الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿قالُوا تِلْكَ إذًا كَرَّةٌ خاسِرَةٌ﴾ ﴿فَإنَّما هي زَجْرَةٌ واحِدَةٌ﴾ ﴿فَإذا هم بِالساهِرَةِ﴾ ﴿هَلْ أتاكَ حَدِيثُ مُوسى﴾ ﴿إذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالوادِ المُقَدَّسِ طُوًى﴾ ﴿اذْهَبْ إلى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغى﴾ ﴿فَقُلْ هَلْ لَكَ إلى أنْ تَزَكّى﴾ ﴿وَأهْدِيَكَ إلى رَبِّكَ فَتَخْشى﴾ ﴿فَأراهُ الآيَةَ الكُبْرى﴾ ﴿فَكَذَّبَ وعَصى﴾ ﴿ثُمَّ أدْبَرَ يَسْعى﴾ ﴿فَحَشَرَ فَنادى﴾ ﴿فَقالَ أنا رَبُّكُمُ الأعْلى﴾
ذَكَرَ اللهُ تَعالى عنهم قَوْلَهُمْ: ﴿تِلْكَ إذًا كَرَّةٌ خاسِرَةٌ﴾ وذَلِكَ أنَّهم لِتَكْذِيبِهِمْ بِالبَعْثِ وإنْكارِهِمْ قالُوا: لَوْ كانَ هَذا حَقًّا، لَكانَتْ كَرَّتَنا ورَجْعَتَنا خاسِرَةً؛ وذَلِكَ لَهم إذْ هي النارُ، وقالَ الحَسَنُ: "خاسِرَةٌ" مَعْناهُ: كاذِبَةٌ، أيْ لَيْسَتْ بِكافِيَةٍ، ورُوِيَ أنَّ بَعْضَ صَنادِيدَ قُرَيْشٍ قالَ ذَلِكَ.
ثُمَّ أخْبَرَ اللهُ تَعالى عن حالِ القِيامَةِ فَقالَ: ﴿فَإنَّما هي زَجْرَةٌ واحِدَةٌ﴾، أيْ: نَفْخَةٌ في الصُوَرِ، فَإذا الناسُ قَدْ نَشَرُوا وصارُوا أحْياءً عَلى وجْهِ الأرْضِ، وفي قِراءَةِ عَبْدِ اللهِ:
(p-٥٣٠) "فَإنَّما هي رِقَّةٌ واحِدَةٌ"، و"الساهِرَةُ" وجْهُ الأرْضِ، ومِنهُ قَوْلُ أُمَيَّةَ بْنِ أبِي الصَلْتِ:
؎ وفِيها لَحْمُ ساهِرَةٍ وبَحْرٌ وما فاهُوا بِهِ لَهم مُقِيمُ
وقالَ وهْبُ بْنُ مُنَبِّهْ: الساهِرَةُ جَبَلٌ بِالشامِ يَمُدُّهُ اللهُ تَعالى لِحَشْرِ الناسِ يَوْمَ القِيامَةِ كَيْفَ شاءَ، وقالَ أبُو العالِيَةِ وسُفْيانُ: الساهِرَةُ أرْضُ مَكَّةَ، وقالَ الزُهْرِيُّ: "الساهِرَةُ" الأرْضُ كُلُّها.
ثُمَّ وقَّفَ تَعالى نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ عَلى جِهَةِ جَمْعِ النَفْسِ لِتَلَقِّي الحَدِيثِ، فَقالَ تَعالى: ﴿هَلْ أتاكَ حَدِيثُ مُوسى﴾ الآيَةُ. و"الوادِي المُقَدَّسِ" وادٍ بِالشامِ، قالَ مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ: هو بَيْنَ المَدِينَةِ ومِصْرَ، وقَرَأ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ، والأعْمَشُ، وابْنُ إسْحاقَ، وقُعْنُبُ"طَوى" بِكَسْرِ الطاءِ مُنَوَّنَةً، ورُوِيَتْ عن عاصِمٍ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: "طَوى" بِضَمِّ الطاءِ، وأجْرى بَعْضُ القُرّاءِ "طَوى" وتَرَكَ إجْراءَهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، ونافِعٌ، والحَسَنُ، وجَماعَةٌ، وقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ اللَفْظَةِ في سُورَةِ طه.
وقَوْلُهُ تَعالى: "اذْهَبْ" تَفْسِيرُ النِداءِ الَّذِي ناداهُ بِهِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: قالَ لَهُ اذْهَبْ، وفي هَذِهِ الألْفاظِ اسْتِدْعاءٌ حَسَنٌ، وذَلِكَ أنَّهُ أمَرَ أنْ يَقُولَ لَهُ: ﴿هَلْ لَكَ إلى أنْ تَزَكّى﴾، وهَذا قَوْلُ جَوابِ كُلِّ عاقِلٍ عِنْدَهُ: نَعَمْ أُرِيدُ أنْ أتَزَكّى، والتَزَكِّي هو التَطَهُّرُ مِنَ النَقائِصِ والتَلَبُّسِ بِالفَضائِلِ، وفَسَّرَ بَعْضُهم "تَزَكّى" بِـ "تُسْلِمُ"، وفَسَّرَها بَعْضُهم بِقَوْلِ "لا إلَهَ إلّا اللهُ"، وهَذا تَخْصِيصٌ، وما ذَكَرْناهُ يَعُمُّ كُلَّ هَذا، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو -بِخِلافٍ عنهُ-: "تَزَّكّى" بِشَدِّ الزايِ، وقَرَأ الباقُونَ: "تَزَكّى" بِتَخْفِيفِ الزايِ.
ثُمَّ أمَرَ "اللهُ تَعالى" مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ بِأنْ يُفَسِّرَ لَهُ التَزَكِّي الَّذِي دَعاهُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (p-٥٣١)"وَأهْدِيَكَ إلى رَبِّكَ فَتَخْشى"، والعِلْمُ تابِعٌ لِلْهُدى، والخَشْيَةُ تابِعَةٌ لِلْعِلْمِ، ﴿إنَّما يَخْشى اللهَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ﴾ [فاطر: ٢٨].
"والآيَةُ الكُبْرى" العَصا واليَدُ، قالَهُ مُجاهِدٌ وغَيْرُهُ، وهُما قَصَبُ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ لِلتَّحَدِّي، فَوَقَعَتِ المُعارَضَةُ في الواحِدَةِ وانْغَلَبَ فِيها فَرِيقُ الباطِلِ. وقالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: "أدْبَرَ يَسْعى" حَقِيقَةً، قامَ مِن مَوْضِعِهِ مُوَلِّيًا فارًّا بِنَفْسِهِ مِن مُجالَسَةِ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ، وقالَ الجُمْهُورُ: "أدْبَرَ" كِنايَةٌ عن إعْراضِهِ عَنِ الإيمانِ، و"يَسْعى" مَعْناهُ: يَجْتَهِدُ عَلى أمْرِ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ والرَدِّ في وجْهِ شَرْعِهِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: "فَحَشَرَ" مَعْناهُ: جَمَعَ أهْلَ مَمْلَكَتِهِ، ثُمَّ ناداهم بِقَوْلِهِ: ﴿أنا رَبُّكُمُ الأعْلى﴾ ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: المَعْنى: فَنادى فَحَشَرَ، وقَوْلُهُ: ﴿أنا رَبُّكُمُ الأعْلى﴾ نِهايَةٌ في المُخْرِقَةِ، ونَحْوُها باقٍ في مُلُوكِ مِصْرَ وأتْباعِهِمْ.
{"ayahs_start":12,"ayahs":["قَالُوا۟ تِلۡكَ إِذࣰا كَرَّةٌ خَاسِرَةࣱ","فَإِنَّمَا هِیَ زَجۡرَةࣱ وَ ٰحِدَةࣱ","فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ","هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِیثُ مُوسَىٰۤ","إِذۡ نَادَىٰهُ رَبُّهُۥ بِٱلۡوَادِ ٱلۡمُقَدَّسِ طُوًى","ٱذۡهَبۡ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ","فَقُلۡ هَل لَّكَ إِلَىٰۤ أَن تَزَكَّىٰ","وَأَهۡدِیَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخۡشَىٰ","فَأَرَىٰهُ ٱلۡـَٔایَةَ ٱلۡكُبۡرَىٰ","فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ","ثُمَّ أَدۡبَرَ یَسۡعَىٰ","فَحَشَرَ فَنَادَىٰ","فَقَالَ أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ"],"ayah":"ثُمَّ أَدۡبَرَ یَسۡعَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق