الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى مُخَاطِبًا لِمَنْ زَعَمَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ لَيْسَ حَقًّا، وَأَنَّهُ شَيْءٌ افْتَعَلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، أَوْ أَنَّهُ أَتَاهُ بِهِ رَئِيٌّ مِنَ الْجِنِّ، فَنَزَّهَ اللَّهُ، سُبْحَانَهُ، جَنَابَ رَسُولِهِ عَنْ قَوْلِهِمْ وَافْتِرَائِهِمْ، وَنَبَّهَ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ إِنَّمَا هُوَ [الْحَقُّ] [[زيادة من ف، أ.]] مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ تَنْزِيلُهُ وَوَحْيُهُ، نَزَلَ بِهِ مَلَكٌ كَرِيمٌ أَمِينٌ عَظِيمٌ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَبيل الشَّيَاطِينِ، فَإِنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ رَغْبَةٌ فِي مِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَإِنَّمَا يَنْزِلُونَ [[في أ: "يتنزلون".]] عَلَى مَنْ يُشَاكِلُهُمْ وَيُشَابِهُهُمْ مِنَ الْكُهَّانِ الْكَذَبَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ﴾ أَيْ: أُخْبِرُكُمْ. ﴿عَلَى مَنْ تَنزلُ الشَّيَاطِينُ. تَنزلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ﴾ أَيْ: كَذُوبٍ فِي قَوْلِهِ، وَهُوَ الْأَفَّاكُ الْأَثِيمُ، أَيِ [[في ف: "وهو".]] الْفَاجِرُ فِي أَفْعَالِهِ. فَهَذَا هُوَ الَّذِي تَنَزَّلُ عَلَيْهِ الشَّيَاطِينُ كَالْكُهَّانِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُمْ مِنَ الْكَذَبَةِ الْفَسَقَةِ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ أَيْضًا كَذَبَةٌ فَسَقَةٌ. ﴿يُلْقُونَ السَّمْعَ﴾ أَيْ: يَسْتَرِقُونَ السَّمْعَ مِنَ السَّمَاءِ، فَيَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ، فَيَزِيدُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ، ثُمَّ يُلْقُونَهَا إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنَ الْإِنْسِ فَيَتَحَدَّثُونَ بِهَا، فَيُصَدِّقُهُمُ النَّاسُ فِي كُلِّ مَا قَالُوهُ، بِسَبَبِ صِدْقِهِمْ فِي تِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءِ، كَمَا صَحَّ بِذَلِكَ الْحَدِيثُ، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عُروَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: قَالَتْ عَائِشَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: سَأَلَ نَاسٌ النَّبِيَّ ﷺ عَنِ الْكُهَّانِ، فَقَالَ: "إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ يَخْطِفُهَا [[في ف، أ: "يحفظها".]] الْجِنِّيُّ، فَيُقَرقرِها فِي أُذُنِ وَلَيِّهِ كقَرْقَرة الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ مَعَهَا أَكْثَرَ مِنْ مَائِةِ كَذِبَةٍ" [[صحيح البخاري برقم (٧٥٦١) .]] . وَقَالَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِذَا قَضَى اللَّهُ الْأَمْرَ فِي السَّمَاءِ، ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعانًا لِقَوْلِهِ، كَأَنَّهَا [[في ف: "كأنه".]] سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوان، حَتَّى إِذَا فُزع عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا لِلَّذِي قَالَ: الْحَقُّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ. فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُو السَّمْعِ، وَمُسْتَرِقُو السَّمْعِ، هَكَذَا بَعْضُهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ". وَوَصَفَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ فَحَرفها، وبَدّدَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ "فَيَسْمَعُ الْكَلِمَةَ، فَيُلْقِيهَا إِلَى مَنْ تَحْتَهُ، ثُمَّ يُلْقِيهَا الْآخَرُ إِلَى مَنْ تَحْتَهُ، حَتَّى يُلْقِيَهَا عَلَى لِسَانِ السَّاحِرِ -أَوِ الْكَاهِنِ -فَرُبَّمَا أَدْرَكَهُ الشِّهَابُ قَبْلَ أَنْ يُلْقِيَهَا، وَرُبَّمَا أَلْقَاهَا قَبْلَ أَنْ يدركه، فيكذب معها مائة كذبة. فيقال: أليس قَدْ قَالَ لَنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا: كَذَا وَكَذَا؟ فَيَصْدُقُ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي سَمِعَ [[في هـ، ف، أ: "سمعت" والصواب ما أثبتناه من البخاري.]] مِنَ السماء". انفرد به البخاري [[صحيح البخاري برقم (٤٨٠٠) .]] . وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رِجَالٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَرِيبًا مِنْ هَذَا. وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سَبَأٍ: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ الْآيَةَ [سَبَأٍ:٢٣] ، [إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى] [[زيادة من ف، أ.]] . وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هلال: أَنَّ أَبَا الْأَسْوَدِ أَخْبَرَهُ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَحَدّث فِي العَنَان -والعَنَان: الغَمَام -بِالْأَمْرِ [يَكُونُ] [[زيادة من ف، أ، والبخاري.]] فِي الْأَرْضِ، فَتَسْمَعُ الشَّيَاطِينُ الْكَلِمَةَ، فتقرُّها فِي أُذُنِ الْكَاهِنِ كَمَا تُقَرّ الْقَارُورَةُ، فَيَزِيدُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ" [[صحيح البخاري برقم (٣٢٨٨) وقد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي حاتم الرازي عن أبي صالح كاتب الليث عنه، كما في الفتح (٦/٤٣٢) .]] . وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِ "بَدْءِ الْخَلْقِ" عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، بِنَحْوِهِ [[صحيح البخاري رقم (٢٢١٠) .]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي: الْكُفَّارَ يَتْبَعُهُمْ ضُلَّالُ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، رَحِمَهُ اللَّهِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وغيرهما. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَ الشَّاعِرَانِ يَتَهَاجَيَانِ، فَيَنْتَصِرُ لِهَذَا فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، وَلِهَذَا فئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيث، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ يُحَنَّس [[في ف: "محنش".]] -مَوْلَى مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ -عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بالعَرْج، إِذْ عَرَض شَاعِرٌ يُنشد، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "خُذُوا الشَّيْطَانَ -أَوْ أَمْسِكُوا الشَّيْطَانَ -لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا" [[المسند (٣/٨) .]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ﴾ : قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي كُلِّ لَغْوٍ يَخُوضُونَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي كُلِّ فَنٍّ مِنَ الْكَلَامِ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: قَدْ -وَاللَّهِ -رَأَيْنَا أَوْدِيَتَهُمُ الَّتِي يَهِيمُونَ فِيهَا، مَرَّةً فِي شَتْمَةِ [[في ف: "شتيمة".]] فُلَانٍ، وَمَرَّةً فِي مِدْحَةِ [[في ف: "مديحة".]] فُلَانٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: الشَّاعِرُ يَمْدَحُ قَوْمًا بِبَاطِلٍ، وَيَذُمُّ قَوْمًا بِبَاطِلٍ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ﴾ قَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ، أَحَدُهُمَا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَالْآخَرُ مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ، وإنهما تهاجيا، فكان [[في ف: "وكان".]] مع كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا غُوَاةٌ مِنْ قَوْمِهِ -وَهُمُ [[في ف: "فهم".]] السُّفَهَاءُ -فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ. أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ. وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ﴾ . . وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَكْثَرُ قَوْلِهِمْ يَكْذِبُونَ فِيهِ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، هُوَ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ فَإِنَّ الشُّعَرَاءَ يتَبجَّحون بِأَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ لَمْ تَصْدُرْ مِنْهُمْ وَلَا عَنْهُمْ، فَيَتَكَثَّرُونَ بِمَا لَيْسَ لَهُمْ؛ وَلِهَذَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ، فِيمَا إِذَا اعْتَرَفَ الشَّاعِرُ فِي شِعْرِهِ بِمَا يُوجِبُ حَدًّا: هَلْ يُقَامُ عَلَيْهِ بِهَذَا الِاعْتِرَافِ أَمْ لَا لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّار فِي كِتَابِ الْفُكَاهَةِ: أَنَّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، اسْتَعْمَلَ النُّعْمَانَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ نَضْلَة عَلَى "مَيْسَانَ" -مِنْ أَرْضِ الْبَصْرَةِ -وَكَانَ يَقُولُ الشِّعْرَ، فَقَالَ: أَلَا هَل أتَى الحَسْنَاءَ أَنَّ حَليِلَها ... بِمَيْسَانَ، يُسقَى في زُجاج وَحَنْتَم ... إذَا شئْتُ غَنَّتْني دَهاقينُ قَرْيَة ... وَرَقَّاصَةٌ تَجذُو عَلَى كُلِّ مَنْسم [[في ف، أ: "مبسم".]] فإنْ كُنتَ نَدْمانِي فَبالأكْبر اسْقني ... وَلا تَسْقني بالأصْغَر المُتَثَلم [[في ف: "المتلثم".]] لَعَل أميرَ المؤمنينَ يَسُوءه ... تَنادُمُنا بالجَوْسَق المُتَهَدَم ... فَلَمَّا بَلَغَ [ذَلِكَ] [[زيادة من ف، أ.]] أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: أَيْ وَاللَّهِ، إِنَّهُ لِيَسُوءُنِي ذَلِكَ، وَمَنْ لَقِيَهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنِّي قَدْ عَزَلْتُهُ. وَكَتَبَ إِلَيْهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿حم. تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [غَافِرٍ:١-٣] أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي قَوْلُكَ: لَعَلَّ أَمِيرَ المُؤمنينَ يَسُوُءه ... تَنَادُمُنَا بالجَوْسق [[في ف، أ: "في الجوسق".]] المُتَهَدّم ... وَايْمُ اللَّهِ، إِنَّهُ لَيَسُوءُنِي وَقَدْ عَزَلْتُكَ. فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بَكَّتَه بِهَذَا الشِّعْرِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ -يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ -مَا شَرِبْتُهَا قَطّ، وَمَا ذَاكَ الشِّعْرُ إِلَّا شَيْءٌ طَفح عَلَى لِسَانِي. فَقَالَ عُمَرُ: أَظُنُّ ذَلِكَ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَا تَعْمَلْ لِي عَلَى عَمَلٍ أَبَدًا، وَقَدْ قُلتَ مَا قلتَ [[الأبيات في السيرة النبوية لابن هشام (٢/٢٦٦) والطبقات الكبرى لابن سعد (٤/١٤٠) .]] . فَلَمْ يُذكر أَنَّهُ حَدّه عَلَى الشَّرَابِ، وَقَدْ ضَمِنَهُ شِعْرُهُ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَلَكِنَّهُ [[في ف: "ولكن".]] ذمَّه عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَامَهُ عَلَى ذَلِكَ وَعَزَلَهُ بِهِ. وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا، يَرِيه خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا" [[رواه مسلم في صحيحه برقم (٢٢٥٧) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]] . وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا: أَنَّ [[في ف، أ: "أن هذا الرسول".]] الرَّسُولَ ﷺ [[في ف، أ: "صلوات الله وسلامه عليه".]] الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ [[في ف، أ: "عليه هذا القرآن".]] الْقُرْآنُ لَيْسَ بِكَاهِنٍ وَلَا بِشَاعِرٍ؛ لِأَنَّ حَالَهُ مُنَافٍ لِحَالِهِمْ مِنْ وُجُوهٍ ظَاهِرَةٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾ [يس:٦٩] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تُؤْمِنُونَ. وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ. تَنزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الْحَاقَّةِ:٤٠-٤٣] ، وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ إِلَى أَنْ قَالَ: ﴿وَمَا تَنزلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ. وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ. إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ﴾ إِلَى أَنْ قَالَ: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنزلُ الشَّيَاطِينُ. تَنزلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ. يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ. وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ. أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ. وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ﴾ . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ : قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ [[في ف: "زيد".]] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْط، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ سَالِمٍ البَرّاد -مَوْلَى تَمِيمٍ الدَّارِيِّ -قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ ، جَاءَ حسان بن ثابت، وعبد الله بن رَوَاحة، وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَهُمْ يَبْكُونَ فَقَالُوا: قَدْ عَلِمَ اللَّهُ حِينَ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ أَنَّا شُعَرَاءُ. فَتَلَا النَّبِيُّ ﷺ: ﴿إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ قَالَ: "أَنْتُمْ"، ﴿وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا﴾ قَالَ: "أَنْتُمْ"، ﴿وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾ قَالَ: "أَنْتُمْ". رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَابْنُ جَرِيرٍ، مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ [[تفسير الطبري (١٩/٧٩) .]] . وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَشَجِّ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مَوْلَى بَنِي نَوْفَلٍ؛ أَنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حِينَ نَزَلَتْ: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ يَبْكِيَانِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَهُوَ يَقْرَؤُهَا عَلَيْهِمَا: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ حَتَّى بَلَغَ: ﴿إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ ، قَالَ: "أَنْتُمْ" [[ورواه الحاكم في المستدرك (٣/٤٨٨) من طريق أبي أسامة به.]] . وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ [[في ف، أ: "أبو مسلم".]] حَدَّثَنَا حَمَّادٌ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَة، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ﴾ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنِّي مِنْهُمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿يَنْقَلِبُونَ﴾ . وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وقَتَادَةُ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِمَّا تَقَدَّمَ. وَلَا شَكَّ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ، وَلَكِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ، فَكَيْفَ يَكُونُ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ [فِي] [[زيادة من ف.]] شُعَرَاءِ الْأَنْصَارِ؟ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ إِلَّا مُرْسَلَاتٌ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَكِنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ يَدْخُلُ فِيهِ شُعَرَاءُ الْأَنْصَارِ وَغَيْرُهُمْ، حَتَّى يَدْخُلَ فِيهِ مَنْ كَانَ مُتَلَبِّسًا مِنْ شُعَرَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ بِذَمِّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، ثُمَّ تَابَ وَأَنَابَ، وَرَجَعَ وَأَقْلَعَ، وَعَمِلَ صالحًا، وذكر الله كثيرًا في مُقَابَلَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْكَلَامِ السَّيِّئِ، فَإِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ، وَامْتَدَحَ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا كَذَبَ [[في ف، أ: "ما كان".]] بِذَمِّهِ، كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزبَعْرَى حِينَ أَسْلَمَ: يَا رَسُولَ المَليك، إِنَّ لسَاني ... رَاتقٌ مَا فَتَقْتُ إذْ أَنَا بُورُ ... إذْ أجَاري الشَّيْطانَ فِي سَنن الغَيْ ... يِ وَمَن مَالَ مَيْلَه مَثْبُورٌ ... وَكَذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، كَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلنَّبِيِّ ﷺ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّهِ، وَأَكْثَرَهُمْ لَهُ هَجْوًا، فَلَمَّا أَسَلَمَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَكَانَ يَمْدَحُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعْدَمَا كَانَ يَهْجُوهُ، وَيَتَوَلَّاهُ بَعْدَمَا كَانَ قَدْ عَادَاهُ. وَهَكَذَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ صَخْرَ بْنَ حَرْبٍ لَمَّا أَسْلَمَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَلَاثٌ أَعْطِنِيهِنَّ قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: مُعَاوِيَةُ تَجْعَلُهُ كَاتِبًا بَيْنَ يَدَيْكَ. قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: وتُؤمرني حَتَّى أُقَاتِلَ الْكُفَّارَ، كَمَا كُنْتُ أُقَاتِلُ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: "نَعَمْ". وَذَكَرَ الثَّلَاثَةَ [[صحيح مسلم برقم (٢٥٠١) .]] . وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا﴾ قِيلَ: مَعْنَاهُ: ذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا فِي كَلَامِهِمْ. وَقِيلَ: فِي شِعْرِهِمْ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ مُكَفّر لِمَا سَبَقَ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَرُدُّونَ عَلَى الْكُفَّارِ الَّذِينَ كَانُوا يَهْجُونَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وقَتَادَةُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَهَذَا كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لِحَسَّانَ: "اهْجُهُمْ -أَوْ قَالَ: هَاجِهِمْ -وَجِبْرِيلُ مَعَكَ" [[صحيح البخاري برقم (٦١٥٣) وصحيح مسلم برقم (٢٤٨٦) من حديث البراء بن عازب، رضي الله عنه.]] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: إِنْ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، قَدْ أَنْزَلَ فِي الشِّعْرِ مَا أَنْزَلَ، فَقَالَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ يُجَاهِدُ بِسَيْفِهِ وَلِسَانِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَكَأَنَّ مَا تَرْمُونَهُمْ بِهِ نَضْح النبْل" [[المسند (٦/٣٨٧) .]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ [غَافِرٍ:٥٢] وَفِي الصَّحِيحِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [[صحيح مسلم برقم (٢٥٧٨) من حديث جابر، رضي الله عنه، ولفظه: "اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".]] . وَقَالَ قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَة فِي قَوْلِهِ: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ يَعْنِي: مِنَ الشُّعَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ أَبِي تَمِيمَةَ، قَالَ: حَضَرْتُ الْحَسَنَ وَمُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةِ نَصْرَانِيٍّ، فَقَالَ الْحَسَنُ: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاح، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرز: أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ -بَكَى حَتَّى أَقُولَ: قَدِ انْدَقَّ قَضِيب زَوره - ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ . وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي [[في ف، أ: "حدثنا".]] ابْنُ سُرَيج الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ، عَنْ بَعْضِ الْمَشْيَخَةِ: أَنَّهُمْ كَانُوا بِأَرْضِ الرُّومِ، فَبَيْنَمَا هُمْ لَيْلَةً عَلَى نَارٍ يَشْتَوُونَ [[في أ: "يشوون".]] عَلَيْهَا -أَوْ: يَصْطَلُونَ -إِذَا بِرِكَابٍ [[في ف، أ: "بركبان".]] قَدْ أَقْبَلُوا، فَقَامُوا إِلَيْهِمْ، فَإِذَا فَضَالَةُ بْنُ عبُيد فِيهِمْ، فَأَنْزَلُوهُ فَجَلَسَ مَعَهُمْ -قَالَ: وَصَاحِبٌ لَنَا قَائِمٌ يُصَلِّي -قَالَ حَتَّى مَرّ بِهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ قَالَ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُخَرِّبُونَ الْبَيْتَ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِمْ أَهْلُ مَكَّةَ. وَقِيلَ: الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ ظَالِمٍ، كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذُكر عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى الْوَاسِطِيِّ: حَدَّثَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ مَحْفُوظٍ أَبُو سَعْدٍ [[في ف، أ: "أبو سعيد".]] النَّهْدِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُجِيرِ [[في أ: "الحبر".]] حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَة، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَتَبَ أَبِي وَصِيَّتَهُ سَطْرَيْنِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافة، عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنَ الدُّنْيَا، حِينَ يُؤْمِنُ الْكَافِرُ، وَيَنْتَهِي الْفَاجِرُ، ويَصدُق الْكَاذِبُ: إِنِّي اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْكُمْ عُمَر بْنَ الْخَطَّابِ، فَإِنْ يَعْدِلْ فَذَاكَ ظَنِّي بِهِ، وَرَجَائِي فِيهِ، وَإِنْ يَجُر وَيُبَدِّلْ فَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ . آخَرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ "الشُّعَرَاءِ" وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رب العالمين.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب