الباحث القرآني
يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَمُخْبِرًا أَنَّ مَنْ أَشْرَكَ بِهِ عَذَّبَهُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى آمِرًا لِرَسُولِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ [[في ف، أ: "صلوات الله عليه وسلامه".]] أَنْ يُنْذِرَ عَشِيرَتَهُ الْأَقْرَبِينَ، أَيِ: الْأَدْنَيْنَ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا يُخَلِّص أَحَدًا مِنْهُمْ إِلَّا إيمانهُ بِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُلِينَ جَانِبَهُ لِمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ. وَمَنْ عَصَاهُ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ فَلْيَتَبَرَّأْ مِنْهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿. فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ . وَهَذِهِ النِّذارة الْخَاصَّةُ لَا تُنَافِي الْعَامَّةَ، بَلْ هِيَ فَرْدٌ مِنْ أَجْزَائِهَا، كَمَا قَالَ: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ﴾ [يس:٦] ، وَقَالَ: ﴿لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [الشُّورَى:٧] ، وَقَالَ: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ﴾ [الْأَنْعَامِ:٥١] ، وَقَالَ: ﴿لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا﴾ [مَرْيَمَ: ٩٧] ، وَقَالَ: ﴿لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الْأَنْعَامِ:١٩] ، كَمَا قَالَ: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ [هُودٍ: ١٧] .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أحدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ لَا يُؤْمِنُ بِي إِلَّا دَخَلَ النَّارَ".
وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، فَلْنَذْكُرْهَا:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْر، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّة، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ﴾ ، أَتَى النَّبِيُّ ﷺ الصَّفَا فَصَعِدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ نَادَى: "يَا صَبَاحَاهُ". فَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ بَيْنَ رَجُلٍ يَجِيءُ إِلَيْهِ، وَبَيْنَ رَجُلٍ يَبْعَثُ رَسُولِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي لُؤَيٍّ، أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ، تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، صَدَّقْتُمُونِي؟ ". قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: "فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٌ شَدِيدٍ". فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ، أَمَا دَعَوْتَنَا إِلَّا لِهَذَا؟ وَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ [الْمَسَدِ: ١] .
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، مِنْ طُرُقٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، بِهِ [[صحيح البخاري برقم (٤٨٠١) وصحيح مسلم برقم (٢٠٨) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١١٧١٤) وسنن الترمذي برقم (٣٣٦٣) .]] .
الْحَدِيثُ الثَّانِي:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ﴾ ، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: "يَا فَاطِمَةُ ابْنَةَ مُحَمَّدٍ، يَا صَفِيَّةُ ابْنَةَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، سَلُونِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُمْ". انفرد بإخراجه مسلم [[المسند (٦/١٨٧) وصحيح مسلم برقم (٢٠٥) .]] .
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ:
قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَير، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ﴾ ، دَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ [قُرَيْشًا] [[زيادة من ف، أ، والمسند.]] ، فعمَّ وخصَّ، فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا مَعْشَرَ بَنِي كَعْبٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا مَعْشَرَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا مَعْشَرَ بَنِي هَاشِمٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا مَعْشَرَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. [يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ] [[زيادة من ف، أ، والمسند.]] ، فَإِنِّي -وَاللَّهِ -مَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، إِلَّا أَنَّ لَكُمْ رَحمًا سأبُلها بِبلالها".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، بِهِ [[المسند (٢/٣٦٠) وصحيح مسلم برقم (٢٠٤) وسنن الترمذي برقم (٣١٨٥) .]] . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ مُرْسَلًا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَبَا هُرَيْرَةَ [[سنن النسائي (٦/٢٤٨) .]] . وَالْمَوْصُولُ هُوَ الصَّحِيحُ. وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [[صحيح البخاري برقم (٤٧٧١) وصحيح مسلم برقم (٢٠٦) .]] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ -يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ -عَنْ أَبِي الزنَاد، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللَّهِ. يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ، اشْتَرِيَا أَنْفُسَكُمَا مِنَ اللَّهِ، لَا أُغني عَنْكُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، سَلَانِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُمَا".
تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ [[المسند (٢/٤٤٨) .]] . وَتَفَرَّدَ بِهِ أَيْضًا، عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِنَحْوِهِ [[المسند (٢/٣٩٨) .]] . وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ حَسَنٍ، ثَنَا ابْنُ لَهِيعة، عَنِ [[في ف: "ثنا".]] الْأَعْرَجِ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا [[المسند (٢/٣٥٠) .]] .
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا سُوَيد بْنُ سَعيد، حَدَّثَنَا [[في ف: "عن".]] ضِمَام بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَان، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: "يَا بَنِي قُصَي، يَا بَنِي هَاشم، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ. أَنَا النَّذِيرُ وَالْمَوْتُ الْمُغِيرُ. وَالسَّاعَةُ الْمَوْعِدُ" [[مسند أبي يعلى (١١/١٠) وسويد بن سعيد متكلم فيه.]] .
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ:
قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ قَبِيصة بْنِ مُخَارق وزُهَير بْنِ عَمْرٍو قَالَا لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ﴾ صَعد رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَضْمَةً مِنْ جَبَلٍ عَلَى أَعْلَاهَا حَجَرٌ، فَجَعَلَ يُنَادِي: "يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، إِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ، إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَرَجُلٍ رَأَى الْعَدُوَّ، فَذَهَبَ يَرْبَأُ أَهْلَهُ، يَخْشَى أَنْ يَسْبِقُوهُ، فَجَعَلَ يُنَادِي وَيَهْتِفُ: يَا صَبَاحَاهُ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ طِرْخان التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُل النَّهْديّ، عَنْ قَبِيصة وزُهيَر بْنِ عَمْرو الْهِلَالِيِّ، بِهِ [[المسند (٥/٦٠) وصحيح مسلم برقم (٢٠٧) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١١٣٧٩) .]] .
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا شَرِيك عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ المْنهَال، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ﴾ جَمَعَ النَّبِيَّ ﷺ مَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَاجْتَمَعَ ثَلَاثُونَ، فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا قَالَ: وَقَالَ لَهُمْ: "مَنْ يَضْمَنُ عَني دَيْنِي وَمَوَاعِيدِي، وَيَكُونُ مَعِي فِي الْجَنَّةِ، وَيَكُونُ خَلِيفَتِي فِي أَهْلِي؟ ". فَقَالَ رَجُلٌ -لَمْ يُسَمِّهِ شَرِيكٌ -يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْتَ كُنْتَ بَحْرًا [[في أ: "تجري".]] مَنْ يَقُومُ بِهَذَا؟ قَالَ: ثُمَّ قَالَ الْآخَرُ، قَالَ: فَعَرَضَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، فَقَالَ عَليٌ: أَنَا [[المسند (١/١١١) وقال الهيثمي في المجمع (٨/٣٠٢) "رجال أحمد رجال الصحيح، غير شريك وهو ثقة".]] .
طَرِيقٌ أُخْرَى بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي صَادِقٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ نَاجِذٍ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ -أَوْ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ -بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهُمْ رَهْطٌ، كُلُّهُمْ يَأْكُلُ الْجَذَعَةَ وَيَشْرَبُ الفّرَق -قَالَ: وَصَنَعَ [[في ف، أ: "فصنع".]] لَهُمْ مُدًّا مِنْ طَعَامٍ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا -قَالَ: وَبَقِيَ الطَّعَامُ كَمَا هُوَ كَأَنَّهُ لَمْ يُمَسَّ. ثُمَّ دَعَا بغُمَرٍ [[في ف، أ: "بعس".]] فَشَرِبُوا حَتَّى رَوُوا، وَبَقِيَ الشَّرَابُ كَأَنَّهُ لَمْ يُمَسَّ -أولم يُشْرَبْ -وَقَالَ: "يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنِّي بُعِثْتُ إِلَيْكُمْ خَاصَّةً وَإِلَى النَّاسِ عَامَّةً، وَقَدْ رَأَيْتُمْ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ مَا رَأَيْتُمْ، فَأَيُّكُمْ يُبَايِعُنِي عَلَى أَنْ يَكُونَ أَخِي وَصَاحِبِي؟ ". قَالَ: فَلَمْ يَقُمْ إِلَيْهِ أَحَدٌ. قَالَ: فقمتُ إِلَيْهِ -وَكُنْتُ أَصْغَرَ الْقَوْمِ -قَالَ: فَقَالَ: "اجْلِسْ". ثُمَّ قَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ أَقْوَمُ إِلَيْهِ فَيَقُولُ لِيَ: "اجْلِسْ". حَتَّى كَانَ فِي الثَّالِثَةِ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى يَدِي [[المسند (١/١٥٩) وقال الهيثمي في المجمع (٨/٣٠٢) "رجاله ثقات".]] .
طَرِيقٌ أُخْرَى أَغْرَبُ وَأَبْسَطُ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ بِزِيَادَاتٍ أُخَرَ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ": أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُس بْنُ بُكَيْر، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: فَحَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ -وَاسْتَكْتَمَنِي اسْمَهُ -عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "عَرَفْتُ أَنِّي إِنْ بادأتُ بِهَا قومِي، رَأَيْتُ مِنْهُمْ ما أكره، فَصَمَتُّ. فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ لَمْ تَفْعَلْ مَا أَمَرَكَ بِهِ رَبُّكَ عَذَّبَكَ رَبُّكَ". قَالَ عَلِيٌّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَدَعَانِي فَقَالَ: "يَا عَلِيُّ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَنِي [أَنْ] [[زيادة من ف، أ، ودلائل النبوة.]] أُنْذِرَ عَشِيرَتِي الْأَقْرَبِينَ، فَعَرَفْتُ أَنِّي إِنْ بَادَأْتُهُمْ بِذَلِكَ رَأَيْتُ مِنْهُمْ مَا أَكْرَهُ، فَصَمت عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنْ لَمْ تَفْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ عَذَّبَكَ رَبُّكَ. فَاصْنَعْ لَنَا يَا عَلِيُّ شَاةً عَلَى صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ، وَأَعِدَّ لَنَا عُسَّ لَبَنٍ، ثُمَّ اجْمَعْ لِيَ [[في ف: "لنا".]] بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ". ففعلتُ فَاجْتَمَعُوا لَهُ، وَهُمْ يَوْمئِذٍ أَرْبَعُونَ رَجُلًا يَزِيدُونَ رَجُلًا أَوْ يَنْقُصُونَ رَجُلًا. فِيهِمْ أَعْمَامُهُ: أَبُو طَالِبٍ، وَحَمْزَةُ، وَالْعَبَّاسُ، وَأَبُو لَهَبٍ الْكَافِرُ الْخَبِيثُ. فَقَدَّمْتُ إِلَيْهِمْ تِلْكَ الجَفْنَةَ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْهَا حِذْيَة فَشَقَّهَا بِأَسْنَانِهِ ثُمَّ رَمَى بِهَا فِي نَوَاحِيهَا، وَقَالَ: "كُلُوا بِسْمِ اللَّهِ". فَأَكَلَ القومُ حَتَّى نَهلوا عَنْهُ مَا يُرَى إِلَّا آثَارُ أَصَابِعِهِمْ، وَاللَّهِ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لَيَأْكُلُ مِثْلَهَا. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "اسْقِهِمْ يَا عَلِيُّ". فَجِئْتُ بِذَلِكَ القَعب فَشَرِبُوا مِنْهُ حَتَّى نَهِلُوا جَمِيعًا، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لَيَشْرَبُ مِثْلَهُ. فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ، بَدَره أَبُو لَهَبٍ إِلَى الْكَلَامِ فَقَالَ: لَهَدّ مَا سَحَّرَكُمْ صَاحِبُكُمْ. فَتَفَرَّقُوا وَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. فَلَمَّا كَانَ الغدُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يَا عَلِيُّ، عُدْ لَنَا بِمِثْلِ الَّذِي كُنْتَ صَنَعْتَ بِالْأَمْسِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ؛ فَإِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ بَدَرني إِلَى مَا سمعتَ قَبْلَ أَنْ أُكَلِّمَ الْقَوْمَ". فَفَعَلْتُ، ثُمَّ جَمَعْتُهُمْ لَهُ، فَصَنَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَمَا صَنَعَ بِالْأَمْسِ، فَأَكَلُوا حَتَّى نَهِلُوا عَنْهُ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لَيَأْكُلُ مِثْلَهَا. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "اسْقِهِمْ يَا عَلِيُّ". فَجِئْتُ بِذَلِكَ القَعب فَشَرِبُوا مِنْهُ حَتَّى نَهِلُوا جَمِيعًا. وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لَيَشْرَبُ مِثْلَهُ. فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إن يُكَلِّمَهُمْ بَدَره أَبُو لَهَبٍ بِالْكَلَامِ فَقَالَ: لَهَدَّ مَا سَحَّرَكُمْ صَاحِبُكُمْ. فَتَفَرَّقُوا وَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يَا عَلِيُّ، عُدْ لَنَا بِمِثْلِ الَّذِي كُنْتَ صنعتَ لَنَا بِالْأَمْسِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ؛ فَإِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ بَدَرني إِلَى مَا سمعتَ قَبْلَ أَنْ أُكَلِّمَ الْقَوْمَ". فَفَعَلْتُ، ثُمَّ جَمَعْتُهُمْ لَهُ فَصَنَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ [كَمَا صَنَعَ] [[زيادة من ف، أ، ودلائل النبوة.]] بِالْأَمْسِ، فَأَكَلُوا حَتَّى نَهِلُوا عَنْهُ، ثُمَّ سَقَيْتُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْقَعْبِ حَتَّى نَهِلُوا عَنْهُ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لَيَأْكُلُ مِثْلَهَا وَيَشْرَبُ مِثْلَهَا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنِّي -وَاللَّهِ -مَا أَعْلَمُ شَابًّا مِنَ الْعَرَبِ جَاءَ قَوْمَهُ بِأَفْضَلَ مِمَّا جِئْتُكُمْ بِهِ، إِنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِأَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ".
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ إِنَّمَا [[في ف: "لما".]] سَمِعَهُ مِنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ الْقَاسِمِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ [[دلائل النبوة (٢/١٧٨) .]] .
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ، عَنِ ابْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: "إِنِّي جِئْتُكُمْ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ". "وَقَدْ أَمَرَنِي اللَّهُ أَنْ أَدْعُوَكُمْ إِلَيْهِ، فَأَيُّكُمْ يُؤَازِرُنِي [[في ف: "وازرني".]] عَلَى هَذَا الْأَمْرِ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَخِي، وَكَذَا وكذا"؟ قال: فأحجم الْقَوْمُ عَنْهَا جَمِيعًا، وَقُلْتُ -وَإِنِّي لَأَحْدَثُهُمْ سِنًّا، وأرمصُهم عَيْنًا، وَأَعْظَمُهُمْ بَطْنًا، وَأَحْمَشُهُمْ سَاقًا. أَنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَكُونُ وَزِيرَكَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَ يَرْقُبُني ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ هَذَا أَخِي، وَكَذَا وَكَذَا، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا". قَالَ: فَقَامَ الْقَوْمُ يَضْحَكُونَ وَيَقُولُونَ لِأَبِي طَالِبٍ: قَدْ أَمَرَكَ أَنْ تَسْمَعَ لِابْنِكَ وَتُطِيعَ [[تفسير الطبري (١٩/٤٠) .]] .
تَفَرَّدَ بِهَذَا السِّيَاقِ عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ الْقَاسِمِ أَبِي مَرْيَمَ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ كَذَّابٌ شِيعِيٌّ، اتَّهَمَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرُهُ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ، وَضَعَّفَهُ الْأَئِمَّةُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى بْنِ مَيْسَرة الْحَارِثِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ﴾ ، قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "اصْنَعْ لِي رِجْلَ شَاةٍ بِصَاعٍ مِنْ طَعَامٍ وَإِنَاءً لَبَنًا". قَالَ: فَفَعَلْتُ، ثُمَّ قَالَ: "ادْعُ بَنِي هَاشِمٍ". قَالَ: فَدَعَوْتُهُمْ وَإِنَّهُمْ يَوْمئِذٍ لَأَرْبَعُونَ غَيْرَ رَجُلٍ -أَوْ: أَرْبَعُونَ وَرَجُلٌ -قَالَ: وَفِيهِمْ عَشَرَةٌ كُلُّهُمْ يَأْكُلُ الجذَعَة بِإِدَامِهَا. قَالَ: فَلَمَّا أَتَوْا بِالْقَصْعَةِ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ ذرْوَتها ثُمَّ قَالَ: "كُلُوا"، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، وَهِيَ على هيئتها [[في ف: "وهي كهيئتها".]] لم يرزؤوا مِنْهَا إِلَّا يَسِيرًا، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُهُمْ بِالْإِنَاءِ فَشَرِبُوا حَتَّى رَوُوا. قَالَ: وفَضَل فَضْلٌ، فَلَمَّا فَرَغُوا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَتَكَلَّمَ، فبدرُوه الْكَلَامَ، فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا كَالْيَوْمِ فِي السَّحْرِ. فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ قَالَ: "اصْنَعْ [لِي] [[زيادة من ف.]] رِجْلَ شَاةٍ بِصَاعٍ مِنْ طَعَامٍ". فَصَنَعْتُ، قَالَ: فَدَعَاهُمْ، فَلَمَّا أَكَلُوا وَشَرِبُوا، قَالَ: فَبَدَرُوهُ فَقَالُوا مِثْلَ مَقَالَتِهِمُ الْأُولَى، فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ قَالَ لِيَ: "اصْنَعْ [لِي] [[زيادة من ف.]] رِجْلَ شَاةٍ بِصَاعٍ مِنْ طَعَامٍ. فَصَنَعْتُ، قَالَ: فَجَمَعْتُهُمْ، فَلَمَّا أَكَلُوا وَشَرِبُوا بَدَرهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْكَلَامَ فَقَالَ: "أَيُّكُمْ يَقْضِي عَنِّي دَيني [[في ف: "ديني عني".]] وَيَكُونُ خَلِيفَتِي فِي أَهْلِي؟ ". قَالَ: فَسَكَتُوا وَسَكَتَ الْعَبَّاسُ خَشْيَةَ أَنْ يُحِيطَ ذَلِكَ بِمَالِهِ، قَالَ: وسكتُّ أَنَا لسِنّ الْعَبَّاسِ. ثُمَّ قَالَهَا مَرَّةً أُخْرَى فَسَكَتَ الْعَبَّاسُ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. [فَقَالَ: "أَنْتَ"] [[زيادة من ف.]] قَالَ: وَإِنِّي يَوْمَئِذٍ لَأَسْوَأُهُمْ هَيْئَةً، وَإِنِّي لَأَعْمَشُ الْعَيْنَيْنِ، ضَخْمُ الْبَطْنِ، حَمْش السَّاقَيْنِ.
فَهَذِهِ طُرُقٌ مُتَعَدِّدَةٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَمَعْنَى سُؤَالِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ [[في ف: "صلى الله عليه وسلم".]] لِأَعْمَامِهِ وَأَوْلَادِهِمْ أَنْ يَقْضُوا عَنْهُ دَيْنَهُ، وَيَخْلُفُوهُ فِي أَهْلِهِ، يَعْنِي إِنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كَأَنَّهُ خَشِيَ إِذَا قَامَ بِأَعْبَاءِ الْإِنْذَارِ أَنْ يُقْتَلَ، وَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [الْمَائِدَةِ:٦٧] ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أمِن.
وَكَانَ أَوَّلًا يُحْرَسُ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ . وَلَمْ يَكُنْ فِي بَنِي هَاشِمٍ إِذْ ذَاكَ أَشَدُّ إِيمَانًا وَإِيقَانًا وَتَصْدِيقًا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ وَلِهَذَا [[في ف: "فلهذا".]] بَدَرَهُمْ إِلَى الْتِزَامِ مَا طَلَبَ مِنْهُمْ رسولُ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ كَانَ بَعْدَ هَذَا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ -دُعَاؤُهُ النَّاسَ جَهرًة عَلَى الصَّفَا، وَإِنْذَارُهُ لِبُطُونِ قُرَيْشٍ عُمُومًا وَخُصُوصًا، حَتَّى سَمّى مَنْ سَمَّى مِنْ أَعْمَامِهِ وَعَمَّاتِهِ وَبَنَاتِهِ، لِيُنَبِّهَ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى، أَيْ: إِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الدِّمَشْقِيِّ -غَيْرِ مَنْسُوبٍ -مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ الدِّمَشْقِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يُحَدِّثُ النَّاسَ وَيُفْتِيهِمْ، وَوَلَدُهُ إِلَى جَنْبِهِ، وَأَهْلُ بَيْتِهِ جُلُوسٌ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ يَتَحَدَّثُونَ، فَقِيلَ لَهُ: مَا بَالُ النَّاسِ يَرْغَبُونَ فِيمَا عِنْدَكَ مِنَ الْعِلْمِ، وَأَهْلُ بَيْتِكَ جُلُوسٌ لَاهِينَ؟ فَقَالَ: لِأَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "أَزْهَدُ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا الْأَنْبِيَاءُ، وَأَشَدُّهُمْ عَلَيْهِمُ الْأَقْرَبُونَ". وَذَلِكَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ﴾ ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ أَزْهَدَ النَّاسِ فِي الْعَالِمِ أَهْلُهُ حَتَّى يُفَارِقَهُمْ". وَلِهَذَا قَالَ [اللَّهُ تَعَالَى] : [[زيادة من أ.]] ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ. وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [[تاريخ دمشق (١٠/٥٨٧ المخطوط) .]] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾ أَيْ: فِي جَمِيعِ أُمُورِكَ؛ فَإِنَّهُ مُؤَيِّدُكَ وَنَاصِرُكَ وَحَافِظُكَ وَمُظَفِّرُكَ ومُعْلٍ كَلِمَتَكَ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ﴾ أَيْ: هُوَ مُعْتَنٍ بِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَاصْبِرْ [[في جميع النسخ: "فاصبر". والصواب ما أثبتناه.]] لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ [الطُّورِ:٤٨] .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ﴾ يَعْنِي: إِلَى الصَّلَاةِ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يَرَى قِيَامَهُ وَرُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ﴾ : إِذَا صَلَّيْتَ وَحْدَكَ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ.﴾ أَيْ: مِنْ فِرَاشِكَ أَوْ مَجْلِسِكَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿الَّذِي يَرَاكَ﴾ : قَائِمًا وَجَالِسًا وَعَلَى حَالَاتِكَ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ : قَالَ قَتَادَةُ: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ. وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ قَالَ: فِي الصَّلَاةِ، يَرَاكَ وَحْدَكَ وَيَرَاكَ فِي الجَمْع. وَهَذَا قَوْلُ عِكْرِمَةَ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَرَى مَنْ خَلْفَهُ كَمَا يَرَى مَنْ أَمَامَهُ؛ وَيَشْهَدُ لِهَذَا مَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ: "سَوّوا صُفُوفَكُمْ؛ فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي" [[رواه البخاري في صحيحه برقم (٧٢٣) .]] .
وَرَوَى الْبَزَّارُ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ طَرِيقَيْنِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: يَعْنِي تَقَلُّبَهُ مِنْ صُلْبِ نَبِيٍّ إِلَى صُلْبِ نَبِيٍّ، حَتَّى أَخْرَجَهُ نَبِيًّا.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ أَيِ: السَّمِيعُ لِأَقْوَالِ عِبَادِهِ، الْعَلِيمُ بِحَرَكَاتِهِمْ وَسَكَنَاتِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ الآية. [يونس:٦١] .
{"ayahs_start":213,"ayahs":["فَلَا تَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءَاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُعَذَّبِینَ","وَأَنذِرۡ عَشِیرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِینَ","وَٱخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ","فَإِنۡ عَصَوۡكَ فَقُلۡ إِنِّی بَرِیۤءࣱ مِّمَّا تَعۡمَلُونَ","وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡعَزِیزِ ٱلرَّحِیمِ","ٱلَّذِی یَرَىٰكَ حِینَ تَقُومُ","وَتَقَلُّبَكَ فِی ٱلسَّـٰجِدِینَ","إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ"],"ayah":"ٱلَّذِی یَرَىٰكَ حِینَ تَقُومُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق