الباحث القرآني
تَفْسِيرُ السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا الْمَاعُونُ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
* * *
يَقُولُ تَعَالَى: أَرَأَيْتَ -يَا مُحَمَّدُ- [[في م: "يا محمد أرأيت".]] الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ؟ وَهُوَ: الْمَعَادُ وَالْجَزَاءُ وَالثَّوَابُ، ﴿فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ أَيْ: هُوَ الَّذِي يَقْهَرُ الْيَتِيمَ وَيَظْلِمُهُ حَقَّهُ، وَلَا يُطْعِمُهُ وَلَا يُحْسِنُ إِلَيْهِ، ﴿وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿كَلا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ [الْفَجْرِ: ١٧، ١٨] يَعْنِي: الْفَقِيرَ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ يَقُومُ بِأَوْدِهِ وَكِفَايَتِهِ.
ثُمَّ قَالَ: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُ: يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ، الَّذِينَ يُصَلُّونَ فِي الْعَلَانِيَةِ وَلَا يُصَلُّونَ فِي السِّرِّ.
وَلِهَذَا قَالَ: ﴿لِلْمُصَلِّينَ﴾ أَيْ: الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ وَقَدِ الْتَزَمُوا بِهَا، ثُمَّ هُمْ عَنْهَا سَاهُونَ، إِمَّا عَنْ فِعْلِهَا بِالْكُلِّيَّةِ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَإِمَّا عَنْ فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ لَهَا شَرْعًا، فَيُخْرِجُهَا عَنْ وَقْتِهَا بِالْكُلِّيَّةِ، كَمَا قَالَهُ مَسْرُوقٌ، وَأَبُو الضُّحَى.
وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ دِينَارٍ: وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَالَ: ﴿عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ وَلَمْ يَقِلْ: فِي صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ.
وَإِمَّا عَنْ وَقْتِهَا الْأَوَّلِ فَيُؤَخِّرُونَهَا إِلَى آخِرِهِ دَائِمًا أَوْ غَالِبًا. وَإِمَّا عَنْ أَدَائِهَا بِأَرْكَانِهَا وَشُرُوطِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ. وَإِمَّا عَنِ الْخُشُوعِ فِيهَا والتدبر لمعانيها، فاللفظ يشمل هذا كله، ولكن مَنِ اتَّصَفَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قِسْطٌ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ. وَمَنِ اتَّصَفَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ، فَقَدْ تَمَّ نَصِيبُهُ مِنْهَا، وَكَمُلَ لَهُ النِّفَاقُ الْعَمَلِيُّ. كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُب الشَّمْسَ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهُ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا" [[صحيح مسلم برقم (٦٢٢) ولم أقع عليه في صحيح البخاري، ولم يعزه المزى له في تحفة الأشراف.]] فَهَذَا آخَّرَ صَلَاةَ الْعَصْرِ الَّتِي هِيَ الْوُسْطَى، كَمَا ثَبَتَ بِهِ النَّصُّ إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا، وَهُوَ وَقْتُ كَرَاهَةٍ، ثُمَّ قَامَ إِلَيْهَا فَنَقَرَهَا نَقْرَ الْغُرَابِ، لَمْ يَطْمَئِنَّ وَلَا خَشَعَ فِيهَا أَيْضًا؛ وَلِهَذَا قَالَ: "لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ". وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى الْقِيَامِ إِلَيْهَا مُرَاءَاةَ النَّاسِ، لا ابتغاء وجه اللَّهِ، فَهُوَ إِذًا لَمْ يُصَلِّ بِالْكُلِّيَّةِ. قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا﴾ [النِّسَاءِ: ١٤٢] . وَقَالَ هَاهُنَا: ﴿الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ﴾
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبْدَوَيْهِ [[في م، أ: "عبد ربه".]] الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "إِنَّ فِي جَهَنَّمَ لَوَادِيًا [[في م، أ: "لواد".]] تَسْتَعِيذُ جَهَنَّمُ مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي فِي كُلِّ يَوْمٍ أَرْبَعَمِائَةِ مَرَّةٍ، أُعِدَّ ذَلِكَ الْوَادِيَ لِلْمُرَائِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ: لِحَامِلِ كِتَابِ اللَّهِ. وَلِلْمُصَّدِّقِ فِي غَيْرِ ذَاتِ اللَّهِ، وَلِلْحَاجِّ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ، وَلِلْخَارِجِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ". [[المعجم الكبير (١٢/١٧٥) ، وقال المنذري في الترغيب والترهيب (١/ ٦٧) : "رفع حديث ابن عباس غريب، ولعله موقوف، والله أعلم".]]
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيم، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ أَبِي عُبَيْدَةَ فَذَكَّرُوا الرِّيَاءَ، فَقَالَ رَجُلٌ يُكَنَّى بِأَبِي يَزِيدَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "مَنْ سَمَّع النَّاسَ بِعَمَلِهِ، سَمَّع اللَّهُ بِهِ سامعَ خَلْقِهِ، وحَقَّره وصَغَّره". [[المسند (٢/٢١٢) .]]
وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ غُنْدَر وَيَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مرة، عن رجل، عن عبد الله ابن عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، فَذَكَرَهُ. [[المسند (٢/١٦٢) .]]
وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ﴾ أَنَّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لِلَّهِ فَاطَّلَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ، أَنَّ هَذَا لَا يُعَدُّ رِيَاءً، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنْتُ أَصَلِّي، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ، فَأَعْجَبَنِي ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: "كُتِبَ لَكَ أَجْرَانِ: أَجْرُ السِّرِّ، وَأَجْرُ الْعَلَانِيَةِ". [[ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (٤٩٤٩) "مجمع البحرين"، وقال الطبراني: "لم يروه عن سعيد إلا محمد بن معاذ، ومحمد بن بكار". وقال الهيثمي في المجمع (١٠/٢٩٠) : "رجاله ثقات". قلت: سعيد بن بشير ضعفه الأئمة.]]
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ قَالَ: نِعْمَ الحديثُ لِلْمُرَائِينَ.
وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَسَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ مُتَوَسِّطٌ، وَرِوَايَتُهُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَزِيزَةٌ وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْهُ.
قَالَ أَبُو يَعْلَى أَيْضًا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى بْنِ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَبُو سِنان، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ يَعْمَلُ الْعَمَلَ يَسُرُّه، فَإِذَا اطُّلعَ عَلَيْهِ أَعْجَبَهُ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَهُ أَجْرَانِ: أَجْرُ السر وَأَجْرُ الْعَلَانِيَةِ". [[الحديث في مسند الطيالسي برقم (٢٤٣٠) .]]
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ بُنْدَار، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ أَبِي سِنَانٍ الشَّيْبَانِيِّ [[سنن الترمذي برقم (٢٣٨٥) ، وسنن ابن ماجة برقم (٤٢٢٦) .]] - وَاسْمُهُ: ضِرَارُ بْنُ مُرَّةَ. ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ، وَقَدْ رَوَاهُ الْأَعْمَشُ وَغَيْرُهُ. عَنْ حَبِيبٍ عَنِ [النَّبِيِّ ﷺ] [[في م، أ، هـ: "عن أبي صالح"، والمثبت من تحفة الأحوذي، مستفادا من هامش. ط الشعب.]] مُرْسَلًا.
وَقَدْ قَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ شَيْبَانَ النَّحْوِيِّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لما نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ قَالَ: "اللَّهُ أَكْبَرُ، هَذَا خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ لَوْ أُعْطِيَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلَ جَمِيعِ الدُّنْيَا، هُوَ الَّذِي إِنْ صَلَّى لَمْ يَرْجُ خَيْرَ صِلَاتِهِ، وَإِنْ تَرَكَهَا لَمْ يَخَفْ رَبَّهُ". [[تفسير الطبري (٣٠/٢٠٢) .]]
فِيهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَشَيْخُهُ مُبْهَمٌ لَمْ يُسَم، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا: حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ أَبَانٍ الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ طَارِقٍ، حَدَّثَنَا عِكْرمِة بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ [[في أ: "بن عمر".]] عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ قَالَ: "هُمُ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا". [[تفسير الطبري (٣٠/٢٠٢) .]]
وَتَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا يَحْتَمِلُ تَرْكَهَا بِالْكُلِّيَّةِ، أَوْ صَلَاتَهَا بَعْدَ وَقْتِهَا شَرْعًا، أَوْ تَأْخِيرَهَا عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ [سَهْوًا حَتَّى ضَاعَ] [[زيادة من م، أ.]] الْوَقْتُ.
وَكَذَا رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، بِهِ. ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ مُصْعَبٍ، عَنْ أَبِيهِ مَوْقُوفًا [[مسند أبي يعلى (٢/٦٣) .]] وَهَذَا أَصَحُّ إِسْنَادًا، وَقَدْ ضَعَّفَ الْبَيْهَقِيُّ [[السنن الكبرى (٢/٢١٤) .]] رَفْعَهُ، وَصَحَّحَ وَقْفَهُ، وَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾ أَيْ: لَا أَحْسَنُوا عِبَادَةَ رَبِّهِمْ، وَلَا أَحْسَنُوا إِلَى خَلْقِهِ حَتَّى وَلَا بِإِعَارَةِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَيُسْتَعَانُ بِهِ، مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ وَرُجُوعِهِ إِلَيْهِمْ. فَهَؤُلَاءِ لِمَنْعِ الزَّكَاةِ وَأَنْوَاعِ القُرُبات أُولَى وَأُولَى. وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: قَالَ عَلِيٌّ: الْمَاعُونُ: الزَّكَاةُ. وَكَذَا رَوَاهُ السُّدِّيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَلِيٍّ. وَكَذَا رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَبِهِ يَقُولُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وعِكْرِمة، وَمُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ، وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ، وَالزَّهْرِيُّ، وَالْحُسْنُ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَابْنُ زَيْدٍ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: إِنْ صَلَّى رَاءَى، وَإِنْ فَاتَتْهُ لِمَ يَأْسَ عَلَيْهَا، وَيَمْنَعُ زَكَاةَ مَالِهِ وَفِي لَفْظٍ: صَدَقَةَ مَالِهِ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: هُمُ الْمُنَافِقُونَ ظَهَرَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّوْهَا، وضَمنَت الزَّكَاةُ فَمَنَعُوهَا.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ وَشُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ: أَنَّ أَبَا الْعُبَيْدَيْنِ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ عَنِ الْمَاعُونِ، فَقَالَ: هُوَ مَا يَتَعَاوَرُهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ مِنَ الْفَأْسِ، وَالْقِدْرِ، [وَالدَّلْوِ] . [[زيادة من م، أ.]]
[وَقَالَ الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْل، عَنْ أَبِي العُبَيدين: أَنَّهُ سُئِل ابنُ مَسْعُودٍ عَنِ الْمَاعُونِ، فَقَالَ: هُوَ مَا يَتَعَاطَاهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ، مِنَ الْفَأْسِ وَالْقِدْرِ] [[زيادة من م، أ.]] وَالدَّلْوِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ أَبِي العُبَيدين وَسَعْدِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ [[في م: "كنا أصحاب محمد".]] ﷺ نَتَحَدَّثُ أَنَّ الْمَاعُونَ الدَّلْوُ، وَالْفَأْسُ، وَالْقِدْرُ، لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُنَّ.
وَحَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْل، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عِيَاضٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلَهُ. [[تفسير الطبري (٣٠/٢٠٥) .]]
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمَاعُونِ، فَقَالَ: مَا يَتَعَاوَرُهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ: الْفَأْسُ وَالدَّلْوُ وَشَبَهُهُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ -هُوَ الطَّيَالِسِيُّ-حَدَّثَنَا أَبُو عَوانَة، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلة، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ نَبِيِّنَا ﷺ وَنَحْنُ نَقُولُ: الْمَاعُونُ: مَنْعُ الدَّلْوِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ. [[تفسير الطبري (٣٠ /٢٠٦) .]]
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ بِإِسْنَادِهِ، نَحْوَهُ [[سنن أبي داود برقم (١٦٥٧) ، وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٧٠١) .]] وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُلٌّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَكُنَّا [[في م: "وكنا".]] نَعُدُّ الْمَاعُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عاريَّة الدَّلْوِ وَالْقِدْرِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: الْمَاعُونُ: العَواري: الْقِدْرُ، وَالْمِيزَانُ، وَالدَّلْوُ.
وَقَالَ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾ يَعْنِي: مَتَاعَ الْبَيْتِ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخعي، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو مَالِكٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: إِنَّهَا العاريَّة لِلْأَمْتِعَةِ.
وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ [[في م: "ومجاهد".]] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾ قَالَ: لَمْ يَجِئْ أهلها بعد.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾ قَالَ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَمْنَعُونَ الزَّكَاةَ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَمْنَعُونَ الطَّاعَةَ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَمْنَعُونَ الْعَارِيَّةَ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ. ثُمَّ رُوِيَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ عُلَيَة، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ: الْمَاعُونُ: مَنْعُ النَّاسِ الْفَأْسَ، وَالْقِدْرَ، وَالدَّلْوَ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: رَأْسُ الْمَاعُونِ زَكَاةُ الْمَالِ، وَأَدْنَاهُ.
الْمُنْخُلُ وَالدَّلْوُ، وَالْإِبْرَةُ. رَوَاهُ ابْنُ أَبَى حَاتِمٍ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ عِكْرِمَةُ حَسَنٌ؛ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ الْأَقْوَالَ كُلَّهَا، وَتَرْجِعُ كُلُّهَا إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ. وَهُوَ تَرْكُ الْمُعَاوَنَةِ بِمَالٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ. وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: ﴿وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾ قَالَ: الْمَعْرُوفُ. وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: " كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: ﴿وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾ قَالَ: بِلِسَانِ قُرَيْشٍ: الْمَالُ.
وَرَوَى هَاهُنَا حَدِيثًا غَرِيبًا عَجِيبًا فِي إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ فَقَالَ:
حَدَّثَنَا أَبِي، وأبو زُرْعَة قالا حدثنا قيس ابن حَفْصٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا دُلْهَمُ بْنُ دَهْثَمٍ الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا عَائِذُ بْنُ رَبِيعَةَ النَميري، حَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ دُعْمُوصٍ النُّمَيْرِيُّ: أَنَّهُمْ وَفَدُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ قَالَ: "لَا تَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْمَاعُونُ؟ قَالَ: "فِي الحَجَر، وَفِي الْحَدِيدَةِ، وَفِي الْمَاءِ". قَالُوا: فَأَيُّ حَدِيدَةٍ؟ قَالَ: "قُدُورُكُمُ النُّحَاسُ، وَحَدِيدُ الْفَأْسِ الَّذِي تَمْتَهِنُونَ بِهِ". قَالُوا: وَمَا الْحَجَرُ؟ قَالَ: "قُدُورُكُمُ الْحِجَارَةُ". [[ورواه ابن مردويه أيضا، كما في الدر المنثور (٦٤٤) .]]
غَرِيبٌ جِدًّا، وَرَفْعُهُ مُنْكَرٌ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابنُ الْأَثِيرِ فِي الصَّحَابَةِ تَرْجَمَةَ "عَلِيٍّ النُّمَيْرِيِّ"، فَقَالَ: رَوَى ابْنُ قَانِعٍ بسنده إلى عائذ ابن رَبِيعَةَ بْنِ قَيْسٍ النُّمَيْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ فُلَانٍ النُّمَيْرِيِّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ. إِذَا لَقِيَهُ حَيَّاه بِالسَّلَامِ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، لَا يَمْنَعُ الْمَاعُونَ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْمَاعُونُ؟ قَالَ: "الحَجَر، وَالْحَدِيدُ، وأشباه ذلك". [[أسد الغابة (٣/٦٢٤) .]]
آخر تفسير سورة "الماعون".
{"ayahs_start":1,"ayahs":["أَرَءَیۡتَ ٱلَّذِی یُكَذِّبُ بِٱلدِّینِ","فَذَ ٰلِكَ ٱلَّذِی یَدُعُّ ٱلۡیَتِیمَ","وَلَا یَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِینِ","فَوَیۡلࣱ لِّلۡمُصَلِّینَ","ٱلَّذِینَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ","ٱلَّذِینَ هُمۡ یُرَاۤءُونَ","وَیَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ"],"ayah":"وَلَا یَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِینِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق