الباحث القرآني

يَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا، وَحِفْظِ حُدُودِهَا وَأَدَائِهَا فِي أَوْقَاتِهَا، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا". قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ". قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "بِرُّ الْوَالِدَيْنِ". قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَلَوِ استزدتُه لَزَادَنِي [[صحيح البخاري برقم (٥٢٧، ٥٩٧٠) وصحيح مسلم برقم (٨٥) .]] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ غَنَّامٍ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ أَبِيهِ الدُّنْيَا، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ فَرْوَة -وَكَانَتْ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَذَكَرَ الْأَعْمَالَ، فَقَالَ: "إِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ [[في جـ: "العمل".]] إِلَى اللَّهِ تعجيلُ الصَّلَاةِ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا". وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ [[المسند (٦/٢٧٤) وسنن أبي داود برقم (٤٢٦) وسنن الترمذي برقم (١٧٠) .]] وَقَالَ: لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ الْعُمَرِيِّ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ: وَخَصَّ تَعَالَى مِنْ بَيْنِهَا بِمَزِيدِ التَّأْكِيدِ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى. وَقَدِ اختلف السلف والخلف فيها: أي صَلَاةٍ هِيَ؟ فَقِيلَ: إِنَّهَا الصُّبْحُ. حَكَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بَلَاغًا عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ [قَالَ: مَالِكٌ: وَذَلِكَ رَأْيِي] [[زيادة من جـ.]] . وَقَالَ هُشَيْمٌ، وَابْنُ عُليَّة، وغُنْدَر، وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ، وشَريك وَغَيْرُهُمْ، عَنْ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيُّ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْفَجْرَ، فقنتَ فِيهَا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى الَّتِي أُمِرْنَا أَنْ نَقُومَ فِيهَا قَانِتِينَ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ [[تفسير الطبري (٥/٢١٥، ٢١٦) .]] . وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَوْفٍ، عَنْ خِلاس بْنِ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ سَوَاءً [[تفسير الطبري (٥/٢١٨) .]] . وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي مَسْجِدِ [[في جـ: "في جامع".]] الْبَصْرَةِ، فَقَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَقَالَ: هَذِهِ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الدَّامِغَانِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ بِالْبَصْرَةِ [[في أ، و: "بالبصرة وفرغت".]] صَلَاةَ الْغَدَاةِ، فَقُلْتُ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ، ﷺ، إِلَى جَانِبِي: مَا الصَّلَاةُ الْوُسْطَى؟ قَالَ: هَذِهِ الصَّلَاةُ [[في أ: "هذه الصلاة الوسطى".]] . وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: أَنَّهُ صَلَّى مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ، ﷺ، صَلَاةَ الْغَدَاةِ، فَلَمَّا فَرَغُوا قَالَ، قُلْتُ لَهُمْ: أيَّتهُنَّ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى؟ قَالُوا: الَّتِي قَدْ صَلَّيْتُهَا قَبْلُ. وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَتمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى: صَلَاةُ الصُّبْحِ. وَحَكَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وعُبَيد بْنِ عُمَيْرٍ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ أَيْضًا وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ وَالْقُنُوتُ عِنْدَهُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ. [وَنَقَلَهُ الدِّمْيَاطِيُّ عَنْ عُمَرَ، وَمُعَاذٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ عَلَى خِلَافٍ مِنْهُمْ، وَأَبِي مُوسَى، وَجَابِرٍ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ، وَطَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَمُجَاهِدٍ] [[زيادة من جـ، أ.]] . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ الْوُسْطَى بِاعْتِبَارٍ أَنَّهَا لَا تُقْصَرُ، وَهِيَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ رُبَاعِيَّتَيْنِ مَقْصُورَتَيْنِ. وَتَرُدُّ الْمَغْرِبُ. وَقِيلَ: لِأَنَّهَا بَيْنَ صلاتَيْ لَيْلٍ [[في أ، و: "بين صلاتين ليليتين".]] جَهْرِيَّتَيْنِ، وَصَلَاتَيْ نَهَارٍ [[في أ، و: "وصلاتين نهاريتين".]] سِرِّيَّتَيْنِ. وَقِيلَ: إِنَّهَا صَلَاةُ الظُّهْرِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا ابن أبي ذئب، عن الزبرقان - يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو -عَنْ [[في جـ: "وعن".]] زُهْرَةَ -يَعْنِي ابْنَ مَعْبَدٍ -قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَأَرْسَلُوا إِلَى أُسَامَةَ، فَسَأَلُوهُ عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، فَقَالَ: هِيَ الظُّهْرُ، كَانَ النَّبِيُّ [[في جـ: "رسول الله".]] ﷺ، يُصَلِّيهَا بِالْهَجِيرِ [[مسند الطيالسي برقم (٦٢٨) .]] . وَقَالَ [الْإِمَامُ] [[زيادة من جـ.]] أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِي عمْرو بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، سَمِعْتُ الزِّبْرِقَانَ يُحَدِّثُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي صَلَاةً أَشُدُّ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ، ﷺ، مِنْهَا، فَنَزَلَتْ: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى﴾ وَقَالَ: "إِنَّ قَبْلَهَا صَلَاتَيْنِ وَبَعْدَهَا صَلَاتَيْنِ"، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ، مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، بِهِ [[المسند (٥/١٨٣) وسنن أبي داود برقم (٤١١) .]] . وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ [[في أ: "حدثنا ابن أبي وهب"، وفي و: "أنبأنا أبي وهب".]] عَنِ الزِّبْرِقَانِ [[في أ: "ابن الزبرقان".]] أَنَّ رَهْطًا مِنْ قُرَيْشٍ مَرَّ بِهِمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ غُلَامَيْنِ لَهُمْ؛ يَسْأَلَانِهِ عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، فَقَالَ: هِيَ الْعَصْرُ. فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلَانِ مِنْهُمْ فَسَأَلَاهُ، فَقَالَ: هِيَ الظُّهْرُ. ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَسَأَلَاهُ، فَقَالَ: هِيَ الظُّهْرُ؛ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَجِيرِ، فَلَا يَكُونُ وَرَاءَهُ إِلَّا الصَّفُّ وَالصَّفَّانِ، وَالنَّاسُ فِي قَائِلَتِهِمْ وَفِي تِجَارَتِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "ليَنْتَهيَنَّ رِجَالٌ أَوْ لَأُحَرِّقَنَّ بُيُوتَهُمْ" [[المسند (٥/٢٠٦) .]] . الزِّبْرِقَانُ هُوَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ أُمِّيَّةَ الضَّمْرِيُّ، لَمْ يُدْرِكْ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ. وَالصَّحِيحُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَتِهِ، عَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَقَالَ شُعْبَةُ وَهُمَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى: صَلَاةُ الظُّهْرِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ شُعْبَةَ، أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى هِيَ الظُّهْرُ. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سُلَيْمَانَ، بِهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فِي حَدِيثٍ رَفَعَهُ قَالَ: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الظُّهْرِ. وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا الظَّهْرُ: ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو سَعِيدٍ، وَعَائِشَةَ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُمْ. وَهُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ. وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ. وَقِيلَ: إِنَّهَا صَلَاةُ الْعَصْرِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَغَوِيُّ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ التَّابِعِينَ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْأَثَرِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ: هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الناس. وقال الحافظ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ خَلَفٍ الدِّمْيَاطِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى: "كَشْفُ الْمُغَطَّى، فِي تَبْيِينِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى": وَقَدْ نَصَرَ فِيهِ أَنَّهَا الْعَصْرُ، وَحَكَاهُ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي أيوب، وعبد الله ابن عَمْرٍو، وسَمُرة بْنِ جُنْدُب، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَحَفْصَةَ، وَأُمِّ حَبِيبَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ عَلَى [[في جـ: "في".]] الصَّحِيحِ عَنْهُمْ. وَبِهِ قَالَ عَبِيدَةُ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَزِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَالْكَلْبِيُّ، وَمُقَاتِلٌ، وَعُبَيْدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. قَالَ الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيُّ: وَالشَّافِعِيُّ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ. ذِكْرُ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ شُتَيْرِ بْنِ شَكَلٍ [[في جـ: "بشير بن نكل".]] عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الْأَحْزَابِ: "شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، صَلَاةِ الْعَصْرِ، مَلَأَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا". ثُمَّ صَلَّاهَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ: الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ [[المسند (١/٨١) .]] . وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدِ بْنِ حَازِمٍ الضَّرِيرِ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ شُتَيْرِ بْنِ شَكَلِ [[في جـ: "بشير بن نكل".]] بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلَهُ [[صحيح مسلم برقم (٦٢٧) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٠٤٥) .]] . وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ [[في أ: "بن عيينة".]] عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنْ عَلِيٍّ، بِهِ [[صحيح مسلم برقم (٦٢٧) .]] . وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْمَسَانِدِ [[في أ: "المسانيد".]] وَالسُّنَنِ، وَالصِّحَاحِ مِنْ طُرُقٍ يَطُولُ ذِكْرُهَا، عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، بِهِ [[صحيح البخاري برقم (٢٩٣١، ٤١١١) وصحيح مسلم برقم (٦٢٧) وسنن أبي داود برقم (٤٠٩) وسنن الترمذي برقم (٢٩٨٤) وسنن النسائي (١/٢٣٦) .]] . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، بِهِ [[لم أقع على هذا الطريق ولم يذكره المزي في تحفة الأشراف.]] . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَلَا يُعْرَفُ سَمَاعَهُ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ: قَالَ قُلْتُ لِعَبِيدَةَ: سَلْ عَلِيًّا عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: كُنَّا نَرَاهَا الْفَجْرَ -أَوِ الصُّبْحَ -حَتَّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ يَوْمَ الْأَحْزَابِ: "شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ، مَلَأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَأَجْوَافَهُمْ -أَوْ بُيُوتَهُمْ -نَارًا" وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ بُنْدَارٍ، عَنِ ابْنِ مهدي، بِهِ [[تفسير الطبري (٥/١٨٤) .]] . وَحَدِيثُ يَوْمِ الْأَحْزَابِ، وشَغْل الْمُشْرِكِينَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَأَصْحَابَهُ عَنْ أَدَاءِ صَلَاةِ الْعَصْرِ يَوْمَئِذٍ، مَرْوِيٌّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ يُطَوُلُ ذِكْرُهُمْ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ رِوَايَةُ مَنْ نَصَّ مِنْهُمْ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى: هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا [[صحيح مسلم برقم (٦٢٨) مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وبرقم (٦٣٠) من حديث البراء رضي الله عنه.]] . حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هُمَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرة: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "صَلَاةُ الْوُسْطَى: صَلَاةُ الْعَصْرِ" [[المسند (٥/٢٢) .]] . وَحَدَّثَنَا بَهْزٌ، وَعَفَّانُ قَالَا حَدَّثَنَا أَبَانُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرة: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، ﷺ قَالَ: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى﴾ وَسَمَّاهَا لَنَا أَنَّهَا هِيَ: صَلَاةُ الْعَصْرِ [[المسند (٥/٨) .]] . وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَرَوْحٌ، قَالَا حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرة بْنِ جُنْدُبٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "هِيَ الْعَصْرُ". قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ: سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى [[المسند (٥/٧، ١٢، ١٣) .]] . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ. [[سنن الترمذي برقم (١٨٢، ٢٩٨٣) .]] وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ: وَقَدْ سُمِعَ مِنْهُ. [حَدِيثٌ آخَرُ] [[زيادة من جـ، أ.]] : وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ" [[تفسير الطبري (٥/١٨٩) .]] . طَرِيقٌ أُخْرَى، بَلْ حَدِيثٌ آخَرُ: وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الْجُرَشِيُّ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِي صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ دِهْقَانَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَبَلَانَ، عَنْ كُهَيْلِ بْنِ حَرْمَلَةَ. قَالَ: سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، فَقَالَ: اخْتَلَفْنَا فِيهَا كَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهَا، وَنَحْنُ بِفِنَاءِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَفِينَا الرَّجُلُ الصَالِحٍ: أَبُو هَاشِمِ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ لَكُمْ ذَلِكَ: فَقَامَ فَاسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا فَقَالَ: أَخْبَرَنَا أَنَّهَا صَلَاةُ الْعَصْرِ [[تفسير الطبري (٥/١٩١) .]] غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ جِدًّا. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ، عَنْ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي بَصِيرٍ [[في أ: "أبي نصير".]] حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بن مَرْوَانَ فَقَالَ: يَا فُلَانُ، اذْهَبْ إِلَى فُلَانٍ فَقُلْ لَهُ: أَيَّ شَيْءٍ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، ﷺ. فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى؟ فَقَالَ رَجُلٌ جَالِسٌ: أَرْسَلَنِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ -وَأَنَا غُلَامٌ صَغِيرٌ -أَسْأَلُهُ عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، فَأَخَذَ إِصْبَعِيَ الصَّغِيرَةَ فَقَالَ: هَذِهِ الْفَجْرُ، وَقَبَضَ الَّتِي تَلِيهَا، فَقَالَ: هَذِهِ الظُّهْرُ. ثُمَّ قَبَضَ الْإِبْهَامَ، فَقَالَ: هَذِهِ الْمَغْرِبُ. ثُمَّ قَبَضَ الَّتِي تَلِيهَا، فَقَالَ: هَذِهِ الْعِشَاءُ. ثُمَّ قَالَ: أَيُّ أَصَابِعِكَ بَقِيَتْ؟ فَقُلْتُ: الْوُسْطَى. فَقَالَ: أَيُّ الصَّلَاةِ بَقِيَتْ؟ فَقُلْتُ: الْعَصْرُ. فَقَالَ: هِيَ الْعَصْرُ [[تفسير الطبري (٥/١٩٦) .]] . غَرِيبٌ أَيْضًا. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ [[في أ: "بن عباس".]] حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي ضَمْضَمُ بْنُ زُرْعَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ" [[تفسير الطبري (٥/١٩٨) وقول الحافظ: إسناده لا بأس به، متعقب؛ فإن في إسناده ضعف وانقطاع، وهذه نسخة مشهورة خرجها الطبراني في المعجم الكبير.]] . إِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ زُهَيْرٍ، حَدَّثَنَا الْجَرَّاحُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُوَرِّق [[وقع في هـ: "همام بن مورق" والتصحيح من الإحسان.]] العِجْلي، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "صَلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ" [[صحيح ابن حبان (٣/١٢١) "الإحسان".]] . وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ، عَنْ مُرَّة الهَمداني، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " صَلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ " [[سنن الترمذي برقم (١٨١) .]] ثُمَّ قَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، مِنْ طَرِيقِ [[في جـ: "من حديث".]] مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، بِهِ [[صحيح مسلم برقم (٦٢٨) .]] وَلَفْظُهُ: "شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ" الْحَدِيثَ. فَهَذِهِ نُصُوصٌ فِي الْمَسْأَلَةِ لَا تَحْتَمِلُ شَيْئًا، وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَقَوْلُهُ ﷺ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وَتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ [[في جـ: "ماله وأهله".]] " [[صحيح مسلم برقم (٦٢٦) .]] . وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا، مِنْ حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قِلابة، عَنْ أَبِي الْمُهَاجِرِ [[في جـ: "عن أبي المهاجر عن أبي المليح".]] عَنْ بُرَيدة بْنِ الحُصَيْب، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "بَكِّرُوا بِالصَّلَاةِ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ، فَإِنَّهُ مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ" [[الذي في الصحيح إنما هو عن هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قلابة، عن أبي المليح، عن بريدة رضي الله عنه، وهو في صحيح البخاري برقم (٥٥٣) ، وهذا الثاني إنما هو في سنن ابن ماجة برقم (٦٩٤) ، والأول هو المحفوظ، وقد وقع في نسخة "جـ" إثباته على الصواب، كما بينته، لكن وقع تخليط في ذلك؛ لأنه أثبت كلمة: "وفي الصحيح" ثم تدارك ذلك.]] [[جاء في جـ: "كذا رواه ابن ماجة من حديث الأوزاعي، ورواه البخاري والنسائي من حديث هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قلابة، عن أبي المليح بن أسامة، عن بريدة، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: "مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ".]] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ، عَنْ أَبِي تَمِيمٍ، عَنْ أَبِي بَصْرَةَ [[جـ: "عن أبي نضرة".]] الْغِفَارِيِّ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي وَادٍ مِنْ أَوْدِيَتِهِمْ، يُقَالُ لَهُ: المخَمَّص صَلَاةَ الْعَصْرِ، فَقَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ صَلَاةَ الْعَصْرِ عُرِضَت عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ فَضَيَّعُوهَا، أَلَا وَمَنْ صَلَّاهَا ضُعِّف لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ، أَلَا وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى تَرَوُا [[في أ: "حتى يزول".]] الشَّاهِدَ". ثُمَّ قَالَ: رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ خَيْرِ [[في جـ: "عن حسن".]] بْنِ نُعيِم، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ، بِهِ [[المسند (٦/٣٩٧) .]] . وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ جَمِيعًا، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ [[صحيح مسلم برقم (٨٣٠) وسنن النسائي (١/٢٥٩) .]] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ كِلَاهُمَا عَنْ خَيْرِ بْنِ نُعَيْمٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ هُبَيْرَةَ السَّبَائِيِّ [[في أ: "الشيباني".]] [[صحيح مسلم برقم (٨٣٠) .]] . فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ قَالَ: أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا، قَالَتْ: إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى﴾ فَآذِنِّي. فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا، فَأَمْلَتْ عَلَيَّ: "حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ" قَالَتْ: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، بِهِ [[المسند (٦/٧٣) وصحيح مسلم برقم (٦٢٩) .]] . وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ فِي مُصْحَفِ عَائِشَةَ: "حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَهِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ". [[تفسير الطبري (٥/١٧٥) .]] وَهَكَذَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَرَأَهَا كَذَلِكَ. وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ مَالِكٌ أَيْضًا، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَمْرِو بْنِ رَافِعٍ قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ مُصْحَفًا لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَتْ: إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الآية فآذني: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى﴾ فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا. فَأَمْلَتْ عَلَيَّ: "حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ" [[الموطأ (١/١٣٩) .]] . وَهَكَذَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ [[في جـ: "بن بشار".]] فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ علي، ونافع مولى بن عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ نَافِعٍ قَالَ ... فَذَكَرَ مِثْلَهُ، وَزَادَ: كَمَا حَفِظْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم. طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ حَفْصَةَ: قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْأَزْدِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ حَفْصَةَ أَمَرَتْ إِنْسَانًا أَنْ يَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا، فَقَالَتْ: إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى﴾ فَآذِنِّي. فَلَمَّا بَلَغَ آذَنَهَا فَقَالَتِ: اكْتُبْ: "حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ" [[تفسير الطبري (٥/٢٠٨، ٢٠٩) .]] . طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ حَفْصَةَ أَمَرَتْ مَوْلًى لَهَا أَنْ يَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا فَقَالَتْ: إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الْآيَةَ: " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى " فَلَا تَكْتُبْهَا حَتَّى أُمْلِيَهَا عَلَيْكَ كَمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقْرُأَهَا. فَلَمَّا بَلَغَهَا أَمَرَتْهُ فَكَتَبَهَا: "حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ". قَالَ نَافِعٌ: فَقَرَأْتُ ذَلِكَ الْمُصْحَفَ فَرَأَيْتُ فِيهِ "الْوَاوَ" [[تفسير الطبري (٥/٢٠٩) .]] . وَكَذَا رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّهُمَا قَرَآ كَذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى عُمَرَ قَالَ: كَانَ فِي مُصْحَفِ حَفْصَةَ: "حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ" [[تفسير الطبري (٥/٢١١) .]] . وَتَقْرِيرُ الْمُعَارَضَةِ أَنَّهُ عَطَفَ صَلَاةَ الْعَصْرِ عَلَى الصَّلَاةِ الْوُسْطَى بِوَاوِ الْعَطْفِ الَّتِي تَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُهَا وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ هَذَا إِنْ رُوِيَ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ، فَحَدِيثُ عَلِيٍّ أَصَحُّ وَأَصْرَحُ مِنْهُ، وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ زَائِدَةً، كَمَا فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الْأَنْعَامِ:٥٥] ، ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ [الْأَنْعَامِ:٧٥] ، أَوْ تَكُونَ لِعَطْفِ الصِّفَاتِ لَا لِعَطْفِ الذَّوَاتِ، كَقَوْلِهِ: ﴿وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الْأَحْزَابِ:٤٠] ، وَكَقَوْلِهِ: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى﴾ [الْأَعْلَى ١-٤] وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَقَالَ الشَّاعِرُ: إِلَى الْمَلِكِ الْقَرْمِ وَابْنِ الْهُمَامِ ... وَلَيْثِ الْكَتِيبَةِ فِي الْمُزْدَحَمِ ... وَقَالَ أَبُو دُؤَادٍ الْإِيَادِيُّ: سَلَّطَ الْمَوْتَ وَالْمَنُونَ عَلَيْهِمْ ... فَلَهُمْ فِي صَدَى الْمَقَابِرِ هَامُ [[البيت في لسان العرب لابن منظور، مادة "منن".]] وَالْمَوْتُ هُوَ الْمَنُونُ؛ قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ الْعَبَّادِيُّ: فَقَدَّمْتُ الْأَدِيمَ لِرَاهِشِيهِ ... فَأَلْفَى قَوْلَهَا كَذِبًا وَمَيْنَا [[البيت في لسان العرب لابن منظور، مادة "مين".]] وَالْكَذِبُ: هُوَ الْمَيْنُ، وَقَدْ نَصَّ سِيبَوَيْهِ شَيْخُ النُّحَاةِ عَلَى جَوَازِ قَوْلِ الْقَائِلِ: مَرَرْتُ بِأَخِيكَ وَصَاحِبِكَ، وَيَكُونُ الصَّاحِبُ هُوَ الْأَخَ نَفْسَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا إِنْ رُوِيَ عَلَى أَنَّهُ قُرْآنٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَوَاتَرْ، فَلَا يَثْبُتُ بِمِثْلِ خَبَرِ الْوَاحِدِ قُرْآنٌ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُثْبِتْهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ، وَلَا قَرَأَ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الْقُرَّاءِ الَّذِينَ تَثْبُتُ الْحُجَّةُ بِقِرَاءَتِهِمْ، لَا مِنَ السَّبْعَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ. ثُمَّ قَدْ رُوِيَ مَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِ هَذِهِ التِّلَاوَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ مُسْلِمٌ: حدثنا إسحاق بن رَاهْوَيْهِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: نَزَلَتْ: "حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ [[في جـ، أ: "والصلاة الوسطى صلاة العصر".]] " فَقَرَأْنَاهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ نَسَخَهَا اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فَأَنْزَلَ: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى﴾ فَقَالَ لَهُ زَاهِرٌ -رَجُلٌ كَانَ مَعَ شَقِيقٍ -: أَفَهِيَ الْعَصْرُ؟ قَالَ: قَدْ حَدَّثْتُكَ كَيْفَ نَزَلَتْ، وَكَيْفَ نَسَخَهَا اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ مُسْلِمٌ: وَرَوَاهُ الْأَشْجَعِيُّ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ شَقِيقٍ [[صحيح مسلم برقم (٦٣) .]] . قُلْتُ: وَشَقِيقٌ هَذَا لَمْ يَرْوِ لَهُ مُسْلِمٌ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَعَلَى هَذَا تَكُونُ هَذِهِ التِّلَاوَةُ، وَهِيَ تِلَاوَةُ الْجَادَّةِ، نَاسِخَةً لِلَفْظِ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، وَلِمَعْنَاهَا، إِنْ كَانَتِ الْوَاوُ دَالَّةً عَلَى الْمُغَايَرَةِ، وَإِلَّا فَلِلَفْظِهَا فَقَطْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقِيلَ: إِنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَفِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الجُمَاهر [[في أ: "عن أبي الجماهير".]] عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ عَمِّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: صَلَاةُ الْوُسْطَى: الْمَغْرِبُ. وَحَكَى هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ قَتَادَةَ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ. وَوَجَّهَ هَذَا الْقَوْلَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا: وُسْطَى فِي الْعَدَدِ بَيْنَ الرُّبَاعِيَّةِ وَالثُّنَائِيَّةِ، وَبِأَنَّهَا وِتْرُ الْمَفْرُوضَاتِ، وَبِمَا جَاءَ فِيهَا مِنَ الْفَضِيلَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقِيلَ: إِنَّهَا الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ، اخْتَارَهُ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاحِدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْمَشْهُورِ: وَقِيلَ: هِيَ وَاحِدَةٌ مِنَ الْخَمْسِ، لَا بِعَيْنِهَا، وَأُبْهِمَتْ فِيهِنَّ، كَمَا أُبْهِمَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي الْحَوْلِ أَوِ الشَّهْرِ أَوِ الْعَشْرِ. وَيُحْكَى هَذَا الْقَوْلُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَشُرَيْحٍ الْقَاضِي، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَالرَّبِيعِ بْنِ خيثم، وَنُقِلَ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَاخْتَارَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْجُوَيْنِيُّ فِي نِهَايَتِهِ. وَقِيلَ: بَلِ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى مَجْمُوعُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَفِي صِحَّتِهِ أَيْضًا نَظَرٌ وَالْعَجَبُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ النَّمري، إِمَامُ مَا وَرَاءَ الْبَحْرِ، وَإِنَّهَا لِإِحْدَى الْكُبَرِ، إِذِ اخْتَارَهُ -مَعَ اطِّلَاعِهِ وَحِفْظِهِ -مَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا أَثَرٍ. وَقِيلَ: إِنَّهَا صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَقِيلَ: بَلْ هِيَ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ. وَقِيلَ: صَلَاةُ الْجُمُعَةِ. وَقِيلَ: صَلَاةُ الْخَوْفِ. وَقِيلَ: بَلْ صَلَاةُ عِيدِ الْفِطْرِ. وَقِيلَ: بَلْ صَلَاةُ عِيدِ الْأَضْحَى. وَقِيلَ: الْوِتْرُ. وَقِيلَ: الضُّحَى. وَتَوَقَّفَ فِيهَا آخَرُونَ لَمَّا تَعَارَضَتْ عِنْدَهُمُ الْأَدِلَّةُ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ وَجْهُ التَّرْجِيحِ. وَلَمْ يَقَعِ الْإِجْمَاعُ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ، بَلْ لَمْ يَزَلِ التَّنَازُعُ [[في أ، و: "النزاع".]] فِيهَا موجودا من زمن الصحابة وإلى الآن. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَابْنُ مُثَنَّى، قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُخْتَلِفِينَ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى هَكَذَا، وشَبَّك بَيْنَ أَصَابِعِهِ [[تفسير الطبري (٥/٢٢١) .]] . [وَقَدْ حَكَى فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ قَوْلًا عَنْ جَمْعٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ زَيْدُ بْنُ ثابت، وربيع ابن خيثم: أَنَّهَا لَمْ يَرِدْ بَيَانُهَا، وَإِنَّمَا أُرِيدَ إِبْهَامُهَا، كَمَا أُبْهِمَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَسَاعَةُ الْإِجَابَةِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَالِاسْمُ الْأَعْظَمُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَوَقْتُ الْمَوْتِ عَلَى الْمُكَلَّفِ؛ لِيَكُونَ فِي كُلِّ وَقْتٍ مُسْتَعِدًّا، وَكَذَا أُبْهِمَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَنْزِلُ فِيهَا مِنَ السَّمَاءِ وَبَاءٌ لِيَحَذَرَهَا النَّاسُ، وَيُعْطُوا الْأُهْبَةَ دَائِمًا، وَكَذَا وَقْتُ السَّاعَةِ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ؛ فَلَا تَأْتِي إِلَّا بَغْتَةً] [[زيادة من جـ.]] . وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِيهَا ضَعْفٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الَّتِي قَبْلَهَا، وَإِنَّمَا الْمَدَارُ وَمُعْتَرَكُ النِّزَاعِ فِي الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ. وَقَدْ ثَبَتَتِ السُّنَّةُ بِأَنَّهَا الْعَصْرُ، فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إِلَيْهَا. وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ فِي كِتَابِ "فَضَائِلِ الشَّافِعِيِّ" رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ حَرْمَلَةَ بْنَ يَحْيَى التُّجِيبِيَّ يَقُولُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَا قُلْتُ فَكَانَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ خِلَافَ قَوْلِي مِمَّا يَصِحُّ، فَحَدِيثُ النَّبِيِّ ﷺ أَوْلَى، وَلَا تُقَلِّدُونِي. وَكَذَا رَوَى الرَّبِيعُ وَالزَّعْفَرَانِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، عَنِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ مُوسَى أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ أَبِي الْجَارُودِ، عَنِ الشَّافِعِيِّ: إِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ وَقُلْتُ قَوْلًا فَأَنَا رَاجِعٌ عَنْ قَوْلِي وَقَائِلٌ بِذَلِكَ. فَهَذَا مِنْ سِيَادَتِهِ وَأَمَانَتِهِ، وَهَذَا نَفْسُ إِخْوَانِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ آمِينَ. وَمِنْ هَاهُنَا قَطَعَ الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنَّ صَلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ نَصَّ فِي الْجَدِيدِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا الصُّبْحُ، لِصِحَّةِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهَا الْعَصْرُ، وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ جَمَاعَةٌ مِنْ مُحَدِّثِي الْمَذْهَبِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَمِنَ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَذْهَبِ مَنْ يُنْكِرُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْعَصْرُ مَذْهَبًا لِلشَّافِعِيِّ، وَصَمَّمُوا عَلَى أَنَّهَا الصُّبْحُ قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ، وَلِتَقْرِيرِ الْمُعَارَضَاتِ وَالْجَوَابَاتِ مَوْضِعٌ آخَرُ غَيْرُ هَذَا، وَقَدْ أَفْرَدْنَاهُ عَلَى حِدَةٍ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. * * * وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ أَيْ: خَاشِعِينَ ذَلِيلِينَ مُسْتَكِينِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهَذَا الْأَمْرُ مُسْتَلْزِمٌ [[في جـ: "يستلزم".]] تَرْكَ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ، لِمُنَافَاتِهِ إِيَّاهَا؛ وَلِهَذَا لَمَّا امْتَنَعَ النَّبِيُّ ﷺ مِنَ الرَّدِّ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ حِينَ سَلَّمَ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، اعْتَذَرَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، وَقَالَ. "إِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا"، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ [السُّلَمِيِّ] [[زيادة من جـ، أ، و.]] حِينَ تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ: "إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ [[في أ: "لا يصح".]] فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إنما هي التسبيح والتكبير وذكر الله" [[صحيح مسلم برقم (٥٣٧) .]] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ شُبَيْلٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُكَلِّمُ صَاحِبَهُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ، فِي الْحَاجَةِ فِي الصَّلَاةِ، حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ -سِوَى ابْنِ مَاجَهْ، بِهِ، مِنْ طُرُقٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، بِهِ [[المسند (٤/٣٦٨) وصحيح البخاري برقم (١٢٠٠، ٤٥٣٤) وصحيح مسلم برقم (٥٣٩) وسنن أبي داود برقم (٩٤٩) وسنن الترمذي برقم (٢٩٨٦) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٠٤٧) .]] . وَقَدْ أَشْكَلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، حَيْثُ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ كَانَ بِمَكَّةَ، قَبْلَ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَعْدَ الْهِجْرَةِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ، قَالَ: كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ قَبْلَ أَنْ نُهَاجِرَ إِلَى الْحَبَشَةِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، فَأَخَذَنِي مَا قَرُبَ وَمَا بَعُدَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: "إِنِّي لَمْ أَرُدَّ عَلَيْكَ إِلَّا أَنِّي كُنْتُ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَلَّا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ" [[صحيح البخاري برقم (١١٩٩، ٣٨٧٥) وصحيح مسلم برقم (٥٣٨) .]] . وَقَدْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ مِمَّنْ أَسْلَمَ قَدِيمًا، وَهَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ، ثُمَّ قَدِمَ مِنْهَا إِلَى مَكَّةَ مَعَ مَنْ قَدِمَ، فَهَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ مَدَنِيَّةٌ [[في و: "نزلت بالمدينة".]] بِلَا خِلَافٍ، فَقَالَ قَائِلُونَ: إِنَّمَا أَرَادَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ بِقَوْلِهِ: "كَانَ الرَّجُلُ يُكَلِّمُ أَخَاهُ فِي حَاجَتِهِ فِي الصَّلَاةِ" الْإِخْبَارَ عَنْ جِنْسِ النَّاسِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ بِحَسْبِ مَا فَهِمَهُ مِنْهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ وَقَعَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ إِلَيْهَا، وَيَكُونُ ذَلِكَ فَقَدْ أُبِيحَ مَرَّتَيْنِ، وَحُرِّمَ مَرَّتَيْنِ، كَمَا اخْتَارَ ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَاللَّهُ أَيْضًا أَعْلَمُ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى، عَنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا يُسَلِّمُ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فِي الصَّلَاةِ، فَمَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهُ نَزَلَ فيَّ شَيْءٌ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ ﷺ صَلَاتَهُ قَالَ: "وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، أَيُّهَا الْمُسَلِّمُ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ فَإِذَا كُنْتُمْ فِي الصَّلَاةِ فَاقْنُتُوا وَلَا تَكَلَّمُوا" [[ورواه الطبراني في المعجم الكبير (١٠/١٣٧) من طريق عاصم عن المسيب عن ابن مسعود به نحوه.]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ لَمَّا أَمَرَ تَعَالَى عِبَادَهُ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ، وَالْقِيَامِ بِحُدُودِهَا، وَشَدَّدَ الْأَمْرَ بِتَأْكِيدِهَا ذَكَرَ الْحَالَ الَّتِي يَشْتَغِلُ الشَّخْصُ فِيهَا عَنْ أَدَائِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، وَهِيَ حَالُ الْقِتَالِ وَالْتِحَامِ الْحَرْبِ فَقَالَ: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا﴾ [[في جـ: "وإن" وهو خطأ.]] أَيْ: فَصَلُّوا عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ، رِجَالًا أَوْ رُكْبَانَا: يعني: مستقبلي القبلة وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا كَمَا قَالَ مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ [[في جـ: "عن".]] ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَصَفَهَا. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ، أَوْ رُكْبَانَا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا. قَالَ نَافِعٌ: لَا أَرَى ابْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ -وَهَذَا لَفْظُهُ [[صحيح البخاري برقم (٤٥٣٥) .]] -وَمُسْلِمٌ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ، ﷺ: نَحْوَهُ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ [[صحيح البخاري برقم (٩٤٣) .]] وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ فَصَلِّ رَاكِبًا أَوْ قَائِمًا تُومِئُ إِيمَاءً [[صحيح مسلم برقم (٨٣٩) .]] . وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ الْجُهَنِيِّ لَمَّا بَعَثَهُ النَّبِيُّ ﷺ، إِلَى خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ الْهُذَلِيِّ لِيَقْتُلَهُ وَكَانَ نَحْوَ عَرَفَةَ -أَوْ عَرَفَاتٍ-فَلَمَّا وَاجَهَهُ حَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ قَالَ: فَخَشِيتُ أَنْ تَفُوتَنِي فَجَعَلْتُ أُصَلِّي وَأَنَا أُومِئُ إِيمَاءً. الْحَدِيثُ بِطُولِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ [[المسند (٣/٤٩٦) وسنن أبي داود برقم (١٢٤٩) .]] وَهَذَا مِنْ رُخَصِ اللَّهِ الَّتِي رَخَّصَ لِعِبَادِهِ ووَضْعِه الْآصَارَ وَالْأَغْلَالَ عَنْهُمْ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ شَبِيبِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عباس قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: يُصَلِّي الرَّاكِبُ عَلَى دَابَّتِهِ وَالرَّاجِلُ عَلَى رِجْلَيْهِ. قَالَ: وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَمَكْحُولٍ وَالسُّدِّيِّ وَالْحَكَمِ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ نَحْوُ ذَلِكَ وَزَادُوا: يُومِئُ بِرَأْسِهِ أَيْنَمَا تَوَجَّهَ [[في أ: "إيماء بوجه".]] . ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ حَدَّثَنَا دَاوُدُ -يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ-عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إِذَا كَانَتِ الْمُسَايَفَةُ فَلْيُومِئْ بِرَأْسِهِ [إِيمَاءً] [[زيادة من و.]] حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا﴾ وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَعَطِيَّةَ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ وَقَتَادَةَ نَحْوُ ذَلِكَ. وَقَدْ ذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيمَا نَصَّ عَلَيْهِ، إِلَى أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ تُفْعَلُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ رَكْعَةً وَاحِدَةً إِذَا تَلَاحَمَ الْجَيْشَانِ، وَعَلَى ذَلِكَ يَنْزِلُ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ الْوَضَّاحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيِّ -زَادَ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ: وَأَيُّوبُ بْنُ عَائِذٍ-كِلَاهُمَا عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَخْنَسِ الْكُوفِيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ ﷺ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا، وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً [[صحيح مسلم برقم (٦٨٧) وسنن أبي داود برقم (١٢٤٧) وسنن النسائي (١/٢٢٦، ٣/١١٨، ١١٩، ١٦٩) وسنن ابن ماجة برقم (١٠٦٨) وتفسير الطبري (٥/٢٤٧) .]] وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: سَأَلْتُ الْحَكَمَ وَحَمَّادًا وَقَتَادَةَ عَنْ صَلَاةِ الْمُسَايَفَةِ، فَقَالُوا: ركعة وهكذا روى الثوري عنهم سواء. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو السَّكُونِيُّ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ الْفَقِيرُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: صَلَاةُ الْخَوْفِ. رَكْعَةٌ وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ جَرِيرٍ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: "بَابُ الصَّلَاةِ عِنْدَ مُنَاهَضَةِ الْحُصُونِ وَلِقَاءِ الْعَدُوِّ" وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِنْ كَانَ تَهَيَّأَ الْفَتْحُ، وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلَاةِ صَلُّوا إِيمَاءً كُلُّ امْرِئٍ لِنَفْسِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْإِيمَاءِ أَخَّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى يَنْكَشِفَ الْقِتَالُ أَوْ يَأْمَنُوا فَيُصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا صَلَّوْا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا لَا يُجْزِئُهُمُ التَّكْبِيرُ وَيُؤَخِّرُونَهَا حَتَّى يَأْمَنُوا. وَبِهِ قَالَ مَكْحُولٌ -وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: حَضَرْتُ مُنَاهَضَةَ حِصْنِ تسْتَر عِنْدَ إِضَاءَةِ الْفَجْرِ، وَاشْتَدَّ اشْتِعَالُ الْقِتَالِ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلَاةِ فَلَمْ نُصَلِّ إِلَّا بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ فَصَلَّيْنَاهَا وَنَحْنُ مَعَ أَبِي مُوسَى فَفُتِحَ لَنَا. قَالَ أَنَسٌ: وَمَا يَسُرُّنِي بِتِلْكَ الصَّلَاةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ [[صحيح البخاري (٢/٤٣٤) .]] ثُمَّ اسْتُشْهِدَ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ تَأْخِيرِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، صَلَاةَ الْعَصْرِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بِعُذْرِ الْمُحَارَبَةِ إِلَى [[في جـ، و: "إلى بعد".]] غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، بَعْدَ ذَلِكَ لِأَصْحَابِهِ لَمَّا جَهَّزَهُمْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ: "لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ"، فَمِنْهُمْ مَنْ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فِي الطَّرِيقِ فَصَلَّوْا وَقَالُوا: لَمْ يُرِدْ مِنَّا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، إِلَّا تَعْجِيلَ السَّيْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَدْرَكَتْهُ فَلَمْ يُصَلِّ إِلَى أَنْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا [[في جـ: "أحدا".]] مِنَ الْفَرِيقَيْنِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِ الْبُخَارِيِّ لِهَذَا الْقَوْلِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ وَيُعَوِّلُونَ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَرَدَ بِهَا الْقُرْآنُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَوَرَدَتْ [[في جـ: "وورد".]] بِهَا الْأَحَادِيثُ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوعَةً فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ، وَإِنَّمَا شُرِعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا مَكْحُولٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالْبُخَارِيُّ فَيُجِيبُونَ بِأَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ صَلَاةِ الْخَوْفِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تُنَافِي جَوَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا حَالٌ نَادِرٌ خَاصٌّ فَيَجُوزُ فِيهِ مِثْلُ مَا قُلْنَا بِدَلِيلِ صَنِيعِ الصَّحَابَةِ زَمَنَ عُمَرَ فِي فَتْحِ تُسْتَرَ وَقَدِ اشْتُهِرَ وَلَمْ يُنْكَرْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ﴾ أَيْ: أَقِيمُوا صَلَاتَكُمْ كَمَا أُمِرْتُمْ فَأَتِمُّوا [[في جـ: "وأتموا".]] رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا وَقِيَامَهَا وَقُعُودَهَا وَخُشُوعَهَا وَهُجُودَهَا ﴿كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ أَيْ: مِثْلَ مَا أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ وَهَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ وَعَلَّمَكُمْ مَا يَنْفَعُكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَقَابِلُوهُ بِالشُّكْرِ وَالذِّكْرِ، كَقَوْلِهِ بَعْدَ ذِكْرِ صَلَاةِ الْخَوْفِ: ﴿فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النِّسَاءِ:١٠٣] وَسَتَأْتِي الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَصِفَاتِهَا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ﴾ الآية [النساء:١٠٢] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب