الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ عَدْلِهِ فِي شَرْعِهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الدُّنْيَا: أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، أَيْ: إِلَّا مَا تُطِيقُ حَمْلَهُ وَالْقِيَامَ بِهِ، وَأَنَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُحَاسِبُهُمْ بِأَعْمَالِهِمُ الَّتِي كَتَبَهَا عَلَيْهِمْ فِي كِتَابٍ مَسْطُورٍ لَا يَضِيعُ مِنْهُ شَيْءٌ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ﴾ يَعْنِي: كِتَابَ الْأَعْمَالِ، ﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ أَيْ: لَا يُبْخَسُونَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا، وَأَمَّا السَّيِّئَاتُ فَيَعْفُو وَيَصْفَحُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْهَا لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ. ثُمَّ قَالَ مُنْكِرًا عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ: ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ﴾ أَيْ: غَفْلَةٍ وَضَلَالَةٍ ﴿مِنْ هَذَا﴾ أَيِ: الْقُرْآنُ الَّذِي أَنْزَلَهُ [اللَّهِ تَعَالَى] [[زيادة من أ.]] عَلَى رَسُولِهِ ﷺ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾ : قَالَ الْحَكَمُ [[في أ: "الحكيم".]] بْنُ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ﴾ أَيْ: سَيِّئَةٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ، يَعْنِي: الشِّرْكَ، ﴿هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾ قَالَ: لَا بُدَّ أَنْ يَعْمَلُوهَا. كَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾ أَيْ: قَدْ كُتِبَ عَلَيْهِمْ أَعْمَالٌ سَيِّئَةٌ لَا بُدَّ أَنْ يَعْمَلُوهَا قَبْلَ مَوْتِهِمْ لَا مَحَالَةَ، لِتَحِقَّ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ. ورُوِي نَحو هَذَا عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حيَّان والسُّدِّيّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ. وَهُوَ ظَاهِرٌ قَوِيٌّ حَسَنٌ. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُهَا". * * * وَقَوْلُهُ: ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ﴾ يَعْنِي: حَتَّى إِذَا جَاءَ مُتْرَفِيهِمْ -وَهُمُ السُّعَدَاءُ الْمُنَعَّمُونَ فِي الدُّنْيَا-عذابُ اللَّهِ وَبَأْسَهُ وَنِقْمَتَهُ بهم ﴿إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ﴾ أَيْ: يَصْرُخُونَ وَيَسْتَغِيثُونَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلا. إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالا وَجَحِيمًا. وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا﴾ [الْمُزَّمِّلِ: ١١-١٣] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ [ص: ٣] . وقوله: ﴿لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ﴾ أَيْ: لَا نُجِيرُكُمْ [[في أ: "يجيركم".]] مِمَّا حَلَّ بِكُمْ، سَوَاءٌ جَأَرْتُمْ أَوْ سكتُّم، لَا مَحِيدَ وَلَا مَنَاصَ وَلَا وَزَرَ لَزِمَ الْأَمْرُ وَوَجَبَ الْعَذَابُ. ثُمَّ ذَكَرَ أَكْبَرَ ذُنُوبِهِمْ فَقَالَ: ﴿قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ﴾ أَيْ: إِذَا دُعِيتُمْ أَبَيْتُمْ، وَإِنْ [[في ف، أ: "وإذا".]] طُلبتم امْتَنَعْتُمْ؛ ﴿ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ﴾ [غَافِرٍ: ١٢] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ﴾ : فِي تَفْسِيرِهِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ مُسْتَكْبِرِينَ حَالٌ مِنْهُمْ حِينَ نُكُوصِهِمْ عَنِ الْحَقِّ وَإِبَائِهِمْ إِيَّاهُ، اسْتِكْبَارًا عَلَيْهِ وَاحْتِقَارًا لَهُ وَلِأَهْلِهِ، فَعَلَى هَذَا الضَّمِيرُ فِي ﴿بِهِ﴾ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهُمَا [[في أ: "أحدها".]] : أَنَّهُ الْحَرَمُ بِمَكَّةَ، ذُمُّوا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْمُرُونَ بالهُجْر [[في أ: "الهجر".]] مِنَ الْكَلَامِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ [[في أ: "هو".]] ضَمِيرُ الْقُرْآنِ، كَانُوا يَسْمُرُونَ وَيَذْكُرُونَ الْقُرْآنَ بِالْهَجْرِ مِنَ الْكَلَامِ: "إِنَّهُ سِحْرٌ، إِنَّهُ شِعْرٌ، إِنَّهُ كَهَانَةٌ" إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأقوال الباطلة. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ مُحَمَّدٌ ﷺ، كَانُوا يَذْكُرُونَهُ فِي سَمَرِهِمْ بِالْأَقْوَالِ الْفَاسِدَةِ، وَيَضْرِبُونَ لَهُ الْأَمْثَالَ الْبَاطِلَةَ، مِنْ أَنَّهُ شَاعِرٌ، أَوْ كَاهِنٌ، أَوْ سَاحِرٌ، أَوْ كَذَّابٌ، أَوْ مَجْنُونٌ. وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، بَلْ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، الَّذِي أَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَأَخْرَجَهُمْ مِنَ [[في أ: "إلى".]] الْحَرَمِ صَاغِرِينَ أَذِلَّاءَ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلُهُ: ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ﴾ أَيْ: بِالْبَيْتِ، يَفْتَخِرُونَ بِهِ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ [[في أ: "وتعتقدون أنكم".]] أَوْلِيَاؤُهُ، وَلَيْسُوا [[في ف: "وليسم" وفي أ: "ولستم".]] بِهِمْ، كَمَا قَالَ النَّسَائِيُّ فِي التَّفْسِيرِ [[في ف، أ: "تفسيره".]] مِنْ سُنَنِهِ: أَخْبَرْنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا كُرِهَ السَّمَرُ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ﴾ ، فَقَالَ: مُسْتَكْبِرِينَ بِالْبَيْتِ، يَقُولُونَ: نَحْنُ أَهْلُهُ، ﴿سَامِرًا﴾ قَالَ: يَتَكَبَّرُونَ [وَيَسْمُرُونَ فِيهِ، وَلَا] [[زيادة من ف.]] يُعَمِّرُونَهُ، وَيَهْجُرُونَهُ [[سنن النسائي الكبرى برقم (١١٣٥١) .]] . وَقَدْ أَطْنَبَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَاهُنَا بِمَاذَا [[في أ: "هذا".]] حَاصِلُهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب