الباحث القرآني
[قِيلَ الْمُرَادُ بِالسُّفَهَاءِ هَاهُنَا: الْمُشْرِكُونَ؛ مُشْرِكُو الْعَرَبِ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ. وَقِيلَ: أَحْبَارُ يَهُودَ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقِيلَ: الْمُنَافِقُونَ، قَالَهُ السُّدِّيُّ. وَالْآيَةُ عَامَّةٌ فِي هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ] [[زيادة من جـ، ط.]] .
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيم، سَمِعَ زُهَيراً، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى إِلَى بَيْتِ [[في جـ: "إلى البيت".]] الْمَقْدِسِ ستَّة عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَاهَا، صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ. فَخَرَجَ رَجُلٌ [[في ط: "فخرج قوم".]] مِمَّنْ كَانَ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَهُمْ رَاكِعُونَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صليتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ قبَل مَكَّةَ، فدارُوا كَمَا هُمْ قَبِلَ الْبَيْتِ. وَكَانَ الذِي مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوّل قِبَلَ الْبَيْتِ رِجَالًا قُتِلُوا لَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾
انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ [[صحيح البخاري برقم (٤٤٨٦) .]] . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخر [[صحيح مسلم برقم (٥٢٥) .]] .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ [[في أ: "حدثني المعلى".]] بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَيُكْثِرُ النَّظَرَ إِلَى السَّمَاءِ يَنْتَظِرُ [[في ط: "وينتظر".]] أَمْرَ اللَّهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ فَقَالَ رِجَالٌ [[في أ: "فقال رجل".]] مِنَ الْمُسْلِمِينَ: وَددْنا لَوْ عَلمْنا عِلْمَ مَنْ مَاتَ مِنَّا قَبْلَ أَنْ نُصْرف إِلَى الْقِبْلَةِ، وَكَيْفَ بِصَلَاتِنَا نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ وَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ، وَهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ﴾ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَدْ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ قَالَ: فَوُجّه نَحْوَ الْكَعْبَةِ. وَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ، وَهُمُ الْيَهُودُ: ﴿مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، أمَره اللَّهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَفَرِحَتِ الْيَهُودُ، فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِضْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُحِب قِبْلَةَ إِبْرَاهِيمَ، فَكَانَ يَدْعُو اللَّهَ وَيَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ أَيْ: نَحْوَهُ. فَارْتَابَ مِنْ ذَلِكَ الْيَهُودُ، وَقَالُوا: مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ التِي كَانُوا عَلَيْهَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ .
وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا الْبَابِ أحاديثُ كَثِيرَةٌ، وحاصلُ الْأَمْرِ أَنَّهُ قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أمِرَ بِاسْتِقْبَالِ الصَّخْرَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَكَانَ بِمَكَّةَ يُصَلِّي بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، فَتَكُونُ بَيْنَ يَدَيْهِ الْكَعْبَةُ وَهُوَ مُسْتَقْبَلٌ صَخْرَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ تَعَذَّر الجمعُ بَيْنَهُمَا، فَأَمَرَهُ اللَّهُ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْجُمْهُورُ، ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ هَلْ كَانَ الْأَمْرُ بِهِ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِغَيْرِهِ؛ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ التَّوَجُّهَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَ بِاجْتِهَادِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ التَّوَجُّهَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَعْدَ مَقْدِمِهِ ﷺ الْمَدِينَةَ، فاستمرَّ الأمرُ عَلَى ذَلِكَ بِضْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُكْثِرُ الدعاءَ والابتهالَ أنْ يُوَجَّه إِلَى الْكَعْبَةِ، التِي هِيَ قِبْلَةُ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ، وَأُمِرَ بالتوجِّه إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، فَخَطَبَ رسولُ اللَّهِ ﷺ النَّاسَ، وَأَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ. وَكَانَ أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَاهَا إِلَيْهَا صَلَاةُ الْعَصْرِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ الْبَرَاءِ. وَوَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَى: أَنَّهَا الظُّهْرُ [[سنن النسائي الكبرى برقم (١١٠٠٤) .]] . وَأَمَّا أَهْلُ قُبَاء، فَلَمْ يَبْلُغْهُمُ الْخَبَرُ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنَ الْيَوْمِ الثَّانِي، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا. وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ [[صحيح البخاري برقم (٤٠٣) وصحيح مسلم برقم (٥٢٦) .]] .
وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّاسِخَ لَا يَلْزَمُ حُكْمُهُ إِلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ، وَإِنْ تَقَدَّمَ نُزُولُهُ وَإِبْلَاغُهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِإِعَادَةِ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمَّا وَقَعَ هَذَا حَصَلَ لِبَعْضِ النَّاسِ -مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ وَالرَّيْبِ وَالْكَفَرَةِ مِنَ الْيَهُودِ -ارْتِيَابٌ وَزَيْغٌ عَنِ الْهُدَى وَتَخْبِيطٌ وَشَكٌّ، وَقَالُوا: ﴿مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ أَيْ: مَا لِهَؤُلَاءِ تَارَةً يَسْتَقْبِلُونَ كَذَا، وَتَارَةً يَسْتَقْبِلُونَ كَذَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَوَابَهُمْ فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ أَيِ: الْحُكْمُ وَالتَّصَرُّفُ وَالْأَمْرُ كُلُّهُ لِلَّهِ، وَحَيْثُمَا تُوَلُّوا فثمَّ وَجْهُ اللَّهِ، وَ ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ [الْبَقَرَةِ: ١٧٧] أَيِ: الشَّأْنُ كُلُّهُ فِي امْتِثَالِ أَوَامِرِ اللَّهِ، فَحَيْثُمَا وَجَّهْنَا تَوَجَّهْنَا، فَالطَّاعَةُ فِي امْتِثَالِ أَمْرِهِ، وَلَوْ وَجَّهَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّاتٍ إِلَى جِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، فَنَحْنُ عَبِيدُهُ وَفِي تَصْرِيفِهِ وخُدَّامُه، حَيْثُمَا وجَّهَنا تَوَجَّهْنَا، وَهُوَ تَعَالَى لَهُ بِعَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ -صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ [[في ط: "صلى الله عليه وسلم".]] -وأمتِه عِنَايَةٌ عَظِيمَةٌ؛ إِذْ هَدَاهُمْ إِلَى قِبْلَةِ إِبْرَاهِيمَ، خَلِيلِ الرَّحْمَنِ، وَجَعَلَ تَوَجُّهَهُمْ إِلَى الْكَعْبَةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى اسْمِهِ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، أَشْرَفَ بُيُوتِ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، إِذْ هِيَ بِنَاءُ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ .
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُمَر [[في ط، أ، و: "عن عمرو".]] بْنِ قَيْسٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ -يَعْنِي فِي أَهْلِ الْكِتَابِ -:"إِنَّهُمْ لَا يَحْسُدُونَنَا عَلَى شَيْءٍ كَمَا يَحْسُدُونَنَا عَلَى يَوْمِ الْجُمْعَةِ، التِي هَدَانَا اللَّهُ لَهَا وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الْإِمَامِ: آمِينَ" [[المسند (٦/١٣٤) .]] .
* * *
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى: إِنَّمَا حَوّلناكم إِلَى قِبْلَةِ [[في ط: "ملة".]] إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَاخْتَرْنَاهَا لَكُمْ [[في أ: "واحترفناها لكم"، وفي و: "واخترناكم لها".]] لَنَجْعَلَكُمْ خِيَارَ الْأُمَمِ، لِتَكُونُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُهَداء عَلَى الْأُمَمِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ [[في أ: "الأمم".]] مُعْتَرِفُونَ [[في ط: "معترفين" وهو خطأ..]] لَكُمْ بِالْفَضْلِ. وَالْوَسَطُ هَاهُنَا: الْخِيَارُ وَالْأَجْوَدُ، كَمَا يُقَالُ: قُرَيْشٌ أوسطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا، أَيْ: خَيْرُهَا. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَسَطًا فِي قَوْمِهِ، أَيْ: أَشْرَفُهُمْ نَسَبًا، وَمِنْهُ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى، التِي هِيَ أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ، وَهِيَ الْعَصْرُ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا، وَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ وَسَطًا خَصَّها بِأَكْمَلِ الشَّرَائِعِ وَأَقْوَمِ الْمَنَاهِجِ وَأَوْضَحِ [[في جـ: "وأصح".]] الْمَذَاهِبِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [الحج: ٧٨] وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيع، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بلَّغت؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيُدْعَى قَوْمُهُ فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ وَمَا أَتَانَا مِنْ أَحَدٍ، فَيُقَالُ لِنُوحٍ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ" قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [[المسند (٣/٣٢) .]] .
قَالَ: الْوَسَطُ [[في جـ، ط: "قال: والوسط".]] : الْعَدْلُ، فَتُدْعَوْنَ، فَتَشْهَدُونَ لَهُ بِالْبَلَاغِ، ثُمَّ أَشْهَدُ عَلَيْكُمْ [[في جـ: "بقول يشهد عليكم" وفي ط: "وأشهد عليكم".]] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الْأَعْمَشِ، [بِهِ] [[زيادة من جـ، ط، أ، و.]] [[صحيح البخاري برقم (٣٣٣٩،٤٤٨٧) وسنن الترمذي برقم (٢٩٦١) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٠٠٧) وسنن ابن ماجة برقم (٤٢٨٤) .]] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يَجِيءُ النَّبِيُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالنَّبِيُّ] [[زيادة من جـ، أ، والمسند.]] وَمَعَهُ الرَّجُلَانِ وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَيُدْعَى قَوْمُهُ، فَيُقَالُ [لَهُمْ] [[زيادة من جـ، أ، والمسند.]] هَلْ بَلَّغَكُمْ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: لَا. فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ قَوْمَكَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيُقَالُ [لَهُ] [[زيادة من جـ، والمسند.]] مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ فَيُدْعَى بِمُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَ هَذَا قَوْمَهُ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيُقَالُ: وَمَا عِلْمُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: جَاءَنَا نَبِيُّنَا ﷺ فَأَخْبَرَنَا أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغُوا" فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ قَالَ: "عَدْلًا ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ " [[المسند (٣/٥٨) .]] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ قَالَ: "عَدْلًا" [[المسند (٣/٩) .]] .
وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدويه وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عُتَيْبَةَ [[في جـ: "بن عيينة".]] بْنِ نَهَّاسٍ: حَدَّثَنِي مُكْتِبٌ لَنَا [[في و: "مكاتب لنا".]] عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: أَنَا وأمَّتي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى كَوْم مُشرفين عَلَى [[في جـ: "مشرف على".]] الْخَلَائِقِ. مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ إِلَّا وَدَّ أَنَّهُ منَّا. وَمَا مِنْ نَبِيٍّ كَذَّبه قَوْمُهُ إِلَّا وَنَحْنُ نشهدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ رسالةَ رَبِّهِ، عز وجل [[ورواه الطبري في تفسيره (٣/١٤٧) من طريق ابن فضيل عن أبي مالك الأشجعي به.]] .
وَرَوَى الْحَاكِمُ، فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَابْنُ مَرْدُويَه أَيْضًا، وَاللَّفْظُ لَهُ، مِنْ حَدِيثِ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظي، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: شَهِدَ رسولُ اللَّهِ ﷺ جِنَازَةً، فِي بَنِي سَلِمَةَ، وَكُنْتُ إِلَى جَانِبِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَاللَّهِ -يَا رسولَ اللَّهِ -لَنِعْمَ المرءُ كَانَ، لَقَدْ كَانَ عَفِيفًا مُسْلِمًا وَكَانَ ... وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ خَيْرًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَنْتَ بِمَا تَقُولُ". فَقَالَ الرَّجُلُ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِالسَّرَائِرِ، فَأَمَّا الذِي بَدَا لَنَا مِنْهُ فَذَاكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "وَجَبَتْ". ثُمَّ شَهِد جِنَازَةً فِي بَنِي حَارِثة، وكنتُ إِلَى جَانِبِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَا رسولَ اللَّهِ، بِئْسَ المرءُ كَانَ، إِنْ كَانَ لفَظّاً غَلِيظًا، فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ شَرًّا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِبَعْضِهِمْ: "أَنْتَ بِالذِي تَقُولُ". فَقَالَ الرَّجُلُ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِالسَّرَائِرِ، فَأَمَّا الذِي بَدَا لَنَا مِنْهُ فَذَاكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "وَجَبَتْ".
قَالَ مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ: فَقَالَ لَنَا عِنْدَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْب: صدقَ رسُول اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾
ثُمَّ قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ [[المستدرك (٢/٢٦٨) وتعقبه الذهبي بقوله: "فيه مصعب بن ثابت ليس بالقوي".]] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُريدة، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ أَنَّهُ قَالَ: أتيتُ الْمَدِينَةَ فَوَافَقْتُهَا، وَقَدْ وَقَعَ بِهَا مَرَضٌ، فَهُمْ يَمُوتُونَ مَوْتًا ذَريعاً. فَجَلَسْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَمَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ، فَأثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا خَيْرٌ. فَقَالَ: وَجَبَتْ وجَبَت. ثُمَّ مُرّ بِأُخْرَى فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شرٌّ، فَقَالَ عُمَرُ: وَجَبَتْ [وَجَبَتْ] [[زيادة من أ.]] . فَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ: مَا وَجَبَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: قُلْتُ كَمَا قَالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: "أَيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِد لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ". قَالَ: فَقُلْنَا. وَثَلَاثَةٌ؟ قَالَ: "وَثَلَاثَةٌ". قَالَ، فَقُلْنَا: وَاثْنَانِ؟ قَالَ: "وَاثْنَانِ" ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنِ الْوَاحِدِ.
وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، بِهِ [[المسند (١/٢٢) وصحيح البخاري برقم (١٣٦٨) وسنن الترمذي برقم (١٠٥٩) وسنن النسائي (٤/٥٠) .]] .
قَالَ ابْنُ مَرْدويه: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو قِلابة الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي أُمِّيَّةُ بْنُ صَفْوَانَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بالنَّباوَة [[في جـ: "بالبناوة".]] يَقُولُ: "يُوشِكُ أَنْ تَعْلَمُوا خِيَارَكُمْ مِنْ شِرَارِكُمْ" قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بِالثَّنَاءِ الْحَسَنِ وَالثَّنَاءِ السَّيِّئ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ". وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ [[سنن ابن ماجة برقم (٤٢٢١) وقال البوصيري في الزوائد (٣/٣٠١) "إسناد صحيح، رجاله ثقات".]] . وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَرَ [[في جـ، ط: "بن عمرو".]] وَشُرَيْحٍ، عن نافع عن ابن عمر، به [[لم أجده في المطبوع من المسند بهذا الطريق، وذكره الحافظ ابن حجر في أطراف المسند (٦/٢٣١) .]] .
* * *
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ يَقُولُ تَعَالَى: إِنَّمَا شَرَعْنَا لَكَ -يَا مُحَمَّدُ -التَّوَجُّهَ أَوَّلًا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ صَرَفْنَاكَ عَنْهَا إِلَى الْكَعْبَةِ، لِيَظْهَرَ حالُ مَنْ يَتَّبعك ويُطيعك وَيَسْتَقْبِلُ مَعَكَ حَيْثُمَا توجهتَ مِمَّن يَنْقَلْبُ عَلَى عَقبَيْه، أَيْ: مُرْتَدّاً عَنْ [[في جـ: "مرتدا على".]] دِينِهِ ﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً﴾ أَيْ: هَذِهِ الْفِعْلَةُ، وَهُوَ صَرْفُ التَّوَجُّهِ عَنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى الْكَعْبَةِ، أَيْ: وَإِنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ عَظِيمًا فِي النُّفُوسِ، إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ قُلُوبَهُمْ، وأيقنُوا بِتَصْدِيقِ الرسُول، وأنَّ كلَّ مَا جَاءَ بِهِ فَهُوَ الْحَقُّ الذِي لَا مرْية فِيهِ، وَأَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، فَلَهُ أَنْ يُكَلِّفَ عِبَادَهُ بِمَا شَاءَ [[في أ: "بما يشاء".]] ، وَيَنْسَخَ مَا يَشَاءُ، وَلَهُ الْحِكْمَةُ التَّامَّةُ وَالْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، فَإِنَّهُ كُلَّمَا حَدَثَ أَمْرٌ أَحْدَثَ لَهُمْ شَكًّا، كَمَا يَحْصُلُ لِلَّذِينِ آمَنُوا إِيقَانٌ وَتَصْدِيقٌ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا مَا أُنزلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ﴾ [التَّوْبَةِ: ١٢٤،١٢٥] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾ [فُصِّلَتْ: ٤٤] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٨٢] . وَلِهَذَا كَانَ مَن [[في جـ: "من كان".]] ثَبَتَ عَلَى تَصْدِيقِ الرَّسُولِ ﷺ وَاتِّبَاعِهِ فِي ذَلِكَ، وَتَوَجَّهَ حيثُ أَمَرَهُ اللَّهُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا رَيْب، مِنْ سَادَاتِ الصَّحَابَةِ. وَقَدْ ذَهَبَ بعضُهم إِلَى أَنَّ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ هُمُ الَّذِينَ صَلَّوُا الْقِبْلَتَيْنِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ:
حَدَّثَنَا مُسَدَّد، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفيان، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْنَا الناسُ يُصَلُونَ الصُّبْحَ فِي مَسْجِدِ قُباء إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: قَدْ أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا. فَتَوَجَّهُوا إِلَى الْكَعْبَةِ [[صحيح البخاري برقم (٤٤٨٨) .]] .
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ [[صحيح مسلم برقم (٥٢٦) .]] . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ [[سنن الترمذي برقم (٣٤١) .]] وَعِنْدَهُ: أَنَّهُمْ كَانُوا رُكُوعًا، فَاسْتَدَارُوا كَمَا هُمْ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَهُمْ رُكُوعٌ. وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَمّاد بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، مِثْلَهُ [[صحيح مسلم برقم (٥٢٧) .]] ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ طَاعَتِهِمْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَانْقِيَادِهِمْ لِأَوَامِرِ اللَّهِ عَزَّ وجل، رضي الله عنهم أجمعين.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ أَيْ: صَلَاتُكُمْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَضِيعُ [[في ط، أ: "ما يضيع".]] ثَوَابُهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعي، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: مَاتَ قَوْمٌ كَانُوا يُصَلُّونَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ النَّاسُ: مَا حَالُهُمْ فِي ذَلِكَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [[سبق تخريج الحديث قريبا.]] .
[وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَصَحَّحَهُ [[سنن الترمذي برقم (٢٩٦٤) .]] ] [[زيادة من جـ، ط، أ.]] .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدّثني مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ أَيْ: بِالْقِبْلَةِ الْأُولَى، وَتَصْدِيقَكُمْ نَبِيَّكُمْ، وَاتِّبَاعَهُ إِلَى الْقِبْلَةِ الْأُخْرَى. أَيْ: لَيُعْطيكم [[في أ: "ليضيعنكم" وفي و: "ليعطينكم".]] أجرَهما جَمِيعًا. ﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ أَيْ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ مُحَمَّدًا ﷺ وَانْصِرَافَكُمْ مَعَهُ حَيْثُ انْصَرَفَ ﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾
وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَأَى امْرَأَةً مِنَ السَّبْيِ قَدْ فُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا، فَجَعَلَتْ كُلَّما وَجَدَتْ صَبِيًّا مِنَ السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِصَدْرِهَا، وَهِيَ تَدُور عَلَى، وَلَدِهَا، فَلَمَّا وَجَدَتْهُ ضَمَّتْهُ إِلَيْهَا وَأَلْقَمَتْهُ ثَدْيَهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَتَرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَلَّا تَطْرَحَهُ؟ " قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "فَوَاللَّهِ، لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا" [[صحيح البخاري برقم (٥٩٩٩) وصحيح مسلم برقم (٢٧٥٤) .]] .
{"ayahs_start":142,"ayahs":["۞ سَیَقُولُ ٱلسُّفَهَاۤءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ ٱلَّتِی كَانُوا۟ عَلَیۡهَاۚ قُل لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ یَهۡدِی مَن یَشَاۤءُ إِلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ","وَكَذَ ٰلِكَ جَعَلۡنَـٰكُمۡ أُمَّةࣰ وَسَطࣰا لِّتَكُونُوا۟ شُهَدَاۤءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَیَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَیۡكُمۡ شَهِیدࣰاۗ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلۡقِبۡلَةَ ٱلَّتِی كُنتَ عَلَیۡهَاۤ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن یَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن یَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَیۡهِۚ وَإِن كَانَتۡ لَكَبِیرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِینَ هَدَى ٱللَّهُۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیُضِیعَ إِیمَـٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ"],"ayah":"۞ سَیَقُولُ ٱلسُّفَهَاۤءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ ٱلَّتِی كَانُوا۟ عَلَیۡهَاۚ قُل لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ یَهۡدِی مَن یَشَاۤءُ إِلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق