الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿إنَّ المُتَّقِينَ في ظِلالٍ وعُيُونٍ﴾ ﴿وَفَواكِهَ مِمّا يَشْتَهُونَ﴾ ﴿كُلُوا واشْرَبُوا هَنِيئًا بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ﴿إنّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ﴾ ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ ﴿كُلُوا وتَمَتَّعُوا قَلِيلا إنَّكم مُجْرِمُونَ﴾ ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ ﴿وَإذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ﴾ ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ ﴿فَبِأيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾
ذَكَرَ تَعالى حالَةَ المُتَّقِينَ بِعَقِبِ ذِكْرِ حالَةِ أهْلِ النارِ لِيُبَيِّنَ الفَرْقَ، و"الظِلالُ" في الجَنَّةِ عِبارَةٌ عن تَكاثُفِ الأشْجارِ وجَوْدَةِ المَبانِي، وإلّا فَلا شَمْسَ تُؤْذِي هُنالِكَ حَتّى يَكُونَ ظِلٌّ يُجِيرُ مِن حَرِّها، وقَرَأ الجُمْهُورُ: "فِي ظِلالٍ"، وقَرَأ الأعْرَجُ، والأعْمَشُ: "فِي ظُلَلٍ" بِضَمِّ الظاءِ، و"العُيُونُ" الماءُ النابِعُ، وقَوْلُهُ تَعالى: "مِمّا يَشْتَهُونَ" إعْلامٌ بِأنَّ المَأْكَلَ والمُشْرَبَ هُنالِكَ إنَّما يَكُونُ بِرَسْمِ شَهَواتِهِمْ، بِخِلافِ ما هي الدُنْيا عَلَيْهِ، فَإنَّ ذَلِكَ فِيهِ شاذٌّ نادِرٌ، والعُرْفُ أنَّ المَرْءَ يَرُدُّ شَهْوَتَهُ إلى ما يَقْتَضِيهِ وجْدُهُ، وهُنا مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَفْظُ تَقْدِيرُهُ: يُقالُ لَهُمْ: كُلُوا. و"هَنِيئًا" نُصِبَ عَلى الحالِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ نَصْبُهُ عَلى جِهَةِ الدُعاءِ. والكافُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنّا كَذَلِكَ﴾ كافُ تَشْبِيهٍ، والإشارَةُ بِذَلِكَ إلى ما ذَكَرَهُ مِن نَعِيمِ أهْلِ الجَنَّةِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: "كُلُوا وتَمَتَّعُوا" مُخاطَبَةٌ لِقُرَيْشٍ، عَلى مَعْنى: قُلْ لَهم يا مُحَمَّدُ، وهَذِهِ صِيغَةُ أمْرٍ مَعْناها التَهْدِيدُ والوَعِيدُ، وقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ قَوْلُهُ "قَلِيلًا"، ثُمَّ بَيَّنَ تَعالى قَرَّرَ لَهُمُ الإجْرامَ المُوجِبَ لِتَعْذِيبِهِمْ، وقالَ مَن جَعَلَ السُورَةَ كُلَّها مَكِّيَّةً: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ في كَفارِّ قُرَيْشٍ، وقالَ مَن جَعَلَ هَذِهِ الآيَةَ مِنها مَدَنِيَّةً: إنْ نَزَلَتْ في المُنافِقِينَ، وقالَ مُقاتِلٌ: «نَزَلَتْ في ثَقِيفٍ لِأنَّهم قالُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ: حُطَّ عَنّا الصَلاةَ فَإنّا لا نَنْحَنِي فَإنَّها مَسَبَّةٌ، فَأبى رَسُولُ اللهِ ﷺ وقالَ: لا خَيْرَ في دِينٍ لا صَلاةَ فِيهِ.»
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ﴾، قِيلَ: هي حِكايَةٌ عن حالِ المُنافِقِينَ في الآخِرَةِ إذا سَجَدَ الناسُ فَأرادُوا هُمُ السُجُودَ فانْصَرَفَتْ أصْلابُهم إلى الأرْضِ وصارَتْ فَقْاراتُهم كَصَياصِي البَقَرِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما وغَيْرُهُ، وقالَ قَتادَةُ فِي
(p-٥١١)آخَرِينَ هَذِهِ حالُ كَفّارِ قُرَيْشٍ في الدُنْيا كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدْعُوهم وهم لا يُجِيبُونَ، وذِكْرُ الرُكُوعِ عِبارَةٌ عن جَمِيعِ الصَلاةِ، هَذا قَوْلُ الجُمْهُورِ، وقالَ بَعْضُ المُتَأوِّلِينَ: عَنى بِالرُكُوعِ التَواضُعَ، كَما قالَ الشاعِرُ:
؎ ................ تَرى الأكَمَ فِيها سُجَّدًا لِلْحَوافِرِ
أيْ مُتَذَلِّلَةً، وتَأوَّلَ قَتادَةُ الآيَةَ قاصِدَةً الرُكُوعَ نَفْسَهُ، وقالَ: عَلَيْكم بِحُسْنِ الرُكُوعِ، والَّذِي أقُولُ: إنَّ ذِكْرَ الرُكُوعِ هُنا وتَخْصِيصَهُ مِن بَيْنِ سائِرِ أحْوالِ العِبادَةِ إنَّما كانَ لِأنَّ كَثِيرًا مِنَ العَرَبِ كانَ يَأْنَفُ مِنَ الرُكُوعِ والسُجُودِ، ويَراها هَيْئَةً مُنْكَرَةً، لِما كانَ في أخْلاقِهِمْ مِنَ العَجْرَفَةِ، ألا تَرى أنَّ بَعْضَهم قَدْ سُئِلَ فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ تَقُولُ: اسْتَخْذَأْتُ أوِ اسْتَخْذَيْتُ؟ فَقالَ: كُلٌّ لا أقُولُ، قِيلَ لَهُ: لِمَ؟ قالَ: لِأنَّ العَرَبَ لا تَسْتَخْذِي، فَظَنَّ أنَّهُ سُئِلَ عَنِ المَعْنى، ولَمْ يَفْهَمْ أنَّهُ سُئِلَ عَنِ اللَفْظَةِ، وفي كِتابِ السِيَرِ عن بَعْضِ العَرَبِ أنَّهُ اسْتَعْفى مُتَكَلِّمًا عن قَوْمِهِ ونَفْسِهِ رَسُولَ اللهِ ﷺ مِنَ الصَلاةِ، فَلَمْ يَجِبْهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ، قِيلَ لَهُ لا بُدَّ مِنَ الصَلاةِ، فَقالَ عِنْدَ ذَلِكَ: سَنُؤْتِيكَها وإنْ كانَتْ دَناءَةً.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَبِأيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ يُؤَيِّدُ أنَّ الآيَةَ كُلَّها في قُرَيْشٍ، والحَدِيثُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الضَمِيرُ في "بُعْدِهِ" هو القُرْآنُ، وهَذا تَوْقِيفٌ وتَوْبِيخٌ، ورُوِيَ عن يَعْقُوبَ أنَّهُ قَرَأ "تُؤْمِنُونَ" بِالتاءِ مِن فَوْقٍ، عَلى المُواجَهَةِ ورُوِيَتْ عَنِ ابْنِ عامِرٍ.
كَمُلَ تَفْسِيرُ سُورَةِ [المُرْسِلاتِ] والحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ.
{"ayahs_start":41,"ayahs":["إِنَّ ٱلۡمُتَّقِینَ فِی ظِلَـٰلࣲ وَعُیُونࣲ","وَفَوَ ٰكِهَ مِمَّا یَشۡتَهُونَ","كُلُوا۟ وَٱشۡرَبُوا۟ هَنِیۤـَٔۢا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ","إِنَّا كَذَ ٰلِكَ نَجۡزِی ٱلۡمُحۡسِنِینَ","وَیۡلࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ لِّلۡمُكَذِّبِینَ","كُلُوا۟ وَتَمَتَّعُوا۟ قَلِیلًا إِنَّكُم مُّجۡرِمُونَ","وَیۡلࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ لِّلۡمُكَذِّبِینَ","وَإِذَا قِیلَ لَهُمُ ٱرۡكَعُوا۟ لَا یَرۡكَعُونَ","وَیۡلࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ لِّلۡمُكَذِّبِینَ","فَبِأَیِّ حَدِیثِۭ بَعۡدَهُۥ یُؤۡمِنُونَ"],"ayah":"فَبِأَیِّ حَدِیثِۭ بَعۡدَهُۥ یُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق