الباحث القرآني

تَفْسِيرُ سُورَةِ الْفُرْقَانِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * * * يَقُولُ تَعَالَى حَامِدًا نَفْسَهُ الْكَرِيمَةَ عَلَى مَا نَزَّلَهُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا * قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ [أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا] [[زيادة من ف، أ.]] ﴾ [الْكَهْفِ: ١ -٣] وَقَالَ هَاهُنَا: ﴿تَبَارَكَ﴾ وَهُوَ تفاعَلَ مِنَ الْبَرَكَةِ الْمُسْتَقِرَّةِ الدَّائِمَةِ الثَّابِتَةِ ﴿الَّذِي نزلَ الْفُرْقَانَ﴾ نَزَّلَ: فَعَّل، مِنَ التَّكَرُّرِ، وَالتَّكَثُّرِ، كَمَا قَالَ: ﴿وَالْكِتَابِ الَّذِي نزلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزلَ مِنْ قَبْلُ﴾ [النِّسَاءِ: ١٣٦] ؛ لِأَنَّ الْكُتُبَ الْمُتَقَدِّمَةَ كَانَتْ تَنْزِلُ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَالْقُرْآنُ نَزَلَ [[في أ: "ينزل".]] مُنَجَّماً مُفَرَّقاً مُفَصَّلا آيَاتٍ بَعْدَ آيَاتٍ، وَأَحْكَامًا بَعْدَ أَحْكَامٍ، وَسُورًا بَعْدَ سُوَر، وَهَذَا أَشَدُّ وَأَبْلَغُ، وَأَشَدُّ اعْتِنَاءً بِمَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ فِي أَثْنَاءِ هَذِهِ السُّورَةِ: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نزلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا. وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ [الْفَرْقَانِ: ٣٢،٣٣] . وَلِهَذَا سَمَّاهُ هَاهُنَا الْفُرْقَانَ؛ لِأَنَّهُ يَفْرِقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ، وَالْغَيِّ وَالرَّشَادِ، وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿عَلَى عَبْدِهِ﴾ : هَذِهِ صِفَةُ مَدْحٍ وَثَنَاءٍ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إِلَى عُبُودِيَّتِهِ، كَمَا وَصَفَهُ بِهَا فِي أَشْرَفِ أَحْوَالِهِ، وَهِيَ لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ، فَقَالَ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ١] ، وَكَمَا وَصَفَهُ بِذَلِكَ فِي مَقَامِ الدَّعْوَةِ إِلَيْهِ: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ [الْجِنِّ: ١٩] ، وَكَذَلِكَ وَصَفَهُ عِنْدَ إِنْزَالِ الْكِتَابِ عَلَيْهِ وَنُزُولِ الْمَلَكِ إِلَيْهِ، فَقَالَ ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نزلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ أَيْ: إِنَّمَا خصَّه بِهَذَا الْكِتَابِ الْعَظِيمِ الْمُبِينِ الْمُفَصَّلِ الْمُحْكَمِ الَّذِي: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٢] ، الَّذِي جَعَلَهُ فُرْقَانًا عَظِيمًا -إِنَّمَا خَصَّهُ بِهِ لِيَخُصَّهُ بِالرِّسَالَةِ إِلَى مَنْ يَسْتَظِلُّ بِالْخَضْرَاءِ، وَيَسْتَقِلُّ عَلَى الْغَبْرَاءِ، كَمَا قَالَ -صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ -"بُعِثْتُ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ" [[رواه مسلم في صحيحه برقم (٥٢١) هو والذي يليه من حديث جابر، رضي الله عنه.]] . وَقَالَ: "أُعْطِيتُ خمسًا لم يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي"، فَذَكَرَ مِنْهُنَّ: أَنَّهُ "كَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً"، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ [لَا إِلَهَ إِلا هُوَ] [[زيادة من أوهو الصواب.]] يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ [الأعراف: ١٥٨] أي: الذي أرسلني هو مالك السموات وَالْأَرْضِ، الَّذِي يَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ، وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: ﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ﴾ ، فَنزه نَفْسَهُ عَنِ الْوَلَدِ، وَعَنِ الشَّرِيكِ. ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ أَيْ: كُلُّ شَيْءٍ مِمَّا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ مَرْبُوبٌ، وَهُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ وَإِلَهُهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ تَحْتَ قَهْرِهِ [وتسخيره] [[زيادة من ف، أ.]] ، وتدبيره وتقديره [[في ف، أ: "قهره وتقديره وتسخيره وتدبيره".]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب