عند ابن ماجه في السنن برقم (٣٢٢٣) بلفظ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عن قتل الصرد والضفدع والنملة والهدهد". وهو بهذا اللفظ من حديث ابن عباس في مسند الإمام أحمد (١/٣٣٢) وسنن أبي داود برقم (٥٢٦٧) وسنن ابن ماجه برقم (٣٢٢٤) .]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب