يَقُولُ تَعَالَى مُسَلِّيًا رَسُولَهُ ﷺ [[في أ: "صلوات الله وسلامه عليه".]] فِي حُزْنِهِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، لِتَرْكِهِمُ الْإِيمَانَ وَبُعْدِهِمْ عَنْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ [فَاطِرٍ:٨] ، وَقَالَ ﴿وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ [النَّحْلِ:١٢٧] ، وَقَالَ ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الشُّعَرَاءِ:٣] [[في ت: "ولعلك"، وفي أ: "لعلكم" وهو خطأ.]] [[في ت، أ: "على ألا" وهو خطأ.]]
بَاخِعٌ: أَيْ مَهْلِكٌ نَفْسَكَ بِحُزْنِكَ عَلَيْهِمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ﴾ يَعْنِي: الْقُرْآنَ ﴿أَسَفًا﴾ يَقُولُ: لَا تُهْلِكْ نَفْسَكَ أَسَفًا.
قَالَ قَتَادَةُ: قَاتِل نَفْسَكَ غَضَبًا وَحُزْنًا عَلَيْهِمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: جَزَعًا. وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ، أَيْ: لَا تَأْسَفْ عَلَيْهِمْ، بَلْ أَبْلِغْهُمْ رِسَالَةَ اللَّهِ، فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ، وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا، فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ.
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ جَعَلَ الدُّنْيَا دَارًا فَانِيَةً مُزيَّنة بِزِينَةٍ زَائِلَةٍ. وَإِنَّمَا جَعَلَهَا دَارَ اخْتِبَارٍ لَا دَارَ قَرَارٍ، فَقَالَ: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا﴾ .
قَالَ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرة، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ الدُّنْيَا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ [[في ف، أ: "حلوة خضرة".]] وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ مَاذَا تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا [[في أ: "يعلمون، واتقوا الدنيا".]] ، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ" [[ورواه مسلم في صحيحه برقم (٢٧٤٢) من طريق أبي مسلمة عن أبي نضرة به.]]
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى بِزَوَالِهَا وَفَنَائِهَا، وَفَرَاغِهَا وَانْقِضَائِهَا، وَذَهَابِهَا وَخَرَابِهَا، فَقَالَ: ﴿وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا﴾ أَيْ: وَإِنَّا لَمُصَيِّرُوهَا بَعْدَ الزِّينَةِ إِلَى الْخَرَابِ وَالدَّمَارِ، فَنَجْعَلُ كُلَّ شَيْءٍ عَلَيْهَا هَالِكًا ﴿صَعِيدًا جُرُزًا﴾ : لَا يُنْبِت وَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ، كَمَا قَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا﴾ يَقُولُ: يَهْلَكُ كُلُّ شَيْءٍ عَلَيْهَا وَيَبِيدُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿صَعِيدًا جُرُزًا﴾ بَلْقَعًا.
وَقَالَ قَتَادَةُ: الصَّعِيدُ: الْأَرْضُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَجَرٌ وَلَا نَبَاتٌ.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الصَّعِيدُ: الْأَرْضُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ﴾ [السَّجْدَةِ:٢٧] [[في أ: "أفلا تبصرون".]] .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: ﴿وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا﴾ يَعْنِي الْأَرْضَ، إِنَّ مَا عَلَيْهَا لِفَانٍ وَبَائِدٌ، وَإِنَّ الْمَرْجِعَ لَإِلَى اللَّهِ [[في ت: "المرجع إلى الله"، وفي ف، أ: "إلى الله المرجع".]] فَلَا تَأْسَ ولا يحزنك ما تسمع وترى.
{"ayahs_start":6,"ayahs":["فَلَعَلَّكَ بَـٰخِعࣱ نَّفۡسَكَ عَلَىٰۤ ءَاثَـٰرِهِمۡ إِن لَّمۡ یُؤۡمِنُوا۟ بِهَـٰذَا ٱلۡحَدِیثِ أَسَفًا","إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِینَةࣰ لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ أَیُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰا","وَإِنَّا لَجَـٰعِلُونَ مَا عَلَیۡهَا صَعِیدࣰا جُرُزًا"],"ayah":"فَلَعَلَّكَ بَـٰخِعࣱ نَّفۡسَكَ عَلَىٰۤ ءَاثَـٰرِهِمۡ إِن لَّمۡ یُؤۡمِنُوا۟ بِهَـٰذَا ٱلۡحَدِیثِ أَسَفًا"}