الباحث القرآني
(p-٢٦٣)قَوْلُهُ: عَزَّ وجَلَّ:
﴿وَإنْ أحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأنَّهم قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ﴾ ﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وعِنْدَ رَسُولِهِ إلا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ المَسْجِدِ الحَرامِ فَما اسْتَقامُوا لَكم فاسْتَقِيمُوا لَهم إنَّ اللهِ يُحِبُّ المُتَّقِينَ﴾
أُمِرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ في هَذِهِ الآيَةِ -بَعْدَ الأمْرِ بِقِتالِ المُشْرِكِينَ- بِأنْ يَكُونَ مَتى طَلَبَ مُشْرِكٌ عَهْدًا يَأْمَنُ بِهِ يَسْمَعُ القُرْآنَ ويَرى حال الإسْلامِ أنْ يُعْطِيَهُ ذَلِكَ، وهي الإجارَةُ وهو مِنَ الجِوارِ.
ثُمَّ أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ المَأْمَنَ إذا لَمْ يَرْضَ الإسْلامَ ولَمْ يُهْدَ إلَيْهِ، وقالَ الحَسَنُ: هي مُحْكَمَةٌ سُنَّةٌ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، وقالَ مُجاهِدٌ، وقالَ الضَحّاكُ، والسُدِّيُّ: هَذا مَنسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ٥]، وقالَ غَيْرُهُما: هَذِهِ الآيَةُ إنَّما كانَ حُكْمُها مُدَّةَ الأرْبَعَةِ الأشْهُرِ الَّتِي ضُرِبَتْ لَهم أجَلًا.
وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ﴾ يَعْنِي القُرْآنَ، وهي إضافَةُ صِفَةٍ إلى مَوْصُوفٍ، لا إضافَةُ خَلْقٍ إلى خالِقٍ، والمَعْنى: ويَفْهَمُ أحْكامَهُ وأوامِرَهُ ونَواهِيَهُ، فَذَكَرَ السَماعَ بِالآذانِ إذْ هو الطَرِيقُ إلى الفَهْمِ، وقَدْ يَجِيءُ السَماعُ في كَلامِ العَرَبِ مُسْتَعْمَلًا بِمَعْنى الفَهْمِ، كَما تَقُولُ لِمَن خاطَبْتَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنكَ: "أنْتَ لَمْ تَسْمَعْ قَوْلِي"، تُرِيدُ: لَمْ تَفْهَمْهُ، وذَلِكَ في كِتابِ اللهِ تَعالى في عِدَّةِ مَواضِعَ. و"أحَدٌ" في هَذِهِ الآيَةِ مُرْتَفِعٌ بِفِعْلٍ يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿اسْتَجارَكَ﴾ ويَضْعُفُ فِيهِ الِابْتِداءُ لِوِلايَةِ الفِعْلِ لِـ"إنْ". وقَوْلُهُ تَعالى: "ذَلِكَ" إشارَةٌ إلى هَذا اللُطْفِ في الإجارَةِ والإسْماعِ وتَبْلِيغِ المَأْمَنِ، و"لا يَعْلَمُونَ" نُفِيَ عِلْمُهم بِمَراشِدِهِمْ في اتِّباعِ مُحَمَّدٍ ﷺ. (p-٢٦٤)وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ﴾ الآيَةُ.
لَفْظُ اسْتِفْهامٍ وهو عَلى جِهَةِ التَعَجُّبِ والِاسْتِبْعادِ، أيْ: عَلى أيِّ وجْهٍ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ وهم قَدْ نَقَضُوا وجاهَرُوا بِالتَعَدِّي؟ ثُمَّ اسْتَثْنى مِن عُمُومِ المُشْرِكِينَ القَوْمَ الَّذِينَ عُوهِدُوا عِنْدَ المَسْجِدِ الحَرامِ، أيْ: في ناحِيَتِهِ وجِهَتِهِ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما فِيما رُوِيَ عنهُ: المَعْنِيُّ بِهَذا قُرَيْشٌ. وقالَ السُدِّيُّ: المَعْنِيُّ بَنُو جُذَيْمَةَ مِنَ الدَيْلِ، وقالَ ابْنُ إسْحاقَ: هي قَبائِلُ بَنِي بَكْرٍ، كانُوا دَخَلُوا وقْتَ الحُدَيْبِيَةِ في المُدَّةِ الَّتِي كانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ ﷺ وبَيْنَ قُرَيْشٍ، فَلَمْ يَكُنْ نَقْضٌ إلّا قُرَيْشٌ وبَنُو الدَيْلِ مِن بَنِي بَكْرٍ، فَأمَرَ المُسْلِمُونَ بِإتْمامِ العَهْدِ لِمَن لَمْ يَكُنْ نَقَضَ، وقالَ قَوْمٌ: المَعْنِيُّ خُزاعَةُ، قالَهُ مُجاهِدٌ، وهو مَرْدُودٌ بِإسْلامِ خُزاعَةَ عامَ الفَتْحِ، وقالَ بَعْضُ مَن قالَ إنَّهم قُرَيْشٌ: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فَلَمْ يَسْتَقِيمُوا، بَلْ نَقَضُوا فَنَزَلَ تَأْجِيلُهم أرْبَعَةَ أشْهُرٍ بَعْدَ ذَلِكَ، وحَكى الطَبَرِيُّ هَذا القَوْلَ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ، وهو ضَعِيفٌ مُتَناقِضٌ، لِأنَّ قُرَيْشًا وقْتَ الأذانِ بِالأرْبَعَةِ الأشْهَرِ لَمْ يَكُنْ مِنهم إلّا مُسْلِمٌ، وذَلِكَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ بِسَنَةٍ، وكَذَلِكَ خُزاعَةُ، قالَهُ الطَبَرِيُّ وغَيْرُهُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ﴾ يُرِيدُ بِهِ المُوفِينَ بِالعَهْدِ مِنَ المُؤْمِنِينَ، فَلِذَلِكَ جاءَ بِلَفْظٍ مُعَرَّفٍ لِلْوَفاءِ بِالعَهْدِ مُتَضَمِّنٌ الإيمانَ.
{"ayahs_start":6,"ayahs":["وَإِنۡ أَحَدࣱ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ ٱسۡتَجَارَكَ فَأَجِرۡهُ حَتَّىٰ یَسۡمَعَ كَلَـٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبۡلِغۡهُ مَأۡمَنَهُۥۚ ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمࣱ لَّا یَعۡلَمُونَ","كَیۡفَ یَكُونُ لِلۡمُشۡرِكِینَ عَهۡدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِۦۤ إِلَّا ٱلَّذِینَ عَـٰهَدتُّمۡ عِندَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۖ فَمَا ٱسۡتَقَـٰمُوا۟ لَكُمۡ فَٱسۡتَقِیمُوا۟ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِینَ"],"ayah":"كَیۡفَ یَكُونُ لِلۡمُشۡرِكِینَ عَهۡدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِۦۤ إِلَّا ٱلَّذِینَ عَـٰهَدتُّمۡ عِندَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۖ فَمَا ٱسۡتَقَـٰمُوا۟ لَكُمۡ فَٱسۡتَقِیمُوا۟ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق