الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿إذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ في مَنامِكَ قَلِيلا ولَوْ أراكَهم كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ ولَتَنازَعْتُمْ في الأمْرِ ولَكِنَّ اللهُ سَلَّمَ إنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُدُورِ﴾ ﴿وَإذْ يُرِيكُمُوهم إذِ التَقَيْتُمْ في أعْيُنِكم قَلِيلا ويُقَلِّلُكم في أعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أمْرًا كانَ مَفْعُولا وإلى اللهُ تُرْجَعُ الأُمُورُ﴾
قالَ المَهْدَوِيُّ: "إذْ" نَصْبٌ بِتَقْدِيرِ: واذْكُرْ.
(p-٢٠٥)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
أو بَدَلٌ مِن "إذِ" المُتَقَدِّمَةِ، وهو أحْسَنُ.
وتَظاهَرَتِ الرِواياتُ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ في رُؤْيا رَآها رَسُولُ اللهِ ﷺ، رَأى فِيها عَدَدَ الكُفّارِ قَلِيلًا فَأخْبَرَ بِذَلِكَ أصْحابَهُ فَقَوِيَتْ نُفُوسُهُمْ، وحُرِّضُوا عَلى اللِقاءِ، فَهَذا مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فِي مَنامِكَ﴾ أيْ: في نَوْمِكَ، قالَهُ مُجاهِدٌ وغَيْرُهُ.
ورُوِيَ عَنِ الحَسَنِ أنَّ مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿فِي مَنامِكَ﴾ أيْ: في عَيْنِكَ إذْ هي مَوْضِعُ النَوْمِ، وعَلى هَذا التَأْوِيلِ تَكُونُ الرِوايَةُ في اليَقَظَةِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا القَوْلُ ضَعِيفٌ، وعَلَيْهِ فَسَّرَ النَقّاشُ وذَكَرَهُ عَنِ المازِنِيِّ.
والضَمِيرُ عَلى التَأْوِيلَيْنِ، مِن قَوْلِهِ: ﴿يُرِيكَهُمُ﴾ عائِدٌ عَلى الكُفّارِ مِن أهْلِ مَكَّةَ، ومِمّا يَضْعُفُ ما رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ أنَّ مَعْنى هَذِهِ الآيَةِ يَتَكَرَّرُ في الَّتِي بَعْدَها لِأنَّ النَبِيَّ ﷺ مُخاطَبٌ في الثانِيَةِ أيْضًا، وقَدْ تَظاهَرَتِ الرِوايَةُ أنَّ النَبِيَّ ﷺ انْتَبَهَ وقالَ لِأصْحابِهِ: « "أبْشِرُوا فَلَقَدْ نَظَرْتُ إلى مَصارِعِ القَوْمِ"،» ونَحْوُ هَذا، وقَدْ كانَ عَلِمَ أنَّهم ما بَيْنَ التِسْعِمِائَةِ إلى الألْفِ، فَكَيْفَ يَراهم بِبَصَرِهِ بِخِلافِ ما عَلِمَ؟ والظاهِرُ أنَّهُ رَآهم في نَوْمِهِ قَلِيلًا قَدْرُهم وحالُهم وبِأسْهُمِ مَهْزُومِينَ مَصْرُوعِينَ، ويُحْتَمَلُ أنَّهُ رَآهم قَلِيلًا عَدَدُهُمْ، فَكانَ تَأْوِيلُ رُؤْياهُ انْهِزامَهُمْ، فالقِلَّةُ والكَثْرَةُ عَلى الظاهِرِ مُسْتَعارَةٌ في غَيْرِ العَدَدِ، كَما قالُوا: "المَرْءُ كَثِيرٌ بِأخِيهِ"، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأمْثِلَةِ، والفَشَلُ: الخَوَرُ عَنِ الأمْرِ، إمّا بَعْدَ التَلَبُّسِ وإمّا بَعْدَ العَزْمِ عَلى التَلَبُّسِ. و﴿وَلَتَنازَعْتُمْ﴾ أيْ: لَتَخالَفْتُمْ، و﴿فِي الأمْرِ﴾ يُرِيدُ: في اللِقاءِ والحَرْبِ. و﴿سَلَّمَ﴾ لَفْظٌ يَعُمُّ كُلَّ مُتَخَوِّفٍ اتَّصَلَ بِالأمْرِ أو عَرَضَ في وجْهِهِ فَسَلَّمَ اللهُ مِن ذَلِكَ كُلِّهِ، وعَبَّرَ بَعْضُ الناسِ أنْ قالَ: "سَلَّمَ لَكم أمْرَكُمْ" ونَحْوَ هَذا مِمّا يَنْدَرِجُ فِيما ذَكَرْناهُ، وقَوْلُهُ: ﴿إنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُدُورِ﴾ أيْ: بِإيمانِكم وكُفْرِكم فَيُجازِي بِحَسَبِ ذَلِكَ. (p-٢٠٦)وَقَرَأ الجُمْهُورُ مِنَ الناسِ: "وَلَكِنَّ اللهَ سَلَّمَ" بِشَدِّ النُونِ ونَصْبِ المَكْتُوبَةِ، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "وَلَكِنِ اللهُ" بِرَفْعِ المَكْتُوبَةِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذْ يُرِيكُمُوهم إذِ التَقَيْتُمْ﴾ الآيَةُ، "وَإذْ" عَطْفٌ عَلى الأولى، وهَذِهِ الرُؤْيَةُ هي في اليَقَظَةِ بِإجْماعٍ، وهي الرُؤْيَةُ الَّتِي كانَتْ حِينَ التَقَوْا ووَقَعَتِ العَيْنُ عَلى العَيْنِ، والمَعْنى أنَّ اللهَ تَعالى لَمّا أرادَ مِن إنْفاذِ قَضائِهِ في نُصْرَةِ الإسْلامِ وإظْهارِهِ قَلَّلَ كُلَّ طائِفَةٍ في عُيُونِ الأُخْرى، فَوَقَعَ الخَلَلُ في التَخْمِينِ والحَزْرِ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ الناسُ في هَذا التَجَسُّسِ كُلُّ طائِفَةٍ عَلى الأُخْرى وتَتَسَبَّبُ أسْبابُ الحَرْبِ، ورُوِيَ في هَذا عن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ قالَ: لَقَدْ قُلْتُ ذَلِكَ اليَوْمَ لِرَجُلٍ إلى جَنْبِي: أتَظُنُّهم سَبْعِينَ؟ قالَ: بَلْ هم مِائَةٌ. قالَ: فَلَمّا هَزَمْناهم أسَرْنا مِنهم رَجُلًا فَقُلْنا كَمْ كُنْتُمْ؟ قالَ ألْفًا.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ويَرُدُّ عَلى هَذا المَعْنى في التَقْلِيلِ ما رُوِيَ «أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ حِينَ سَألَ عَمّا يَنْحَرُونَ كُلَّ يَوْمٍ، فَأُخْبِرَ أنَّهم يَوْمًا عَشْرًا ويَوْمًا تِسْعًا، قالَ: "هم ما بَيْنَ التِسْعِمِائَةِ إلى الألْفِ"،» فَإمّا أنَّ عَبْدَ اللهِ ومَن جَرى مَجْراهُ لَمْ يَعْلَمْ بِمَقالَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وإمّا أنْ نَفْرِضَ التَقْلِيلَ الَّذِي في الآيَةِ تَقْلِيلَ القَدْرِ والمَهابَةِ والمَنزِلَةِ مِنَ النَجْدَةِ، وتَقَدَّمَ في مِثْلِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِيَقْضِيَ اللهُ أمْرًا كانَ مَفْعُولا﴾، والأمْرُ المَفْعُولُ المَذْكُورُ في الآيَتَيْنِ هو لِلْقِصَّةِ بِأجْمَعِها، وذَهَبَ بَعْضُ الناسِ إلى أنَّهُما المَعْنَيَيْنِ مِن مَعانِي القِصَّةِ، والعُمُومُ أولى.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإلى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ﴾ تَنْبِيهٌ عَلى أنَّ الحَوْلَ بِأجْمَعِهِ لِلَّهِ تَبارَكَ وتَعالى، وأنَّ كُلَّ أمْرٍ فَلَهُ وإلَيْهِ، وقَرَأ الحَسَنُ، وعِيسى بْنُ عُمَرَ، والأعْمَشُ: "تَرْجِعُ" بِفَتْحِ التاءِ وكَسْرِ الجِيمِ، قالَ أبُو حاتِمٍ: وهي قِراءَةُ عامَّةِ الناسِ، وقَرَأ الأعْرَجُ، وابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، ونافِعٌ وغَيْرُهُمْ: "تُرْجَعُ" بِضَمِّ التاءِ وفَتْحِ الجِيمِ.
{"ayahs_start":43,"ayahs":["إِذۡ یُرِیكَهُمُ ٱللَّهُ فِی مَنَامِكَ قَلِیلࣰاۖ وَلَوۡ أَرَىٰكَهُمۡ كَثِیرࣰا لَّفَشِلۡتُمۡ وَلَتَنَـٰزَعۡتُمۡ فِی ٱلۡأَمۡرِ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَۚ إِنَّهُۥ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ","وَإِذۡ یُرِیكُمُوهُمۡ إِذِ ٱلۡتَقَیۡتُمۡ فِیۤ أَعۡیُنِكُمۡ قَلِیلࣰا وَیُقَلِّلُكُمۡ فِیۤ أَعۡیُنِهِمۡ لِیَقۡضِیَ ٱللَّهُ أَمۡرࣰا كَانَ مَفۡعُولࣰاۗ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ"],"ayah":"إِذۡ یُرِیكَهُمُ ٱللَّهُ فِی مَنَامِكَ قَلِیلࣰاۖ وَلَوۡ أَرَىٰكَهُمۡ كَثِیرࣰا لَّفَشِلۡتُمۡ وَلَتَنَـٰزَعۡتُمۡ فِی ٱلۡأَمۡرِ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَۚ إِنَّهُۥ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق