الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُوحُ والمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إلا مَن أذِنَ لَهُ الرَحْمَنُ وقالَ صَوابًا﴾ ﴿ذَلِكَ اليَوْمُ الحَقُّ فَمَن شاءَ اتَّخَذَ إلى رَبِّهِ مَآبًا﴾ ﴿إنّا أنْذَرْناكم عَذابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ المَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ ويَقُولُ الكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرابًا﴾
اخْتَلَفَ الناسُ في "الرُوحُ" المَذْكُورَةُ في هَذا المَوْضِعِ- فَقالَ الشَعْبِيُّ والضَحّاكُ: هو جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَلامُ، ذَكَرَهُ خاصَّةً مِن بَيْنِ المَلائِكَةِ تَشْرِيفًا، وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هو مَلِكٌ عَظِيمٌ، أكْبَرُ المَلائِكَةِ خِلْقَةً يُسَمّى "بِالرُوحِ"، وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: كانَ أبِي يَقُولُ هو القُرْآنُ، وقَدْ قالَ اللهُ تَعالى: ﴿أوحَيْنا إلَيْكَ رُوحًا مِن أمْرِنا﴾ [الشورى: ٥٢]
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
فالقِيامُ فِيهِ مُسْتَعارٌ يُرادُ بَيانُهُ وظُهُورُهُ وشِدَّةُ آثارِهِ، والأشْياءُ الكائِنَةُ عن تَصْدِيقِهِ أو تَكْذِيبِهِ، ومَعَ هَذا في القَوْلِ قَلَقٌ، وقالَ مُجاهِدٌ: الرُوحُ خَلْقٌ عَلى صُورَةِ بَنِي آدَمَ يَأْكُلُونَ ويَشْرَبُونَ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ عَنِ النَبِيِّ ﷺ: « "الرُوحُ خَلْقٌ غَيْرُ المَلائِكَةِ، وحَفَظَةٌ لِلْمَلائِكَةِ كَما المَلائِكَةُ حَفَظَةٌ لِلْأنْبِياءِ ولَنا"،» وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، والحَسَنُ، وقَتادَةُ: الرُوحُ
(p-٥٢٤)هُنا اسْمُ جِنْسٍ: يُرادُ بِهِ أرْواحُ بَنِي آدَمَ، والمَعْنى: يَوْمَ تَقُومُ الرُوحُ في أجْسادِها إثْرَ البَعْثِ والنَشْأةِ الآخِرَةِ، ويَكُونُ الجَمِيعُ مِنَ الإنْسِ والمَلائِكَةِ صَفًّا، ولا يَتَكَلَّمُ أحَدٌ هَيْبَةً وفَزَعًا، إلّا مَن أذِنَ لَهُ الرَحْمَنُ مِن مَلَكٍ أو نَبِيٍّ، وكانَ أهْلًا أنْ يَقُولَ صَوابًا في ذَلِكَ المَوْطِنِ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: الضَمِيرُ في "يَتَكَلَّمُونَ" عائِدٌ عَلى الناسِ خاصَّةً و"الصَوابُ" المُشارُ إلَيْهِ هو "لا إلَهَ إلّا اللهُ"، قالَ عِكْرِمَةُ: أيْ قالَها في الدُنْيا.
وقَوْلُهُ تَعالى: "ذَلِكَ اليَوْمُ الحَقُّ" أيْ: الحَقُّ كَوْنُهُ ووُجُودُهُ، وفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَمَن شاءَ اتَّخَذَ إلى رَبِّهِ مَآبًا﴾ وعْدٌ ووَعِيدٌ وتَحْرِيضٌ، و"المَآبُ": المَرْجِعُ ومَوْضِعُ الأوبَةِ، والضَمِيرُ الَّذِي هو الكافُ والمِيمُ في "أنْذَرْتُكُمْ" هو لِجَمِيعِ العالَمِ وإنْ كانَتِ المُخاطَبَةُ لِمَن حَضَرَ النَبِيَّ ﷺ مِنَ الكُفّارِ، و"العَذابُ القَرِيبُ" عَذابُ الآخِرَةِ، ووَصْفَهُ بِالقُرْبِ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ، وأنَّهُ آتٍ وكُلُّ آتٍ قَرِيبٌ، والجَمِيعُ داخِلٌ في النِذارَةِ مِنهُ، "وَنَظَرُ المَرْءِ إلى ما قَدَّمَتْ يَداهُ مَن عَمِلٍ" قِيامُ لِلْحُجَّةِ عَلَيْهِ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: "المَرْءُ" هُنا المُؤْمِنُ، وقَرَأ ابْنُ أبِي إسْحاقَ: "المُرْءُ" بِضَمِّ المِيمِ، وضَعَّفَها أبُو حاتِمٍ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَقُولُ الكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرابًا﴾ قِيلَ: إنَّ هَذا تَمَنٍّ أنْ يَكُونَ شَيْئًا حَقِيرًا لا يُحاسَبُ ولا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وهَذا قَدْ نَجِدُهُ في الخائِفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، فَقَدْ قالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "لَيْتَنِي كُنْتُ بَعْرَةً"، وقالَ أبُو هُرَيْرَةَ، وعَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما: إنَّ اللهَ تَعالى يُحْضِرُ البَهائِمَ يَوْمَ القِيامَةِ فَيَقْتَصُّ لِبَعْضِها مِن بَعْضٍ، ثُمَّ يَقُولُ لَها بَعْدِ ذَلِكَ: كُونِي تُرابًا، فَيَعُودُ جَمِيعُها تُرابًا، فَإذا رَأى الكُفّارُ ذَلِكَ تَمَنّى مِثْلَهُ، قالَ أبُو القاسِمِ بْنُ حَبِيبٍ: رَأيْتُ في بَعْضِ التَفاسِيرِ أنَّ الكافِرَ هَنا إبْلِيسُ إذا رَأى ما حَصَلَ لِلْمُؤْمِنِينَ مِن بَنِي آدَمَ مِنَ الثَوابِ قالَ: يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرابًا، أيْ كَآدَمَ الَّذِي خُلِقَ مِن تُرابٍ واحْتَقَرَهُ هو أوَّلًا.
كَمُلَ تَفْسِيرُ [سُورَةِ النَبَإ] والحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ.
{"ayahs_start":38,"ayahs":["یَوۡمَ یَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ صَفࣰّاۖ لَّا یَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَـٰنُ وَقَالَ صَوَابࣰا","ذَ ٰلِكَ ٱلۡیَوۡمُ ٱلۡحَقُّۖ فَمَن شَاۤءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ مَـَٔابًا","إِنَّاۤ أَنذَرۡنَـٰكُمۡ عَذَابࣰا قَرِیبࣰا یَوۡمَ یَنظُرُ ٱلۡمَرۡءُ مَا قَدَّمَتۡ یَدَاهُ وَیَقُولُ ٱلۡكَافِرُ یَـٰلَیۡتَنِی كُنتُ تُرَ ٰبَۢا"],"ayah":"یَوۡمَ یَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ صَفࣰّاۖ لَّا یَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَـٰنُ وَقَالَ صَوَابࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق