الباحث القرآني

(p-٥٤٢)قوله عزّ وجلّ: ﴿فَإذا جاءَتِ الصاخَّةُ﴾ ﴿يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِن أخِيهِ﴾ ﴿وَأُمِّهِ وأبِيهِ﴾ ﴿وَصاحِبَتِهِ وبَنِيهِ﴾ ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنهم يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ﴾ ﴿ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ﴾ ﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ﴾ ﴿تَرْهَقُها قَتَرَةٌ﴾ ﴿أُولَئِكَ هُمُ الكَفَرَةُ الفَجَرَةُ﴾ "الصاخَّةُ": اسْمٌ مِن أسْماءِ القِيامَةِ، واللَفْظَةُ في حَقِيقَتِها إنَّما هي لِنَفْخَةِ الصُوَرِ الَّتِي تَصُخُّ الآذانَ أيْ تَصِمُّها، ويُسْتَعْمَلُ هَذا اللَفْظُ في الداهِيَةِ الَّتِي يُصِمُّ نَبَؤُها الآذانُ لِصُعُوبَتِها، وهَذِهِ اسْتِعارَةٌ، وكَذَلِكَ في الصَيْحَةِ المُفْرِطَةِ الَّتِي يَصْعُبُ وقْعُها عَلى الأُذُنِ. ثُمَّ ذَكَرَ تَعالى فِرارَ المَرْءِ مِنَ القَوْمِ الَّذِينَ مَعْهُودُهم ألّا يَفِرَّ عنهم في الشَدائِدِ، ثُمَّ رَتَّبَهم تَعالى الأوَّلُ فالأوَّلُ مَحَبَّةً وحَنُّوًا، وقَرَأ أبُو إياسٍ جَؤْيَةَ "مِن أخِيهِ وأُمِّهِ وأبِيهِ" بِضَمِّ الهاءِ في كُلِّها، وقالَ مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ وغَيْرُهُ: هَذا الفِرارُ هو خَوْفٌ مِن أنْ يَتْبَعَ بَعْضُهم بَعْضًا بِتَبِعاتٍ، إذِ المُلابَسَةُ تَعَلِّقُ المُطالَبَةَ، وقالَ جُمْهُورُ الناسِ: إنَّما ذَلِكَ لِشِدَّةِ الهَوْلِ، عَلى نَحْوِ ما رُوِيَ أنَّ الرُسُلَ تَقُولُ يَوْمَئِذٍ: نَفْسِي نَفْسِي، لا أسْألُكَ غَيْرِي، و"الشَأْنُ الَّذِي يُغْنِيهِ": هو فِكْرَةٌ في سَيِّئاتِهِ وخَوْفِهِ عَلى نَفْسِهِ مِنَ التَخْلِيدِ في النارِ، والمَعْنى يُغْنِيهِ عَنِ اللِقاءِ مَعَ غَيْرِهِ، والفِكْرَةُ في أمْرِهِ، قالَ قَتادَةُ: أفْضى كُلُّ إنْسانٍ إلى ما يَشْغَلُهُ عن غَيْرِهِ. «وَقالَ النَبِيُّ ﷺ لِعائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها: "لا يَضُرُّكَ في القِيامَةِ كانَ عَلَيْكَ ثِيابٌ أمْ لا"، وقَرَأ هَذِهِ الآيَةَ.» وقالَ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ نَحْوَهُ: لِسَوْدَةَ (p-٥٤٣)رَضِيَ اللهُ عنها وقَدْ قالَتْ: وا سَوْأتاهُ، يَنْظُرُ بَعْضُ الناسِ إلى بَعْضٍ يَوْمَ القِيامَةِ، وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "يُغْنِيهِ" بالِغِينَ مَنقُوطَةً وضَمَّ الياءَ عَلى ما فَسَّرْناهُ، وقَرَأ ابْنُ مُحَيْصِنٍ والزُهْرِيُّ، وابْنُ السَمَيْفَعِ: "يَعَنِيهِ" بِفَتْحِ الياءِ والعَيْنِ غَيْرَ مَنقُوطَةٍ، مِن قَوْلِكَ: عَنانِي الأمْرُ، أيْ قَصَدَنِي وأرادَنِي. ثُمَّ ذَكَرَ تَعالى اخْتِلاف الوُجُوهِ مِنَ المُؤْمِنِينَ الواثِقِينَ بِرَحْمَةِ اللهِ تَعالى حِينَ بَدَتْ لَهم تَباشِيرُها، ومِنَ الكُفّارِ، و"مُسْفِرَةٌ" مَعْناهُ: نَيِّرَةٌ بادَ ضَوْؤُها وسُرُورُها. و"تُرْهِقُها" مَعْناهُ: تَلِحُّ عَلَيْها، و: "القِتْرَةُ": الغُبارُ، والغَبَرَةُ الأُولى إنَّما هي العُبُوسُ والهَمُّ، كَما يُرى عَلى وجْهِ المَهْمُومِ والمَيِّتِ والمَرِيضِ شِبْهَ الغُبارِ، وأمّا القَتَرَةُ فَغُبارُ الأرْضِ، ويُقالُ: إنَّ ذَلِكَ يَغْشاهم مِنَ التُرابِ الَّذِي تَعُودُهُ البَهائِمُ، ثُمَّ فَسَّرَ تَعالى أصْحابَ هَذِهِ الوُجُوهِ المُغَبَّرَةِ بِأنَّهُمُ الكَفَرَةُ، قُرَيْشٌ يَوْمَئِذٍ ومَن جَرى مَجْراهم قَدِيمًا وحَدِيثًا. كَمُلَ تَفْسِيرُ سُورَةِ [عَبَسَ] والحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العالَمِينَ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب