يَقُولُ: وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْمَعَادِ وَالْجَزَاءِ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَاقِعًا لَا مَحَالَةَ، أَنْزَلْنَا الْقُرْآنَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ فَصِيحٍ [[في ف: "فصيح اللسان".]] لَا لَبْسَ فِيهِ وَلَا عِيَّ، ﴿وَصَرَّفْنَا [[في أ: "وصرفنا ما فيه" وهو خطأ.]] فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ أَيْ: يَتْرُكُونَ الْمَآثِمَ وَالْمَحَارِمَ وَالْفَوَاحِشَ، ﴿أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا﴾ وَهُوَ إِيجَادُ الطَّاعَةِ وَفِعْلُ الْقُرُبَاتِ. ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾ أَيْ: تَنَزَّهَ وَتَقَدَّسَ [[في ف: "تقدس وتنزه".]] الْمَلِكُ الْحَقُّ، الَّذِي هُوَ حَقٌّ، وَوَعْدُهُ حَقٌّ، وَوَعِيدُهُ حَقٌّ، وَرُسُلُهُ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ حَقٌّ. وَعَدْلُهُ تَعَالَى أَلَّا يُعَذِّبَ أَحَدًا قَبْلَ الْإِنْذَارِ وَبَعْثَةِ الرُّسُلِ وَالْإِعْذَارِ إِلَى خَلْقِهِ؛ لِئَلَّا يَبْقَى لِأَحَدٍ حُجَّةٌ وَلَا شُبْهَةٌ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ "لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ" ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ [الْقِيَامَةِ: ١٦-١٩] ، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُعَالِجُ مِنَ الْوَحْيِ شِدَّةً، فَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ، فَأَنْزَلَ [[في ف: "فنزل".]] اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ [[صحيح البخاري برقم (٥) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.]] يَعْنِي: أَنَّهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَانَ إِذَا جَاءَهُ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ، كُلَّمَا قَالَ جِبْرِيلُ آيَةً قَالَهَا مَعَهُ، مِنْ شِدَّةِ حِرْصِهِ عَلَى حِفْظِ [[في ف، أ: "تحفظ".]] الْقُرْآنِ، فَأَرْشَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مَا هُوَ الْأَسْهَلُ وَالْأَخَفُّ فِي حَقِّهِ؛ لِئَلَّا يَشُقَّ عَلَيْهِ. فَقَالَ: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾ أَيْ: أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ، ثُمَّ تَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَنْسَى مِنْهُ شَيْئًا، ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ أَيْ: بَلْ أَنْصِتْ، فَإِذَا فَرَغَ الْمَلَكُ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَيْكَ فَاقْرَأْهُ بَعْدَهُ، ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ أَيْ: زِدْنِي مِنْكَ عِلْمًا.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَة، رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَمْ يَزَلْ ﷺ فِي زِيَادَةٍ [مِنَ الْعِلْمِ] [[زيادة من ف.]] حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "إِنَّ اللَّهَ تَابَعَ الْوَحْيَ عَلَى رَسُولِهِ، حَتَّى كَانَ الْوَحْيُ أَكْثَرَ مَا كَانَ يَوْمَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ [[رواه البخاري في صحيحه برقم (٤٩٨٢) من حديث أنس رضي الله عنه.]] وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْر، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا علَّمتني، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، وَزِدْنِي عِلْمًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ" [[سنن ابن ماجه برقم (٢٥١) وسنن الترمذي برقم (٣٥٩٩) .]] .
وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنِ أَبِي كُرَيْب، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْر، بِهِ. وَقَالَ: غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ، عَنِ أَبِي عَاصِمٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، بِهِ. وَزَادَ فِي آخِرِهِ: "وَأَعُوذُ بِاللَّهِ من حال أهل النار".
{"ayahs_start":113,"ayahs":["وَكَذَ ٰلِكَ أَنزَلۡنَـٰهُ قُرۡءَانًا عَرَبِیࣰّا وَصَرَّفۡنَا فِیهِ مِنَ ٱلۡوَعِیدِ لَعَلَّهُمۡ یَتَّقُونَ أَوۡ یُحۡدِثُ لَهُمۡ ذِكۡرࣰا","فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡحَقُّۗ وَلَا تَعۡجَلۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مِن قَبۡلِ أَن یُقۡضَىٰۤ إِلَیۡكَ وَحۡیُهُۥۖ وَقُل رَّبِّ زِدۡنِی عِلۡمࣰا"],"ayah":"وَكَذَ ٰلِكَ أَنزَلۡنَـٰهُ قُرۡءَانًا عَرَبِیࣰّا وَصَرَّفۡنَا فِیهِ مِنَ ٱلۡوَعِیدِ لَعَلَّهُمۡ یَتَّقُونَ أَوۡ یُحۡدِثُ لَهُمۡ ذِكۡرࣰا"}