الباحث القرآني
(p-١٧٤)قوله عزّ وجلّ:
﴿وَإذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذا إنْ هَذا إلا أساطِيرُ الأوَّلِينَ﴾ ﴿وَإذْ قالُوا اللهُمَّ إنْ كانَ هَذا هو الحَقَّ مِن عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِن السَماءِ أوِ ائْتِنا بِعَذابٍ ألِيمٍ﴾
الضَمِيرُ في "عَلَيْهِمْ" عائِدٌ عَلى الكُفّارِ، والآياتُ هُنا: آياتُ القُرْآنِ خاصَّةً بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: ﴿تُتْلى﴾، و﴿قَدْ سَمِعْنا﴾ يُرِيدُ: وقَدْ سَمِعْنا هَذا المَتْلُوَّ لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَهُ، وقَدْ سَمِعْنا نَظِيرَهُ، عَلى ما رُوِيَ أنَّ النَضْرَ سَمِعَ أحادِيثَ أهْلِ الحَيْرَةِ مِنَ العِبادِ، فَلَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَهُ مِنَ القِصَصِ والأنْبِياءِ، فَإنَّ هَذِهِ إنَّما هي أساطِيرُ مَن قَدْ تَقَدَّمَ، أيْ قِصَصُهُمُ المَكْتُوبَةُ المَسْطُورَةُ، وأساطِيرُ: جَمَعَ أُسْطُورَةٍ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ جَمْعَ أسْطارٍ، ولا يَكُونُ جَمْعَ أسْطُرٍ كَما قالَ الطَبَرِيُّ، لِأنَّهُ كانَ يَجِيءُ أساطِرُ دُونَ ياءٍ، هَذا هو قانُونُ البابِ، وقَدْ شَذَّ مِنهُ شَيْءٌ كَصَيْرَفٍ، قالُوا في جَمْعِهِ: صَيارِيفَ، والَّذِي تَواتَرَتْ بِهِ الرِواياتُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، والسُدِّيِّ، وابْنِ جُبَيْرٍ أنَّ الَّذِي قالَ هَذِهِ المَقالَةَ هو النَضْرُ بْنُ الحارِثِ، وذَلِكَ أنَّهُ كانَ كَثِيرَ السَفَرِ إلى فارِسَ والحَيْرَةِ، فَكانَ قَدْ سَمِعَ مِن قَصَصِ الرُهْبانِ والأناجِيلِ، وسَمِعَ مِن أخْبارِ رُسْتُمَ واسْبِنْدِيارَ، فَلَمّا سَمِعَ القُرْآنَ ورَأى فِيهِ مِن أخْبارِ الأنْبِياءِ والأُمَمِ، قالَ: لَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ مِثْلَ هَذا، وكانَ النَضْرُ مِن مَرَدَةِ قُرَيْشٍ النائِلِينَ مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ، ونَزَلَتْ فِيهِ آياتٌ مِن كِتابِ اللهِ، وقَتَلَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ صَبْرًا بِالصَفْراءِ مُنْصَرَفَهُ مِن بَدْرٍ في مَوْضِعٍ يُقالُ لَهُ: الأُثَيْلُ، وكانَ أسَرَهُ المِقْدادُ، «فَلَمّا أمَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِضَرْبِ عُنُقِهِ قالَ المِقْدادُ: أسِيرِي يا رَسُولَ اللهِ، (p-١٧٥)فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: إنَّهُ كانَ يَقُولُ في كِتابِ اللهِ ما قَدْ عَلِمْتُمْ، ثُمَّ أعادَ المِقْدادُ مَقالَتَهُ حَتّى قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "اللهُمَّ أغْنِ المِقْدادَ مِن فَضْلِكَ"، فَقالَ المِقْدادُ: هَذا الَّذِي أرَدْتُ، فَضَرَبَ عُنُقَ النَضْرِ.»
وحَكى الطَبَرِيُّ عن سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ «أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ صَبْرًا ثَلاثَةَ نَفَرٍ: المُطْعَمُ بْنُ عَدِيٍّ، والنَضْرُ بْنُ الحارِثِ، وعُقْبَةُ بْنُ أبِي مُعَيْطٍ.»
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا وهْمٌ عَظِيمٌ في خَبَرِ المُطْعَمِ، فَقَدْ كانَ ماتَ قَبْلَ يَوْمِ بَدْرٍ، وفِيهِ قالَ النَبِيُّ ﷺ: « "لَوْ كانَ المُطْعَمُ حَيًّا وكَلَّمَنِي في هَؤُلاءِ النَتْنى لَتَرَكْتُهم لَهُ"» يَعْنِي أسْرى بَدْرٍ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذْ قالُوا اللهُمَّ إنْ كانَ هَذا هو الحَقَّ مِن عِنْدِكَ﴾ الآيَةُ، رُوِيَ عن مُجاهِدٍ، وابْنِ جُبَيْرٍ، وعَطاءٍ، والسُدِّيِّ أنَّ قائِلَ هَذِهِ المَقالَةِ هو النَضْرُ بْنُ الحارِثِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وتَرَتَّبَ أنْ يَقُولَ النَضْرُ بْنُ الحارِثِ مَقالَةً ويَنْسُبَها القُرْآنُ إلى جَمِيعِهِمْ، لِأنَّ النَضْرَ كانَ فِيهِمْ مَوْسُومًا بِالنُبْلِ والفَهْمِ مَسْكُونًا إلى قَوْلِهِ، فَكانَ إذا قالَ قَوْلًا قالَهُ مِنهم كَثِيرٌ واتَّبَعُوهُ عَلَيْهِ حَسَبَما يَفْعَلُهُ الناسُ أبَدًا بِعُلَمائِهِمْ وفُقَهائِهِمْ، والمُشارُ إلَيْهِ بِـ "هَذا" هو القُرْآنُ (p-١٧٦)وَشَرْعُ مُحَمَّدٍ ﷺ، والَّذِي حَمَلَهم عَلى هَذِهِ المَقالَةِ هو الحَسَدُ، وذَلِكَ أنَّهُمُ اسْتَبْعَدُوا أنْ يُكَرِّمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مُحَمَّدًا ﷺ هَذِهِ الكَرامَةَ، وعَمِيَتْ بَصائِرُهم عَنِ الهُدى، وصَمَّمُوا عَلى أنَّ هَذا لَيْسَ بِحَقٍّ فَقالُوا هَذِهِ المَقالَةَ، كَما يَقُولُ الإنْسانُ لِأمْرٍ قَدْ تَحَقَّقَ بِزَعْمِهِ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ: "إنْ كانَ كَذا وكَذا فَفَعَلَ اللهُ بِي وصَنَعَ"، وحَكى ابْنُ فَوْرَكٍ أنَّ هَذِهِ المَقالَةَ خَرَجَتْ مَخْرَجَ العِنادِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأنَّهُ حَقٌّ، وكَذَلِكَ ألْزَمَ بَعْضُ أهْلِ اليَمَنِ مُعاوِيَةَ بْنَ أبِي سُفْيانَ القِصَّةَ المَشْهُورَةَ في بابِ الأجْوِبَةِ، وحَكاهُ الطَبَرِيُّ عن مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ ويَزِيدَ بْنِ رُومانَ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا بَعِيدُ التَأْوِيلِ، ولا يَقُولُ هَذا عَلى جِهَةِ العِنادِ عاقِلٌ. ويَجُوزُ في العَرَبِيَّةِ رَفْعُ "الحَقَّ" عَلى أنَّهُ خَبَرُ "هُوَ"، والجُمْلَةُ خَبَرُ كانَ، قالَ الزَجّاجُ: ولا أعْلَمُ أحَدًا قَرَأ بِهَذا الجائِزِ، وقِراءَةُ الناسِ إنَّما هي بِنَصْبِ "الحَقِّ" عَلى أنْ يَكُونَ خَبَرَ كانَ ويَكُونُ "هُوَ" فَصْلًا، فَهو حِينَئِذٍ اسْمٌ وفِيهِ مَعْنى الإعْلامِ بِأنَّ الَّذِي بَعْدَهُ خَبَرٌ لَيْسَ بِصِفَةٍ، "فَأمْطِرْ" إنَّما يُسْتَعْمَلُ في المَكْرُوهِ، و"مَطَرَ" في الرَحْمَةِ، كَذا قالَ أبُو عُبَيْدَةَ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ويُعارِضُ هَذِهِ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿هَذا عارِضٌ مُمْطِرُنا﴾ [الأحقاف: ٢٤] لِأنَّهم ظَنُّوها سَحابَةَ رَحْمَةٍ، وقَوْلُهُمْ: ( مِنَ السَماءِ ) مُبالَغَةٌ وإغْراقٌ.
وهَذانِ النَوْعانِ اللَذانِ اقْتَرَحُوهُما هُما السالِفانِ في الأُمَمِ، عافانا اللهُ وعَفا عَنّا ولا أضَلَّنا بِمَنِّهِ ويُمْنِهِ.
{"ayahs_start":31,"ayahs":["وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتُنَا قَالُوا۟ قَدۡ سَمِعۡنَا لَوۡ نَشَاۤءُ لَقُلۡنَا مِثۡلَ هَـٰذَاۤ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّاۤ أَسَـٰطِیرُ ٱلۡأَوَّلِینَ","وَإِذۡ قَالُوا۟ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلۡحَقَّ مِنۡ عِندِكَ فَأَمۡطِرۡ عَلَیۡنَا حِجَارَةࣰ مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ أَوِ ٱئۡتِنَا بِعَذَابٍ أَلِیمࣲ"],"ayah":"وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتُنَا قَالُوا۟ قَدۡ سَمِعۡنَا لَوۡ نَشَاۤءُ لَقُلۡنَا مِثۡلَ هَـٰذَاۤ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّاۤ أَسَـٰطِیرُ ٱلۡأَوَّلِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق