الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿لَيْسَ عَلى الضُعَفاءِ ولا عَلى المَرْضى ولا عَلى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إذا نَصَحُوا لِلَّهِ ورَسُولِهِ ما عَلى المُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ واللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ﴿وَلا عَلى الَّذِينَ إذا ما أتَوْكَ لِتَحْمِلَهم قُلْتَ لا أجِدُ ما أحْمِلُكم عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وأعْيُنُهم تَفِيضُ مِنَ الدَمْعِ حَزَنًا ألا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ﴾ (p-٣٨٤)يَقُولُ تَعالى: لَيْسَ عَلى أهْلِ الأعْذارِ الصَحِيحَةِ مِن ضَعْفِ أبْدانٍ أو مَرَضٍ أو زَمانَةٍ أو عَدَمِ نَفَقَةٍ إثْمٌ، والحَرَجُ: الإثْمُ، وقَوْلُهُ: ﴿إذا نَصَحُوا﴾ يُرِيدُ: بِنِيّاتِهِمْ وأقْوالِهِمْ سِرًّا وجَهْرًا، وقَرَأ أبُو حَيَوَةَ: "نَصَحُوا اللهَ ورَسُولَهُ" بِغَيْرِ لامٍ وبِنَصْبِ الهاءِ المَكْتُوبَةِ، وقَوْلُهُ تَبارَكَ وتَعالى: ﴿ما عَلى المُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ﴾ الآيَةُ، في لائِمَةٍ تُناطُ بِهِمْ أو تَذْنِيبٍ أو عُقُوبَةٍ، ثُمَّ أكَّدَ الرَجاءَ بِقَوْلِهِ: ﴿واللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: "واللهُ لِأهْلِ الإساءَةِ غَفُورٌ رَحِيمٌ". قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهَذا عَلى جِهَةِ التَفْسِيرِ أشْبَهُ مِنهُ عَلى جِهَةِ التِلاوَةِ لِخِلافِهِ المُصْحَفَ. واخْتُلِفَ فِيمَنِ المُرادُ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ﴾. فَقالَتْ فِرْقَةٌ: نَزَلَتْ في بَنِي مُقَرِّنٍ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وبَنُو مُقَرِّنٍ سِتَّةُ إخْوَةٍ صَحِبُوا النَبِيَّ ﷺ، ولَيْسَ في الصَحابَةِ سِتَّةُ إخْوَةٍ غَيْرُهُمْ، وقِيلَ: كانُوا سَبْعَةً. وقِيلَ: نَزَلَتْ في عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ المُزَنِيِّ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا عَلى الَّذِينَ إذا ما أتَوْكَ﴾ الآيَةُ، اخْتُلِفَ فِيمَن نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. (p-٣٨٥)فَقِيلَ: نَزَلَتْ في عِرْباضِ بْنِ سارِيَةَ، وقِيلَ: نَزَلَتْ في عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، وقِيلَ: في عائِذِ بْنِ عَمْرٍو، وقِيلَ: في أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ ورَهْطِهِ، وقِيلَ: في بَنِي مُقَرِّنٍ، وعَلى هَذا جُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ، وقِيلَ: نَزَلَتْ في سَبْعَةِ نَفَرٍ مِن بُطُونٍ شَتّى، فَهُمُ البَكّاءُونَ، وهم سالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ مِن بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وحَرَمِيُّ بْنُ عَمْرٍو مِن بَنِي واقِفٍ، وأبُو لَيْلى عَبْدُ الرَحْمَنِ مِن بَنِي مازِنِ بْنِ النَجّارِ، وسُلَيْمانُ بْنُ صَخْرٍ مِن بَنِي المُعَلّى، وأبُو رَعِيلَةَ عَبْدُ الرَحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ مِن بَنِي حارِثَةَ، وهو الَّذِي تَصَدَّقُ بِعِرْضِهِ فَقَبِلَ اللهُ مِنهُ، وعَمْرُو بْنُ غَنَمَةَ مِن بَنِي سَلَمَةَ، وعائِدُ بْنُ عَمْرٍو المُزَنِيُّ، وقِيلَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو المُزَنِيُّ، قالَ هَذا كُلَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ، وقالَ مُجاهِدٌ: البَكّاؤُونَ هم بَنُو بَكْرٍ مِن مُزَيْنَةَ. ومَعْنى قَوْلِهِ: "لِتَحْمِلَهُمْ" أيْ عَلى ظَهْرٍ يُرْكَبُ ويُحْمَلُ عَلَيْهِ الأثاثُ، وقالَ بَعْضُ الناسِ: إنَّما اسْتَحْمَلُوهُ النِعالَ، ذَكَرَهُ النَقّاشُ عَنِ الحَسَنِ بْنِ صالِحٍ، وهَذا بَعِيدٌ شاذٌّ. والعامِلُ في "إذا" يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ: "قُلْتَ" ويَكُونُ قَوْلُهُ: "تَوَلَّوْا" مَقْطُوعًا، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ العامِلُ: "تَوَلَّوْا" ويَكُونُ تَقْدِيرُ الكَلامِ: فَقُلْتَ، أو يَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿قُلْتَ لا أجِدُ ما أحْمِلُكم عَلَيْهِ﴾ بِمَنزِلَةِ: وجَدُوكَ في هَذِهِ الحالِ. وفي الكَلامِ اخْتِصارٌ وإيجازٌ ولا بُدَّ، يَدُلُّ ظاهِرُ الكَلامِ عَلى ما اخْتُصِرَ مِنهُ، وقالَ الجُرْجانِيُّ في "النَظْمِ" لَهُ: إنَّ قَوْلَهُ: "قُلْتَ" في حُكْمِ المَعْطُوفِ تَقْدِيرُهُ: وقُلْتَ، و"حَزَنًا" نَصْبٌ عَلى المَصْدَرِ، وقَرَأ مَعْقِلُ بْنُ هارُونَ: "لِنَحْمِلَهُمْ" بِنُونِ الجَماعَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب