الباحث القرآني

لَمَّا سَأَلَ إِبْلِيسُ [عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ] [[زيادة من ف، أ.]] النَّظْرَةَ قَالَ اللَّهُ لَهُ: ﴿اذْهَبْ﴾ فَقَدْ أَنْظَرْتُكَ. كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ [الْحِجْرِ: ٣٧، ٣٨] ثُمَّ أَوْعَدَهُ وَمَنْ تَبِعه مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ جَهَنَّمَ، فَقَالَ: ﴿فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ﴾ أَيْ: عَلَى أَعْمَالِكُمْ ﴿جَزَاءً مَوْفُورًا﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: وَافِرًا. وَقَالَ قَتَادَةُ: مُوَفّرا عَلَيْكُمْ، لَا يُنْقَصُ لَكُمْ مِنْهُ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ﴾ قِيلَ: هُوَ الْغِنَاءُ. قَالَ مُجَاهِدٌ: بِاللَّهْوِ وَالْغِنَاءِ، أَيْ: اسْتَخِفَّهُمْ بِذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ﴾ قَالَ: كُلُّ دَاعٍ دَعَا إِلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَ قَتَادَةُ، وَاخْتَارَهُ ابن جرير. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ﴾ يَقُولُ: وَاحْمِلْ عَلَيْهِمْ بِجُنُودِكِ خَيَّالتهم ورَجْلتَهم [[في ت، ف: "ورجالتهم".]] ؛ فَإِنَّ "الرّجْل" جَمْعُ "رَاجِلٍ"، كَمَا أَنَّ "الرَّكْبَ" جَمْعُ "رَاكِبٍ" وَ"صَحْبٌ" جَمْعُ "صَاحِبٍ". وَمَعْنَاهُ: تُسَلِّطُ عَلَيْهِمْ بِكُلِّ ما تقدرعليه. وَهَذَا أَمْرٌ قَدَرِيٌّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا﴾ [مَرْيَمَ: ٨٣] أَيْ: تُزْعِجُهُمْ إِلَى الْمَعَاصِي إِزْعَاجًا، وَتَسُوقُهُمْ إِلَيْهَا [[في ت: "إلينا".]] سَوْقًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ﴾ قَالَ: كُلُّ رَاكِبٍ وَمَاشٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ لَهُ خَيْلًا وَرِجَالًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَهُمُ الَّذِينَ يُطِيعُونَهُ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: "أَجْلَبَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ": إِذَا صَاحَ عَلَيْهِ. وَمِنْهُ: "نَهَى فِي الْمُسَابَقَةِ عَنِ الجَلَب والجَنَب" وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ "الْجَلَبَةِ"، وَهِيَ ارْتِفَاعُ الْأَصْوَاتِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: هُوَ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ إِنْفَاقِ الْأَمْوَالِ فِي مَعَاصِي اللَّهِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: هُوَ الرِّبَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: [هُوَ] [[زيادة من ف، أ.]] جَمْعُهَا مِنْ خَبِيثٍ، وَإِنْفَاقُهَا فِي حَرَامٍ. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ. وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَمَّا مُشَارَكَتُهُ إِيَّاهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ، فَهُوَ مَا حَرَّمُوهُ مِنْ أَنْعَامِهِمْ، يَعْنِي: مِنَ الْبَحَائِرِ وَالسَّوَائِبِ وَنَحْوِهَا. وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ. [ثُمَّ] [[زيادة من ف، أ.]] قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْآيَةَ تَعُمُّ ذَلِكَ كُلَّهُ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَالأولادِ﴾ قَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالضَّحَّاكِ: يَعْنِي أَوْلَادَ الزِّنَا. وقال علي ابن أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ مَا كَانُوا قَتَلُوهُ مِنْ أَوْلَادِهِمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: قَدْ وَاللَّهِ شَارَكَهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ مَجَّسُوا وَهَوَّدُوا ونَصّروا وصبغوا غير صبغة الإسلام، وجَزَّؤوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ جُزْءًا لِلشَّيْطَانِ [[في ف: "الشيطان".]] وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ سَوَاءً. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ تَسْمِيَتُهُمْ أَوْلَادَهُمْ "عَبْدَ الْحَارِثِ" وَ"عَبْدَ شَمْسٍ" وَ"عَبْدَ فُلَانٍ". قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ مَوْلُودٍ وَلَدَتْهُ أُنْثَى، عَصَى اللَّهَ فِيهِ، بِتَسْمِيَتِهِ مَا [[في ف: "بما".]] يَكْرَهُهُ اللَّهُ، أَوْ بِإِدْخَالِهِ فِي غَيْرِ الدِّينِ الَّذِي ارْتَضَاهُ اللَّهُ، أَوْ بِالزِّنَا بِأُمِّهِ، أَوْ بِقَتْلِهِ وَوَأْدِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَعْصِي [[في ت: "يعفى".]] اللَّهَ بِفِعْلِهِ بِهِ أَوْ فِيهِ، فَقَدْ دَخَلَ فِي مُشَارَكَةِ إِبْلِيسَ فِيهِ مِنْ وَلَدِ ذَلِكَ الْوَلَدِ لَهُ أَوْ مِنْهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُخَصِّصْ بِقَوْلِهِ: ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ﴾ مَعْنَى الشَّرِكَةِ فِيهِ بِمَعْنًى دُونَ مَعْنًى، فَكُلُّ مَا عُصِيَ اللَّهُ فِيهِ -أَوْ بِهِ، وَأُطِيعَ فيه الشيطان -أو به، فهو مشاركة. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَّجه، وَكُلٌّ [[في ت، ف" "فكل".]] مِنَ السَّلَفِ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ، فَسَّرَ بَعْضَ الْمُشَارِكَةِ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ [[في ف، أ: "عن ابن عباس عن عياض بن حمار". وفي ت: "حماد" بدل "حمار".]] ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنفاء، فَجَاءَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ [[في ت: "واجتالتهم".]] عَنْ دِينِهِمْ، وحَرّمت عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ" [[صحيح مسلم برقم (٢٨٦٥) .]] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ: "لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدّر بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ، لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَدًا" [[صحيح البخاري برقم (١٤١) وصحيح مسلم برقم (١٤٣٤) .]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا﴾ كَمَّا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ إِبْلِيسَ أَنَّهُ يَقُولُ إِذَا حَصْحَصَ الْحَقُّ يَوْمَ يُقْضَى بِالْحَقِّ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾ الْآيَةَ [إِبْرَاهِيمَ: ٢٢] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ : إِخْبَارٌ بِتَأْيِيدِهِ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، وَحِفْظِهِ إِيَّاهُمْ، وَحِرَاسَتِهِ لَهُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلا﴾ أَيْ: حَافِظًا وَمُؤَيِّدًا وَنَاصِرًا. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهيعة، عَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَان، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ ليُنْضي شَيَاطِينَهُ [[في ت: "شيطانه".]] كَمَا يُنْضِي أَحَدُكُمْ بَعيرَه فِي السَّفَرِ" [[المسند (٢/٣٨٠) .]] . يُنْضِي، أَيْ: يَأْخُذُ بِنَاصِيَتِهِ وَيَقْهَرُهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب