يَقُولُ تَعَالَى مُخْبرًا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: كَمْ قَدْ شَاهَدُوا مَعَ مُوسَى ﴿مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ﴾ أَيْ: حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ عَلَى صِدْقِهِ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ، كَيَدهِ وَعَصَاهُ وفَلْقه الْبَحْرَ وضَرْبه الْحَجَرَ، وَمَا كَانَ مِنْ تَظْلِيلِ الْغَمَامِ عَلَيْهِمْ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، وَمِنْ إِنْزَالِ المَنّ وَالسَّلْوَى وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّاتِ عَلَى وُجُودِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ، وَصِدْقِ مَنْ جَرَتْ هَذِهِ الْخَوَارِقُ عَلَى يَدَيه، وَمَعَ هَذَا أَعْرَضَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَنْهَا، وبَدلوا نِعْمَةَ اللَّهِ [كُفْرًا] [[زيادة من جـ، ط، أ، و.]] أَيِ: اسْتَبْدَلُوا بِالْإِيمَانِ بِهَا الْكُفْرَ بِهَا، وَالْإِعْرَاضَ عَنْهَا. ﴿وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ كَمَا قَالَ إِخْبَارًا عَنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: ٢٨، ٢٩] .
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ تَزْيِينِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا لِلْكَافِرِينَ الَّذِينَ رُضُوا بِهَا وَاطْمَأَنُّوا إِلَيْهَا، وَجَمَعُوا الْأَمْوَالَ وَمَنَعُوهَا عَنْ مَصَارِفِهَا التِي أُمِرُوا بِهَا مِمَّا يُرْضِي اللَّهَ عَنْهُمْ، وَسَخِرُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ أَعْرَضُوا عَنْهَا، وَأَنْفَقُوا مَا حَصَلَ لَهُمْ مِنْهَا فِي طَاعَةِ رَبِّهِمْ، وَبَذَلُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ؛ فَلِهَذَا فَازُوا بِالْمَقَامِ الْأَسْعَدِ وَالْحَظِّ الْأَوْفَرِ يَوْمَ مَعَادِهِمْ، فَكَانُوا فَوْقَ أُولَئِكَ فِي مَحْشَرِهِمْ ومَنْشَرهم، وَمَسِيرِهِمْ وَمَأْوَاهُمْ، فَاسْتَقَرُّوا فِي الدَّرَجَاتِ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ، وَخُلِّدَ أُولَئِكَ فِي الدَّرَكَاتِ فِي أَسْفَلِ السَّافِلِينَ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ أَيْ: يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقه، وَيُعْطِيهِ عَطَاءً كَثِيرًا جَزِيلًا بِلَا حَصْرٍ وَلَا تَعْدَادٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [[في طـ: "في الدنيا ولا في الآخرة".]] كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "ابْنَ آدَمَ، أَنْفقْ أُنْفقْ عَلَيْكَ"، وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "أَنْفِقْ بِلَالُ وَلَا تَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلَالَا" [[رواه الطبراني في المعجم الكبير (١٠/١٩٢) من طريق يحيى بن وثاب، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه مرفوعا، وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب (٢/٥١) .]] . وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ [سَبَأٍ: ٣٩] ، وَفِي [[في جـ، أ، و: "وهو في".]] الصَّحِيحِ أَنَّ مَلَكين يَنْزِلَانِ مِنَ السَّمَاءِ صَبيحة كُلِّ يَوْمٍ، يَقُولُ [[في جـ، ط: "فيقول".]] أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا. وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسكا تلفًا. وفي الصحيح [[في أ: "وفي الصحيحين".]] "يقول ابْنُ آدَمَ: مَالِي، مَالِي! وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، وَمَا لَبسْتَ فأبليتَ، وَمَا تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ [[في أ: "فأبقيت".]] ؟ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ".
وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "الدُّنْيَا دَارُ مَنْ لَا دَارَ لَهُ، وَمَالُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ، وَلَهَا يَجمَعُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ" [[المسند (٦/٧١) من حديث عائشة رضي الله عنها.]] .
{"ayahs_start":211,"ayahs":["سَلۡ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ كَمۡ ءَاتَیۡنَـٰهُم مِّنۡ ءَایَةِۭ بَیِّنَةࣲۗ وَمَن یُبَدِّلۡ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَتۡهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ","زُیِّنَ لِلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَا وَیَسۡخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ۘ وَٱلَّذِینَ ٱتَّقَوۡا۟ فَوۡقَهُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِۗ وَٱللَّهُ یَرۡزُقُ مَن یَشَاۤءُ بِغَیۡرِ حِسَابࣲ"],"ayah":"سَلۡ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ كَمۡ ءَاتَیۡنَـٰهُم مِّنۡ ءَایَةِۭ بَیِّنَةࣲۗ وَمَن یُبَدِّلۡ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَتۡهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ"}