الباحث القرآني
(p-٤٣٩)بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ [المُزَّمِّلِ]
وهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّها في قَوْلِ المَهْدَوِيِّ وجَماعَةٍ، وقالَ الجُمْهُورُ: هي مَكِّيَّةٌ إلّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ﴾ [المزمل: ٢٠] إلى آخِرِ السُورَةِ، فَإنَّ ذَلِكَ نَزَلَ بِالمَدِينَةِ.
قوله عزّ وجلّ:
﴿يا أيُّها المُزَّمِّلُ﴾ ﴿قُمِ اللَيْلَ إلا قَلِيلا﴾ ﴿نِصْفَهُ أوِ انْقُصْ مِنهُ قَلِيلا﴾ ﴿أو زِدْ عَلَيْهِ ورَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلا﴾ ﴿إنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا﴾ ﴿إنَّ ناشِئَةَ اللَيْلِ هي أشَدُّ وطْئًا وأقْوَمُ قِيلا﴾ ﴿إنَّ لَكَ في النَهارِ سَبْحًا طَوِيلا﴾ ﴿واذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وتَبَتَّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلا﴾ ﴿رَبُّ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ لا إلَهَ إلا هو فاتَّخِذْهُ وكِيلا﴾ ﴿واصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ واهْجُرْهم هَجْرًا جَمِيلا﴾
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها المُزَّمِّلُ﴾ نِداءٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ، واخْتَلَفَ الناسُ، لِمَ نُودِيَ بِها؟ فَقالَتْ عائِشَةُ، والنَخْعِيُّ، وجَماعَةٌ: لِأنَّهُ كانَ وقْتَ نُزُولِ الآيَةِ مُتَزَمِّلًا بِكِساءٍ، والتَزَمُّلُ: الِالتِفافُ في الثِيابِ بِضَمٍّ وتَشْمِيرٍ، ومِنهُ قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ:
؎ كَأنَّ أبانا في أفانِينَ ودِقَّةٍ ∗∗∗ كَبِيرُ أُناسٍ في بِجادٍّ مُزَّمِّلٍ
وخُفِضَ "مُزَّمِّلٍ" في هَذا البَيْتِ هو عَلى الجِوارِ، وإنَّما هو نَعْتٌ لـ "كَبِيرٍ"، فَهو عَلَيْهِ (p-٤٤٠)الصَلاةُ والسَلامُ -عَلى قَوْلِ هَؤُلاءِ- إنَّما دُعِيَ بِهَيْئَةٍ في لِباسِهِ، وقالَ قَتادَةُ، كانَ تَزَمُّلٌ في ثِيابِهِ لِلصَّلاةِ واسْتَعَدَّ فَنُودِيَ عَلى مَعْنى: يا أيُّها المُسْتَعِدُّ لِلْعِبادَةِ المُتَزَمِّلِ لَها، وهَذا القَوْلُ أمْدَحُ لَهُ ﷺ، وقالَ عِكْرِمَةُ: مَعْناهُ: يا أيُّها المُتزَّمِّلُ لِلنُّبُوءَةِ وأعْبائِها، أيِ: المُتَشَمِّرُ المُجِدُّ، وقالَ جُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ والزَهْرِيُّ بِما في البُخارِيِّ مِن «أنَّهُ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ لَمّا جاءَهُ المَلَكُ في غارِ حِراءٍ وحاوَرَهُ بِما حاوَرَهُ رَجَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إلى خَدِيجَةَ رَضِيَ اللهُ عنها فَقالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَنَزَلَتْ ﴿يا أيُّها المُدَّثِّرُ﴾ [المدثر: ١]،» وعَلى هَذا نَزَلَتْ يا "أيُّها المُزَّمِّلُ"، وفي مُصْحَفِ ابْنُ مَسْعُودٍ، وأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: [يا أيُّها المُزَّمِّلُ] بِفَتْحِ الزايِ وتَخْفِيفِها وفَتْحِ المِيمِ وشَدِّها، والمَعْنى: الَّذِي زَمَّلَهُ أهْلُهُ أو زُمِّلَ لِلنُّبُوةِ، وقَرَأ عِكْرِمَةُ: "يا أيُّها المُزَّمِّلُ" بِكَسْرِ المِيمِ وشَدِّها وتَخْفِيفِ الزايِ، أيِ: المُزَّمِّلُ نَفْسَهُ.
واخْتَلَفَ الناسُ في هَذا الأمْرِ بِقِيامِ اللَيْلِ كَيْفَ كانَ؟ فَقالَ جُمْهُورُ أهْلِ العِلْمِ: هو أمْرٌ عَلى جِهَةِ النَدْبِ قَدْ كانَ لَمْ يُفْرَضْ قَطُّ، ويُؤَيِّدُ هَذا الحَدِيثُ الصَحِيحُ «أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قامَ لَيْلَةً في رَمَضانَ خَلْفَ حَصِيرِ الحُجْرَةِ، فَصَلّى وصَلّى بِصَلاتِهِ ناسٌ، ثُمَّ كَثُرُوا مِنَ اللَيْلَةِ القابِلَةِ، ثُمَّ غَصَّ المَسْجِدُ بِهِمْ في الثالِثَةِ أوِ الرابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَحَصَبُوا بابَهُ فَخَرَجَ مُغْضَبًا وقالَ: "إنِّي إنَّما تَرَكْتُ الخُرُوجَ لِأنِّي خِفْتُ أنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ"،» وقِيلَ: إنَّهُ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ لَمْ يُكَلِّمْهم إلّا بَعْدَ أصْبَحَ وقالَ آخَرُونَ: كانَ فَرْضًا في وقْتِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ، واخْتَلَفَ هَؤُلاءِ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: كانَ فَرْضًا عَلى النَبِيِّ ﷺ خاصَّةً وبَقِيَ كَذَلِكَ حَتّى تُوُفِّيَ ﷺ، وقِيلَ: بَلْ نُسِخَ عنهُ ولَمْ يَمُتْ إلّا والقِيامُ تَطَوُّعٌ، وقالَ بَعْضُهُمْ: كانَ فَرْضًا عَلى الجَمِيعِ، ودامَ الأمْرُ- عَلى ما قالَ (p-٤٤١)سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ - عَشْرَ سِنِينَ، وقالَتْ عائِشَةُ، وابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: دامَ عامًا، ورُوِيَ عنها أيْضًا أنَّهُ دامَ ثَمانِيَةَ أشْهُرٍ ثُمَّ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعالى فَنَزَلَتْ: ﴿إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أنَّكَ تَقُومُ﴾ [المزمل: ٢٠] فَخَفَّفَ عنهُمْ، وقالَ قَتادَةُ: بَقِيَ عامًا أو عامَيْنِ. وقَرَأ أبُو السَمالِ: "قُمُ اللَيْلَ" بِضَمِّ المِيمِ لِاجْتِماعِ الساكِنَيْنِ، والكَسْرُ في كَلامِ العَرَبِ أكْثَرُ كَما قَرَأ الناسُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: "نِصْفَهُ" يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ بَدَلًا مِن قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: "قَلِيلًا"، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنَ "اللَيْلِ"، وكَيْفَ تُقَلِّبُ المَعْنى فَإنَّهُ أمَرَ بِقِيامِ نِصْفِ اللَيْلِ أو أكْثَرَ شَيْئًا أو أقَلَّ شَيْئًا. فالأكْثَرُ عِنْدَ العُلَماءِ لا يَزِيدُ عَلى الثُلُثَيْنِ، والأقَلُّ لا يَنْقُصُ عَنِ الثُلُثِ، ويُقَوِّي هَذا حَدِيثُ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما في بَيْتِ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالَ: فَلَمّا انْتَصَفَ اللَيْلُ أو قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ قامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ. ويَلْزَمُ عَلى هَذا البَدَلُ الَّذِي ذَكَرْناهُ أنْ يَكُونَ اللَيْلُ قَدْ وقَعَ عَلَيْهِ الوَصْفُ بِـ "قَلِيلٍ"، وقَدْ يُحْتَمَلُ عِنْدِي قَوْلُهُ تَعالى: "إلّا قَلِيلًا" أنْ يَكُونَ اسْتِثْناءً مِنَ القِيامِ، فَيُجْعَلُ اللَيْلُ اسْمَ جِنْسٍ، ثُمَّ قَوْلُهُ تَعالى: "إلّا قَلِيلًا"، أيِ اللَيالِي الَّتِي تَخِلُّ بِقِيامِها عِنْدَ العُذْرِ ونَحْوِهِ، وهَذا النَظَرُ يَحْسُنُ مَعَ النَدْبِ جِدًّا، وقَدْ تَكَلَّمَ الجُرْجانِيُّ في نَظْمِهِ في هَذِهِ الآيَةِ بِتَطْوِيلٍ وتَدْقِيقٍ غَيْرِ مُفِيدٍ، أكْثَرُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: "أوُ انْقُصْ" بِضَمِّ الواوِ، وقَرَأ الحَسَنُ، وعاصِمٌ، وحَمْزَةُ بِكَسْرِ الواوِ، وقَرَأ عِيسى بِالوَجْهَيْنِ، والضَمِيرانِ في "مِنهُ"، "عَلَيْهِ" عائِدانِ عَلى "النِصْفِ".
وقَوْلُهُ تَعالى: "وَرَتِّلِ" مَعْناهُ في اللُغَةِ: تَمَهَّلْ وفَرِّقْ بَيْنَ الحُرُوفِ لِتُبَيِّنَ، والمَقْصِدُ أنْ يَجِدَ الفِكْرُ فُسْحَةً لِلنَّظَرِ وفَهْمِ المَعانِي، وبِذَلِكَ يَرِقُّ القَلْبُ ويَفِيضُ عَلَيْهِ النُورُ والرَحْمَةُ، قالَ ابْنُ كَيْسانَ: المُرادُ تَفَهُّمُهُ تالِيًا لَهُ، ومِنهُ: "الثَغْرُ الرَتَلُ" أى الَّذِي بَيَّنَهُ فَسْخٌ وفُتُوحٌ، ورُوِيَ أنَّ قِراءَةَ رَسُولِ اللهِ ﷺ كانَتْ بَيِّنَةً مُتَرَسِّلَةً، لَوْ شاءَ أحَدٌ أنْ يَعُدَّ الحُرُوفَ لَعَدَّها.
(p-٤٤٢)وَ"القَوْلُ الثَقِيلُ" هو القُرْآنُ، واخْتَلَفَ الناسُ، لِمَ سَمّاهُ ثَقِيلًا؟ فَقالَتْ جَماعَةٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ: لَمّا كانَ يَحِلُّ في رَسُولِ اللهِ ﷺ مِن ثِقَلِ الجِسْمِ حَتّى أنَّهُ كانَ إذا أُوحِيَ إلَيْهِ وهو عَلى ناقَتِهِ بَرَكَتْ بِهِ، وحَتّى كادَتْ فَخْذُهُ أنْ تَرُضَّ فَخْذَ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وقالَ أبُو العالِيَةِ والقُرْطُبِيُّ: بَلْ سَمّاهُ ثَقِيلًا لِثِقَلِهِ عَلى الكُفّارِ والمُنافِقِينَ بِإعْجازِهِ ووَعِيدِهِ ونَحْوِ ذَلِكَ، وقالَ حُذّاقُ العُلَماءِ: مَعْناهُ: ثَقِيلُ المَعانِي مِنَ الأمْرِ بِالطاعاتِ والتَكالِيفِ الشَرْعِيَّةِ مِنَ الجِهادِ ونَحْوِهِ ومُزاوَلَةِ الأعْمالِ الصالِحَةِ دائِمًا، قالَ الحَسَنُ: "إنَّ الهَذَّ خَفِيفٌ ولَكِنَّ العَمَلَ ثَقِيلٌ".
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ ناشِئَةَ اللَيْلِ﴾، قالَ ابْنُ جُبَيْرٍ وابْنُ زَيْدٍ: هي لَفْظَةٌ حَبَشِيَّةٌ، نَشَأ الرَجُلُ إذا قامَ مِنَ اللَيْلِ، فَـ "ناشِئَةَ" -عَلى هَذا- جَمْعُ "ناشِئٍ" أيْ: قائِمٍ، و"أشَدُّ وطْئًا" مَعْناهُ: ثُبُوتًا واسْتِقْلالًا بِالقِيامِ، "وَأقْوَمُ قِيلًا" أيْ بِخُلُوِّ أفْكارِهِمْ وإقْبالِهِمْ عَلى ما يَقْرَءُونَهُ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ وأنَسُ بْنُ مالِكٍ، وعَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ: ناشِئَةُ اللَيْلِ ما بَيْنَ المَغْرِبِ والعَشاءِ، وقالَتْ عائِشَةُ، ومُجاهِدٌ: الناشِئَةُ القِيامُ بَعْدَ النَوْمِ، ومَن قامَ أوَّلَ اللَيْلِ قَبْلَ النَوْمِ فَلَمْ يَقُمْ ناشِئَةَ اللَيْلِ، وقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ، وابْنُ زَيْدٍ، وجَماعَةٌ: ناشِئَةُ اللَيْلِ ساعاتُهُ كُلُّها، لِأنَّها تَنْشَأُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ الزُبَيْرِ، وأبُو مِجْلَزٍ، والحَسَنُ: ما كانَ بَعْدَ العَشاءِ فَهو ناشِئَةُ اللَيْلِ وما كانَ قَبْلَها فَلَيْسَ بِناشِئَةَ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كانَتْ صَلاتُهم أوَّلَ اللَيْلِ فَهي أشَدُّ وطْئًا، أيْ: أجْدَرُ أنْ تَخُصُّوا ما فَرَضَ اللهُ عَلَيْكم مِنَ القِيامِ؛ لِأنَّ الإنْسانَ مَتى نامَ لَم يَدْرِ مَتى يَسْتَيْقِظُ، وقالَ الكِسائِيُّ: ناشِئَةُ اللَيْلِ أوَّلُهُ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ الزُبَيْرِ أيْضًا: اللَيْلُ كُلُّهُ ناشِئَةٌ، و"أشَدُّ وطْئًا" -عَلى هَذا- يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ: أشَدَّ ثُبُوتًا، فَيَكُونُ نَسَبُ الثُبُوتِ إلَيْها مِن حَيْثُ هو للْقائِمِ فِيها، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ أنَّها صَعْبَةُ القِيامِ لِمَنعِها النَوْمَ، كَما قالَ « "اللهُمَّ اشْدُدْ وطَأتَكَ عَلى مُضَرٍ"،» فَذَكَّرَها تَعالى بِالصُعُوبَةِ لِيَعْلَمَ عِظَمَ الأجْرِ فِيها، كَما وعَدَ عَلَيْهِ الصَلاةُ (p-٤٤٣)والسَلامُ عَلى الوُضُوءِ عَلى المَكارِهِ والمَشْيِ في الظَلامِ إلى المَساجِدِ ونَحْوُهُ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: "وَطْئًا" بِفَتْحِ الواوِ وسُكُونِ الطاءِ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، ومُجاهِدٌ، وابْنُ الزُبَيْرِ، وابْنُ عَبّاسٍ: "وِطاءٍ" عَلى وزْنِ فِعالٍ، والمَعْنى: مُوافَقَةٌ؛ لِأنَّهُ يَخْلُو البالُ مِن أشْغالِ النَهارِ يُوافِقُ قَلْبَ المَرْءِ لِسانَهُ وفِكْرَهُ عِبارَتَهُ، فَهَذِهِ مُواطَأةٌ صَحِيحَةٌ، وبِهَذا المَعْنى فَسَّرَ اللَفْظَ مُجاهِدٌ وغَيْرُهُ، وقَرَأ قَتادَةُ -فِي رِوايَةِ حُسَيْنٍ -: "وِطْاءَ" بِكَسْرِ الواوِ وسُكُونِ الطاءِ والهَمْزَةُ مَقْصُورَةٌ، وقَرَأ أنَسُ بْنُ مالِكٍ "وَأصْوَبُ قِيلًا"، فَقِيلَ لَهُ: إنَّما هو "أقْوَمُ" فَقالَ: أقْوَمُ وأصْوَبُ وأهْيَأُ واحِدٍ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ لَكَ في النَهارِ سَبْحًا طَوِيلا﴾ أيْ تَصَرُّفًا وتَرَدُّدًا في أُمُورِكَ كَما يَتَرَدَّدُ السابِحُ في الماءِ، ومِنهُ سُمِّي الفَرَسُ سابِحًا لِتَثَنِّيهِ واضْطِرابِهِ، وقالَ قَوْمٌ مِن أهْلِ العِلْمِ: إنَّما مَعْنى الآيَةِ التَنْبِيهُ عَلى أنَّهُ إنْ فاتَ حِزْبُ اللَيْلِ بِنَوْمٍ أو عُذْرٍ فَلْيُخْلِفْ بِالنَهارِ؛ فَإنَّ فِيهِ سَبْحًا طَوِيلًا. وقَرَأ يَحْيى بْنُ يَعْمُرَ: "سَبْخًا طَوِيلًا" بِالخاءِ المُعْجَمَةِ، ومَعْناهُ: خِفَّةٌ لَكَ مِنَ التَكالِيفِ، والتَسْبِيخُ: التَخْفِيفُ، ومِنهُ «قَوْلُ النَبِيِّ ﷺ لِعائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها في السارِقِ الَّذِي سَرَقَها، فَكانَتْ تَدْعُو عَلَيْهِ: "لا تَسْبِخِي عنهُ"،» فَمَعْناهُ: لا تُخَفِّفِي عنهُ. قالَ أبُو حاتِمٍ: فَسَّرَ يَحْيى السَبْخَ بِالنَوْمِ.
وقالَ سَهْلُ: ﴿واذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ﴾ يُرادُ بِهِ: بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ في ابْتِداءِ صَلاتِكَ. و"تَبَتَّلْ" مَعْناهُ: انْقَطَعَ مِن كُلِّ شَيْءٍ إلّا مِنهُ، وافْرُغْ إلَيْهِ، قالَ زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ: التَبَتُّلُ" رَفْضُ الدُنْيا، ومِنهُ: تَبَتَّلَ الحَبْلُ، وقَوْلُهم في المُطَلَّقَةِ: بَتْلَةٌ، ومِنهُ البَتُولُ، و"تَبْتِيلًا" مَصْدَرٌ عَلى غَيْرِ الصَدْرِ.
(p-٤٤٤)وَقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وابْنُ عامِرٍ، وعاصِمٌ -فِي رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ - "رَبِّ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ" بِالخَفْضِ عَلى البَدَلِ مِن "رَبِّكَ"، وقَرَأ الباقُونَ، وحَفْصٌ عن عاصِمٍ: "رَبُّ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ" بِالرَفْعِ عَلى القَطْعِ، أيْ: هو رَبُّ، أو عَلى الِابْتِداءِ والخَبَرِ "لا إلَهَ إلّا هُوَ" وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، وأصْحابُ عَبْدِ اللهِ: "رَبُّ المَشارِقِ والمَغارِبِ" بِالجَمْعِ، و"الوَكِيلُ": القائِمُ بِالأُمُورِ الَّذِي تُوكَلُ إلَيْهِ الأشْياءُ،.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ﴾ الآيَةُ، قِيلَ: هي مُوادَعَةٌ مَنسُوخَةٌ بِآيَةِ السَيْفِ، والمُرادُ بِالآيَةِ قُرَيْشٌ. وقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: قَوْلُهُ ﴿واهْجُرْهم هَجْرًا جَمِيلا﴾ مَنسُوخٌ، وأمّا الصَبْرُ عَلى ما يَقُولُونَ فَقَدْ يَتَوَجَّهُ أحْيانًا ويَبْقى حُكْمُهُ فِيما يُتَوَجَّهُ مِنَ الهَجْرِ الجَمِيلِ مِنَ المُسْلِمِينَ، قالَ أبُو الدَرْداءِ: إنّا لِنُكَشِّرُ في وُجُوهِ قَوْمٍ وإنَّ قُلُوبَنا لَتَلْعَنَهُمْ، والقَوْلُ الأوَّلُ أظْهَرُ؛ لِأنَّ الآيَةَ إنَّما هي في كُفْرِ قُرَيْشٍ ورَدِّهِمْ رِسالَتَهُ وإعْلامَهم بِذَلِكَ، ولا يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ الحُكْمُ في هَذا المَقامِ باقِيًا.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ","قُمِ ٱلَّیۡلَ إِلَّا قَلِیلࣰا","نِّصۡفَهُۥۤ أَوِ ٱنقُصۡ مِنۡهُ قَلِیلًا","أَوۡ زِدۡ عَلَیۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِیلًا","إِنَّا سَنُلۡقِی عَلَیۡكَ قَوۡلࣰا ثَقِیلًا","إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّیۡلِ هِیَ أَشَدُّ وَطۡـࣰٔا وَأَقۡوَمُ قِیلًا","إِنَّ لَكَ فِی ٱلنَّهَارِ سَبۡحࣰا طَوِیلࣰا","وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَیۡهِ تَبۡتِیلࣰا","رَّبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ فَٱتَّخِذۡهُ وَكِیلࣰا","وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا یَقُولُونَ وَٱهۡجُرۡهُمۡ هَجۡرࣰا جَمِیلࣰا"],"ayah":"قُمِ ٱلَّیۡلَ إِلَّا قَلِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق