الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿إنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ العاجِلَةَ ويَذَرُونَ وراءَهم يَوْمًا ثَقِيلا﴾ ﴿نَحْنُ خَلَقْناهم وشَدَدْنا أسْرَهم وإذا شِئْنا بَدَّلْنا أمْثالَهم تَبْدِيلا﴾ ﴿إنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شاءَ اتَّخَذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلا﴾ ﴿وَما تَشاءُونَ إلا أنْ يَشاءَ اللهُ إنَّ اللهُ كانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ ﴿يُدْخِلُ مَن يَشاءُ في رَحْمَتِهِ والظالِمِينَ أعَدَّ لَهم عَذابًا ألِيمًا﴾
الإشارَةُ بِـ "هَؤُلاءِ" إلى كُفّارِ قُرَيْشٍ، و"العاجِلَةَ" الدُنْيا، وحُبُهم لَها، أنَّهم لا يَعْتَقِدُونَ غَيْرَها، ﴿وَيَذَرُونَ وراءَهُمْ﴾ مَعْناهُ: فِيما يَأْتِي مِنَ الزَمَنِ بَعْدَ مَوْتِهِمْ، وقالَ لَبِيدُ: (p-٤٩٩)
؎ ألَيْسَ ورائِي إنْ تَراخَتْ مَنِيَّتِي لُزُومُ العَصا تُحْنى عَلَيْها الأصابِعُ
ووَصْفُ اليَوْمَ بِالثِقَلِ عَلى جِهَةِ النَسَبِ، أيْ: ذا ثِقَلٍ مِن حَيْثُ الثِقَلُ فِيهِ عَلى الكُفّارِ، فَهو كَلَيْلٍ نائِمٍ.
ثُمَّ عَدَّدَ النِعْمَةَ عَلى عِبادِهِ في خَلْقِهِمْ وإيجادِهِمْ وإتْقانٍ بِنِيَّتِهِمْ وشَدِّ خِلْقَتِهِمْ، و"الأُسَرُ": الخِلْقَةُ واتِّساقُ الأعْضاءِ والمَفاصِلِ، وقَدْ قالَ أبُو هُرَيْرَةَ، والحَسَنُ، والرَبِيعُ: الأُسَرُ: المَفاصِلُ والأوصالُ، وقَدْ قالَ بَعْضُهُمْ: الأسْرُ: القُوَّةُ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ فَأنْجاهُ غَداةَ المَوْتِ مِنِّي ∗∗∗ شَدِيدَ الأُسَرِ عَضَّ عَلى اللِجامِ
وقَوْلُ الآخَرِ:
؎ مِن كُلِّ مُجْتَنِبٍ شَدِيدٍ أسْرُهُ ∗∗∗ سَلِسِ القِيادِ تَخالُهُ مُخْتالًا
قالَ الطَبَرِيُّ: ومِنهُ قَوْلُ العامَّةِ: "خُذْهُ بِأسْرِهِ" يُرِيدُونَ: خُذْهُ كُلَّهُ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وأصْلُ هَذا في ما لَهُ شَدٌّ ورِباطٌ كالعَظْمِ ونَحْوِهِ، ولَيْسَ هَذا مِمّا يُخْتَصُّ بِالعامَّةِ، بَلْ (p-٥٠٠)هُوَ مِن فَصِيحِ كَلامِ العَرَبِ. اللهُمَّ إلّا أنْ يُرِيدَ بِالعامَّةِ جُمْهُورُ العَرَبِ ومِنَ اللَفْظَةِ "الإسارُ" وهو القَيْدُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الأسِيرُ.
ثُمَّ تَوَعَّدَ تَعالى بِالتَبْدِيلِ واجْتَمَعَ مِنَ القَوْلَيْنِ تَعْدِيدُ النِعْمَةِ والوَعِيدِ بِالتَبَدُّلِ احْتِجاجٌ عَلى مُنْكِرِي البَعْثِ، أيْ مِن هَذا الإيجادِ والتَبْدِيلُ -إذا شاءَ- في قُدْرَتِهِ، فَكَيْفَ تَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الإعادَةُ؟
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يُشِيرَ إلى هَذِهِ الآيَةَ أو إلى السُورَةِ بِأسْرِها أو إلى الشَرِيعَةِ بِجُمْلَتِها، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَمَن شاءَ﴾ لَيْسَ عَلى جِهَةِ التَخْيِيرِ بَلْ فِيهِ قَرِينَةُ التَحْذِيرِ والحَضِّ عَلى اتِّخاذِ السَبِيلِ، و"السَبِيلُ" هُنا: لَيْسَ النَجاةُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما تَشاءُونَ إلا أنْ يَشاءَ اللهُ﴾ نَفَيٌ لِقُدْرَتِهِمْ عَلى الِاخْتِراعِ وإيجادِ المَعانِي في نُفُوسِهِمْ، ولا يَرِدُ هَذا وُجُودُ ما لَهم مِنَ الِاكْتِسابِ والمَيْلِ إلى الكُفْرِ، وقَرَأ عَبْدُ اللهِ "وَما تَشاءُونَ إلّا ما شاءَ اللهُ"، وقَرَأ يَحْيى بْنُ وثّابِ "تِشاءُونَ" بِكَسْرِ التاءِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ مَعْناهُ يَعْلَمُ ما يَنْبَغِي أنْ يُيَسَّرَ عَبْدُهُ إلَيْهِ، وفي ذَلِكَ حِكْمَةٌ لا يَعْلَمُها إلّا هو.
و"الظالِمِينَ" نُصِبَ بِإضْمارِ فِعْلٍ تَقْدِيرُهُ: ويُعَذِّبَ الظالِمِينَ أعَدَّ لَهُمْ، وفي قِراءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ "وَلِلظّالِمِينَ أعَدَّ لَهُمْ" بِتَكْرِيرِ اللامِ، وقَرَأ جُمْهُورُ السَبْعَةِ "وَما تَشاءُونَ" بِالتاءِ عَلى المُخاطَبَةِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو "يَشاءُونَ" بِالياءِ، وقَرَأ ابْنُ الزُبَيْرِ وأبانُ بْنُ عُثْمانَ وابْنُ أبِي عَبْلَةَ "والظالِمُونَ" بِالرَفْعِ، قالَ أبُو الفَتْحِ: وذَلِكَ عَلى ارْتِجالِ جُمْلَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ.
تَمَّ تَفْسِيرُ سُورَةِ [الإنْسانِ] والحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ
{"ayahs_start":27,"ayahs":["إِنَّ هَـٰۤؤُلَاۤءِ یُحِبُّونَ ٱلۡعَاجِلَةَ وَیَذَرُونَ وَرَاۤءَهُمۡ یَوۡمࣰا ثَقِیلࣰا","نَّحۡنُ خَلَقۡنَـٰهُمۡ وَشَدَدۡنَاۤ أَسۡرَهُمۡۖ وَإِذَا شِئۡنَا بَدَّلۡنَاۤ أَمۡثَـٰلَهُمۡ تَبۡدِیلًا","إِنَّ هَـٰذِهِۦ تَذۡكِرَةࣱۖ فَمَن شَاۤءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِیلࣰا","وَمَا تَشَاۤءُونَ إِلَّاۤ أَن یَشَاۤءَ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا حَكِیمࣰا","یُدۡخِلُ مَن یَشَاۤءُ فِی رَحۡمَتِهِۦۚ وَٱلظَّـٰلِمِینَ أَعَدَّ لَهُمۡ عَذَابًا أَلِیمَۢا"],"ayah":"یُدۡخِلُ مَن یَشَاۤءُ فِی رَحۡمَتِهِۦۚ وَٱلظَّـٰلِمِینَ أَعَدَّ لَهُمۡ عَذَابًا أَلِیمَۢا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق