الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿عالِيَهم ثِيابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وإسْتَبْرَقٌ وحُلُّوا أساوِرَ مِن فِضَّةٍ وسَقاهم رَبُّهم شَرابًا طَهُورًا﴾ ﴿إنَّ هَذا كانَ لَكم جَزاءً وكانَ سَعْيُكم مَشْكُورًا﴾ ﴿إنّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ القُرْآنَ تَنْزِيلا﴾ ﴿فاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ولا تُطِعْ مِنهم آثِمًا أو كَفُورًا﴾ ﴿واذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وأصِيلا﴾ ﴿وَمِنَ اللَيْلِ فاسْجُدْ لَهُ وسَبِّحْهُ لَيْلا طَوِيلا﴾
قَرَأ نافِعٌ، وحَمْزَةُ، وأبانُ عن عاصِمٍ: "عالِيَهُمْ" عَلى الرَفْعِ لِلِابْتِداءِ، وهي قِراءَةُ (p-٤٩٧)الأعْرَجِ، وأبِي جَعْفَرٍ، وشَيْبَةَ، وابْنِ مُحَيْصِنٍ، وابْنِ عَبّاسٍ بِخِلافٍ عنهُ-، وقَرَأ الباقُونَ وعاصِمٌ: "عالِيَهُمْ" بِالنَصْبِ عَلى الحالِ، والعامِلُ فِيهِ "لَقّاهُمْ" أو "جَزاهُمْ"، وهي قِراءَةُ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ، وابْنِ عَبّاسٍ، والحَسَنِ، ومُجاهِدٍ، والجَحْدَرِيِّ، وأهْلِ مَكَّةَ. وقَرَأ الأعْمَشُ، وطَلْحَةُ: "عالِيَتُهُمْ"، وكَذَلِكَ هي في مُصْحَفِ عَبْدِ اللهِ، وقَرَأ أيْضًا الأعْمَشُ: "عالِيَتَهُمْ" بِالنَصْبِ عَلى الحالِ، وقَدْ يَجُوزُ في النَصْبِ في القِراءَتَيْنِ أنْ تَكُونَ عَلى الظَرْفِ؛ لِأنَّهُ بِمَعْنى: فَوْقَهُمْ، وقَرَأتْ عائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عنها: "عَلَتْهُمْ" بِتاءِ فِعْلٍ ماضٍ، وقَرَأ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، وابْنُ سِيرِينَ، وأبُو حَيْوَةَ: "عَلَيْهِمْ" بِالياءِ.
و"السُنْدُسُ" رَقِيقُ الدِيباجِ والمُرْتَفَعُ مِنهُ، وقِيلَ: "السُنْدُسُ" هو الحَرِيرُ الأخْضَرُ، و"الإسْتَبْرَقُ" والدِمْقَسُ هُما الأبْيَضُ، والأُرْجُوانُ هو الأحْمَرُ. وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ: "خُضْرٌ وإسْتَبْرَقٌ" بِالخَفْضِ فِيهِما، وهى قِراءَةُ الأعْمَشِ، وطَلْحَةَ، ورُوِيَتْ عَنِ الحَسَنِ، وابْنِ عُمَرَ -بِخِلافٍ عنهُما-، عَلى أنْ "خُضْرًا" نَعْتٌ لِلسُّنْدُسِ، وجائِزٌ جَمْعَ صِفَةِ اسْمِ الجِنْسِ إذا كانَ اسْمًا مُفْرَدًا كَما قالُوا: "أهْلَكَ الناسَ الدِينارُ الصِفْرُ والدِرْهَمُ البِيضُ"، وفي هَذا قُبْحٌ، والعَرَبُ تُفْرِدُ اسْمَ الجِنْسِ وهو جَمْعٌ أحْيانًا فَيَقُولُونَ: "هُوَ حَصًى أبْيَضُ"، وفي القُرْآنِ: ﴿مِنَ الشَجَرِ الأخْضَرِ﴾ [يس: ٨٠]، و"نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ" فَكَيْفَ بِأنْ لا يُفْرَدَ هَذا الَّذِي هو صِفَةٌ لِواحِدٍ في مَعْنى جَمْعٍ. "وَإسْتَبْرَقٍ" في هَذِهِ القِراءَةِ عَطْفٌ عَلى سُنْدُسٍ، وقَرَأ نافِعٌ، وحَفْصٌ عن عاصِمٍ، والحَسَنُ، وعِيسى: "خُضْرٌ وإسْتَبْرَقٌ" بِالرَفْعِ فِيهِما، "خُضْرٌ" نَعْتْ لـِ "ثِيابُ"، و"إسْتَبْرَقٍ" عَطْفٌ عَلى "ثِيابٍ"، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ، ونافِعٌ أيْضًا "خُضْرٌ" رَفْعًا و"إسْتَبْرَقٍ" خَفْضًا، و"خُضْرٍ" صِفَةٌ لـ "ثِيابٍ" و"إسْتَبْرَقٍ" عُطِفَ عَلى "سُنْدُسٍ"، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وعاصِمٌ -فِي رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ - "خُضْرٍ" خَفْضًا "وَإسْتَبْرَقٍ" رَفْعًا، فَخَفَضَ "خُضْرٍ" عَلى ما تَقَدَّمَ أوَّلًا، "وَإسْتَبْرَقٍ" عَطْفٌ عَلى "ثِيابٍ"، و"الإسْتَبْرَقُ" غَلِيظُ الدِيباجِ، وقَرَأ ابْنُ مُحَيْصِنٍ: "وَإسْتَبْرَقٌ" مَوْصُولَةُ الألِفِ مَفْتُوحَةُ القافِ، كَأنَّهُ مِثالُ الماضِي مِن بَرْقٍ وإسْتَبْرَقٍ كَعَجِبَ واسْتَعْجَبَ، قالَ أبُو حاتِمٍ: لا يَجُوزُ، والصَوابُ أنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ لا يَنْبَغِي أنْ يَحْمِلَ ضَمِيرًا، ويُؤَيِّدُ ذَلِكَ دُخُولُ اللامِ المُعَرَّفَةِ عَلَيْهِ، والصَوابُ فِيهِ قَطْعُ الألِفِ وإجْراؤُهُ عَلى (p-٤٩٨)قِراءَةِ الجَماعَةِ وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ "عَلَيْهِمْ ثِيابٌ" بِالرَفْعِ "سُنْدُسٌ خُضْرٌ وإسْتَبْرَقٌ" رَفْعًا في الثَلاثَةِ، وقَوْلُهُ تَعالى: "وَحُلُّوا" أيْ: جَعَلَ لَهم حُلِيَّ، و"أساوِرَ" جَمْعُ أسْوِرَةٍ، وأسْوِرَةٌ جَمْعُ سَوارٍ، وهي مِن حُلِيِّ الذِراعِ.
قَوْلُهُ تَعالى: "شَرابًا طَهُورًا"، قالَ أبُو قُلابَةَ، والنَخْعِيُّ: مَعْناهُ لا يَصِيرُ بَوْلًا بَلْ يَكُونُ رَشْحًا مِنَ الأبْدانِ أطْيَبَ مِنَ المِسْكِ، وهُنا مَحْذُوفٌ يَقْتَضِيهِ القَوْلُ تَقْدِيرُهُ: يَقُولُ اللهُ تَعالى لَهم والمَلائِكَةُ عنهُ: ﴿إنَّ هَذا كانَ لَكم جَزاءً﴾ الآيَةُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ القُرْآنَ﴾ الآيَةُ... تَثْبِيتٌ لِمُحَمَّدٍ ﷺ، وتَقْوِيَةٌ لِنَفْسِهِ عَلى أفْعالِ قُرَيْشٍ وأحْوالِهِمْ، و"حَكَمَ رَبُّهُ" تَعالى أنْ يُبَلِّغَ ويُكافِحَ ويَتَحَمَّلَ المَشَقَّةَ ويَصْبِرَ عَلى الأذى لِيَعْرِفَ اللهَ تَعالى إلَيْهِمْ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿آثِمًا أو كَفُورًا﴾ هو تَخْيِيرٌ في أنْ يَعْرِفَ الَّذِي يَنْبَغِي أنْ لا يُطِيعَهُ بِأيِّ وصْفٍ كانَ مِن هَذَيْنَ؛ لِأنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنهم فَهو آثِمٌ وهو كَفُورٌ، ولَمْ تَكُنِ الأُمَّةُ حِينَئِذٍ مِنَ الكَثْرَةِ بِحَيْثُ يَقَعُ الإثْمُ عَلى العاصِي، واللَفْظُ أيْضًا يَقْتَضِي نَهْيَ الإمامِ عن طاعَةِ آثِمٍ مِنَ العُصاةِ أو كَفُورٍ مِنَ المُشْرِكِينَ، وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: "أو" بِمَعْنًى "الواوِ" ولَيْسَ في هَذا تَخْيِيرٌ.
ثُمَّ أمَرَهُ تَعالى بِذِكْرِ رَبِّهِ عَزَّ وجَلَّ دَأْبًا بُكْرَةً وأصِيلًا، ومِنَ اللَيْلِ بِالسُجُودِ والتَسْبِيحِ الَّذِي هو الصَلاةُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ قَوْلَ: "سُبْحانَ اللهِ"، وذَهَبَ قَوْمٌ مِن أهْلِ العِلْمِ إلى أنَّ هَذِهِ الآيَةَ إشارَةٌ إلى الصَلَواتِ الخَمْسِ، مِنهُمُ ابْنُ حَبِيبٍ وغَيْرُهُ، فالبَكْرَةُ: صَلاةُ الصُبْحِ، والأصِيلُ الظَهْرُ والعَصْرُ، ومِنَ اللَيْلِ: المَغْرِبُ والعَشاءُ، وقالَ ابْنُ زَيْدٍ وغَيْرُهُ: كانَ هَذا فَرْضًا ونُسِخَ فَلا فَرْضَ إلّا الخَمْسَةُ، وقالَ قَوْمٌ، هو مَحْكَمٌ عَلى جِهَةِ النَدْبِ.
{"ayahs_start":21,"ayahs":["عَـٰلِیَهُمۡ ثِیَابُ سُندُسٍ خُضۡرࣱ وَإِسۡتَبۡرَقࣱۖ وَحُلُّوۤا۟ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةࣲ وَسَقَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡ شَرَابࣰا طَهُورًا","إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمۡ جَزَاۤءࣰ وَكَانَ سَعۡیُكُم مَّشۡكُورًا","إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ تَنزِیلࣰا","فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعۡ مِنۡهُمۡ ءَاثِمًا أَوۡ كَفُورࣰا","وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ بُكۡرَةࣰ وَأَصِیلࣰا","وَمِنَ ٱلَّیۡلِ فَٱسۡجُدۡ لَهُۥ وَسَبِّحۡهُ لَیۡلࣰا طَوِیلًا"],"ayah":"وَمِنَ ٱلَّیۡلِ فَٱسۡجُدۡ لَهُۥ وَسَبِّحۡهُ لَیۡلࣰا طَوِیلًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق