الباحث القرآني

ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: أَنَّ فِرْعَوْنَ خَرَجَ فِي جَحْفَلٍ عَظِيمٍ وَجَمْعٍ كَبِيرٍ [[في أ "كثير".]] ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ مَمْلَكَةِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي زَمَانِهِ، أُولِي الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَالدُّوَلِ، مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْوُزَرَاءِ وَالْكُبَرَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ وَالْجُنُودِ، فأمَّا مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، مِنْ أَنَّهُ خَرَجَ فِي أَلْفِ أَلْفٍ وَسِتِّمِائَةِ أَلْفِ فَارِسٍ، مِنْهَا مِائَةُ أَلْفٍ عَلَى خَيْلٍ دُهْم، وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: فِيهِمْ ثَمَانِمِائَةِ أَلْفِ حِصَانٍ أَدْهَمَ، فَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ مُجَازَفَاتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَاللَّهُ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أَعْلَمُ. وَالَّذِي أَخْبَرَ بِهِ هُوَ النَّافِعُ، وَلَمْ يُعَيِّنْ عِدَّتَهُمْ؛ إِذْ لَا فَائِدَةَ تَحْتَهُ، إِلَّا أَنَّهُمْ خَرَجُوا بِأَجْمَعِهِمْ. ﴿فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ﴾ أَيْ: وَصَلُوا إِلَيْهِمْ عِنْدَ شُرُوقِ الشَّمْسِ، وَهُوَ طُلُوعُهَا. ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ﴾ أَيْ: رَأَى كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ صَاحِبَهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ ﴿قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ انْتَهَى بِهِمُ السَّيْرُ إِلَى سَيْفِ الْبَحْرِ، وَهُوَ بَحْرُ الْقُلْزُمِ، فَصَارَ أَمَامَهُمُ الْبَحْرُ، وَفِرْعَوْنُ قَدْ أَدْرَكَهُمْ بِجُنُودِهِ، فَلِهَذَا قَالُوا: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ أَيْ: لا يصل إليكم شَيْءٌ مِمَّا تَحْذَرُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ، سُبْحَانَهُ، هُوَ الَّذِي أَمَرَنِي أَنْ أَسِيرَ هَاهُنَا بِكُمْ، وَهُوَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ. وَكَانَ هَارُونُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي الْمُقَدِّمَةِ، وَمَعَهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، [وَمُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ وَمُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي السَّاقَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: أَنَّهُمْ وَقَفُوا لَا يَدْرُونَ مَا يَصْنَعُونَ، وَجَعَلَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ] [[زيادة من ف، أ.]] ، أَوْ مُؤْمِنُ آلَ فِرْعَوْنَ يَقُولُ لِمُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، هَاهُنَا أَمَرَكَ اللَّهُ أَنْ تَسِيرَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، وَاقْتَرَبَ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْقَلِيلُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مُوسَى أَنْ يَضْرِبَ بِعَصَاهُ الْبَحْرَ، فَضَرَبَهُ، وَقَالَ: انْفَلِقْ بِإِذْنِ اللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا [[في ف، أ: "عن".]] مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ [بْنِ مُحَمَّدِ] [[زيادة من الجرح والتعديل (٣/٢/٢٣٦) والدر المنثور (٥/٨٦) .]] بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ: أَنَّ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَّا انْتَهَى إِلَى الْبَحْرِ قَالَ: يَا مَنْ كَانَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَالْمُكَوِّنُ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَالْكَائِنُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، اجْعَلْ لَنَا مَخْرَجًا. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: ﴿أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ﴾ . وَقَالَ قَتَادَةُ: أَوْحَى اللَّهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ إِلَى الْبَحْرِ: أَنْ إِذَا ضَرَبَكَ مُوسَى بِعَصَاهُ فَاسْمَعْ لَهُ وَأَطِعْ، فَبَاتَ الْبَحْرُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَلَهُ اضْطِرَابٌ [[في أ: "اتكل".]] ، وَلَا يَدْرِي مِنْ أَيِّ جَانِبٍ يَضْرِبُهُ مُوسَى، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ مُوسَى قَالَ لَهُ فَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَيْنَ أَمَرَكَ رَبُّكَ؟ قَالَ: أَمَرَنِي أَنْ أَضْرِبَ الْبَحْرَ. قَالَ: فَاضْرِبْهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: أَوْحَى اللَّهُ -فِيمَا ذُكِرَ لِي -إِلَى الْبَحْرِ: أَنْ إِذَا ضَرَبَكَ مُوسَى بِعَصَاهُ فَانْفَلِقْ لَهُ. قَالَ: فَبَاتَ الْبَحْرُ يَضْرِبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَرَقًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَانْتِظَارًا لِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى: ﴿أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ﴾ ، فَضَرَبَهُ بِهَا وَفِيهَا، [[في أ: "ففيها".]] سُلْطَانُ اللَّهِ الَّذِي أَعْطَاهُ، فَانْفَلَقَ. وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ كَنَّاهُ فَقَالَ: انْفَلِقْ عَلَيَّ أَبَا خَالِدٍ بِحَوْلِ اللَّهِ [[في ف، أ: "بإذن الله".]] . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ أَيْ: كَالْجَبَلِ الْكَبِيرِ. قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: هُوَ الفَجّ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَارَ الْبَحْرُ اثْنَيْ عَشَرَ طَرِيقًا، لِكُلِّ سِبْطٍ طَرِيقٌ -وَزَادَ السُّدِّيُّ: وَصَارَ فِيهِ طَاقَاتٌ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَقَامَ الْمَاءُ عَلَى حَيْلِهِ كَالْحِيطَانِ، وَبَعَثَ اللَّهُ الرِّيحَ إِلَى قَعْرِ الْبَحْرِ فَلَفْحَتْهُ، فَصَارَ يَبَسا [[في أ: "يابسا".]] كَوَجْهِ الْأَرْضِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى﴾ [طه:٧٧] . وَقَالَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: ﴿وَأَزْلَفْنَا﴾ أَيْ: هُنَالِكَ [[في ف: "هناك".]] ﴿الْآخَرِينَ﴾ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ: ﴿وأزلفنا﴾ أي: قربنا فرعون وجنوده مِنَ الْبَحْرِ وَأَدْنَيْنَاهُمْ إِلَيْهِ. ﴿وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ﴾ أَيْ: أَنْجَيْنَا مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ وَمِنْ مَعَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ فَلَمْ يَهْلَكْ [[في أ: "نهلك".]] مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَأُغْرِقَ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ رَجُلٌ [[في ف: "رجل منهم".]] إِلَّا هَلَكَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الحسين، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ ابْنُ أَبَى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ -أَنَّ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، حِينَ أَسْرَى بِبَنِي إِسْرَائِيلَ بَلَغَ فِرْعَوْنَ ذَلِكَ، فَأَمَرَ بِشَاةٍ فَذُبِحَتْ، ثُمَّ قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا يُفْرَغُ مِنْ سَلْخِهَا حَتَّى يَجْتَمِعَ إِلَيَّ سِتُّمِائَةِ أَلْفٍ مِنَ الْقِبْطِ. فَانْطَلَقَ مُوسَى حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْبَحْرِ، فَقَالَ لَهُ: انْفَرِقْ. فَقَالَ الْبَحْرُ: لَقَدِ اسْتَكْبَرْتَ يَا مُوسَى، وَهَلِ انْفَرَقْتُ [[في ف، أ: "فرقت".]] لِأَحَدٍ مِنْ وَلَدِ [[في أ: "بني".]] آدَمَ فَأَنْفَرِقُ [[في أ: "فأفرق".]] لَكَ؟ قَالَ: وَمَعَ مُوسَى رَجُلٌ عَلَى حِصَانٍ لَهُ، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ: أَيْنَ أمرتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أُمِرْتُ إِلَّا بِهَذَا الْوَجْهِ [يَعْنِي: الْبَحْرَ، فَأَقْحَمَ فَرَسَهُ، فَسَبَحَ بِهِ فَخَرَجَ، فَقَالَ: أَيْنَ أُمِرْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أُمِرْتُ إِلَّا بِهَذَا الْوَجْهِ] [[زيادة من ف، أ.]] . قَالَ: وَاللَّهِ مَا كَذَبت وَلَا كُذبت. ثُمَّ اقْتَحَمَ الثَّانِيَةَ فَسَبَحَ، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أَيْنَ أُمِرْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أُمِرْتُ إِلَّا بِهَذَا الْوَجْهِ؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا كَذَبت [[في أ: "ما كذب".]] وَلَا كُذبت. قَالَ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ، فَضَرَبَهُ مُوسَى بِعَصَاهُ، فَانْفَلَقَ، فَكَانَ فِيهِ اثْنَا عَشَرَ طَرِيقًا، لِكُلِّ سِبْطٍ طَرِيقٌ يَتَرَاءَوْنَ، فَلَمَّا خَرَجَ أَصْحَابُ مُوسَى وتَتَامّ أصحابُ فِرْعَوْنَ، الْتَقَى الْبَحْرُ عَلَيْهِمْ فَأَغْرَقَهُمْ. وَفِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: فَلَمَّا خَرَج آخِرُ أَصْحَابِ مُوسَى، وَتَكَامَلَ أَصْحَابُ فِرْعَوْنَ، اضْطَمَّ عَلَيْهِمُ الْبَحْرُ، فَمَا رُئِيَ سَوَادٌ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمِئِذٍ، وَغَرَقَ فِرْعَوْنُ لَعَنَهُ اللَّهُ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً﴾ أَيْ: فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَمَا فِيهَا مِنَ الْعَجَائِبِ وَالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ لِعِبَادِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ؛ لَدَلَالَةٌ وَحُجَّةٌ قَاطِعَةٌ وَحِكْمَةٌ بَالِغَةٌ، ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب