الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿وَأعِدُّوا لَهم ما اسْتَطَعْتُمْ مِن قُوَّةٍ ومِن رِباطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وعَدُوَّكم وآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهِ يَعْلَمُهم وما تُنْفِقُوا مِن شَيْءٍ في سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إلَيْكم وأنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ﴾ ﴿وَإنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فاجْنَحْ لَها وتَوَكَّلْ عَلى اللهِ إنَّهُ هو السَمِيعُ العَلِيمُ﴾ المُخاطَبَةُ في هَذِهِ الآيَةِ لِجَمِيعِ المُؤْمِنِينَ، والضَمِيرُ في قَوْلِهِ تَعالى: "لَهُمْ" عائِدٌ عَلى (p-٢٢٦)الَّذِينَ يُنْبَذُ إلَيْهِمُ العَهْدُ، أو عَلى الَّذِينَ لا يُعْجِزُونَ عَلى تَأْوِيلِ مَن تَأوَّلَ ذَلِكَ في الدُنْيا، ويُحْتَمَلُ أنْ يُعِيدَهُ عَلى جَمِيعِ الكُفّارِ المَأْمُورِ بِحَرْبِهِمْ في ذَلِكَ الوَقْتِ ثُمَّ اسْتَمَرَّتِ الآيَةُ في الأُمَّةِ عامَّةً، إذِ الأمْرُ قَدْ تَوَجَّهَ بِحَرْبِ جَمِيعِ الكُفّارِ. وقالَ عِكْرِمَةُ مَوْلى ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: القُوَّةُ: ذُكُورُ الخَيْلِ، والرِباطُ: الإناثُ، وهَذا قَوْلٌ ضَعِيفٌ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: القُوَّةُ: الرَمْيُ، واحْتَجَّتْ بِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: « "ألا إنَّ القُوَّةَ الرَمْيُ، ألا إنَّ القُوَّةَ الرَمْيُ، ألا إنَّ القُوَّةَ الرَمْيُ"»، وقالَ السُدِّيُّ: القُوَّةُ: السِلاحُ، وذَهَبَ الطَبَرِيُّ إلى عُمُومِ اللَفْظَةِ، وذَكَرَ عن مُجاهِدٍ أنَّهُ رُئِيَ يَتَجَهَّزُ وعِنْدَهُ جَوالِقُ فَقالَ: هَذا مِنَ القُوَّةِ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهَذا هو الصَوابُ، والخَيْلُ والمَرْكُوبُ في الجُمْلَةِ والمَحْمُولُ عَلَيْهِ مِنَ الحَيَوانِ والسِلاحِ كُلِّهِ والمَلابِسُ الباهِيَةُ والآلاتُ والنَفَقاتُ كُلُّها داخِلَةٌ في القُوَّةِ، وأُمِرَ المُسْلِمُونَ بِإعْدادِ ما اسْتَطاعُوا مِن ذَلِكَ، ولَمّا كانَتِ الخَيْلُ هي أصْلَ الحُرُوبِ وأوزارَها والَّتِي عُقِدَ الخَيْرُ في نَواصِيها، وهي أقْوى القُوى وحُصُونُ الفُرْسانِ خَصَّها اللهُ بِالذِكْرِ تَشْرِيفًا، عَلى نَحْوِ قَوْلِهِ: ﴿مَن كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ ومَلائِكَتِهِ ورُسُلِهِ وجِبْرِيلَ ومِيكالَ﴾ [البقرة: ٩٨]، وعَلى نَحْوِ قَوْلِهِ: ﴿فاكِهَةٌ ونَخْلٌ ورُمّانٌ﴾ [الرحمن: ٦٨]، وهَذا كَثِيرٌ، ونَحْوُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ ﷺ: "جُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا، هَذا في البُخارِيِّ وغَيْرِهِ، وقالَ في صَحِيحِ مُسْلِمٍ: « "جُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مَسْجِدًا وتُرابُها طَهُورًا"»، فَذَكَرَ التُرابَ عَلى جِهَةِ التَحَفِّي بِهِ، إذْ هو أعْظَمُ أجْزاءِ الأرْضِ مَعَ دُخُولِهِ في عُمُومِ الحَدِيثِ الآخَرِ، ولَمّا كانَتِ السِهامُ مِن أنْجَعِ ما يُتَعاطى في الحَرْبِ وأنْكاهُ في العَدُوِّ وأقْرَبِهِ تَناوُلًا لِلْأرْواحِ (p-٢٢٧)خَصَّها رَسُولُ اللهِ ﷺ بِالذِكْرِ والتَنْبِيهِ عَلَيْها، وقَدْ رُوِيَ عنهُ ﷺ أنَّهُ قالَ: « "إنَّ اللهَ تَعالى يُدْخِلُ بِالسَهْمِ الواحِدِ الثَلاثَةَ مِنَ المُسْلِمِينَ الجَنَّةَ، صانِعَهُ والَّذِي يَحْتَسِبُ في صَنْعَتِهِ والَّذِي يَرْمِي بِهِ"»، وقالَ عَمْرُو بْنُ عنبَسَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: « "مَن رَمى بِسَهْمٍ في سَبِيلِ اللهِ أصابَ العَدُوَّ أو أخْطَأ فَهو كَعِتْقِ رَقَبَةٍ"»، وقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: « "ارْمُوا وارْكَبُوا، وأنْ تَرْمُوا أحَبُّ إلَيَّ مِن أنْ تَرْكَبُوا"». ورِباطُ الخَيْلِ جَمْعُ رَبْطٍ كَكَلْبٍ وكِلابٍ، ولا يَكْثُرُ رَبْطُها إلّا وهي كَثِيرَةٌ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الرِباطُ مَصْدَرًا مِن رَبَطَ، كَصاحَ صِياحًا ونَحْوِهِ، لِأنَّ مَصادِرَ الثُلاثِيِّ غَيْرِ المَزِيدِ لا تَنْقاسُ، وإنْ جَعَلْناهُ مُصْدَرًا مِن رابَطَ فَكَأنَّ ارْتِباطَ الخَيْلِ واتِّخاذَها يَفْعَلُهُ كُلُّ واحِدٍ لِفِعْلِ آخَرَ لَهُ فَتَرابَطَ المُؤْمِنُونَ بَعْضُهم بَعْضًا. فَإذا رَبَطَ كُلُّ واحِدٍ مِنهم فَرَسًا لِأجْلِ صاحِبِهِ فَقَدْ حَصَلَ بَيْنَهم رِباطٌ، وذَلِكَ الَّذِي حَضَّ في الآيَةِ عَلَيْهِ، وقَدْ قالَ ﷺ: « "مَنِ ارْتَبَطَ فَرَسًا في سَبِيلِ اللهِ فَهو كالباسِطِ يَدَهُ بِالصَدَقَةِ لا يَقْبِضُها"»، والأحادِيثُ في هَذا المَعْنى كَثِيرَةٌ. وقَرَأ الحَسَنُ، وعَمْرُو بْنُ دِينارٍ، وأبُو حَيَوَةَ: "وَمِن رُبُطِ" بِضَمِّ الراءِ والباءِ، وهو (p-٢٢٨)جَمْعُ رِباطٍ كَكِتِابٍ وكُتُبٍ، كَذا نَصَّهُ المُفَسِّرُونَ، وفي جَمْعِهِ وهو مَصْدَرٌ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ نَظَرٌ. و﴿تُرْهِبُونَ﴾ مَعْناهُ: تُفْزِعُونَ وتُخَوِّفُونَ، والرَهْبَةُ: الخَوْفُ، قالَ طُفَيْلٌ الغَنَوِيُّ: ؎ ويْلُ أمِّ حَيٍّ دَفَعْتُمْ في نُحُورِهِمْ ∗∗∗ بَنِي كِلابٍ غَداةَ الرُعْبِ والرَهْبِ ومِنهُ راهِبُ النَصارى، يُقالُ: رَهِبَ إذا خافَ، فَـ "تُرْهِبُونَ" مُعَدًّى بِالهَمْزَةِ. وقَرَأ الحَسَنُ، ويَعْقُوبُ: "تُرَهِّبُونَ" بِفَتْحِ الراءِ وشَدِّ الهاءِ مَعْدًّى بِالتَضْعِيفِ، ورُوِيَتْ عن أبِي عَمْرِو بْنِ العَلاءِ، قالَ أبُو حاتِمٍ: وزَعَمَ عَمْرٌو أنَّ الحَسَنَ قَرَأ: "يُرْهِبُونَ" بِالياءِ مِن تَحْتٍ وخَفَّفَها، فَهو عَلى هَذا تَعَدّى بِالتَضْعِيفِ، وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، وعِكْرِمَةُ: "تُخْزُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ". قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: ذَكَرَها الطَبَرِيُّ تَفْسِيرًا لا قِراءَةً، وأثْبَتَها أبُو عَمْرٍو الدانِي قِراءَةً. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿عَدُوَّ اللهِ وعَدُوَّكُمْ﴾ ذَكَرَ الصِفَتَيْنِ وإنْ كانَتْ مُتَقارِبَةً إذْ هي مُتَغايِرَةُ المَعْنى، وبِذِكْرِهِما يَتَقَوّى الذَمُّ وتَتَّضِحُ وُجُوهِ بُغْضِنا لَهُمْ، وقَرَأ أبُو عَبْدِ الرَحْمَنِ السُلَمِيُّ: "عَدُوًّا لِلَّهِ" بِتَنْوِينِ "عَدُوٍّ" وبِلامٍ في المَكْتُوبَةِ، والمُرادُ بِهاتَيْنِ الصِفَتَيْنِ مَن قَرُبَ وصاقَبَ مِنَ الكُفّارِ وكانَتْ عَداوَتُهُ مُتَحَرِّكَةً بَعْدُ، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِها جَمِيعُ الكُفّارِ، ويُبَيَّنَ هَذا مِنِ اخْتِلافِهِمْ في قَوْلِهِ: ﴿وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ﴾ الآيَةُ، قالَ مُجاهِدٌ: الإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَآخَرِينَ﴾ إلى قُرَيْظَةَ، وقالَ السُدِّيُّ: إلى أهْلِ فارِسَ، (p-٢٢٩)وَقالَ ابْنُ زَيْدٍ: الإشارَةُ إلى المُنافِقِينَ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: الإشارَةُ إلى الجِنِّ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: هم كُلُّ عَدُوٍّ لِلْمُسْلِمِينَ غَيْرَ الفِرْقَةِ الَّتِي أمَرَ النَبِيُّ ﷺ أنْ يُشَرِّدَ بِهِمْ مَن خَلْفَهم. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهَذا الخِلافُ إنَّما يَنْبَغِي أنْ يَتَرَتَّبَ عَلى ما يَتَوَجَّهُ مِنَ المَعْنى في قَوْلِهِ: ﴿لا تَعْلَمُونَهُمُ﴾، فَإذا حَمَلْنا قَوْلَهُ: ﴿لا تَعْلَمُونَهُمُ﴾ عَلى عُمُومِهِ، ونَفَيْنا عِلْمَ المُؤْمِنِينَ بِهَذِهِ الفِرْقَةِ المُشارِ إلَيْها جُمْلَةً واحِدَةً، وكانَ العِلْمُ بِمَعْنى المَعْرِفَةِ لا يَتَعَدّى إلّا إلى مَفْعُولٍ واحِدٍ لَمْ يَثْبُتْ مِنَ الخِلافِ في قَوْلِهِ: "وَآخَرِينَ" إلّا قَوْلُ مَن قالَ: "الإشارَةُ إلى المُنافِقِينَ"، وقَوْلُ مَن قالَ: "الإشارَةُ إلى الجِنِّ"، وإذا جَعَلْنا قَوْلَهُ: ﴿لا تَعْلَمُونَهُمُ﴾ مَجازًا بَيِّنًا أو نَحْوَ هَذا مِمّا تُفِيدُ بِهِ نَفْيَ العِلْمِ عنهم حَسُنَتِ الأقْوالُ، وكانَ العِلْمُ مُتَعَدِّيًا إلى مَفْعُولَيْنِ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: هَذا الوَجْهُ أشْبَهُ عِنْدِي، ورَجَّحَ الطَبَرِيُّ أنَّ الإشارَةَ إلى الجِنِّ، وأسْنَدَ في ذَلِكَ ما رُوِيَ مِن أنَّ صَهِيلَ الخَيْلِ يُنَفِّرُ الجِنَّ، وأنَّ الشَيْطانَ لا يَدْخُلُ دارًا فِيها فَرَسٌ لِلْجِهادِ، ونَحْوُ هَذا، وفِيهِ -عَلى احْتِمالِهِ- نَظَرٌ، وكانَ الأهَمَّ في هَذِهِ الآياتِ أنْ يَبْرُزَ مَعْناها في كُلِّ ما يُقَوِّي المُسْلِمِينَ عَلى عَدُوِّهِمْ مِنَ الإنْسِ وهُمُ المُحارِبُونَ والَّذِينَ يُدافِعُونَ عَلى الكُفْرِ، ورَهْبَتُهم مِنَ المُسْلِمِينَ هي النافِعَةُ لِلْإسْلامِ وأهْلِهِ، ورَهْبَةُ الجِنِّ فَزَعُهم لا غِناءَ لَهُ في ظُهُورِ الإسْلامِ، وهو أجْنَبِيٌّ جِدًّا، والأولى أنْ يُتَأوَّلَ أنَّ المُسْلِمِينَ إذا ظَهَرُوا وعَزُّوا هابَهم مَن جاوَرَهم مِنَ العَدُوِّ المُحارِبِ لَهُمْ، فَإذا اتَّصَلَتْ حالُهم تِلْكَ بِمَن بَعُدَ مِنَ الكُفّارِ داخَلَتْهُ الهَيْبَةُ وإنْ لَمْ يَقْصِدِ المُسْلِمُونَ إرْهابَهُمْ، فَأُولَئِكَ هُمُ الآخَرُونَ. ويَحْسُنُ أنْ يُقَدَّرَ قَوْلُهُ: ﴿لا تَعْلَمُونَهُمُ﴾ بِمَعْنى: "لا تَعْلَمُونَهم فازِعِينَ راهِبَيْنِ ولا تَظُنُّونَ ذَلِكَ بِهِمْ، واللهُ تَعالى يَعْلَمُهم بِتِلْكَ الحالَةِ"، ويَحْسُنُ أيْضًا أنْ تَكُونَ الإشارَةُ إلى المُنافِقِينَ عَلى جِهَةِ الطَعْنِ عَلَيْهِمْ، والتَنْبِيهِ عَلى سُوءِ حالِهِمْ، ولِيَسْتَرِيبَ (p-٢٣٠)بِنَفْسِهِ كُلُّ مَن يَعْلَمُ مِنها نِفاقًا إذا سَمِعَ الآيَةَ، ولِفَزَعِهِمْ ورَهْبَتِهِمْ غِناءٌ كَثِيرٌ في ظُهُورِ الإسْلامِ وعُلُوِّهِ. وقَوْلُهُ: ﴿مِن دُونِهِمْ﴾ بِمَنزِلَةِ قَوْلِكَ: دُونَ أنْ يَكُونَ هَؤُلاءِ، فَـ "دُونَ" في كَلامِ العَرَبِ و"مِن دُونِ" يَقْتَضِي عَدَمَ المَذْكُورِ بَعْدَها مِنَ النازِلَةِ الَّتِي هي فِيها القَوْلُ، ومِنهُ المَثَلُ: "وَأُمِرَّ دُونَ عُبَيْدَةَ الوَذَمُ". تَفَضَّلَ تَبارَكَ تَعالى بِعِدَةِ المُؤْمِنِينَ عَلى إنْفاقِهِمْ في سَبِيلِ اللهِ بِأنَّ النَفَقَةَ لا بُدَّ أنْ تُوَفّى، أيْ أنْ تُجازى ويُثابَ عَلَيْها، ولُزُومُ هَذا هو في الآخِرَةِ، وقَدْ يُمْكِنُ أنْ يُجازِيَ اللهُ تَعالى بَعْضَ المُؤْمِنِينَ في الدُنْيا مُجازاةً مُضاعَفَةً إلى مُجازاةِ الآخِرَةِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فاجْنَحْ لَها﴾ الآيَةُ، الضَمِيرُ في "جَنَحُوا" هو لِلَّذِينِ نُبِذَ إلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ، وجَنَحَ الرَجُلُ إلى الأمْرِ إذا مالَ إلَيْهِ وأعْطى يَدَهُ فِيهِ، ومِنهُ قِيلَ لِلْأضْلاعِ: جَوانِحُ لِأنَّها مالَتْ عَلى الحَشْوَةِ، ولِلْخِباءِ: جَناحٌ، وجَنَحَتِ الإبِلُ: إذا مالَتْ أعْناقُها في السَيْرِ، وقالَ ذُو الرُمَّةِ: ؎ إذا ماتَ فَوْقَ الرَحْلِ أحْيَيْتُ رُوحَهُ ∗∗∗ بِذِكْراكِ والعِيسُ المَراسِيلُ جُنَّحُ وجَنَحَ اللَيْلُ إذا أقْبَلَ وأمالَ أطْنابَهُ عَلى الأرْضِ. ومِنهُ قَوْلُ النابِغَةِ:. ؎ جَوانِحُ قَدْ أيْقَنَّ أنَّ قَبِيلَهُ ∗∗∗ ∗∗∗ إذا ما التَقى الجَمْعانِ أوَّلُ غالِبِ (p-٢٣١)أيْ مَوائِلُ. وقالَ لَبِيدٌ: ؎ جُنُوحُ الهالِكِيِّ عَلى يَدَيْهِ ∗∗∗ ∗∗∗ مُكِبًّا يَجْتَلِي نُقَبَ النِصالِ وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "لِلسَّلْمِ" بِفَتْحِ السِينِ وشَدِّها، وقَرَأ عاصِمٌ في رِوايَةِ بَكْرٍ: "لِلسِّلْمِ" بِكَسْرِها وشَدِّها، وهُما لُغَتانِ في المُسالَمَةِ. ويُقالُ أيْضًا: "السَلَمُ" بِفَتْحِ السِينِ واللامِ، ولا أحْفَظُها قِراءَةً. وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "فاجْنَحْ" بِفَتْحِ النُونِ، وهي لُغَةُ تَمِيمٍ، وقَرَأ الأشْهَبُ العَقِيلِيُّ: "فاجْنُحْ" بِضَمِّ النُونِ، وهي لُغَةُ قَيْسٍ، قالَ أبُو الفَتْحِ: وهَذِهِ القِراءَةُ هي القِياسُ، لِأنَّ فَعَلَ إذا كانَ غَيْرَ مُتَعَدٍّ فَمُسْتَقْبَلُهُ. يَفْعُلُ بِضَمِّ العَيْنِ أقِيسُ، قَعَدَ يَقْعُدُ أقِيسُ مَن جَلَسَ يَجْلِسُ، وعادَ الضَمِيرُ في "لَها" مُؤَنَّثًا إذِ السَلْمُ بِمَعْنى المُسالَمَةِ والهُدْنَةُ، وقِيلَ: السَلْمُ مُؤَنَّثَةٌ كالحَرْبِ، ذَكَرَهُ النَحّاسُ، وقالَ أبُو حاتِمٍ: يُذَكَّرُ السَلْمُ. وقالَ قَتادَةُ، والحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ، وعِكْرِمَةُ، وابْنُ زَيْدٍ: هَذِهِ الآيَةُ مَنسُوخَةٌ بِآياتِ القِتالِ في "بَراءَةٍ". قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وقَدْ يُحْتَمَلُ ألّا يَتَرَتَّبَ نَسْخُها بِها بِأنْ يُعْنى بِهَذِهِ مَن تَجُوزُ مُصالَحَتُهُ، وتَبْقى تِلْكَ في "بَراءَةٍ" في عَبَدَةِ الأوثانِ، وإلى هَذا ذَهَبَ الطَبَرِيُّ، وقَوْلُ الجَماعَةِ صَحِيحٌ أيْضًا إذا كانَ الجُنُوحُ إلى سِلْمِ العَرَبِ مُسْتَقِرًّا في صَدْرِ الإسْلامِ فَنَسَخَتْ ذَلِكَ آيَةُ "بَراءَةٍ" (p-٢٣٢)وَنُبِذَتْ إلَيْهِمْ عُهُودُهُمْ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما أنَّها مَنسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلا تَهِنُوا وتَدْعُوا إلى السَلْمِ وأنْتُمُ الأعْلَوْنَ﴾ [محمد: ٣٥] الآيَةُ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهَذا قَوْلٌ بَعِيدٌ مِن أنْ يَقُولَهُ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، لِأنَّ الآيَتَيْنِ مَدَنِيَّتانِ، وقَوْلُهُ: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلى اللهِ﴾ أمْرٌ في ضِمْنِهِ وعِيدٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب