الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿يُوفُونَ بِالنَذْرِ ويَخافُونَ يَوْمًا كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾ ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِينًا ويَتِيمًا وأسِيرًا﴾ ﴿إنَّما نُطْعِمُكم لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنكم جَزاءً ولا شُكُورًا﴾ ﴿إنّا نَخافُ مِن رَبِّنا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا﴾ ﴿فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ اليَوْمِ ولَقّاهم نَضْرَةً وسُرُورًا﴾ ﴿وَجَزاهم بِما صَبَرُوا جَنَّةً وحَرِيرًا﴾ ﴿مُتَّكِئِينَ فِيها عَلى الأرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْسًا ولا زَمْهَرِيرًا﴾
وصَفَ اللهُ تَعالى حالَ الأبْرارِ بِأنَّهم كانُوا يُوفُونَ بِالنَذْرِ، أيْ بِكُلِّ ما نَذَرُوهُ وأعْطَوْا بِهِ عَهْدًا، يُقالُ: وفى الرَجُلُ وأوفى، واليَوْمُ المُشارُ إلَيْهِ يَوْمُ القِيامَةِ، و"مُسْتَطِيرًا" مَعْناهُ: مُتَّصِلًا شائِعًا كاسْتِطارَةِ الفَجْرِ والصَدْعِ في الزَجّاجُةِ، وبِهِ شُبِّهَ في القَلْبِ، ومِن ذَلِكَ قَوْلُ الأعْشى:
؎ فَبانَتْ وقَدْ أورَثَتْ في الفُؤا دِ صَدْعًا- عَلى نَأْيِها مُسْتَطِيرًا
(p-٤٩٠)وَقَوْلُ ذِي الرُمَّةِ:
؎ أرادَ الطاعِنُونَ لِيَحْزِنُونِي فَهاجُوا ∗∗∗ صَدْعَ قَلْبِي فاسْتَطارا
وقَوْلُهُ تَعالى: "عَلى حُبِّهِ" يُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ الضَمِيرُ عَلى "الطَعامِ"، أيْ: وهو مَحْبُوبٌ لِلْفاقَةِ والحاجَةِ، وهَذا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ عَلى اللهِ تَعالى، أيْ: لِوَجْهِهِ وابْتِغاءِ مَرْضاتِهِ، قالَهُ أبُو سُلَيْمانَ الدَرانِيُّ، والأوَّلُ أمْدَحُ لَهم لِأنَّ فِيهِ الإيثارَ عَلى النَفْسِ، وعَلى الِاحْتِمالِ الثانِي فَقَدْ يَفْعَلُهُ الأغْنِياءُ أكْثَرَ، وقالَ الحَسَنُ بْنُ الفَضْلِ: الضَمِيرُ عائِدٌ عَلى الإطْعامِ، أيْ مُحِقِّينَ في فِعْلِهِمْ ذَلِكَ، لا رِياءَ فِيهِ ولا تَكَلُّفَ. و"المِسْكِينُ": الطَوّافُ المُنْكَشِفُ في السُؤالِ، و"اليَتِيمُ": الصَبِيُّ الَّذِي لا أب لَهُ مِنَ الناسِ، والَّذِي لا أُمَّ لَهُ مِنَ البَهائِمِ، وهي صِفَةٌ قَبْلَ البُلُوغِ، وقالَ النَبِيُّ ﷺ: « "لا يَتِمُّ بَعْدَ حُلْمٍ"،» و"الأسِيرُ" مَعْرُوفٌ، فَقالَ قَتادَةُ: أرادَ أسْرى الكُفّارِ وإنْ كانُوا عَلى غَيْرِ الإسْلامِ، قالَ الحَسَنُ: ما كانَ أسْراهم إلّا مُشْرِكِينَ، لِأنَّ كُلَّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أجْرًا وقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: هَذا مِمّا نُسِخَ بِآيَةِ السَيْفِ، وإمّا أنَّهُ مُحْكَمٌ لِيَحْفَظَ حَياةَ الأسِيرِ إلى أنْ يَرى الإمامُ فِيهِ رَأْيَهُ، وقالَ مُجاهِدٌ، وابْنُ جُبَيْرٍ، وعَطاءٌ: أرادَ المَسْجُونِينَ مِنَ الناسِ، ولِهَذا يَحُضُّ عَلى صَدَقَةِ السِجْنِ، فَهَذا تَشْبِيهٌ، ومِن قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "لا يُؤْسَرُ أحَدٌ في الإسْلامِ بِغَيْرِ العُدُولِ" ورَوى الخُدْرِيُّ أنَّ النَبِيَّ ﷺ فَسَّرَ الأسِيرَ هُنا بِالمَمْلُوكِ المَسْجُونِ، وقالَ: أرادَ أسْرى المُسْلِمِينَ الَّذِينَ تُرِكُوا في (p-٤٩١)بِلادِ الحَرْبِ رَهائِنَ وخَرَجُوا في طَلَبِ الفِداءِ، وقالَ أبُو حَمْزَةَ الثَمّالِيُّ: الأسِيرُ هُنا المَرْأةُ، ودَلِيلُهُ قَوْلُهُ ﷺ: « "اسْتَوْصُوا بِالنِساءِ خَيْرًا فَإنَّهُنَّ عَوانٌ عِنْدَكُمْ"،» قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّما نُطْعِمُكم لِوَجْهِ اللهِ﴾ المَعْنى: يَقُولُونَ لَهم عِنْدَ الإطْعامِ، وهَذا إمّا أنْ يَكُونَ المُطْعِمُ يَقُولُ ذَلِكَ نَصًّا، فَحُكِيَ ذَلِكَ، وإمّا أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِمّا يُقالُ في الأنْفُسِ وبِالنِيَّةِ فَمُدِحَ بِذَلِكَ، وهَذا تَأْوِيلُ ابْنِ مُجاهِدٍ وابْنِ جُبَيْرٍ. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو في رِوايَةِ ابْنِ عَيّاشٍ بِجَزْمِ المِيمِ مِن "نُطْعِمُكُمْ"، قالَ أبُو عَلِيٍّ: أسْكَنَ تَخْفِيفًا، و"الشَكُورُ" مَصْدَرٌ كالشُكْرِ، ووَصْفُ اليَوْمِ بِالعُبُوسِ هو عَلى التَجَوُّزِ، كَما تَقُولُ: "لَيْلٌ نائِمٌ" أيْ فِيهِ نَوْمٌ، و"القَمْطَرِيرُ" والقُماطِرُ هو في مَعْنى العُبُوسُ والِارْبِدادِ، يُقالُ: "اقْمَطَرَّ الرَجُلُ" إذا جَمَعَ ما بَيْنَ عَيْنَيْهِ غَضَبًا، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ بَنِي عَمِّنا هَلْ تَذْكُرُونَ بَلاءَنا عَلَيْكم ∗∗∗ إذا ما كانَ يَوْمَ قُماطِرِ
(p-٤٩٢)وَقالَ الآخَرُ:
؎ فَفِرُّوا إذا ما الحَرْبُ ثارَ غُبارُها ∗∗∗ ولُجْ بِها اليَوْمَ العَبُوسَ القَماطِرَ
وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: يَعْبِسُ الكافِرُ يَوْمَئِذٍ حَتّى يَسِيلَ مِن بَيْنِ عَيْنَيْهِ مِثْلُ القَطْرانِ، وعَبَّرَ ابْنُ عَبّاسٍ عَنِ القَمْطَرِيرِ بِالطَوِيلِ، وعَبَّرَ عنهُ ابْنُ الكَلْبِيِّ بِالشَدِيدِ، وذَلِكَ كُلُّهُ قَرِيبٌ في المَعْنى.
وقَرَأ الجُمْهُور "فَوَقاهُمْ" بِتَخْفِيفِ القافِ، وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ بْنُ القَعْقاعِ "فَوَقّاهُمْ" بِشَدِّ القافِ، و"النَضِرَةُ" حالُ البَشَرَةِ، وذَلِكَ لا يَكُونُ إلّا مَعَ فَرَحِ النَفْسِ وقُرَّةِ العَيْنِ، وقَرَأ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "وَجازاهُمْ" بِألِفٍ، وقَوْلُهُ تَعالى: "بِما صَبَرُوا" عامٌّ عَنِ الشَهَواتِ وعَلى الطاعاتِ والشَدائِدِ، فَفي هَذا يَدْخُلُ كُلُّ ما خَصَّصَ الناسُ مِن صَوْمٍ ونَحْوِهِ، و"مُتَّكِئِينَ" حالٌ مِنَ الضَمِيرِ المَنصُوبِ في "جَزاهُمْ" وهو الهاءُ والمِيمُ، وقَرَأأبُو جَعْفَرٍ وشَيْبَةُ: "مُتَّكِينَ" بِغَيْرِ هَمْزٍ، و"الأرائِكُ": السُرُرُ المَسْتُورَةُ بِالحِجالِ، وهَذا شَرْطٌ لِبَعْضِ اللُغَوِيِّينَ، وقالَ بَعْضُ اللُغَوِيِّينَ: كُلُّ ما يُتَوَسَّدُ ويُفْتَرَشُ مِمّا لَهُ حَشْوٌ فَهو أرِيكَةٌ وإنْ لَمْ يَكُنْ في حَجْلَةٍ. وقَوْلُهُ تَعالى: "لا يَرَوْنَ" الآيَةُ عِبارَةٌ عَنِ اعْتِدالِ مَسِّ هَوائِها، وذَهابِ ضَرُورَتَيِ الحَرِّ والقَرِّ عنها، وكَوْنُ هَوائِها سَجْسَجًا كَما في الحَدِيثِ المَأْثُورِ، ومَسُّ الشَمْسِ وهو أشَدُّ الحَرِّ، والزَمْهَرِيرُ: هو أشَدُّ البَرْدِ، وقالَ ثَعْلَبٌ: الزَمْهَرِيرُ بِلُغَةِ طَيْءٍ القَمَرُ.
{"ayahs_start":7,"ayahs":["یُوفُونَ بِٱلنَّذۡرِ وَیَخَافُونَ یَوۡمࣰا كَانَ شَرُّهُۥ مُسۡتَطِیرࣰا","وَیُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِینࣰا وَیَتِیمࣰا وَأَسِیرًا","إِنَّمَا نُطۡعِمُكُمۡ لِوَجۡهِ ٱللَّهِ لَا نُرِیدُ مِنكُمۡ جَزَاۤءࣰ وَلَا شُكُورًا","إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا یَوۡمًا عَبُوسࣰا قَمۡطَرِیرࣰا","فَوَقَىٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَ ٰلِكَ ٱلۡیَوۡمِ وَلَقَّىٰهُمۡ نَضۡرَةࣰ وَسُرُورࣰا","وَجَزَىٰهُم بِمَا صَبَرُوا۟ جَنَّةࣰ وَحَرِیرࣰا","مُّتَّكِـِٔینَ فِیهَا عَلَى ٱلۡأَرَاۤىِٕكِۖ لَا یَرَوۡنَ فِیهَا شَمۡسࣰا وَلَا زَمۡهَرِیرࣰا"],"ayah":"وَیُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِینࣰا وَیَتِیمࣰا وَأَسِیرًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











