الباحث القرآني

يُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّنْ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ، وَطَلَبًا لِمَا عِنْدَهُ، وَتَرَكَ الْأَوْطَانَ وَالْأَهْلِينَ والخِلان، وَفَارَقَ بِلَادَهُ فِي اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَنُصْرَةً لِدِينِ اللَّهِ ﴿ثُمَّ قُتِلُوا﴾ أَيْ: فِي الْجِهَادِ ﴿أَوْ مَاتُوا﴾ أَيْ: حَتْفُ أَنْفِهِمْ [[في أ: "أنفسهم".]] ، أَيْ: مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ عَلَى فُرُشِهِمْ، فَقَدْ حَصَلُوا عَلَى الْأَجْرِ الْجَزِيلِ، وَالثَّنَاءِ الْجَمِيلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [النِّسَاءِ: ١٠٠] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا﴾ أَيْ: ليُجْريَن عَلَيْهِمْ [[في أ: "ليجزيهم عليه".]] مِنْ فَضْلِهِ وَرِزْقِهِ مِنَ الْجَنَّةِ مَا تَقَرُّ بِهِ أَعْيُنُهُمْ، ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ. لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلا يَرْضَوْنَهُ﴾ أَيِ: الْجَنَّةَ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ. فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ﴾ [الْوَاقِعَةِ: ٨٨، ٨٩] فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ الرَّاحَةُ وَالرِّزْقُ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ، كَمَا قَالَ هَاهُنَا: ﴿لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا﴾ ، ثُمَّ قَالَ: ﴿لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ﴾ أَيْ: بِمَنْ يُهَاجِرُ وَيُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ، وَبِمَنْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ، ﴿حَلِيمٌ﴾ أَيْ: يَحْلُمُ وَيَصْفَحُ وَيَغْفِرُ لَهُمُ الذُّنُوبَ وَيُكَفِّرُهَا عَنْهُمْ بِهِجْرَتِهِمْ إِلَيْهِ، وَتَوَكُّلِهِمْ عَلَيْهِ. فَأَمَّا مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ مُهَاجِرٍ أَوْ غَيْرِ مُهَاجِرٍ، فَإِنَّهُ حَيٌّ عِنْدَ رَبِّهِ يُرْزَقُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١٦٩] ، وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ، كَمَا تَقَدَّمَ [[في أ: "مر".]] وَأَمَّا من تُوُفي فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ مُهَاجِرٍ أَوْ غَيْرِ مُهَاجِرٍ، فَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مَعَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ إِجْرَاءَ الرِّزْقِ عَلَيْهِ، وَعَظِيمِ إِحْسَانِ اللَّهِ إِلَيْهِ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا المسيَّب بْنُ وَاضِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُرَيْح، عَنِ ابْنِ [[في أ: "أبي".]] الْحَارِثِ -يَعْنِي: عَبْدَ الْكَرِيمِ-عَنِ ابْنِ عُقْبَةَ -يَعْنِي: أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ عُقْبَةَ-قَالَ: حَدَّثَنَا [[في أ: "قال".]] شُرَحْبِيل بْنُ السِّمْط: طَالَ رِبَاطُنَا وَإِقَامَتُنَا عَلَى حِصْنٍ بِأَرْضِ الرُّومِ، فَمَرَّ بِي سَلْمَانُ-يَعْنِي: الْفَارِسِيَّ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: "مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا، أَجْرَى اللَّهُ عَلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ الْأَجْرِ، وَأَجْرَى عَلَيْهِ الرِّزْقَ، وَأَمِنَ [[في أ: "وأومن".]] مِنَ الفَتَّانين" وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾ وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ بِشْرٍ، أَخْبَرَنِي هَمَّامٌ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا قُبَيْلٍ وَرَبِيعَةَ بْنَ سَيْفٍ الْمُعَافِرِيَّ يَقُولَانِ: كُنَّا بِرُودِسَ، وَمَعَنَا فَضَالة بْنُ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ -صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ-فَمَرَّ بِجِنَازَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا قَتِيلٌ وَالْأُخْرَى مُتَوَفًّى، فَمَالَ النَّاسُ عَلَى الْقَتِيلِ، فَقَالَ فَضَالَةُ: مَا لِيَ [[في أ: "ما".]] أَرَى النَّاسَ مَالُوا مَعَ هَذَا، وَتَرَكُوا هَذَا؟! فَقَالُوا: هَذَا قَتِيلٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى. فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أُبَالِي مِنْ أَيِّ حُفرتيهما بُعثت، اسْمَعُوا كِتَابَ اللَّهِ: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا [لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ] [[زيادة من ف، أوفي هـ، ت: "حتى آخر الآية".]] ﴾ وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَنْبَأَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَنْبَأَنَا ابْنُ لَهِيعة، حَدَّثَنَا سَلَامَانُ بْنُ عَامِرٍ الشَّعْبَانِيُّ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جَحْدَم الْخَوْلَانِيَّ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ حَضَرَ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ فِي الْبَحْرِ مَعَ جِنَازَتَيْنِ، أَحَدُهُمَا أُصِيبَ بِمَنْجَنِيقٍ وَالْآخَرُ تُوُفِّيَ، فَجَلَسَ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ عِنْدَ قَبْرِ الْمُتَوَفَّى، فَقِيلَ لَهُ: تَرَكْتَ الشَّهِيدَ فَلَمْ تَجْلِسْ عِنْدَهُ؟ فَقَالَ: مَا أُبَالِي مِنْ أَيِّ حُفْرَتَيْهِمَا بعثتُ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا [لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ. لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلا] [[زيادة من ف، وفي ت: "إلى قوله".]] يَرْضَوْنَهُ﴾ فَمَا تَبْتَغِي [[في أ: "ينبغي".]] أَيُّهَا الْعَبْدُ إِذَا أُدْخِلْتَ مُدْخَلًا تَرْضَاهُ وَرُزِقَتْ رِزْقًا حَسَنًا، وَاللَّهِ مَا أُبَالِي مِنْ أَيِّ حُفْرَتَيْهِمَا بُعِثْتُ. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنِ ابْنِ وَهَبٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْح، عَنْ سَلَامَانَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: كَانَ فَضَالَةُ بِرُودِسَ أَمِيرًا عَلَى الْأَرْبَاعِ، فَخُرِجَ بِجِنَازَتَيْ رَجُلَيْنِ، أَحَدِهِمَا قَتِيلٌ [[في أ: "قتل".]] والآخر متوفى ... فذكر نحو ما تقدم [[تفسير الطبري (١٧/١٣٦) .]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ﴾ ، ذَكَرَ [[في أ: "قال".]] مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ وَابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي سَرِيَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، لَقُوا جَمْعًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي شَهْرِ مُحَرَّمٍ، فَنَاشَدَهُمُ الْمُسْلِمُونَ لِئَلَّا يُقَاتِلُوهُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَأَبَى الْمُشْرِكُونَ إِلَّا قِتَالَهُمْ وَبَغَوْا عَلَيْهِمْ، فَقَاتَلَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، فَنَصَرَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، [وَ] [[زيادة من أ.]] ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب