ذَكَرَ [اللَّهُ] [[زيادة من ف، أ.]] تَعَالَى هَذِهِ الْمُنَاظَرَةَ الْفِعْلِيَّةَ بَيْنَ مُوسَى وَالْقِبْطِ فِي "سُورَةِ الْأَعْرَافِ" وَفِي "سُورَةِ طه" وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ: وَذَلِكَ أَنَّ الْقِبْطَ أَرَادُوا أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ، فَأَبَى [[في ف، أ: "فيأبى".]] اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. وَهَذَا شَأْنُ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ، مَا تَوَاجَهَا وَتَقَابَلَا إِلَّا غَلَبَهُ الْإِيمَانُ، ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ:١٨] ، ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [الْإِسْرَاءِ:٨١] ، وَلِهَذَا لَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ، وَقَدْ جَمَعُوهُمْ مِنْ أَقَالِيمِ بِلَادِ مِصْرَ، وَكَانُوا إِذْ ذَاكَ أَسْحَرَ النَّاسِ وَأَصْنَعَهُمْ وَأَشَدَّهُمْ تَخْيِيلًا فِي ذَلِكَ، وَكَانَ السَّحَرَةُ جَمْعًا كَثِيرًا، وَجَمًّا غَفِيرًا، قِيلَ: كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا. وَقِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا. وَقِيلَ: سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفًا وَقِيلَ: تِسْعَةَ عَشَرَ أَلْفًا. وَقِيلَ: بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ أَلْفًا. وَقِيلَ: ثَمَانِينَ أَلْفًا. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ أَمْرُهُمْ رَاجِعًا إِلَى أَرْبَعَةٍ مِنْهُمْ وَهُمْ رُؤَسَاؤُهُمْ: وهم: ساتور وعازور [[في ف، أ: "وعادون".]] وحطحط [[في أ. "وحطحة".]] ويصقى.
وَاجْتَهَدَ [[في أ: "وحشر".]] النَّاسُ فِي الِاجْتِمَاعِ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَقَالَ قَائِلُهُمْ: ﴿لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ [قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ] ﴾ [[زيادة من ف.]] ، وَلَمْ يَقُولُوا: نَتَّبِعُ الْحَقَّ سَوَاءً كَانَ مِنَ السَّحَرَةِ أَوْ مِنْ مُوسَى، بَلِ الرَّعِيَّةُ عَلَى دِينِ مَلِكِهِمْ. ﴿فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ﴾ أَيْ: إِلَى مَجْلِسِ فِرْعَوْنَ وَقَدْ ضَرَبَ لَهُ وَطَاقًا، وَجَمَعَ حَشَمَهُ وَخَدَمَهُ [وَأُمَرَاءَهُ] [[زيادة من أ.]] وَوُزَرَاءَهُ وَرُؤَسَاءَ دَوْلَتِهِ وَجُنُودَ مَمْلَكَتِهِ، فَقَامَ السَّحَرَةُ بَيْنَ يَدِي فِرْعَوْنَ [[في ف، أ: "بين يديه".]] يَطْلُبُونَ مِنْهُ الْإِحْسَانَ إِلَيْهِمْ وَالتَّقَرُّبَ إِلَيْهِ إِنْ غَلَبُوا، أَيْ: هَذَا الَّذِي جَمَعَتْنَا مِنْ أَجْلِهِ، فَقَالُوا: ﴿أَئِنَّ لَنَا لأجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ أَيْ: وَأَخَصُّ مِمَّا تَطْلُبُونَ أَجْعَلُكُمْ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ عِنْدِي وجلسائي. فعادوا إلى مقام المناظرة ﴿قَالُوا [[في أ: "فقالوا" وهو خطأ.]] يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا﴾ [طه: ٦٥، ٦٦] ، وَقَدِ اخْتُصِرَ هَذَا هَاهُنَا فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: ﴿أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ * فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ﴾ ، وهذا كما يقوله الْجَهَلَةُ مِنَ الْعَوَامِّ إِذَا فَعَلُوا شَيْئًا: هَذَا بِثَوَابِ فَلَانٍ. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ: أَنَّهُمْ ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ [الْأَعْرَافِ:١١٦] ، وَقَالَ فِي "سُورَةِ طه": ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ [طه:٦٦، ٦٩] .
وَقَالَ هَاهُنَا: ﴿فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾ أَيْ: تَخْتَطِفُهُ [[في ف، أ: "تخطفه".]] وَتَجْمَعُهُ مِنْ كُلِّ بُقْعَةٍ وَتَبْتَلِعُهُ فَلَمْ تَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا.
قَالَ تَعَالَى: ﴿فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ. وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ. قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الْأَعْرَافِ:١١٨-١٢٢] وَكَانَ هَذَا أَمْرًا عَظِيمًا جَدًا، وَبُرْهَانًا قَاطِعًا لِلْعُذْرِ وَحُجَّةً دَامِغَةً، وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ اسْتَنْصَرَ بِهِمْ وَطَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يَغْلِبُوا، قَدْ غُلِبُوا وَخَضَعُوا وَآمَنُوا بِمُوسَى فِي السَّاعَةِ الرَّاهِنَةِ، وَسَجَدُوا لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الَّذِي أَرْسَلَ مُوسَى وَهَارُونَ بِالْحَقِّ وَبِالْمُعْجِزَةِ الْبَاهِرَةِ، فَغُلِبَ فِرْعَوْنُ غَلبًا لَمْ يُشَاهِدِ الْعَالَمُ مِثْلَهُ، وَكَانَ وَقِحًا جَرِيئًا عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، فَعَدَلَ إِلَى الْمُكَابَرَةِ وَالْعِنَادِ وَدَعْوَى الْبَاطِلِ، فَشَرَعَ يَتَهَدَّدُهُمْ وَيَتَوَعَّدُهُمْ، وَيَقُولُ: ﴿إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾ [طه:٧١] ، وَقَالَ: ﴿إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [الْأَعْرَافِ:١٢٣] .
{"ayahs_start":38,"ayahs":["فَجُمِعَ ٱلسَّحَرَةُ لِمِیقَـٰتِ یَوۡمࣲ مَّعۡلُومࣲ","وَقِیلَ لِلنَّاسِ هَلۡ أَنتُم مُّجۡتَمِعُونَ","لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ ٱلسَّحَرَةَ إِن كَانُوا۟ هُمُ ٱلۡغَـٰلِبِینَ","فَلَمَّا جَاۤءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالُوا۟ لِفِرۡعَوۡنَ أَىِٕنَّ لَنَا لَأَجۡرًا إِن كُنَّا نَحۡنُ ٱلۡغَـٰلِبِینَ","قَالَ نَعَمۡ وَإِنَّكُمۡ إِذࣰا لَّمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِینَ","قَالَ لَهُم مُّوسَىٰۤ أَلۡقُوا۟ مَاۤ أَنتُم مُّلۡقُونَ","فَأَلۡقَوۡا۟ حِبَالَهُمۡ وَعِصِیَّهُمۡ وَقَالُوا۟ بِعِزَّةِ فِرۡعَوۡنَ إِنَّا لَنَحۡنُ ٱلۡغَـٰلِبُونَ","فَأَلۡقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِیَ تَلۡقَفُ مَا یَأۡفِكُونَ","فَأُلۡقِیَ ٱلسَّحَرَةُ سَـٰجِدِینَ","قَالُوۤا۟ ءَامَنَّا بِرَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","رَبِّ مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ"],"ayah":"فَجُمِعَ ٱلسَّحَرَةُ لِمِیقَـٰتِ یَوۡمࣲ مَّعۡلُومࣲ"}