الباحث القرآني

تَفْسِيرُ سُورَةِ النَّحْلِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ. * * * يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ وَدُنُوِّهَا مُعَبِّرًا بِصِيغَةِ الْمَاضِي الدَّالِّ عَلَى التَّحَقُّقِ [[في أ: "التحقيق".]] وَالْوُقُوعِ لَا مَحَالَةَ [كَمَا قَالَ تَعَالَى] [[زيادة من ت، ف، أ.]] : ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ١] ، وَقَالَ: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [الْقَمَرِ: ١] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ أَيْ: قَرُبَ مَا تَبَاعَدَ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ. يُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى اللَّهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْعَذَابِ، وَكِلَاهُمَا مُتَلَازِمٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: ٥٣، ٥٤] . وَقَدْ ذَهَبَ الضَّحَّاكُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ إِلَى قَوْلٍ عَجِيبٍ، فَقَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾ أَيْ: فَرَائِضُهُ وَحُدُودُهُ. وَقَدْ رَدَّهُ ابْنُ جَرِيرٍ فَقَالَ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا اسْتَعْجَلَ الْفَرَائِضَ [[في ف، أ: "بالفرائض".]] وَالشَّرَائِعَ قَبْلَ وُجُودِهَا [[في أ: "وجودهما".]] بِخِلَافِ الْعَذَابِ فَإِنَّهُمُ اسْتَعْجَلُوهُ قَبْلَ كَوْنِهِ، اسْتِبْعَادًا وَتَكْذِيبًا. قُلْتُ: كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ﴾ [الشُّورَى: ١٨] . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذُكر عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ -عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُجيرة، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ "تَطْلُعُ عَلَيْكُمْ عِنْدَ السَّاعَةِ سَحَابَةٌ سَوْدَاءُ مِنَ الْمَغْرِبِ مِثْلُ التُّرْسِ، فَمَا تَزَالُ تَرْتَفِعُ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ فِيهَا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ. فَيُقْبِلُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ: هَلْ سَمِعْتُمْ؟ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: نَعَمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَشُكُّ. ثُمَّ يُنَادِي [[في ت، أ: "ينادي مناد".]] الثَّانِيَةَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ. فَيَقُولُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: هَلْ سَمِعْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. ثُمَّ يُنَادِي الثَّالِثَةَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِ الرَّجُلَيْنِ لَيَنْشُرَانِ الثَّوْبَ فَمَا يَطْوِيَانِهِ أَبَدًا، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَمُدَّنَّ حَوْضَهُ فَمَا يَسْقِي فِيهِ [[في ف: "منه".]] شَيْئًا أَبَدًا، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَحْلِبُ نَاقَتَهُ فَمَا يَشْرَبُهُ أبدًا -قال -ويشتغل [[في ت: "ويستعمل".]] الناس" [[ورواه الحاكم في المستدرك (٤/٥٣٩) : حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الحسن بن علي بن عفان، حدثنا يحيى بن آدم به، وقال: "صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ". ورواه الطبراني في المعجم الكبير (١٧/٣٢٥) : حدثنا الحسين التستري، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ به، وقال المنذري في الترغيب والترهيب (٤/٣٨٢) : "رواه الطبراني بإسناد جيد رواته ثقات مشهورون".]] . ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ شِرْكِهِمْ بِهِ غَيْرَهُ، وَعِبَادَتِهِمْ مَعَهُ مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَوْثَانِ وَالْأَنْدَادِ، تَعَالَى وَتَقَدَّسَ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُكَذِّبُونَ بِالسَّاعَةِ، فَقَالَ: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب