لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مِنْ أَوْصَافِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مَا ذَكَرَ مِنْ [هَذِهِ] [[زيادة من ف، أ.]] الصِّفَاتِ الْجَمِيلَةِ، وَالْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ [[في ف، أ: "الأقوال والأفعال".]] الْجَلِيلَةِ [[في أ: "الجميلة".]] -قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ: ﴿أُوْلَئِك﴾ أَيْ: الْمُتَّصِفُونَ بِهَذِهِ ﴿يُجْزَوْن﴾ أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿الْغُرْفَةَ﴾ وَهِيَ الْجَنَّةُ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالضَّحَّاكُ، والسُّدِّيّ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِارْتِفَاعِهَا.
﴿بِمَا صَبَرُوا﴾ أَيْ: عَلَى الْقِيَامِ بِذَلِكَ ﴿وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا﴾ أَيْ: فِي الْجَنَّةِ ﴿تَحِيَّةً وَسَلامًا﴾ أَيْ: يُبْتَدرُون [[في أ: "يبتدون".]] فِيهَا بِالتَّحِيَّةِ وَالْإِكْرَامِ، وَيَلْقَوْنَ [فِيهَا] [[زيادة من ف، أ.]] التَّوْقِيرَ وَالِاحْتِرَامَ، فَلَهُمُ السَّلَامُ وَعَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بما صبرتم، فنعم عقبى الدَّارِ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أَيْ: مُقِيمِينَ، لَا يَظْعَنُونَ وَلَا يَحُولون وَلَا يَمُوتُونَ، وَلَا يَزُولُونَ عَنْهَا وَلَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هُودٍ: ١٠٨] .
* * *
وَقَوْلُهُ ﴿حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ أَيْ: حسنت منظرا وطابت مَقيلا ومنزلا.
ثُمَّ قَالَ [[في أ: "وقال".]] تَعَالَى: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي﴾ أَيْ: لَا يُبَالِي وَلَا يَكْتَرِثُ بِكُمْ إِذَا لَمْ تَعْبُدُوهُ؛ فَإِنَّهُ إِنَّمَا خَلَقَ الْخَلْقَ لِيَعْبُدُوهُ وَيُوَحِّدُوهُ وَيُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ: ﴿مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي﴾ يَقُولُ: مَا يَفْعَلُ بِكُمْ رَبِّي.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ﴾ يَقُولُ: لَوْلَا إِيمَانُكُمْ، وَأَخْبَرَ اللَّهُ الْكَفَّارَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ بِهِمْ إِذْ لَمْ يَخْلُقْهُمْ مُؤْمِنِينَ، وَلَوْ كَانَ لَهُ بِهِمْ حَاجَةٌ لَحَبَّبَ إِلَيْهِمُ الْإِيمَانَ كَمَا حَبَّبَهُ [[في ف: "حبب".]] إِلَى الْمُؤْمِنِينَ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿فَقَدْ كَذَّبْتُمْ﴾ أَيْ: أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴿فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا﴾ أَيْ: فَسَوْفَ يَكُونُ تَكْذِيبُكُمْ [[في أ: "تكذيبهم".]] لِزَامًا لَكُمْ، يَعْنِي: مُقْتَضِيًا لِهَلَاكِكُمْ وَعَذَابِكُمْ وَدَمَارِكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ يَوْمُ بَدْرٍ، كَمَا فَسَّرَهُ بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَمُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَغَيْرُهُمْ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: ﴿فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا﴾ يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ولا منافاة بينهما. والله أعلم.
{"ayahs_start":75,"ayahs":["أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یُجۡزَوۡنَ ٱلۡغُرۡفَةَ بِمَا صَبَرُوا۟ وَیُلَقَّوۡنَ فِیهَا تَحِیَّةࣰ وَسَلَـٰمًا","خَـٰلِدِینَ فِیهَاۚ حَسُنَتۡ مُسۡتَقَرࣰّا وَمُقَامࣰا","قُلۡ مَا یَعۡبَؤُا۟ بِكُمۡ رَبِّی لَوۡلَا دُعَاۤؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ یَكُونُ لِزَامَۢا"],"ayah":"قُلۡ مَا یَعۡبَؤُا۟ بِكُمۡ رَبِّی لَوۡلَا دُعَاۤؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ یَكُونُ لِزَامَۢا"}