الباحث القرآني

لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى حَالَ الضُّلَّالِ الْجُهَّالِ الْمُقَلِّدِينَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ﴾ ، ذَكَرَ فِي هَذِهِ حَالَ الدُّعَاةِ إِلَى الضَّلَالِ مِنْ رُءُوسِ الْكُفْرِ وَالْبِدَعِ، فَقَالَ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ﴾ أَيْ: بِلَا عَقْلٍ صَحِيحٍ، وَلَا نَقْلٍ صَحِيحٍ صَرِيحٍ، بَلْ بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ وَالْهَوَى. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: مُسْتَكْبِرًا عَنِ الْحَقِّ إِذَا دُعِيَ إِلَيْهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَمَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ﴾ أَيْ: لَاوِيَ عُنُقِهِ، وَهِيَ رَقَبَتُهُ، يَعْنِي: يُعْرِضُ عَمَّا يُدْعَى إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ رقَبَته اسْتِكْبَارًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ. فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ [الذَّارِيَاتِ: ٣٨، ٣٩] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا﴾ [النِّسَاءِ: ٦١] ، وَقَالَ: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾ [الْمُنَافِقُونَ: ٥] : وَقَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: ﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ [لُقْمَانَ: ١٨] أَيْ: تُمِيلُهُ عَنْهُمُ اسْتِكْبَارًا عَلَيْهِمْ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [لُقْمَانَ: ٧] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ : قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذِهِ لَامُ الْعَاقِبَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُقْصَدُ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لَامَ التَّعْلِيلِ. ثُمَّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا الْمُعَانِدِينَ [[في ت، ف: "المعاندون".]] ، أَوْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا أَنَّ هَذَا الْفَاعِلَ لِهَذَا إِنَّمَا جَبَلْنَاهُ عَلَى هَذَا الْخُلُقِ الَّذِي يَجْعَلُهُ مِمَّنْ يُضِلُّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ﴾ وَهُوَ الْإِهَانَةُ وَالذُّلُّ، كَمَا أَنَّهُ لَمَّا اسْتَكْبَرَ عَنِ آيَاتِ اللَّهِ لَقَّاه اللَّهُ الْمَذَلَّةَ فِي الدُّنْيَا، وَعَاقَبَهُ فِيهَا قَبْلَ الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّهَا أَكْبَرُ هَمّه وَمَبْلَغُ عِلْمِهِ، ﴿وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ. ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ﴾ أَيْ: يُقَالُ لَهُ هَذَا تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا، ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِِ﴾ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ. ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ. ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ. إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ﴾ [الدُّخَانِ: ٤٧ -٥٠] . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنِ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا هِشَامٌ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَحَدَهُمْ يُحرق فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَرَّةٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب