الباحث القرآني

قَالَ لَهُمْ كَمَا قَالَ لَهُمْ حِينَ جَاءُوا عَلَى قَمِيصِ يُوسُفَ بِدَمٍ كَذِبٍ: ﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا جَاءُوا يَعْقُوبَ وَأَخْبَرُوهُ بِمَا يَجْرِي اتِّهَمَهُمْ، وَظَنَّ أَنَّهَا كَفَعْلَتِهِمْ بِيُوسُفَ ﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ [[في ت، أ: "فقال" وهو خطأ.]] . وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَمَّا كَانَ صَنِيعُهُمْ [[في ت: "صبرنا".]] هَذَا مُرَتَّبًا عَلَى فِعْلِهِمُ الْأَوَّلِ، سُحب [[في ت: "اسحب"، وفي أ: "استحب".]] حُكْمُ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ، وَصَحَّ قَوْلُهُ: ﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ ثُمَّ تَرَجَّى [[في ت: "يرجى".]] مِنَ اللَّهِ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ أَوْلَادَهُ الثَّلَاثَةَ: يُوسُفَ وأخاه بنيامين، وروبيل الذي أقام بديار مِصْرَ يَنْتَظِرُ أَمْرَ اللَّهِ فِيهِ، إِمَّا أَنْ يَرْضَى عَنْهُ أَبُوهُ فَيَأْمُرُهُ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِ، وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ أَخَاهُ خُفْيَةً؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ﴾ أَيِ: الْعَلِيمُ بِحَالِي، ﴿الْحَكِيمُ﴾ فِي أَفْعَالِهِ وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ. ﴿وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ﴾ أَيْ: أَعْرَضَ عَنْ بَنِيهِ وَقَالَ مُتَذَكِّرًا حُزنَ يُوسُفَ الْقَدِيمَ الْأَوَّلَ: ﴿يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ﴾ جَدَّد لَهُ حزنُ الِابْنَيْنِ [[في ت: "الاثنين".]] الْحُزْنَ الدَّفِينَ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ العُصْفُريّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ غيرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ الِاسْتِرْجَاعَ، أَلَّا تَسْمَعُونَ إِلَى قَوْلِ يَعْقُوبَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ أَيْ: سَاكِتٌ لَا يَشْكُو أَمْرَهُ إِلَى مَخْلُوقٍ [[تفسير عبد الرزاق (١/٢٨٤) وروى موصولا ولا يصح.]] قَالَهُ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: ﴿فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ كَمِيدٌ حَزِينٌ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ [حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى] ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ [[في ت: "يزيد".]] عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: "إِنَّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: يَا رَبِّ، إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَسْأَلُونَكَ بِإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، فَاجْعَلْنِي لَهُمْ رَابِعًا. فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ أَنْ يَا دَاوُدُ، إِنَّ إِبْرَاهِيمَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ بِسَبَبِي فَصَبَرَ، وَتِلْكَ بَلِيَّةٌ لَمْ تَنَلْكَ، وَإِنَّ إِسْحَاقَ بَذَلَ مُهْجَةَ [[في ت: "مهجته"]] دَمِهِ فِي سَبَبِي فَصَبَرَ، وَتِلْكَ بَلِيَّةٌ لَمْ تَنَلْكَ، وَإِنَّ يَعْقُوبَ أَخَذْتُ مِنْهُ حَبِيبَهُ حَتَّى ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ، فَصَبَرَ، وَتِلْكَ بَلِيَّةٌ لَمْ تَنَلْكَ". وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَفِيهِ نَكَارَةٌ [[ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (١١/٥٥٤) عَنْ عَفَّانَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ.]] ؛ فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ إِسْمَاعِيلَ هُوَ الذَّبِيحُ، وَلَكِنَّ عَلِيَّ بْنَ زَيْدِ بْنِ جُدْعَان لَهُ مَنَاكِيرُ وَغَرَائِبُ كَثِيرَةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَقْرَبُ مَا فِي هَذَا أَنْ يَكُونَ قَدْ حَكَاهُ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، عَنْ بَنِي [[في ت: "عن بعض بني".]] إِسْرَائِيلَ كَكَعْبٍ وَوَهْبٍ وَنَحْوِهِمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ يَنْقُلُونَ أَنَّ يَعْقُوبَ كَتَبَ إِلَى يُوسُفَ لَمَّا احْتَبَسَ أَخَاهُ بِسَبَبِ السَّرِقَةِ يَتَلَطَّفُ لَهُ فِي رَدِّهِ، وَيَذْكُرُ لَهُ أَنَّهُمْ أَهْلُ بَيْتٍ مُصَابُونَ بِالْبَلَاءِ، فَإِبْرَاهِيمُ ابْتُلِيَ بِالنَّارِ، وَإِسْحَاقُ بِالذَّبْحِ، وَيَعْقُوبُ بِفِرَاقِ يُوسُفَ، فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ لَا يَصِحُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ رَقَّ لَهُ بَنُوهُ، وَقَالُوا لَهُ عَلَى سَبِيلِ الرِّفْقِ بِهِ وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِ: ﴿قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ﴾ أَيْ: لَا تُفَارِقُ تَذَكُّر يُوسُفَ، ﴿حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا﴾ أَيْ: ضَعِيفَ الْجِسْمِ، ضَعِيفَ الْقُوَّةِ، ﴿أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ﴾ يَقُولُونَ: وَإِنِ اسْتَمَرَّ بِكَ هَذَا الْحَالُ خَشِينَا عَلَيْكَ الْهَلَاكَ وَالتَّلَفَ. ﴿قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾ أَيْ: أَجَابَهُمْ عَمَّا قَالُوا بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي﴾ أَيْ: هَمِّي وَمَا أَنَا فِيهِ ﴿إِلَى اللَّهِ﴾ وَحَدَّهُ ﴿وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ أَيْ: أَرْجُو مِنْهُ كُلَّ خَيْرٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [يَعْنِي رُؤْيَا يُوسُفَ أَنَّهَا صِدْقٌ وَأَنَّ اللَّهَ لَا بُدَّ أَنْ يُظْهِرَهَا وَيُنْجِزَهَا. وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [[زيادة من ت.]] أَعْلَمُ أَنَّ رُؤْيَا يُوسُفَ صَادِقَةٌ، وَأَنِّي سَوْفَ أَسْجُدُ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي غَنَيَّة، عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "كَانَ لِيَعْقُوبَ النَّبِيِّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَخٌ مُؤاخ لَهُ، فَقَالَ لَهُ ذَاتَ يَوْمٍ: مَا الَّذِي أَذْهَبَ بَصَرَكَ وَقَوَّسَ ظَهْرَكَ؟ قَالَ: الَّذِي [[في أ: "أما الذي".]] أَذْهَبَ بَصَرِي الْبُكَاءُ [[في ت، أ: "فالبكاء".]] عَلَى يُوسُفَ، وَأَمَّا الَّذِي قَوَّسَ ظَهْرِي فَالْحُزْنُ عَلَى بِنْيَامِينَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: يَا يَعْقُوبُ، إِنَّ اللَّهَ يُقرئك السَّلَامَ وَيَقُولُ لَكَ: أَمَا تَسْتَحْيِي أَنْ تَشْكُوَنِي إِلَى غَيْرِي؟ فَقَالَ يَعْقُوبُ: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ. فَقَالَ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَشْكُو" [[ورواه الحاكم في المستدرك (٢/٣٤٨) من طريق أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي غَنِيَّةَ، عن حفص بن عمر ابن الزبير، عن أنس بنحوه، وقال الحاكم: "حفص بن عمر بن الزبير، وأظن الزبير وهما من الراوي فإنه حفص بن عمر بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري". ورواه إسحاق بن راهويه ومن طريقه الحاكم في المستدرك (٢/٣٤٨) من طريق يحيى بن عبد الملك، عن أنس بن مالك مرسلا. ورواه ابن أبي الدنيا في "الفرج بعد الشدة" برقم (٤٧) من طريق زافر بن سليمان عن يحيى بن عبد الملك عن رجل، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مرفوعا. ورواه الطبراني في الأوسط برقم (٣٣٤١) "مجمع البحرين" من طريق وهب بن بقية عن يحيى بن عبد المطلب عن حصين بن عمر الأحمسي عن أبي الزبير عن أنس مرفوعا. وبهذا يتبين أن الحديث مضطرب.]] . وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، فيه نكارة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب