الباحث القرآني

يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ﴾ أَيْ: الْمُتَّصِفُونَ بِمَا تَقَدَّمَ: مِنَ الْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَالْإِنْفَاقِ مِنَ الَّذِي رَزَقَهُمُ اللَّهُ، وَالْإِيمَانِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَى الرَّسُولِ ومَنْ قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ، وَالْإِيقَانِ بِالدَّارِ الْآخِرَةِ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ الِاسْتِعْدَادَ لَهَا مِنَ الْعَمَلِ بِالصَّالِحَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ. ﴿عَلَى هُدًى﴾ أَيْ: نُورٍ وَبَيَانٍ وَبَصِيرَةٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ أَيْ: فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمة أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾ أَيْ: عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِمْ، وَاسْتِقَامَةٍ عَلَى مَا جَاءَهُمْ، ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ أَيْ: الَّذِينَ أَدْرَكُوا مَا طَلَبُوا، وَنَجَوْا مِنْ شَرِّ مَا مِنْهُ هَرَبُوا. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَأَمَّا مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾ فَإِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُمْ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِمْ، وَبُرْهَانٍ وَاسْتِقَامَةٍ وَسَدَادٍ، بِتَسْدِيدِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، وَتَوْفِيقِهِ لَهُمْ وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ أَيِ المُنْجِحون الْمُدْرِكُونَ مَا طَلَبُوا عِنْدَ اللَّهِ بِأَعْمَالِهِمْ وَإِيمَانِهِمْ بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، مِنَ الْفَوْزِ بِالثَّوَابِ، وَالْخُلُودِ فِي الْجَنَّاتِ، وَالنَّجَاةِ مِمَّا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَعْدَائِهِ مِنَ الْعِقَابِ [[تفسير الطبري (١/٢٤٩) .]] . وَقَدْ حَكَى ابْنُ جَرِيرٍ قَوْلًا عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ أَعَادَ اسْمَ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ إِلَى مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ الْمَوْصُوفِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ﴾ الْآيَةَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْخِلَافِ. [قَالَ] [[زيادة من جـ، ب، أ، و.]] وَعَلَى هَذَا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ﴾ مُنْقَطِعًا [[في جـ، ط، ب، أ، و: "مقتطعا".]] مِمَّا قَبْلَهُ، وَأَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ ﴿ [أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَ] أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [[زيادة من جـ، ط، ب.]] وَاخْتَارَ أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى جَمِيعِ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ مُؤْمِنِي الْعَرَبِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، لِمَا رَوَاهُ السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَمَّا الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ، فَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْعَرَبِ، وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. ثُمَّ جَمَعَ الْفَرِيقَيْنِ فَقَالَ: ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنَ التَّرْجِيحِ أَنَّ ذَلِكَ صِفَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً، وَالْإِشَارَةُ عَائِدَةٌ عَلَيْهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ نُقِلَ هَذَا عَنْ مُجَاهِدٍ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَقَتَادَةَ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ وَاسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ فَنَرْجُو، وَنَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ فَنَكَادُ أَنْ نَيْأَسَ، أَوْ كَمَا قَالَ. قَالَ: فَقَالَ: "أَفَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ؟ ". قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ:" ﴿أَلَمْ * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ " إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الْمُفْلِحُونَ﴾ هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْجَنَّةِ". قَالُوا: إِنَّا نَرْجُو أَنْ نَكُونَ هَؤُلَاءِ. ثُمَّ قَالَ:" ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ﴾ " إِلَى قَوْلِهِ: ﴿عَظِيمٌ﴾ هَؤُلَاءِ أَهْلُ النَّارِ". قَالُوا: لَسْنَا هم يا رسول الله. قال: "أجل " [[تفسير ابن أبي حاتم (١/٤٠) .]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب