الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿ألا تُقاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أيْمانَهم وهَمُّوا بِإخْراجِ الرَسُولِ وهم بَدَءُوكم أوَّلَ مَرَّةٍ أتَخْشَوْنَهم فاللهُ أحَقُّ أنْ تَخْشَوْهُ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ ﴿قاتِلُوهم يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأيْدِيكم ويُخْزِهِمْ ويَنْصُرْكم عَلَيْهِمْ ويَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾ ﴿وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ويَتُوبُ اللهُ عَلى مَن يَشاءُ واللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ألا تُقاتِلُونَ﴾ عَرْضٌ وتَحْضِيضٌ، وقَوْلُهُ: ﴿وَهَمُّوا بِإخْراجِ الرَسُولِ وهم بَدَءُوكم أوَّلَ مَرَّةٍ﴾، قالَ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ: المُرادُ: مِنَ المَدِينَةِ، وهَذا يَسْتَقِيمُ كَغَزْوَةِ أُحُدٍ والأحْزابِ وغَيْرِهِما، وقالَ السُدِّيُّ: المُرادُ: مِن مَكَّةَ، فَهَذا عَلى أنْ يَكُونَ المَعْنى: هَمُّوا وفَعَلُوا، أو عَلى أنْ يُقالَ هَمُّوا بِإخْراجِهِ (p-٢٧٢)بِأيْدِيهِمْ فَلَمْ يَصِلُوا إلى ذَلِكَ، بَلْ خَرَجَ بِأمْرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وهَذا يَجْرِي مَعَ إنْكارِ النَبِيِّ ﷺ عَلى أبِي سُفْيانَ بْنِ الحارِثَةِ قَوْلَهُ:
؎ ورَدَّنِي لِلَّهِ مِن ∗∗∗ طَرَّدْتُهُ كُلَّ مُطَرَّدِ
ولا يُنْسَبُ الإخْراجُ إلَيْهِمْ إلّا إذا كانَ الكَلامُ في طَرِيقِ تَذْنِيبِهِمْ، كَما قالَ تَعالى: ﴿وَإخْراجُ أهْلِهِ مِنهُ أكْبَرُ عِنْدَ اللهِ﴾ [البقرة: ٢١٧]، وقَوْلُهُ: ﴿مِن قَرْيَتِكَ الَّتِي أخْرَجَتْكَ﴾ [محمد: ١٣]، والأوَّلُ عَلى أنَّ ما فَعَلُوا بِهِ مِن أسْبابِ الإخْراجِ هو الإخْراجُ.
وقَوْلُهُ: ﴿أوَّلَ مَرَّةٍ﴾ قِيلَ: يُرادُ أفْعالُهم بِمَكَّةَ بِالنَبِيِّ ﷺ وبِالمُؤْمِنِينَ، وقالَ مُجاهِدٌ: يُرادُ بِهِ ما بَدَأتْ بِهِ قُرَيْشٌ مِن مَعُونَةِ بَنِي بَكْرٍ حُلَفائِهِمْ عَلى خُزاعَةَ حُلَفاءِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَكانَ هَذا بَدْءَ النَقْضِ، وقالَ الطَبَرِيُّ: يَعْنِي فِعْلَهم يَوْمَ بَدْرٍ، وقَوْلُهُ: ﴿أتَخْشَوْنَهُمْ﴾ اسْتِفْهامٌ عَلى مَعْنى التَقْرِيرِ والتَوْبِيخِ، وقَوْلُهُ: ﴿فاللهُ﴾ مُرْتَفِعٌ بِالِابْتِداءِ و﴿أحَقُّ﴾ خَبَرُهُ، و﴿أنْ تَخْشَوْهُ﴾ بَدَلٌ مِنِ اسْمِ اللهِ، بَدَلَ اشْتِمالٍ، أو في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى إسْقاطِ خافِضٍ تَقْدِيرُهُ: بِأنْ تَخْشَوْهُ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ "اللهُ" ابْتِداءً، وأحَقُّ ابْتِداءٌ ثانٍ وأنْ تَخْشَوْهُ خَبَرُ الثانِي، والجُمْلَةُ خَبَرُ الأوَّلِ، وقَوْلُهُ: ﴿إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ كَما تَقُولُ: افْعَلْ كَذا إنْ كُنْتَ رَجُلًا، أيْ: رَجُلًا كامِلًا، فَهَذا مَعْناهُ: إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ كامِلِي الإيمانِ، لِأنَّ إيمانَهم كانَ قَدِ اسْتَقَرَّ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قاتِلُوهم يُعَذِّبْهُمُ اللهُ﴾ الآيَةُ. قَرَّرَتِ الآياتُ قَبْلَها أفْعالَ الكَفَرَةِ، ثُمَّ حَضَّ عَلى القِتالِ مُقْتَرِنًا بِذُنُوبِهِمْ لِتَنْبَعِثَ الحَمِيَّةُ مَعَ ذَلِكَ، ثُمَّ جَزَمَ الأمْرَ بِقِتالِهِمْ في هَذِهِ الآيَةِ مُقْتَرِنًا بِوَعْدٍ وكَيْدٍ يَتَضَمَّنُ النُصْرَةَ عَلَيْهِمْ والظَفَرَ بِهِمْ، وقَوْلُهُ: ﴿يُعَذِّبْهُمُ﴾ مَعْناهُ: بِالقَتْلِ والأسْرِ وذَلِكَ كُلُّهُ عَذابٌ، ويُخْزِهِمْ مَعْناهُ: يُذِلُّهم عَلى ذُنُوبِهِمْ، يُقالُ: خَزِيَ الرَجُلُ يَخْزى خِزْيًا إذا ذَلَّ مِن حَيْثُ وقَعَ في عارٍ، وأخْزاهُ غَيْرُهُ، وخَزِيَ يَخْزى خِزايَةً إذا اسْتَحْيا، وأمّا قَوْلُهُ: ﴿وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾ فَإنَّ الكَلامَ يُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ جَماعَةَ المُؤْمِنِينَ، لِأنَّ كُلَّ ما يَهْدِ مِنَ الكُفْرِ هو شِفاءٌ مِن هَمِّ صُدُورِ المُؤْمِنِينَ، (p-٢٧٣)وَيُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ تَخْصِيصَ قَوْمٍ مِنَ المُؤْمِنِينَ، ورُوِيَ أنَّهم خُزاعَةُ، قالَهُ مُجاهِدٌ والسُدِّيُّ، ووَجَّهَ تَخْصِيصَهم أنَّهُمُ الَّذِينَ نَقَضَ فِيهِمُ العَهْدَ ونالَتْهُمُ الحَرْبُ، وكانَ يَوْمَئِذٍ في خُزاعَةَ مُؤْمِنُونَ كَثِيرٌ، ويَقْتَضِي ذَلِكَ قَوْلُ الخُزاعِيِّ عَنِ المُسْتَنْصِرِ بِالنَبِيِّ ﷺ:
؎ ........................ ∗∗∗ ∗∗∗ ثُمَّتْ أسْلَمْنا فَلَمْ تَنْزِعْ يَدا
وفِي آخِرِ الرَجَزِ يَقُولُ:
؎ .......................... ∗∗∗ ∗∗∗ وقَتَّلُونا رُكَّعًا وسُجَّدا
وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ" عَلى إسْنادِ الفِعْلِ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "وَيَذْهَبْ غَيْظُ قُلُوبِهِمْ" عَلى إسْنادِ الفِعْلِ إلى الغَيْظِ، وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "وَيَتُوبُ" بِالرَفْعِ عَلى القِطَعِ مِمّا قَبْلَهُ، والمَعْنى أنَّ الآيَةَ اسْتَأْنَفَتِ الخَبَرَ بِأنَّهُ قَدْ يَتُوبُ عَلى بَعْضِ هَؤُلاءِ الكَفَرَةِ الَّذِينَ أمَرَ بِقِتالِهِمْ، قالَ أبُو الفَتْحِ: وهَذا أمْرٌ مَوْجُودٌ سَواءٌ قُوتِلُوا أو لَمْ يُقاتَلُوا، فَلا وجْهَ لِإدْخالِ التَوْبَةِ في جَوابِ الشَرْطِ الَّذِي في "قاتِلُوهُمْ" عَلى قِراءَةِ النَصْبِ، وإنَّما الوَجْهُ الرَفْعُ عَلى الِاسْتِئْنافِ والقَطْعِ، وقَرَأ الأعْرَجُ، وابْنُ أبِي إسْحاقَ، وعِيسى الثَقَفِيُّ، وعَمْرُو بْنُ عَبِيدٍ، وأبُو عَمْرٍو -فِيما رُوِيَ عنهُ-: "وَيَتُوبَ" بِالنَصْبِ عَلى تَقْدِيرِ: "وَأنْ يَتُوبَ"، ويَتَوَجَّهَ ذَلِكَ عِنْدِي إذا ذَهَبْتَ إلى أنَّ التَوْبَةَ إنَّما يُرادُ بِها هُنا أنَّ قَتْلَ الكافِرِينَ والجِهادَ في سَبِيلِ اللهِ هو تَوْبَةٌ لَكم أيُّها المُؤْمِنُونَ (p-٢٧٤)وَكَمالٌ لِإيمانِكُمْ، فَتَدَخَّلُ التَوْبَةُ -عَلى هَذا- في شَرْطِ القِتالِ.
و﴿عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال: ٧١] صِفَتانِ نِسْبَتُهُما إلى الآيَةِ واضِحَةٌ.
{"ayahs_start":13,"ayahs":["أَلَا تُقَـٰتِلُونَ قَوۡمࣰا نَّكَثُوۤا۟ أَیۡمَـٰنَهُمۡ وَهَمُّوا۟ بِإِخۡرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٍۚ أَتَخۡشَوۡنَهُمۡۚ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَوۡهُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ","قَـٰتِلُوهُمۡ یُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ بِأَیۡدِیكُمۡ وَیُخۡزِهِمۡ وَیَنصُرۡكُمۡ عَلَیۡهِمۡ وَیَشۡفِ صُدُورَ قَوۡمࣲ مُّؤۡمِنِینَ","وَیُذۡهِبۡ غَیۡظَ قُلُوبِهِمۡۗ وَیَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن یَشَاۤءُۗ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمٌ"],"ayah":"وَیُذۡهِبۡ غَیۡظَ قُلُوبِهِمۡۗ وَیَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن یَشَاۤءُۗ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق