الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ السَّحَرَةِ حِينَ تَوَافَقُوا هُمْ وَمُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُمْ قَالُوا لِمُوسَى: ﴿إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ﴾ أَيْ: أَنْتَ أَوَّلًا ﴿إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا﴾ أَيْ: أَنْتُمْ أَوَّلًا ليُرى مَاذَا تَصْنَعُونَ مِنَ السِّحْرِ، وَلِيَظْهَرَ لِلنَّاسِ جَلِيَّةً أَمْرُهُمْ، ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ . وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى أَنَّهُمْ لَمَّا أَلْقَوْا ﴿وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ﴾ [الشُّعَرَاءِ: ٤٤] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿سَحَرُوا [[في ف: "فسحروا".]] أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ [الْأَعْرَافِ: ١١٦] ، وَقَالَ هَاهُنَا ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَوْدَعُوهَا مِنَ الزِّئْبَقِ مَا كَانَتْ تَتَحَرَّكُ بِسَبَبِهِ وَتَضْطَرِبُ وَتَمِيدُ، بِحَيْثُ يُخَيَّلُ لِلنَّاظِرِ [[في ف، أ: "للناظرين".]] أَنَّهَا تَسْعَى بِاخْتِيَارِهَا، وَإِنَّمَا كَانَتْ حِيلَةً، وَكَانُوا جَمًّا غَفِيرًا وَجَمْعًا كَبِيرًا [[في ف، أ: "كثيرا".]] فَأَلْقَى كُلٌّ مِنْهُمْ عَصًا وَحَبْلًا حَتَّى صَارَ الْوَادِي مَلْآنَ حَيَّاتٍ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى﴾ أَيْ خَافَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَفْتَتِنوا بِسِحْرِهِمْ وَيَغْتَرُّوا بِهِمْ قَبْلَ أَنْ يُلْقِيَ مَا فِي يَمِينِهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ فِي السَّاعَةِ الرَّاهِنَةِ أَنْ ﴿وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ﴾ يَعْنِي: عَصَاهُ، فَإِذَا هِيَ ﴿تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا﴾ وَذَلِكَ أَنَّهَا صَارَتْ تِنِّينًا [[في ف، أ: ثعبانا".]] عَظِيمًا هَائِلًا ذَا عُيُونٍ وَقَوَائِمَ وَعُنُقٍ وَرَأْسٍ وَأَضْرَاسٍ، فَجَعَلَتْ تَتْبَعُ تِلْكَ الْحِبَالَ وَالْعِصِيَّ حَتَّى لَمْ تُبْقِ [[في ف: "لم يبق".]] مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا تَلَقَّفَتْهُ وَابْتَلَعَتْهُ، وَالسَّحَرَةُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَى ذَلِكَ عِيَانًا جَهْرة، نَهَارًا ضَحْوَةً. فَقَامَتِ الْمُعْجِزَةُ، وَاتَّضَحَ الْبُرْهَانُ، وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [[في ف، أ: "ووقع الحق وبطل السحر".]] ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الشَّيْبَانِيُّ [[في ف: "ابن الشيباني".]] حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُعَاذٍ -أَحْسَبُهُ الصَّائِغَ-عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ جُنْدَب بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ: قَالَ رسول الله ﷺ "إِذَا أَخَذْتُمْ -يَعْنِي السَّاحِرَ-فَاقْتُلُوهُ" ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ قَالَ: "لَا يُؤْمَنُ بِهِ حَيْثُ وُجِدَ". وَقَدْ رَوَى أَصْلَهُ التِّرْمِذِيُّ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا. [[سنن الترمذي برقم (١٤٦٠) من طريق إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ جُنْدُبٍ رضي الله عنه وقال: "هذا حديث لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وإسماعيل بن مسلم المكي يضعف في الحديث، وإسماعيل بن مسلم العبدي البصري قال وكيع: هو ثقة ويروى عن الحسن أيضا والصحيح عن جندب موقوف، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه ومسلم وغيرهم". تنبيه: ذكر الحافظ المزي هذا الحديث في كتابه تحفة الأشراف (٢/٤٤٦) من مسند جندب الخير الأزدي لا من مسند جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنهما فليتنبه".]] فَلَمَّا عَايَنَ السَّحَرَةُ ذَلِكَ وَشَاهَدُوهُ، وَلَهُمْ خِبْرَةٌ بِفُنُونِ السِّحْرِ وَطُرُقِهِ وَوُجُوهِهِ، عَلِمُوا عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّ هَذَا الَّذِي فَعَلَهُ مُوسَى لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ السِّحْرِ وَالْحِيَلِ، وَأَنَّهُ حَقٌّ لَا مِرْيَةَ فِيهِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى هَذَا إِلَّا الَّذِي يَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ وَقَعُوا سُجَّدًا لِلَّهِ وَقَالُوا: ﴿آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الشُّعَرَاءِ: ٤٧، ٤٨] . وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وعُبَيد بْنُ عُمَير:كَانُوا أَوَّلَ النَّهَارِ سَحَرَةً، وَفِي آخِرِ النَّهَارِ شُهَدَاءَ بَرَرَةً. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: كَانُوا ثَمَانِينَ أَلْفًا، وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بزَّة: كَانُوا سَبْعِينَ أَلْفًا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ أَلْفًا. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْع، عَنْ أَبِي ثُمَامَةَ: كَانَ [[في أ: "كانوا".]] سَحَرَةُ فِرْعَوْنَ تِسْعَةَ عَشَرَ أَلْفًا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: كَانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا. وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا [[في أ: "حدثنا محمد بن موسى حدثني علي بن الحسين".]] عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتِ السَّحَرَةُ سَبْعِينَ رَجُلًا أَصْبَحُوا سَحَرَةً وَأَمْسَوْا شُهَدَاءَ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْمُسَيَّبُ بْنُ وَاضِحٍ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَمَّا خرَّ السَّحَرَةُ سُجَّدًا رُفعت لَهُمُ الْجَنَّةُ حَتَّى نَظَرُوا إِلَيْهَا. قَالَ: وذُكر عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَّامٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَوْلَهُ: ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا﴾ قَالَ: رَأَوْا مَنَازِلَهُمْ تُبْنَى لَهُمْ وَهُمْ فِي سُجُودِهِمْ. وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ وَالْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب