الباحث القرآني

هَذِهِ صفَةُ تَوْبَتِهِ تَعَالَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ﴾ فَقَالَ: ذَلِكَ حِينَ وَقَعَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ شَأْنِ عِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ مَا وَقَعَ حِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا﴾ الْآيَةَ [الْأَعْرَافِ: ١٤٩] . قَالَ: فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ مُوسَى: ﴿يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ﴾ وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ﴾ أَيْ إِلَى خَالِقِكُمْ. قُلْتُ: وَفِي قَوْلِهِ هَاهُنَا: ﴿إِلَى بَارِئِكُمْ﴾ تَنْبِيهٌ عَلَى عِظَمِ جُرْمِهِمْ، أَيْ: فَتُوبُوا إِلَى الَّذِي خَلَقَكُمْ وَقَدْ عَبَدْتُمْ معه غيره. وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ زَيْدٍ الْوَرَّاقِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ تَوْبَتَهُمْ أن يقتل كل واحد مِنْهُمْ كُلَّ مَنْ لَقِيَ مِنْ وَلَدٍ وَوَالِدٍ [[في ط: "أو والد".]] فَيَقْتُلُهُ بِالسَّيْفِ، وَلَا يُبَالِي مَنْ قَتَلَ فِي ذَلِكَ الْمَوْطِنِ. فَتَابَ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا خَفِيَ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ مَا اطَّلَعَ اللَّهُ مِنْ ذُنُوبِهِمْ، فَاعْتَرَفُوا بِهَا، وَفَعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ فَغَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ. وَهَذَا [[في جـ: "وهذه".]] قِطْعَةٌ مِنْ حَدِيثِ الفُتُون، وَسَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ طه بِكَمَالِهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ [[وهو في سنن النسائي الكبرى برقم (١١٣٢٦) وسيأتي عند الموضع الذي أشار إليه الحافظ ابن كثير.]] . وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّار، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ: ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ قَالَ: أَمَرَ مُوسَى قَوْمَهُ -مِنْ أَمْرِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ -أَنْ يَقْتُلُوا أَنْفُسَهُمْ قَالَ: وَاحْتَبَى الَّذِينَ عَبَدُوا [[في جـ، ط، ب: "عكفوا".]] الْعِجْلَ فَجَلَسُوا، وَقَامَ الَّذِينَ لَمْ يَعْكُفُوا عَلَى الْعِجْلِ، فَأَخَذُوا الْخَنَاجِرَ بِأَيْدِيهِمْ، وَأَصَابَتْهُمْ ظُلَّة [[في جـ، ط، ب، أ، و: "ظلمة".]] شَدِيدَةٌ، فَجَعَلَ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَانْجَلَتِ الظلَّة [[في جـ، ط، ب، أ، و: "الظلمة".]] عَنْهُمْ، وَقَدْ أَجْلَوْا عَنْ سَبْعِينَ أَلْفَ قَتِيلٍ، كُلُّ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ كَانَتْ لَهُ تَوْبَةٌ، وَكُلُّ مَنْ بَقِيَ كَانَتْ لَهُ تَوْبَةٌ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْج: أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّة أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدًا يَقُولَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ قَالَا قَامَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ بِالْخَنَاجِرِ فَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، لَا يَحْنُو رَجُلٌ عَلَى قَرِيبٍ وَلَا بَعِيدٍ، حَتَّى أَلْوَى مُوسَى بِثَوْبِهِ، فَطَرَحُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ، فكُشِفَ عَنْ سَبْعِينَ أَلْفِ قَتِيلٍ. وَإِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى مُوسَى: أَنْ حَسْبي، فَقَدِ اكْتَفَيْتُ، فَذَلِكَ حِينَ أَلْوَى مُوسَى بِثَوْبِهِ، [وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَحْوُ ذَلِكَ] [[زيادة من جـ، ط، ب، وفي أ، و: "وروي عن علي رحمة الله عليه نحو ذلك".]] . وَقَالَ قَتَادَةُ: أَمَرَ الْقَوْمَ بِشَدِيدٍ مِنَ الْأَمْرِ، فَقَامُوا يَتَنَاحَرُونَ بِالشِّفَارِ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، حَتَّى بَلَغَ اللَّهُ فِيهِمْ نِقْمَتَهُ، فَسَقَطَتِ الشِّفَارُ مِنْ أَيْدِيهِمْ، فَأَمْسَكَ عَنْهُمُ الْقَتْلَ، فَجَعَلَ لِحَيِّهِمْ تَوْبَةً، وَلِلْمَقْتُولِ شَهَادَةً. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: أَصَابَتْهُمْ ظُلْمَةُ حنْدس، فَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا [نِقْمَةً] [[زيادة من أ.]] ثُمَّ انْكَشَفَ عَنْهُمْ، فَجَعَلَ تَوْبَتَهُمْ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ قَالَ: فَاجْتَلَدَ الَّذِينَ عَبَدُوهُ وَالَّذِينَ لَمْ يَعْبُدُوهُ بِالسُّيُوفِ، فَكَانَ مَنْ قُتِل مِنَ الْفَرِيقَيْنِ شَهِيدًا، حَتَّى كَثُرَ الْقَتْلُ، حَتَّى كَادُوا أَنْ يَهْلِكُوا، حَتَّى قُتِلَ بَيْنَهُمْ [[في جـ، ط، ب: "منهم".]] سَبْعُونَ أَلْفًا، وَحَتَّى دَعَا مُوسَى وَهَارُونُ: رَبَّنَا أَهْلَكْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، رَبَّنَا البقيةَ البقيةَ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَضَعُوا السِّلَاحَ وَتَابَ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ شَهِيدًا، وَمَنْ بَقِيَ مُكَفّرا عَنْهُ؛ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَمَّا أُمِرَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِقَتْلِ أَنْفُسِهَا، بَرَزُوا وَمَعَهُمْ مُوسَى، فَاضْطَرَبُوا بِالسُّيُوفِ، وَتَطَاعَنُوا بِالْخَنَاجِرِ، وَمُوسَى رَافِعٌ يَدَيْهِ، حَتَّى إِذَا أَفْنَوْا بَعْضَهُمْ [[في جـ، أ: "بعضهم بعضا".]] ، قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ لَنَا. وَأَخَذُوا بعضُديه يَسْنُدُونَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ أَمْرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا قَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُمْ قَبَضَ أَيْدِيَهُمْ، بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، فَأَلْقَوُا السِّلَاحَ، وَحَزِنَ مُوسَى وَبَنُو إِسْرَائِيلَ لِلَّذِي كَانَ مِنَ الْقَتْلِ فِيهِمْ، فَأَوْحَى اللَّهُ، جَلَّ ثَنَاؤُهُ، إِلَى مُوسَى: مَا يُحْزِنُكَ؟ أَمَّا مَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ فَحَيٌّ عِنْدِي يُرْزَقُونَ، وَأَمَّا مَنْ بَقِيَ فَقَدْ قَبِلْتُ تَوْبَتَهُ. فسُرّ بِذَلِكَ مُوسَى، وَبَنُو إِسْرَائِيلَ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ، وَأَحْرَقَ الْعِجْلَ وذَرّاه فِي الْيَمِّ، خَرَجَ إِلَى رَبِّهِ بِمَنِ اخْتَارَ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ، ثُمَّ بُعثوا، فَسَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ التَّوْبَةَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ. فَقَالَ: لَا إِلَّا أَنْ يَقْتُلُوا أَنْفُسَهُمْ قَالَ: فَبَلَغَنِي أَنَّهُمْ قَالُوا لِمُوسَى: نَصبر لِأَمْرِ اللَّهِ. فَأَمَرَ مُوسَى مَنْ لَمْ يَكُنْ عَبَدَ الْعِجْلَ أَنْ يَقْتُل مَنْ عَبَدَهُ. فَجَلَسُوا بِالْأَفْنِيَةِ وأصْلَتَ عَلَيْهِمُ القومُ السُّيُوفَ، فَجَعَلُوا يَقْتُلُونَهُمْ، وَبَكَى مُوسَى، وَبَهَش إِلَيْهِ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، يَطْلُبُونَ الْعَفْوَ عَنْهُمْ، فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَعَفَا عَنْهُمْ وَأَمَرَ مُوسَى أَنْ تُرْفَعَ عَنْهُمُ السُّيُوفُ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: لَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ، وَكَانَ [[في جـ: "وكانوا".]] سَبْعُونَ [[في أ: "سبعين".]] رَجُلًا قَدِ اعْتَزَلُوا مَعَ هَارُونَ الْعِجْلَ لَمْ يَعْبُدُوهُ. فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: انْطَلِقُوا إِلَى مَوْعِدِ رَبِّكُمْ. فَقَالُوا: يَا مُوسَى، مَا مِنْ [[في أ: "هل من".]] تَوْبَةٍ؟ قَالَ: بَلَى، ﴿فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ الْآيَةَ، فَاخْتَرَطُوا السُّيُوفَ والجرزَة وَالْخَنَاجِرَ وَالسَّكَاكِينَ. قَالَ: وَبَعَثَ عَلَيْهِمْ ضَبَابَةً. قَالَ: فَجَعَلُوا يَتَلَامَسُونَ بِالْأَيْدِي، وَيَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. قَالَ: وَيَلْقَى الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأَخَاهُ فَيَقْتُلُهُ وَلَا يَدْرِي. قَالَ: وَيَتَنَادَوْنَ [فِيهَا] [[زيادة من جـ، ط، ب، أ.]] : رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا صَبَّرَ نَفْسَهُ حَتَّى يَبْلُغَ اللَّهَ رِضَاهُ، قَالَ: فَقَتْلَاهُمْ شُهَدَاءُ، وَتِيبَ عَلَى أَحْيَائِهِمْ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب