فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى إِطْلَاقِ الْقَرْيَةِ عَلَى الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا ﴿حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ﴾ [الْكَهْفِ:٧٧] وَقَالَ هَاهُنَا: ﴿فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ﴾ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ﴾ [مُحَمَّدٍ:١٣] ، ﴿وَقَالُوا لَوْلا نزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزُّخْرُفِ:٣١] يَعْنِي: مَكَّةَ وَالطَّائِفَ.
وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّ هَذَا الْجِدَارَ [[في ت: "الجار".]] إِنَّمَا أُصْلِحُهُ [[في ف: "أصلحته".]] لِأَنَّهُ كَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا.
قَالَ عِكْرِمَةُ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: كَانَ تَحْتَهُ مَالٌ مَدْفُونٌ لَهُمَا. وَهَذَا ظَاهِرُ السِّيَاقِ مِنَ الْآيَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنُ جَرِيرٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْن عَبَّاسٍ: كَانَ تَحْتَهُ كَنْزُ عِلْمٍ. وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: صُحُفٌ فِيهَا عِلْمٌ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ مَا يُقَوِّي ذَلِكَ، قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ الْمَشْهُورِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَحْصَبيّ عَنْ عَيَّاشِ [[في ت، ف، أ: "عباس".]] بْنِ عَبَّاسٍ الْقَتْبَانِيِّ [[في أ: "الغسانى".]] عَنِ ابن حُجَيرة [[في هـ: "أبي حجيرة" والصواب ما أثبتناه من مسند البزار.]] ، عن أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، [رَفَعَهُ] [[زيادة من ت، ف، أ.]] قَالَ: "إِنَّ الْكَنْزَ الَّذِي ذَكَرَ [[في ف، أ: "ذكره".]] اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: لَوْحٌ مِنْ ذَهَبٍ مُصْمَتٍ مَكْتُوبٍ فِيهِ: عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْقَدْرِ لِمَ نَصِبَ [[في ف، أ: "ينصب".]] ؟ وَعَجِبْتُ لِمَنْ ذَكَرَ النَّارَ لِمَ ضَحِك [[في ت، ف: "يضحك"، وفي أ: "ضحك".]] ؟ وَعَجِبَتْ لِمَنْ ذَكَرَ الْمَوْتَ لِمَ غَفَلَ؟ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ" [[مسند البزار برقم (٢٢٢٩) "كشف الأستار" وقد روى موقوفا من طرق عن ابن عباس وعلى، رضي الله عنهما، لكن أسانيدها ضعيفة.]] .
بِشْرُ بْنُ الْمُنْذِرِ هَذَا يُقَالُ لَهُ: قَاضِي الْمِصِّيصَةِ. قَالَ الْحَافِظُ أَبُو جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيُّ: فِي حَدِيثِهِ وَهْمٌ [[ميزان الاعتدال (٢/٣٢٥) .]] .
وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا آثَارٌ عَنِ السَّلَفِ، فَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثْنَا الْحَسَنُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ نُدْبَةَ [[في ف، أ::بدنة".]] حَدَّثَنَا سَلَمَةُ [[في ت: "مسلم".]] ، عَنْ نُعَيْمٍ الْعَنْبَرِيِّ -وَكَانَ مِنْ جُلَسَاءِ الْحَسَنِ-قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ -يَعْنِي الْبَصْرِيَّ-يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَانَ تَحْتَهُ كَنز لَهُمَا﴾ قَالَ: لَوْحٌ مِنْ ذَهَبٍ مَكْتُوبٍ فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، عَجِبْتُ لِمَنْ يُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ كَيْفَ يَحْزَنُ؟ وَعَجِبْتُ لِمَنْ يُوقِنُ [[في ت، ف: "يؤمن".]] بِالْمَوْتِ كَيْفَ يَفْرَحُ؟ وَعَجِبْتُ لِمَنْ يَعْرِفَ الدُّنْيَا وَتَقَلُّبَهَا بِأَهْلِهَا كَيْفَ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا؟ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.
وَحَدَّثَنِي يُونُسُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ [[في أ، ف: "بن عباس".]] عَنْ عُمَر [[في ف: "عن عمرو".]] مَوْلَى غُفْرَة [[في ف: "عفرة".]] قَالَ: إِنَّ الْكَنْزَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِي السُّورَةِ الَّتِي يَذْكُرُ فِيهَا الْكَهْفَ: ﴿وَكَانَ تَحْتَهُ كَنز لَهُمَا﴾ قَالَ: كَانَ لَوْحًا مِنْ ذَهَبٍ مُصْمَت مَكْتُوبًا فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، عجبٌ لِمَنْ عَرَفَ النَّارَ [[في ت: "عجبت لمن عرف الموت".]] ثُمَّ ضَحِكَ! عجبٌ [[في ت: "عجبت".]] لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ ثُمَّ نَصِبَ! عَجَبٌ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ ثُمَّ أَمِنَ! أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ الْغِفَارِيُّ، حَدَّثْنَا هَنَّادَة بِنْتُ مَالِكٍ الْشَيْبَانِيَّةُ قَالَتْ: سَمِعَتْ صَاحِبِي حَمَّادَ بْنَ الْوَلِيدِ الثَّقَفِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى [[في ف: "عز وجل".]] ﴿وَكَانَ تَحْتَهُ كَنز لَهُمَا﴾ قَالَ: سَطْرَانِ وَنِصْفٌ لَمْ يَتِمَّ الثَّالِثُ: عَجِبْتُ لِلْمُوقِنِ بِالرِّزْقِ كَيْفَ يَتْعَبُ وَعَجِبْتُ لِلْمُوقِنِ [[في ت: "للموقف".]] بِالْحِسَابِ كَيْفَ يَغْفَلُ؟ وَعَجِبْتُ لِلْمُوقِنِ [[في ت: "للموتى".]] بِالْمَوْتِ كَيْفَ يَفْرَحُ؟ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ:٤٧] قَالَتْ: وَذُكِرَ أَنَّهُمَا حُفِظَا بِصَلَاحِ أَبِيهِمَا، وَلَمْ يُذْكَرْ مِنْهُمَا صَلَاحٌ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْأَبِ الَّذِي حُفِظَا بِهِ سَبْعَةُ آبَاءٍ، وَكَانَ نَسَّاجًا.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ، وَوَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَإِنْ صَحَّ، لَا يُنَافِي قَوْلَ عِكْرِمَةَ: أَنَّهُ كَانَ مَالًا لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ لَوْحًا مِنْ ذَهَبٍ، وَفِيهِ مَالٌ جَزِيلٌ، أَكْثَرُ مَا زَادُوا أَنَّهُ كَانَ مُودَعًا فِيهِ عِلْمٌ [[في ف: "علما".]] ، وَهُوَ حِكَمٌ وَمَوَاعِظُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا﴾ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ الصَّالِحَ يحفظ في ذريته، وتشمل بركة عِبَادَتِهِ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، بِشَفَاعَتِهِ فِيهِمْ وَرَفْعِ دَرَجَتِهِمْ إِلَى أَعْلَى دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ لِتَقَرَّ عَيْنُهُ بِهِمْ، كَمَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ وَوَرَدَتِ السُّنَّةُ بِهِ [[في ف: "به السنة".]] . قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: حُفِظَا بِصَلَاحِ أَبِيهِمَا، وَلَمْ يُذْكَرْ لَهُمَا صَلَاحٌ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ الْأَبُ السَّابِعُ. [فَاللَّهُ أَعْلَمُ] [[زيادة من ف، أ.]]
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزهُمَا﴾ : هَاهُنَا أَسْنَدَ الْإِرَادَةَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ بُلُوغَهُمَا الْحُلُمَ [[في ت: "الحكم".]] لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ؛ وَقَالَ فِي الْغُلَامِ: ﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ﴾ وَقَالَ فِي السَّفِينَةِ: ﴿فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا﴾ ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ أَيْ: هَذَا الَّذِي فَعَلْتُهُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَصْحَابِ السَّفِينَةِ، وَوَالِدَيِ الْغُلَامِ، وَوَلَدَيِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ، ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ لَكِنِّي أُمِرْتُ بِهِ وَوُقِفْتُ عَلَيْهِ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِمَنْ قَالَ بِنُبُوَّةِ الْخَضِرِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ [[في ف: "في".]] قَوْلِهِ: ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾ .
وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ رَسُولًا. وَقِيلَ بَلْ كَانَ مَلِكًا. نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ.
وَذَهَبَ كَثِيرُونَ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا. بَلْ كَانَ وَلِيًّا. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ أَنَّ اسْمَ الْخَضِرِ بَلْيَا بْنُ مَلْكان بْنِ فَالِغَ بْنِ عَامِرِ بْنِ شَالِخِ بْنِ أَرْفَخْشَذَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ [[المعارف (ص٤٢) .]]
قَالُوا: وَكَانَ يُكَنَّى أَبَا الْعَبَّاسِ، وَيُلَقَّبُ بِالْخَضِرِ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ، ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ، وَحَكَى هُوَ وَغَيْرُهُ فِي كَوْنِهِ بَاقِيًا إِلَى الْآنِ ثُمَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَوْلَيْنِ، وَمَالَ هُوَ وَابْنُ الصَّلَاحِ إِلَى بَقَائِهِ، وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ حِكَايَاتٍ وَآثَارًا عَنِ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ وَجَاءَ ذِكْرُهُ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ. وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَأَشْهَرُهَا أَحَادِيثُ [[في ت: "حديث".]] التَّعْزِيَةِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.
وَرَجَّحَ آخَرُونَ مِنَ الْمُحْدَثِينَ وَغَيْرِهِمْ خِلَافَ ذَلِكَ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ:٣٤] وَبِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ بَدْرٍ: "اللَّهُمَّ إِنَّ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ" [[رواه مسلم في صحيحه برقم (١٧٦٣) من حديث عمر، رضي الله عنه.]] ، وَبِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ [وَلَا حَضَرَ عِنْدَهُ، وَلَا قَاتَلَ مَعَهُ. وَلَوْ كَانَ حَيًّا لَكَانَ مِنْ أَتْبَاعِ النَّبِيِّ ﷺ] [[زيادة من ف، أ.]] وَأَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ [[في أ: "صلى الله عليه وسلم".]] كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى جَمِيعِ الثَّقْلَيْنِ: الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَقَدْ قَالَ: "لَوْ كَانَ مُوسَى وَعِيسَى حَيَّيْن مَا [[في ت، ف: "لما".]] وَسِعَهُمَا إِلَّا اتِّبَاعِي" [[ذكره ابن أبي العز في شرح الطحاوية في سياقه وعلق عليه الشيخ ناصر الألباني في تخريج الطحاوية بقوله: "كذا الأصل، وكأنه يشير إلى الحديث الذي ذكره شيخه ابن كثير في تفسير سورة الكهف بلفظ: "لَوْ كَانَ مُوسَى وَعِيسَى حَيَّيْنِ لَمَا وَسِعَهُمَا إلا اتباعى". وهو حديث محفوظ، دون ذكر "عيسى" فيه، فإنه منكر عندى لم أره في شيء من طرقه، وهي مخرجة في إراواء الغليل برقم (١٥٨٩) ".]] وَأَخْبَرَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِقَلِيلٍ: أَنَّهُ لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ إِلَى مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ لَيْلَتِهِ تِلْكَ عَيْنٌ تَطْرفُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ من الدلائل.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَر، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ [فِي الخَضر قَالَ] [[زيادة من ف، أ، والمسند.]] إِنَّمَا سُمِّيَ "خَضِرًا"؛ لِأَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ، فَإِذَا هِيَ تَحْتَهُ [تَهْتَزُّ] [[زيادة من ف، أ، والمسند.]] خَضْرَاءَ" [[المسند (٢/٣١٢) .]] .
وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَقَدْ ثَبَتَ أَيْضًا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِنَّمَا سُمِّي الخضِر؛ لِأَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَة، فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ [مِنْ خَلْفِهِ] [[زيادة من ف، أ، والبخاري.]] خَضْرَاءَ" [[صحيح البخاري برقم (٣٤٠٢) .]]
وَالْمُرَادُ بِالْفَرْوَةِ هَاهُنَا [[في ت: "ههنا بالفروة".]] الْحَشِيشُ الْيَابِسُ، وَهُوَ الْهَشِيمُ مِنَ النَّبَاتِ، قَالَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ وَجْهُ الْأَرْضِ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ أَيْ: هَذَا تَفْسِيرُ مَا ضِقْتَ بِهِ ذَرْعًا، وَلَمْ تَصْبِرْ حَتَّى أُخْبِرَكَ بِهِ ابْتِدَاءً، وَلَمَّا أَنْ فَسَّرَهُ لَهُ وَبَيَّنَهُ وَوَضَّحَهُ وَأَزَالَ الْمُشْكَلَ قَالَ: ﴿ [مَا لَمْ] تَسْطِعْ﴾ [[زيادة من ف.]] وَقَبْلَ ذَلِكَ كَانَ الْإِشْكَالُ قَوِيًّا ثَقِيلًا فَقَالَ: ﴿سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ فَقَابَلَ الْأَثْقَلَ بِالْأَثْقَلِ، وَالْأَخَفَّ بِالْأَخَفِّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ﴾ وَهُوَ الصُّعُودُ إِلَى أَعْلَاهُ، ﴿وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا﴾ [الْكَهْفِ:٩٧] ، وَهُوَ أَشَقُّ مِنْ ذَلِكَ، فَقَابَلَ كُلًّا بِمَا يُنَاسِبُهُ لَفْظًا وَمَعْنَى وَاللَّه أَعْلَمُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا بَالُ فَتَى مُوسَى ذُكِرَ فِي أَوَّلِ الْقِصَّةِ ثُمَّ لَمْ يُذْكَرْ بَعْدَ ذَلِكَ؟
فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالسِّيَاقِ إِنَّمَا هُوَ قِصَّةُ مُوسَى مَعَ الْخَضِرِ وَذِكْرُ مَا كَانَ بَيْنَهُمَا، وَفَتَى مُوسَى مَعَهُ تَبَعٌ، وَقَدْ صُرِّحَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَلِي بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ مُوسَى، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حَمِيْدٍ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ [[في ف: "مسلم".]] ، حَدَّثَنِي ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ نَسْمَعْ لِفَتَى مُوسَى بِذِكْرٍ مِنْ حَدِيثٍ وَقَدْ كَانَ مَعَهُ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاس فِيمَا يُذْكَرُ مِنْ حَدِيثِ الْفَتَى قَالَ: شَرِبَ الْفَتَى مِنَ الْمَاءِ [فَخَلَدَ، فَأَخَذَهُ] [[زيادة من ف، أ، والطبري، وفي هـ: "فحار".]] الْعَالِمُ، فَطَابَقَ بِهِ سَفِينَةً ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِي الْبَحْرِ، فَإِنَّهَا تَمُوجُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ فَشَرِبَ [[تفسير الطبري (١٥/١٨٢) .]]
إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ، والحسن متروك، وأبوه غير معروف.
{"ayah":"وَأَمَّا ٱلۡجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَـٰمَیۡنِ یَتِیمَیۡنِ فِی ٱلۡمَدِینَةِ وَكَانَ تَحۡتَهُۥ كَنزࣱ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَـٰلِحࣰا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن یَبۡلُغَاۤ أَشُدَّهُمَا وَیَسۡتَخۡرِجَا كَنزَهُمَا رَحۡمَةࣰ مِّن رَّبِّكَۚ وَمَا فَعَلۡتُهُۥ عَنۡ أَمۡرِیۚ ذَ ٰلِكَ تَأۡوِیلُ مَا لَمۡ تَسۡطِع عَّلَیۡهِ صَبۡرࣰا"}