الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَمِنَ الأعْرابِ مَن يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَمًا ويَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَوْءِ واللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ ﴿وَمِنَ الأعْرابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللهِ واليَوْمِ الآخِرِ ويَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وصَلَواتِ الرَسُولِ ألا إنَّها قُرْبَةٌ لَهم سَيُدْخِلُهُمُ اللهِ في رَحْمَتِهِ إنَّ اللهِ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
هَذا نَصٌّ مِنَ المُنافِقِينَ مِنهُمْ، ومَعْنى "يَتَّخِذُ" في هَذِهِ الآياتِ أيْ: يَجْعَلُ مَقْصِدَهُ ولا يَنْوِي فِيهِ غَيْرَ ذَلِكَ، وأصْلُ المَغْرَمِ الدَيْنُ، ومِنهُ تَعَوَّذَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِنَ المَغْرَمِ والمَأْثَمِ، ولَكِنْ كَثُرَ اسْتِعْمالُ المَغْرَمِ فِيما يُؤَدِّيهِ الإنْسانُ مِمّا لا يَلْزَمُهُ بِحَقٍّ، وفي اللَفْظِ مَعْنى اللُزُومِ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَبارَكَ وتَعالى: ﴿إنَّ عَذابَها كانَ غَرامًا﴾ [الفرقان: ٦٥] أيْ: مَكْرُوهًا لازِمًا، و"الدَوائِرُ": المَصائِبُ الَّتِي لا مَخْلَصَ لِلْإنْسانِ مِنها فَهي تُحِيطُ بِهِ كَما تُحِيطُ الدائِرَةُ، وقَدْ يُحْتَمَلُ أنْ تُشْتَقَّ مِن دَوْرِ الزَمانِ، والمَعْنى: يَنْتَظِرُ بِكم ما تَأْتِي بِهِ الأيّامُ وتَدُورُ بِهِ. ثُمَّ قالَ عَلى جِهَةِ الدُعاءِ: ﴿عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَوْءِ﴾، وكُلُّ ما كانَ بِلَفْظِ دُعاءٍ (p-٣٩٠)مِن جِهَةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ فَإنَّما هو بِمَعْنى إيجابِ الشَيْءِ، لِأنَّ اللهَ لا يَدْعُو عَلى مَخْلُوقاتِهِ وهي في قَبْضَتِهِ، ومِن هَذا قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ [الهمزة: ١]، ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ [المطففين: ١]، فَهي كُلُّها أحْكامٌ تامَّةٌ تَضَمَّنَها خَبَرُهُ تَبارَكَ وتَعالى. وقَرَأ الجُمْهُورُ مِنَ السَبْعَةِ وغَيْرِهِمْ: "دائِرَةُ السَوْءِ" بِفَتْحِ السِينِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ مُحَيْصِنٍ بِخِلافٍ عنهُ، وعاصِمٌ، والأعْمَشُ بِخِلافٍ عنهُما: "دائِرَةُ السُوءِ" بِضَمِّ السِينِ، واخْتُلِفَ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ، وقِيلَ: الفَتْحُ المَصْدَرُ والضَمُّ الِاسْمُ، واخْتَلَفَ الناسُ فِيهِما وهو اخْتِلافٌ يَقْرُبُ بَعْضُهُ مِن بَعْضٍ، والفَتْحُ في السِينِ يَقْتَضِي وصْفَ الدائِرَةِ بِأنَّها سَيِّئَةٌ، وقالَ أبُو عَلِيٍّ: مَعْنى "الدائِرَةِ" يَقْتَضِي مَعْنى "السَوْءِ" فَإنَّما هي إضافَةُ بَيانٍ وتَأْكِيدٍ، كَما قالُوا: "شَمْسُ النَهارِ" و"لَحْيا رَأْسِهِ".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ولا يُقالُ: "رَجُلُ سَوْءٍ" إلّا بِفَتْحِ السِينِ، هَذا قَوْلُ أكْثَرِهِمْ، وقَدْ حُكِيَ: "رَجُلُ سُوءٍ" بِضَمِّ السِينِ، وقَدْ قالَ الشاعِرُ:
؎ وكُنْتُ كَذِئْبِ السُوءِ لَمّا رَأى دَمًا ∗∗∗ بِصاحِبِهِ يَوْمًا أحالَ عَلى الدَمِ
ولَمْ يَخْتَلِفِ القُرّاءُ في فَتْحِ السِينِ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما كانَ أبُوكِ امْرَأ سَوْءٍ﴾ [مريم: ٢٨].
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمِنَ الأعْرابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللهِ﴾ الآيَةُ، قالَ قَتادَةُ: (هَذِهِ ثَنِيَّةُ اللهِ تَعالى مِنَ الأعْرابِ)، و"يَتَّخِذُ" في هَذِهِ الآيَةِ أيْضًا هي بِمَعْنى: يَجْعَلُهُ مَقْصِدًا، والمَعْنى: يَنْوِي بِنَفَقَتِهِ في سَبِيلِ اللهِ القُرْبَةَ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ واسْتِغْنامَ دُعاءِ الرَسُولِ ﷺ، (p-٣٩١)فَفِي دُعائِهِ لَهم خَيْرُ الآخِرَةِ في النَجاةِ مِنَ النارِ، وخَيْرُ الدُنْيا في أرْزاقِهِمْ ومِنَحِ اللهِ لَهُمْ، فَـ "صَلَواتِ" -عَلى هَذا- عَطْفٌ عَلى "قُرُباتٍ"، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلى "ما يُنْفِقُ"، أيْ: ويَتَّخِذُ بِالأعْمالِ الصالِحَةِ صَلَواتِ الرَسُولِ قُرْبَةً، والأُولى أبْيَنُ.
و"قُرُباتٍ" جَمْعُ قُرْبَةٍ أو قُرُبَةٍ بِسُكُونِ الراءِ وضَمِّها، وهُما لُغَتانِ، والصَلاةُ في هَذِهِ الآيَةِ: الدُعاءُ إجْماعًا، وقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: الصَلاةُ مِنَ اللهِ رَحْمَةٌ، ومِنَ النَبِيِّ والمَلائِكَةِ دُعاءٌ، ومِنَ الناسِ عِبادَةٌ. والضَمِيرُ في قَوْلِهِ: "إنَّها" يُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ عَلى النَفَقَةِ، وهَذا في انْعِطافِ "الصَلَواتِ" عَلى "القُرُباتِ"، ويُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ عَلى الصَلَواتِ، وهَذا في انْعِطافِهِ عَلى "ما يُنْفِقُ"، وقَرَأ نافِعٌ: "قُرُبَةً" بِضَمِّ الراءِ، واخْتُلِفَ عنهُ وعن عاصِمٍ والأعْمَشِ، وقَرَأ الباقُونَ: "قُرْبَةً" بِسُكُونِ الراءِ، ولَمْ يُخْتَلَفْ في "قُرُباتٍ"، ثُمَّ وعَدَ تَبارَكَ وتَعالى بِقَوْلِهِ: ﴿سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ في رَحْمَتِهِ﴾ الآيَةُ، ورُوِيَ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ في بَنِي مُقَرِّنٍ مِن مُزَيْنَةَ، وقالَهُ مُجاهِدٌ. وأسْنَدَ الطَبَرِيُّ إلى عَبْدِ الرَحْمَنِ بْنِ مُغَفَّلِ بْنِ مُقَرِّنٍ أنَّهُ قالَ: كُنّا عِشْرَةً ولَدَ مُقَرِّنٍ فَنَزَلَتْ فِينا: ﴿وَمِنَ الأعْرابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللهِ﴾ إلى آخِرِ الآيَةِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وقَوْلُهُ: "عَشْرَةً ولَدَ مُقَرِّنٍ" يُرِيدُ السِتَّةَ أولادَ مُقَرِّنٍ لِصُلْبِهِ أوِ السَبْعَةَ عَلى ما في الِاسْتِيعابِ مِن قَوْلِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، وبَنِيهِمْ لِأنَّ هَذا هو الَّذِي في مَشْهُورِ دَواوِينِ أهْلِ العِلْمِ.
{"ayahs_start":98,"ayahs":["وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن یَتَّخِذُ مَا یُنفِقُ مَغۡرَمࣰا وَیَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَاۤىِٕرَۚ عَلَیۡهِمۡ دَاۤىِٕرَةُ ٱلسَّوۡءِۗ وَٱللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمࣱ","وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن یُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَیَتَّخِذُ مَا یُنفِقُ قُرُبَـٰتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَ ٰتِ ٱلرَّسُولِۚ أَلَاۤ إِنَّهَا قُرۡبَةࣱ لَّهُمۡۚ سَیُدۡخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِی رَحۡمَتِهِۦۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"],"ayah":"وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن یُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَیَتَّخِذُ مَا یُنفِقُ قُرُبَـٰتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَ ٰتِ ٱلرَّسُولِۚ أَلَاۤ إِنَّهَا قُرۡبَةࣱ لَّهُمۡۚ سَیُدۡخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِی رَحۡمَتِهِۦۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق