الباحث القرآني
(p-٢١٥)قوله عزّ وجلّ:
﴿وَلَوْ تَرى إذْ يَتَوَفّى الَّذِينَ كَفَرُوا المَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهم وأدْبارَهم وذُوقُوا عَذابَ الحَرِيقِ﴾ ﴿ذَلِكَ بِما قَدَّمَتْ أيْدِيكم وأنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ ﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ والَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأخَذَهُمُ اللهِ بِذُنُوبِهِمْ إنَّ اللهِ قَوِيٌّ شَدِيدُ العِقابِ﴾
هَذِهِ الآيَةُ تَتَضَمَّنُ التَعْجِيبَ مِمّا حَلَّ بِالكُفّارِ يَوْمَ بَدْرٍ، قالَهُ مُجاهِدٌ وغَيْرُهُ، وفي ذَلِكَ وعِيدٌ لِمَن بَقِيَ مِنهُمْ، وحَذْفُ جَوابِ "لَوْ" إبْهامٌ بَلِيغٌ.
وقَرَأ جُمْهُورُ السَبْعَةِ والناسِ: "يَتَوَفّى" بِالياءِ فَأُسْنِدَ فِعْلٌ فِيهِ عَلّامَةُ التَذْكِيرِ إلى مُؤَنَّثٍ في اللَفْظِ، وساغَ ذَلِكَ أنَّ التَأْنِيثَ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ، وارْتَفَعَتِ "المَلائِكَةُ" بِـ "يَتَوَفّى"، وقالَ بَعْضُ مَن قَرَأ هَذِهِ القِراءَةَ: إنَّ المَعْنى: إذْ يَتَوَفّى اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا، و"المَلائِكَةُ" رَفْعٌ بِالِابْتِداءِ، ويَضْرِبُونَ: خَبَرُهُ والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ الحالِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ويُضْعِفُ هَذا التَأْوِيلَ سُقُوطُ واوِ الحالِ، فَإنَّها في الأغْلَبِ تَلْزَمُ مِثْلَ هَذا، وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ مِنَ السَبْعَةِ، والأعْرَجُ: "تَتَوَفّى" بِالتاءِ عَلى الإسْنادِ إلى لَفْظِ "المَلائِكَةِ"، و"يَضْرِبُونَ" في مَوْضِعِ الحالِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأدْبارَهُمْ﴾ قالَ جُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ: يُرِيدُ أسْتاهَهُمْ، ولَكِنَّ اللهَ كَرِيمٌ يُكَنِّي، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: أرادَ ظُهُورَهم وما أُدْبَرَ مِنهُمْ، ومَعْنى هَذا أنَّ المَلائِكَةَ كانَتْ تَلْحَقُهم في حالِ الإدْبارِ فَتَضْرِبُ أدْبارَهُمْ، فَأمّا في حالِ الإقْبالِ فَبَيِّنٌ تَمَكُّنُ ضَرْبِ الوُجُوهِ.
ورَوى الحَسَنُ «أنَّ رَجُلًا قالَ: يا رَسُولَ اللهِ، رَأيْتُ في ظَهْرِ أبِي جَهْلٍ مِثْلَ الشِراكِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "ذَلِكَ ضَرْبُ المَلائِكَةِ"»، وعَبَّرَ بِجَمْعِ المَلائِكَةِ، ومَلَكُ المَوْتِ واحِدٌ إذْ لَهُ عَلى ذَلِكَ أعْوانٌ مِنَ المَلائِكَةِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَذُوقُوا عَذابَ الحَرِيقِ﴾ قِيلَ: كانُوا يَقُولُونَ لِلْكُفّارِ حِينَئِذٍ هَذا اللَفْظَ (p-٢١٦)فَحُذِفَ "يَقُولُونَ" اخْتِصارًا، وقِيلَ: مَعْناهُ: وحالُهم يَوْمَ القِيامَةِ أنْ يُقالَ لَهم هَذا، والحَرِيقُ: فَعِيلٌ مِنَ الحَرْقِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ بِما قَدَّمَتْ أيْدِيكُمْ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِن قَوْلِ المَلائِكَةِ في وقْتِ تَوْفِيَتِهِمْ لَهم عَلى الصُورَةِ المَذْكُورَةِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ كَلامًا مُسْتَأْنَفًا تَقْرِيعًا مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ لِلْكافِرِينَ حَيِّهِمْ ومَيِّتِهِمْ، "وَأنَّ" يَصِحُّ أنْ تَكُونَ في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى تَقْدِيرِ: والحُكْمُ أنَّ، ويَصِحُّ أنْ تَكُونَ في مَوْضِعِ خَفْضٍ عَطْفًا عَلى "ما" في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿بِما قَدَّمَتْ﴾، وقالَ مَكِّيٌّ، والزَهْراوِيُّ: ويَصِحُّ أنْ تَكُونَ في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِإسْقاطِ الباءِ، وتَقْدِيرُهُ: "بِأنَّ" فَلَمّا حُذَفَتِ الباءُ حَصَلَتْ في مَوْضِعِ نَصْبٍ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا غَيْرُ مُتَّجِهٍ ولا بَيِّنٍ إلّا أنْ تُنْصَبَ بِإضْمارِ فِعْلٍ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ الآيَةُ، الدَأْبُ: العادَةُ في كَلامِ العَرَبِ، ومِنهُ قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ:
؎ كَدَأْبِكَ مِن أُمِّ الحُوَيْرِثِ قَبْلَها ∗∗∗ وجارَتِها أمِّ الرَبابِ بِمَأْسَلِ
ويُرْوى: كَدِينِكَ، ومِنهُ قَوْلُ خِراشِ بْنِ زُهَيْرٍ العامِرِيِّ:
؎ فَما زالَ ذاكَ الدَأْبُ حَتّى تَخاذَلَتْ ∗∗∗ ∗∗∗ هَوازِنُ وارْفَضَّتْ سُلَيْمٌ وعامِرُ
وهُوَ مَأْخُوذٌ مِن: "دَأبَ عَلى العَمَلِ" إذا لَزِمَهُ، ومِنهُ «قَوْلُهُ ﷺ لِصاحِبِ الجَمَلِ الَّذِي هَشَّ إلَيْهِ وأقْبَلَ نَحْوَهُ وقَدْ ذَلَّ ودَمَعَتْ عَيْناهُ: "إنَّهُ شَكا إلَيَّ أنَّكَ تُجِيعُهُ وتُدْئِبُهُ"،» فَكَأنَّ العادَةَ دُؤُوبٌ ما. (p-٢١٧)وَقالَ جابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وعامِرٌ الشَعْبِيُّ، ومُجاهِدٌ، وعَطاءٌ: المَعْنى: كَسَنَنِ آلِ فِرْعَوْنَ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ: كَعادَةِ آلِ فِرْعَوْنَ وغَيْرِهِمْ، فَتَكُونُ عادَةَ الأُمَمِ بِجُمْلَتِها لا عَلى انْفِرادِ أُمَّةٍ، إذْ آلُ فِرْعَوْنَ لَمْ يَكْفُرُوا وأُهْلِكُوا مِرارًا بَلْ لِكُلِّ أُمَّةٍ مَرَّةٌ واحِدَةٌ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ: كَعادَةِ اللهِ فِيهِمْ، فَأضافَ العادَةَ إلَيْهِمْ إذْ لَهم نِسْبَةٌ إلَيْها يُضافُ المَصْدَرُ إلى الفاعِلِ وإلى المَفْعُولِ، والكافُ مِن قَوْلِهِ: ﴿كَدَأْبِ﴾ يَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَذُوقُوا﴾، وفِيهِ بُعْدٌ، والكافُ عَلى هَذا في مَوْضِعِ نَصْبٍ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، ويَجُوزُ أنْ تَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ: ﴿قَدَّمَتْ أيْدِيكُمْ﴾ ومَوْضِعُها أيْضًا -عَلى هَذا- نَصْبٌ كَما تَقَدَّمَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَعْنى الكَلامِ: الأمْرُ مِثْلُ دَأْبِ فِرْعَوْنَ، فَتَكُونُ الكافُ في مَوْضِعِ خَبَرِ الِابْتِداءِ، وقَوْلُهُ: ﴿فَأخَذَهُمُ﴾ مَعْناهُ: أهْلَكَهم وأتى عَلَيْهِمْ، بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: ﴿بِذُنُوبِهِمْ﴾ ثُمَّ ابْتَدَأ الإخْبارَ بِقُوَّةِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى وشِدَّةِ عِقابِهِ.
{"ayahs_start":50,"ayahs":["وَلَوۡ تَرَىٰۤ إِذۡ یَتَوَفَّى ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ یَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ وَأَدۡبَـٰرَهُمۡ وَذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلۡحَرِیقِ","ذَ ٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ أَیۡدِیكُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَیۡسَ بِظَلَّـٰمࣲ لِّلۡعَبِیدِ","كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَفَرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِیࣱّ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ"],"ayah":"كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَفَرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِیࣱّ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق