الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ يُوسُفَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ لَهُ إِخْوَتُهُ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْجَهْدِ وَالضِّيقِ وَقِلَّةِ الطَّعَامِ وَعُمُومِ الْجَدْبِ، وَتَذَكَّرَ أَبَاهُ وَمَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْحُزْنِ لِفَقْدِ وَلَدَيْهِ، مَعَ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْمُلْكِ وَالتَّصَرُّفِ وَالسَّعَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَخَذَتْهُ رِقَّةٌ وَرَأْفَةٌ وَرَحْمَةٌ وَشَفَقَةٌ عَلَى أَبِيهِ وَإِخْوَتِهِ، وَبَدَرَهُ الْبُكَاءُ، فَتَعَرَّفَ إِلَيْهِمْ، يُقَالُ [[في ت، أ: "فيقال".]] إِنَّهُ رَفَعَ التَّاجَ عَنْ جَبْهَتِهِ، وَكَانَ فِيهَا شَامَةٌ، وَقَالَ: ﴿هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ﴾ ؟ يَعْنِي: كَيْفَ فَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ﴿إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ﴾ أَيْ: إِنَّمَا حَمَلَكُمْ عَلَى هَذَا [[في أ: "ذلك".]] الْجَهْلُ بِمِقْدَارِ هَذَا الَّذِي ارْتَكَبْتُمُوهُ، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: كُلُّ مَنْ عَصَى اللَّهَ فَهُوَ جَاهِلٌ، وَقَرَأَ: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النَّحْلِ: ١١٩] . وَالظَّاهِرُ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ -أَنَّ يُوسُفَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِنَّمَا تَعَرَّفَ إِلَيْهِمْ بِنَفْسِهِ، بِإِذْنِ اللَّهِ لَهُ فِي ذَلِكَ، كَمَا أَنَّهُ إِنَّمَا أَخْفَى مِنْهُمْ نَفْسَهُ فِي الْمَرَّتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ [[في ت، أ: "الأولتين".]] بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ فِي ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَكِنْ لَمَّا ضَاقَ الْحَالُ وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ، فَرَّج اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ الضِّيقِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [[في ت، أ: "إن" وهو خطأ.]] [الشَّرْحِ: ٥، ٦] ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالُوا: ﴿أَئِنَّكَ لأنْتَ يُوسُفُ﴾ ؟ وَقَرَأَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: "أَوَ أَنْتَ [[في أ: "أو إنك".]] يُوسُفُ"، وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِن: "إنَّك لأنتَ [[في ت، أ: "وأنت".]] يُوسُفُ". وَالْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ هِيَ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِعْظَامِ، أَيْ: إِنَّهُمْ تَعجَّبوا مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَتَرَدَّدُونَ إِلَيْهِ مِنْ سَنَتَيْنِ وَأَكْثَرَ، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ، وَهُوَ مَعَ هَذَا يَعْرِفُهُمْ وَيَكْتُمُ نَفْسَهُ، فَلِهَذَا قَالُوا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِفْهَامِ: ﴿أَئِنَّكَ لأنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي﴾ ﴿قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا﴾ أَيْ: بِجَمْعِهِ بَيْنَنَا بَعْدَ التَّفْرِقَةِ وَبَعْدَ الْمُدَّةِ، ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾ يَقُولُونَ مُعْتَرِفِينَ لَهُ بِالْفَضْلِ وَالْأَثْرَةِ عَلَيْهِمْ فِي الْخَلْقِ وَالْخُلُقِ، وَالسَّعَةِ وَالْمُلْكِ، وَالتَّصَرُّفِ وَالنُّبُوَّةِ أَيْضًا -عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُمْ أَنْبِيَاءَ -وَأَقَرُّوا لَهُ بِأَنَّهُمْ أَسَاءُوا إِلَيْهِ وَأَخْطَئُوا فِي حَقِّهِ. ﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾ يَقُولُ: لَا تَأْنِيبَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَتْب عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ، وَلَا أُعِيدُ [[في ت، أ: "ولا أعيد عليكم".]] ذَنْبَكُمْ فِي حَقِّي بَعْدَ اليوم. ثُمَّ زَادَهُمُ الدُّعَاءَ لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ فَقَالَ: ﴿يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ قَالَ السُّدِّيُّ: اعْتَذَرُوا إِلَى يُوسُفَ، فَقَالَ: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾ يَقُولُ: لَا أَذْكُرُ لَكُمْ ذَنْبَكُمْ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَالثَّوْرِيُّ: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ [الْيَوْمَ] ﴾ [[زيادة من ت، أ.]] أَيْ: لَا تَأْنِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ عِنْدِي فِيمَا صَنَعْتُمْ ﴿يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ﴾ أَيْ: يَسْتُرُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْتُمْ، ﴿وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب